خطبة حول ( أمنيات المسلم واهتماماته )

                      الخطبة الأولى ( أمنيات المسلم واهتماماته ) 

 الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه  الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين 

                                    أما بعد  أيها المسلمون    

روى الإمام أحمد في مسنده :(عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ :قَالَ رسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- :« إِذَا تَمَنِّى أَحَدُكُمْ فَلْيَنْظُرْ مَا يَتَمَنَّى فَإِنَّهُ لاَ يَدْرِى مَا يُكْتَبُ لَهُ مِنْ أُمْنِيَّتِهِ » ،وروى الإمام البخاري في صحيحه : (أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ – رضى الله عنه – قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ – صلى الله عليه وسلم – يَقُولُ :« وَالَّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ لَوْلاَ أَنَّ رِجَالاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لاَ تَطِيبُ أَنْفُسُهُمْ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنِّى ،وَلاَ أَجِدُ مَا أَحْمِلُهُمْ عَلَيْهِ ،مَا تَخَلَّفْتُ عَنْ سَرِيَّةٍ تَغْزُو فِي سَبِيلِ اللَّهِ ،وَالَّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ لَوَدِدْتُ أَنِّى أُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ أُحْيَا ،ثُمَّ أُقْتَلُ ثُمَّ أُحْيَا ،ثُمَّ أُقْتَلُ ثُمَّ أُحْيَا ،ثُمَّ أُقْتَلُ »

إخوة الإسلام

إن المتأمل والمتدبر لهذه الأحاديث النبوية الكريمة ،يتبين له اهتمامات وأمنيات الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم ،وهي جميعها تهدف إلى نشر دين الله ،وتبليغ رسالته ،من خلال الجهاد في سبيله ،ثم نيل الشهادة في سبيل الله ،والقرب من رب الأرض والسماء ،والفوز بدرجات الشهداء ،ومنازل المقربين في جنات النعيم ، لهذا ،سوف يكون حديثنا اليوم – إن شاء الله تعالى – عن :    (أمنيات المسلم واهتماماته) ،فلِكل منا أَسْرَارٌ وَأُمْنِيَاتٌ، وَتَطَلُّعات وَطُمُوحَاتٌ، فَمَا مِنْ عَبْدٍ إِلَّا وَقَدْ طَافَ فِي هَاجِسِهِ أَلْوَانٌ مِنَ الأَمَانِي، تَخْتَلِفُ صُوَرُهَا بِاخْتِلَافِ أَهْلِهَا وَأَحْوَالِهِمْ، فَالمَرِيضُ يَتَمَنَّى الصِّحَّةَ، وَالفَقِيرُ يَتَمَنَّى الغِنَى، وَالطَّالِبُ يَطْمَحُ لِلنجاح ،والشاب يَتَطَلَّعُ لِلْمَسْكَنِ والزواج، وَذَاكَ يتمَنِّي المَرْكَب الفَاخِر، وَآخَرُ تَمْتَدُّ عَيْنُهُ لِلْمَنْصِبِ العَالِي ،إنها أَمَانِيُّ وَأَمَانِيُّ لَا تَنْقَطِعُ عَنْ أَهْلِهَا؛ فَبِالْأَمَانِي تَتَسَلَّى النُّفُوسُ، وَتَتَحَفَّزُ الهِمَمُ، وَيُبْنَى التَّفَاؤُلُ، وَيُصْنَعُ الأَمَلُ.

