خطبة عن حديث (لاَ يُلْدَغُ الْمُؤْمِنُ مِنْ جُحْرٍ وَاحِدٍ مَرَّتَيْنِ)
سبتمبر 2, 2017خطبة عن حديث (اضْمَنُوا لِى سِتًّا مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَضْمَنْ لَكُمُ الْجَنَّةَ)
سبتمبر 9, 2017الخطبة الأولى ( كتائب الحق )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (54) إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ (55) وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ) (54) :(56) المائدة
إخوة الإسلام
لقد أراد الله -عز وجل- بحكمته البالغة أن يُوجَد الصراع بين الحق والباطل لتمضي سنة الابتلاء والمدافعة بين الفريقين فيهلك من هلك عن بينة ويحيى من حي عن بينة. كما اقتضت حكمته سبحانه أن تكون الغلبة في نهاية الأمر للحق وأهله، وأن مكر أهل الباطل يرجع عليهم قال -تعالى- ( وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكَابِرَ مُجْرِمِيهَا لِيَمْكُرُوا فِيهَا وَمَا يَمْكُرُونَ إِلَّا بِأَنفُسِهِمْ وَمَا يَشْعُرُونَ) [الأنعام: 123], وقال سبحانه: (بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ) [الأنبياء: 18]، وقال سبحانه : (قُلْ إِنَّ رَبِّي يَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَّامُ الْغُيُوبِ قُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَمَا يُبْدِئُ الْبَاطِلُ وَمَا يُعِيدُ) [سبأ: 48 – 49]، وقال تعالى-: (كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ ? فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ) [الرعد:17]. وإن الناظر في واقعنا المعاصر يرى هذه السُّنّة؛ أعني سُنّة الصراع بين الحق والباطل واضحة جلية بل إنها تزداد شدة وضراوة مع مرور الزمن ، ولكن العاقبة للمتقين. وقد انقسمت مجتمعات المسلمين في هذا الصراع إلى ثلاث فئات : الفئة الأولى: فهي الفئة المصلحة ، الداعية إلى الخير، المجاهدة في سبيل الله ، الآمرة بالمعروف والناهية عن المنكر ، أول قل هم : ( كتائب الحق ) . وهؤلاء هم أشراف المجتمع ، وأحسنهم قولاً وأثرًا في الناس، وأنبلهم غاية ، وأسماهم هدفًا، وهؤلاء هم الذين عناهم الله -عز وجل- بقوله تعالى : (وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ) [فصلت: 33]، وقوله تعالى : (وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) [آل عمران: 104]. وبقوله تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) (54) المائدة ،وبقوله تعالى : ( الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ (173) فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ) (173) :(174) آل عمران ، فهؤلاء هم كتائب الحق ، وهم الذين عناهم الرسول -صلى الله عليه وسلم- كما في الصحيحين واللفظ لمسلم : ( فعَنْ ثَوْبَانَ قَالَ ،قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « لاَ تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِى ظَاهِرِينَ عَلَى الْحَقِّ لاَ يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ كَذَلِكَ »، وفي رواية لمسلم أن : (مُعَاوِيَةَ عَلَى الْمِنْبَرِ يَقُولُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ « لاَ تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِى قَائِمَةً بِأَمْرِ اللَّهِ لاَ يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ أَوْ خَالَفَهُمْ حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ ظَاهِرُونَ عَلَى النَّاسِ ». وقوله صلى الله عليه وسلم كما في صحيح مسلم : (أن جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ سَمِعْتُ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ « لاَ تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِى يُقَاتِلُونَ عَلَى الْحَقِّ ظَاهِرِينَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ – قَالَ – فَيَنْزِلُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ -صلى الله عليه وسلم- فَيَقُولُ أَمِيرُهُمْ تَعَالَ صَلِّ لَنَا. فَيَقُولُ لاَ. إِنَّ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ أُمَرَاءُ. تَكْرِمَةَ اللَّهِ هَذِهِ الأُمَّةَ ». أما الفئة الثانية: فهي الفئة المفسدة ، الداعية إلى الشر ، والصادَّة عن سبيل الله : وهؤلاء هم سفلة المجتمع، وهم