والقَلوبُ هي مُسْتَوْدَعُ تلك الأَمَانِي، وَبِسَلَامَة القلب أَوْ مَرَضِهِ تَصْلُحُ الأَمَانِيُّ أَوْ تَفْسُدُ؛ وَفِي الحَدِيثِ: “وَالقَلْبُ يَهْوَى وَيَتَمَنَّى”، ولذلك ،فالأَمَانِيُّ سِلَاحٌ ذُو حَدَّيْنِ، فَإِنْ تَمَنَّى العَبْدُ الخَيْرَ وَالمَعْرُوفَ، فَهِيَ حَسَنَاتٌ صَالِحَاتٌ، وَإِنْ لَمْ تَعْمَلْهَا جَوَارِحُهُ، وَإِنْ تَمَنَّى الإِثْمَ وَالسُّوءَ ،فَهِيَ أَوْزَارٌ وسيئات وإن لَمْ يَعْمَلْها ،فقد روى الإِمَامُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ، عَنْ أَبِي كَبْشَةَ الأَنْمَارِيِّ : “إنَّمَا الدُّنْيَا لِأَرْبَعَةِ نَفَرٍ، وَذَكَرَ مِنْهُمْ: وَعَبْدٍ لَمْ يَرْزُقْهُ اللهُ مَالًا، فَهُوَ يَقُولُ: لَوْ أَنَّ لِي مَالًا لَعَمِلْتُ فِيهِ بِعَمَلِ فُلاَنٍ، فَهُوَ بِنِيَّتِهِ، فَأَجْرُهُمَا سَوَاءٌ، وَعَبْدٍ لَمْ يَرْزُقْهُ اللهُ مَالًا، فَيَقُولُ: لَوْ أَنَّ لِي مَالًا لَعَمِلْتُ بِعَمَلِ فُلَانٍ” أَيْ: فِي تَضْيِيعِ مَالِهِ وَصَرْفِهِ فِي وُجُوهِ الحَرَامِ، قَالَ: “فَوِزْرُهُمَا سَوَاءٌ” ،لذا ،فَإِنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِلْعَبْدِ أَنْ يُكْثِرَ مِنْ تَمَنِّي الصَّالِحَاتِ، فَكَرَمُ رَبِّهِ خَيْرٌ وَأَوْسَعُ، وَفِي الحَدِيثِ: “إِذَا تَمَنَّى أَحَدُكُمْ، فَلْيَسْتَكْثِرْ، فَإِنَّمَا يَسْأَلُ رَبَّهُ” (َصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانٍ وَالأَلْبَانِيُّ).

أيها المسلمون

وَحِينَ نتأمل ونتدبر في القُرْآنِ الكريم ،وَالسُّنَّةِ المطهرة، نَرَى آيَاتِ اللهِ تعالى ، وأحاديث رسوله صلى الله عليه وسلم تُحَدِّثُنَا عَنْ أَمَانِيِّ أَهْلِ الشَّقَاءِ ،وَأَهْلِ السَّعَادَةِ ،أما أهل الشقاء: فأمانيهم محصورة في العودة إلى الدنيا ،لتصحيح أخطائهم ، فمنهم من يتمنى مقاطعة أصدقاء السوء ،فيقول : {يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا} [الفرقان: 28]، وآخر يتمنى أن يكون ترابا حتى لا يعذب في النار: {يَوْمَ يَنْظُرُ الْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ وَيَقُولُ الْكَافِرُ يَالَيْتَنِي كُنْتُ تُرَابًا} النبأ (40) ، وَحِينَ يَرَى أَهْلُ الشَّقَاءِ العَذَابَ رَأْيَ العَيْنِ يَتَمَنَّوْنَ، قال الله تعالى: {وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ فَقَالُوا يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلَا نُكَذِّبَ بِآَيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [الأنعام: 27]، فإِذَا دَخَلُوا دَارَ الشَّقَاءِ ،وَالبُؤْسِ وَالنَّكَالِ، وَذَاقُوا مَسَّ سَقَرٍ، تَمَنَّوْا حِينَهَا الإيمان ، واتباع الرسول ،قال تعالى: { يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَالَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولَا} (66) الأحزاب، إِنَّهَا زَفَرَاتٌ وَحَسَرَاتٌ وَأُمْنِيَاتٌ، وَلَكِنْ هيهات هيهات وَفِي مَشْهَدٍ آخَرَ مِنْ مَشَاهِدِ الآخِرَةِ، نَرَى أُمْنِيَاتِ أَهْلِ السَّعَادَةِ، فَأَقَلُّ أَهْلِ السَّعَادَةِ مَنْزِلَةً هُوَ آخِرُ أَهْلِ الجَنَّةِ دُخُولًا، فَيَقُولُ لَهُ رَبُّهُ: تَمَنَّ، فَيَتَمَنَّى العَبْدُ وَيَتَمَنَّى، حَتَّى إِذَا انْقَطَعَتْ بِهِ الأَمَانِيُّ قَالَ اللهُ لَهُ: “ذَلِكَ لَكَ وَعَشْرَةُ أَمْثَالِهِ مَعَهُ” ،وَصِنْفٌ مِنْ أَهْلِ السَّعَادَةِ بَاعُوا أَنْفُسَهُمْ للهِ، فَوَدَّعُوا دُنْيَاهُمْ شَهَادَةً فِي سَبِيلِ اللهِ، فَيَرَوْنَ مِنَ الكَرَامَةِ وَحُسْنِ الحَفَاوَةِ مِنْ مَلَائِكَةِ الرَّحْمَنِ مَا يَجْعَلُهُمْ يَتَمَنَّوْنَ وَيَتَمَنَّوْنَ، يَتَمَنَّوْنَ مَاذَا؟ يَتَمَنَّوْنَ أَنْ تُرَدَّ أَرْوَاحُهُمْ فِي أَجْسَادِهِمْ، حَتَّى يُقْتَلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ مَرَّةً أُخْرَى.

وليعلم كل مسلم أن هناك أمنيات محظورة ،وأمنيات مباحة أو مستحبة : أما عن الأُمْنِيَات المَحْظُورَة والتي نَهَى عَنْهَا الشَّرْعُ، فَوَاجِبٌ علينا قَفْلُ القُلُوبِ دُونَهَا؛ حَتَّى لَا تَتَسَرَّبَ إِلَى خَلَجَاتِ الصُّدُورِ ، ومِنْ أمثلة هَذِهِ الأَمَانِيِّ : تَمَنِّي المَوْتَ، فَهَذَا مِمَّا نَهَى عَنْهُ النَّبِيُّ – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – بِقَوْلِهِ: “لَا يَتَمَنَّيَنَّ أَحَدَكُمُ المَوْتَ لِضُرٍّ نَزَلَ بِهِ، فَإِنْ كَانَ لَا بُدَّ مُتَمَنِّيًا فَلْيَقُلْ: اللَّهُمَّ أَحْيِينِي مَا كَانَتِ الحَيَاةُ خَيْرًا لِي، وَتَوَفَّنِي مَا كَانَتِ الوَفَاةُ خَيْرًا لِي” مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ ، وَمِنَ الأَمَانِيِّ المَنْهِيِّ عَنْهَا: تَمَنِّي مُحَارَبَةِ الأَعْدَاءِ، قَالَ – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: “لَا تَتَمَنَّوْا لِقَاءَ العَدُوِّ، وَسَلُوا اللهَ العَافِيَةَ، فَإِذَا لَقِيتُمُوهُمْ فَاصْبِرُوا” مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.، ومنها : تَمَنِّى زَوَالِ النِّعْمَةِ عَنِ الغَيْرِ وهو (الحسد): قال الله تعالى : {وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ} [البقرة: 109].

أما عن الأمنيات المستحبة : فهي الأُمْنِيَات التي أَثْنَى عَلَيْهَا الشَّرْعُ، من هذه الأُمنيات: تمني الشهادة في سبيلِ الله، قال صلى الله عليه وسلم: “لَوَدِدْتُ أَنِّي أُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، ثُمَّ أُحْيَا، ثُمَّ أُقْتَلُ، ثُمَّ أُحْيَا، ثُمَّ أُقْتَلُ، ثُمَّ أُحْيَا، ثُمَّ أُقْتَلُ” رواه البخاري.، ومنها : أن يتمنى المرءُ أن يكون من أهلِ القرآنِ ليحيا به آناءَ الليل والنهار، أو يكون من أهلِ الثراء، ليبذلَ نعمةَ المالِ في وجوه البرِ والإحسان، قال صلى الله عليه وسلم: “لَا حَسَدَ إِلَّا فِي اثْنَتَيْنِ: رَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ الْقُرْآنَ، فَهُوَ يَتْلُوهُ آنَاءَ اللَّيْلِ وَآنَاءَ النَّهَارِ، وَرَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ مَالًا فَهُوَ يُنْفِقُهُ آنَاءَ اللَّيْلِ وَآنَاءَ النَّهَارِ” متفق عليه.، ومنها : أن يتمنى المسلمُ الغنى فراراً من الفقر، فمع الغنى تكون الصدقة، ويكون البذل، وتُسَلُ سخائمُ الشحِ من النفوس، يُسْأَل النبيُّ صلى الله عليه وسلم: أَيُّ الصَّدَقَةِ أَعْظَمُ أَجْرًا ؟ قَالَ: “أَنْ تَصَدَّقَ وَأَنْتَ صَحِيحٌ شَحِيحٌ، تَخْشَى الْفَقْرَ وَتَأْمُلُ الْغِنَى، وَلَا تُمْهِلُ حَتَّى إِذَا بَلَغَتْ الْحُلْقُومَ قُلْتَ: لِفُلَانٍ كَذَا وَلِفُلَانٍ كَذَا، وَقَدْ كَانَ لِفُلَانٍ” رواه البخاري ، ومن الأماني المستحبة: أن يتمنى العبدُ هدايةَ الناسِ وحصولَ الخيرِ لهم، لَقَدْ قَصَّ عَلَيْنَا القُرْآنُ خَبَرَ ذَلِكَ الرَّجْلِ الَّذِي جَاءَ مِنْ أَقْصَى المَدِينَةِ يَسْعَى، نَاصِحًا لِقَوْمِهِ، مُشْفِقًا عَلَيْهِمْ، يُنَادِيهِمْ: {يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا المُرْسَلِينَ، اتَّبِعُوا مَنْ لَا يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا وَهُمْ مُهْتَدُونَ} [يس: 21]، فَلَمَّا قَتَلَهُ قَوْمُهُ وَأَكْرَمَهُ رَبُّهُ بِالجَنَّةِ، قَالَ مُتَمَنِّيًا حَتَّى بَعْدَ مَوْتِهِ: {يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ المُكْرَمِين} [يس: 27].