أرذال الناس؛ لأنهم خانوا ربهم، وخانوا أمتهم، وظلموها وعرَّضوا الناس للشقاء والنكد في الدنيا ،والعذاب الأليم في الآخرة، وهؤلاء هم الذين عناهم الله -عز وجل- في كتابه الكريم بقوله تعالى : (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكَابِرَ مُجْرِمِيهَا لِيَمْكُرُوا فِيهَا وَمَا يَمْكُرُونَ إِلَّا بِأَنفُسِهِمْ وَمَا يَشْعُرُونَ) [الأنعام: 123]. وبقوله تعالى : (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ (11) أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لَا يَشْعُرُونَ) (11)، (12) البقرة ، وقال عنهم رسول الله صلى الله عليه وسلم كما في مسند أحمد : (وَشِرَارُ عِبَادِ اللَّهِ الْمَشَّاءُونَ بِالنَّمِيمَةِ الْمُفَرِّقُونَ بَيْنَ الأَحِبَّةِ الْبَاغُونَ الْبُرَآءَ الْعَنَتَ ». أما الفئة الثالثة: فهم الذين لم يصلوا في أخلاقهم وأهدافهم إلى مستوى الفئة الشريفة المصلحة، ولم يهبطوا إلى مستوى الفئة المفسدة. وإنما هم فئة بين الفئتين، ولديهم الاستعداد للخير الذي تدعو إليه الأولى، كما أن لديهم الاستعداد لتلقّي الشر والإفساد الذي تسعى إليه الفئة الثانية، وكلا الفئتين تتسابقان للتأثير على هذه الفئة. وفي أمثال هؤلاء يقول صلى الله عليه وسلم كما في مسند الإمام أحمد (وَأَمَّا الْقَلْبُ المُصْفَحُ فَقَلْبٌ فِيهِ إِيمَانٌ وَنِفَاقٌ فَمَثَلُ الإِيمَانِ فِيهِ كَمَثَلِ الْبَقْلَةِ يَمُدُّهَا الْمَاءُ الطَّيِّبُ وَمَثَلُ النِّفَاقِ فِيهِ كَمَثَلِ الْقُرْحَةِ يَمُدُّهَا الْقَيْحُ وَالدَّمُ فَأَيُّ الْمَدَّتَيْنِ غَلَبَتْ عَلَى الأُخْرَى غَلَبَتْ عَلَيْهِ ». وهذا يؤكد على أهمية الدعوة إلى الله ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وقطع الطريق على هذه الفئة المفسدة ، التي تحاول جاهدة صرف الناس عن الحق ؛فواجب على أهل الحق وكتائب الحق، أن يبينوا للناس طريق الله ، طريق الحق، حتى لا ينحرف الناس عن الصراط المستقيم. قال تعالى : (أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (22) المجادلة والملاحظ في هذه الفئة (أي الفئة الثالثة ) أنها تمثل السواد الأعظم من الناس ، بينما يغلب على الفئة الأولى والثانية أنهما قلةٌ .
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( كتائب الحق )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
واعلموا أن المدافعة بين الفئة المصلحة ( كتائب الحق )، وبين (الفئة المفسدة) ، هي من سنن الله -عز وجل-؛ حيث الصراع بين الحق والباطل ، قال تعالى-: (وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ) [البقرة: 251]. وصور المدافعة لا تحصى من كثرتها، وهي دليل على استدامة هذه السنة، وأنها قانون مستمر لإصلاح ما فسد من حياة البشر وعقائدهم وأفكارهم وعباداتهم وأخلاقهم، وهي دليل على جريان سنة الابتلاء فيهم واستمرارها إلى آخر الزمان.. وبسنة التدافع يُسخر الله تعالى المؤمنين للدفاع عن دينه، والذود عن حياضه مسترخصين أرواحهم وأموالهم ابتغاء رضوان الله تعالى .. وبسنة التدافع يُبتلى المؤمنون بالكفار والمنافقين الذين يقذفون شُبههم في الدين، فينبري لهم حملة العلم وأولو الفكر والرأي دحضا لباطلهم، وكسرا لحججهم، وإزالة لشبههم، وحفظا للعامة منهم، فتنشط العقول من كسلها، وتحسن الألسن فن الجدل والمناظرة ودفع الباطل، وتعرض أحكام الإسلام بأحسن صورة وأبهى حلة، فيعتز الإسلام وأهله، ويزداد يقين المسلمين بدينهم. وبسنة التدافع ينبري المحتسبون لإزالة المنكرات والأخذ على أيدي أهلها، ومدافعة منشئيها ومروجيها في الناس. وبسنة التدافع يسعى أهل الحق في إقامة شريعة الله تعالى في الناس، وتحكيمها فيهم، ومقاومة القوانين الوضعية البشرية. وبسنة التدافع يرفع الله تعالى العذاب العام عن البشر، فلولا دفع الله تعالى بالمؤمنين والأبرار عن الكفار والفجار لهلكت الأرض بمن فيها ، قال تعالى : (لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا) [الفتح:25]. فمن تأمل سنة التدافع في البشر أدرك شيئا من حكمة الله تعالى في تقديرها، واعلموا أنها رحمة منه سبحانه بعباده؛ إذ لا سبيل للنمو في الأرض، وتناسل الأحياء، وتقدم العمران إلا بها. فهيا بنا لنكون في صفوف كتائب الحق ، ومع حزب الرحمن ، ليحق الله الحق بأيدينا ، ويبطل الباطل ، ويخذل حزب الشيطان .
الدعاء