أيها المسلمون

وَحِينَ نُقَلِّبُ سِيَرَة سَلَفِنَا الصَالِحِ، نَرَاهُمْ قَدْ تَمَنَّوْا وَحَدَّثُوا غَيْرَهُمْ بِمَا يَدُورُ فِي نُفُوسِهِمْ مِنَ الطُّمُوحَاتِ وَالتَّطَلُّعَاتِ، فهَذَا نَبِيُّنَا وَقُدْوَتُنَا – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – يتَمَنَّى أُمْنِيَاتٍ عِدَّةً، تَمَنَّى لَوْ أَنَّ لَهُ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا، فَلَا يَأْتِي عَلَيْهِ ثَلَاثُ لَيَالٍ إِلَّا وَقَدْ أَنْفَقَهُ فِي سَبِيلِ اللهِ ،وَتَمَنَّى هِدَايَةَ قَوْمِهِ، وَتَمَنَّى أَنْ يَكُونَ أَكْثَرَ النَّاسِ تَبَعًا يَوْمَ القِيَامَةِ ،وَتَمَنَّى رُؤْيَةَ إِخْوَانِهِ؛ “وَدِدْتُ أَنِّي رَأَيْتُ إِخْوَانِي الَّذِينَ لَمْ يَأْتُوا بَعْدُ” ، وَتَمَنَّى أَنْ تَكُونَ أُمَّتُهُ شَطْرَ أَهْلِ الجَنَّةِ ،وتمنى الشهادة في سبيل الله : (وَالَّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ لَوَدِدْتُ أَنِّى أُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ أُحْيَا ،ثُمَّ أُقْتَلُ ثُمَّ أُحْيَا ،ثُمَّ أُقْتَلُ ثُمَّ أُحْيَا ،ثُمَّ أُقْتَلُ »

أما عن أمنيات الصحابة – رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِمْ – فهَذَا رَبِيعَةُ بْنُ كَعْبٍ الأَسْلَمِيُّ يَتَمَنَّى مُرَافَقَةَ النَّبِيِّ – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – فِي الجَنَّةِ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: “فَأَعِنِّي عَلَى نَفْسِكَ بِكَثْرَةِ السُّجُودِ” ، وَهَذَا عَبْدُاللهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ العَاصِ يَسْمَعُ رَسُولَ اللهِ – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – يَقُولُ: “لِيُبَشَّرَ فُقَرَاءُ المُهَاجِرِينَ بِمَا يَسُرُّ وُجُوهَهُمْ، فَإِنَّهُمْ يَدْخُلُونَ الجَنَّةَ قَبْلَ الأَغْنِيَاءِ بِأَرْبَعِينَ عَامًا»، قَالَ عَبْدُاللهِ: فَلَقَدْ رَأَيْتُ أَلْوَانَهُمْ أَسْفَرَتْ، حَتَّى تَمَنَّيْتُ أَنْ أَكُونَ مَعَهُمْ ،أَمَّا فَارُوقُ الأُمَّةِ عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ – رَضِيَ اللهُ عَنْهُ – فَقَدْ كَانَ كَثِيرَ التَّمَنِّي؛ حَتَّى إِنَّهُ لَيُسْمِعَ أَصْحَابَهُ بَعْضَ أُمْنِيَاتِهِ، تَمَنَّى أَنْ يُغْنِيَ أَرَامِلَ أَهْلِ العِرَاقِ، فَلَا يَحْتَجْنَ لِمَا فِي أَيْدِي النَّاسِ، وَهُوَ فِي المَدِينَةِ ، واجْتَمَعَ بِأَصْحَابِهِ يَوْمًا فَقَالَ لَهُمْ: تَمَنَّوْا؟ فَقَالَ أَحَدُهُمْ: أَتَمَنَّى لَوْ أَنَّ هَذِهِ الدَّارَ مَمْلُوءَةٌ ذَهَبًا أُنْفِقُهُ فِي سَبِيلِ اللهِ، فَقَالَ عُمَرُ: تَمَنَّوْا؟ فَقَالَ أَحَدُهُمْ: أَتَمَنَّى لَوْ أَنَّ هَذِهِ الدَّارَ مَمْلُوءَةٌ لُؤْلُؤًا وَجَوْهَرًا أُنْفِقُهُ فِي سَبِيلِ اللهِ، فَقَالَ عُمَرُ: وَلَكِنِّي أَتَمَنَّى رِجَالًا مِلْءَ هَذِهِ الدَّارِ مِثْلَ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ الجَرَّاحِ، وَداخلِ الحِجْرِ يَجْتَمِعُ صَحَابِيَّانِ وَتَابِعِيَّانِ عَبْدُاللهِ بْنُ عُمَرَ، وَعَبْدُاللهِ بْنُ الزُّبَيْرِ، وَعُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ وَمُصْعَبُ بْنُ الزُّبَيْرِ، فَقَالُوا تَمَنَّوْا؟ قَالَ عَبْدُاللهِ بْنُ الزُّبَيْرِ: أَمَّا أَنَا فَأَتَمَنَّى الخِلَافَةَ، وَقَالَ عُرْوَةُ أَخُوهُ: أَمَّا أَنَا فَأَتَمَنَّى أَنْ يُؤْخَذَ عَنِّي العِلْمُ، وَقَالَ الأَخُ الثَّالِثُ مُصْعَبٌ: وَأَمَّا أَنَا فَأَتَمَنَّى إِمَارَةَ العِرَاقِ، وَالجَمْعَ بَيْنَ عَائِشَةَ بِنْتِ طَلْحَةَ وَسُكَيْنَةَ بِنْتِ الحُسَيْنِ، وَقَالَ عَبْدُاللهِ بْنُ عُمَرَ: وَأَمَّا أَنَا فَأَتَمَنَّى مَغْفِرَةَ اللهِ ، ويقول عمر بن عبد العزيز: ( إن لي نفساً تواقة ،ما تمنت شيء إلا نالته ، تمنت الإمارة فنالتها وتمنت الخلافة فنالتها ،وأنا الآن أتوق للجنة وأرجو الله أن أنالها) ،

                               أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم

                      الخطبة الثانية ( أمنيات المسلم واهتماماته ) 

 الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه  الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين 

                                    أما بعد  أيها المسلمون    

فما تمناه رسولنا الكريم – صلى الله عليه وسلم وأصحابه الأطهار الأبرار (رضوان الله عليهم) ،من الأمنيات

التي تعزز النفس ،فكانت بالفعل أمنيات خير ،وآمال بر ،ورغبات رشد ،إن نالتها النفس البشرية شكرت ،وإن لم تنلها اجتهدت في نيلها ،ابتغاء مرضاة ثواب الله سبحانه وتعالى ،فهلا تمنيت أخي الكريم مثل هذه الأماني ،التي من نالها فقد نال التكريم والتشريف من الرب الرحيم

أيها المسلمون

فلو وقفنا وقفة عند أمنيات شبابنا وفتياتنا ،فماذا يا ترى سوف نسمع : الصنف الأول يقول :  (أتمنى أن أكون مغنية ، أتمنى أن أكون لاعبا مميزا ، أتمنى أن أكون مطربة لامعة ، أتمنى أن

أكون مذيعة مشهورة، أو ممثلة مرموقة، وغيرها الكثير ..) ،

وصنف آخر يتمنى أمنيات طيبة، ولكن لا يصل إليها ،فيغير فيسخط ،ويسب ويلعن، فكم من مطمع أودى بصاحبه ،وأضر به، فالواجب على العبد أن لا يتضجر ولا يحزن لعدم تحقيق الأماني التي يتمناها بل يقول : الخير فيما اختاره الله ،فإن حصل المطلوب حمد الله ،وإن لم يتحقق المطلوب يحمد الله كذلك ،  

وصنف آخر يتمنى الأماني ،ولكنه لا يعمل بالأسباب ،فنقول لمثل هؤلاء : لا تكفي مجرد الأمنيات, بل لابد من بذل الجهد والسعي بالعمل ،لتحقق ما تتمناه .

                                        الدعاء