خطبة عن وقفات مع قوله تعالى (لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى)
مارس 3, 2018خطبة عن (ما هو الهدف الذي تسعى من أجل تحقيقه؟)
مارس 3, 2018الخطبة الأولى : التوبة والتائبين ( وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته وهو أصدق القائلين : (وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) (31) النور ،وقال الله تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ) (8) التحريم ،وقال الله تعالى : (وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلَا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ) (52) هود
إخوة الإسلام
في هذه الآيات المباركات يأمر الله تبارك وتعالى عباده المؤمنين بالتوبة ،ويرغبهم في الرجوع إليه ، فمن كرمه سبحانه على خلقه ،ورحمته بهم ،أن فتح لهم باب التوبة ، فهو سبحانه يقبل التوبة من عباده التائبين ، فنحن حين نتوب ، نتوب إلى ربٍّ توّاب، يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل، حتى تطلع الشمس من مغربها، وينادينا ونحن المذنبين المخطئين المسرفين، فيقول سبحانه وتعالى : (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (53) وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ) الزمر:53، 54 ،وينادي الله وهو الغني عن عباده كما في سنن الترمذي : (أن (رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ « قَالَ اللَّهُ يَا ابْنَ آدَمَ إِنَّكَ مَا دَعَوْتَنِي وَرَجَوْتَنِي غَفَرْتُ لَكَ عَلَى مَا كَانَ فِيكَ وَلاَ أُبَالِى يَا ابْنَ آدَمَ لَوْ بَلَغَتْ ذُنُوبُكَ عَنَانَ السَّمَاءِ ثُمَّ اسْتَغْفَرْتَنِي غَفَرْتُ لَكَ وَلاَ أُبَالِى يَا ابْنَ آدَمَ إِنَّكَ لَوْ أَتَيْتَنِي بِقُرَابِ الأَرْضِ خَطَايَا ثُمَّ لَقِيتَنِي لاَ تُشْرِكُ بِي شَيْئًا لأَتَيْتُكَ بِقُرَابِهَا مَغْفِرَةً ». والتوبة : هي الإنابة والأوبة الرجوع إلى الله تبارك وتعالى ، والتوبة : هي ترك الذنب ،والندم على التفريط ،والعزيمة على ترك المعاودة إلى المعاصي ،وكلنا مطالب بالتوبة ،وكلنا من أصحاب الذنوب ،فكم قصرنا في حقوق ربنا ،وكم قصرنا في حقوق رسولنا صلى الله عليه وسلم ، وكم قصرنا في حقوق آبائنا وأمهاتنا ،وأولادنا وأزواجنا ،وكم قصرنا في حقوق جيراننا وأصدقائنا ،وكم أذنبنا في أعمالنا وطريقنا وأسواقنا ،وكم ضيعنا من الفرائض والحقوق ،فكلنا ذنوب وإن لم يغفر لنا ربنا ويرحمنا لنكونن من الخاسرين ، والذنب ذنب مهما كان صغيرا ، فلا تحتقرن الذنب مهما كان حجمه، فإنه مسخط لله ومفرح للشيطان، وقد تعظم الصغائر من الذنوب فتكون كبائر . ولقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم – وهو من هو مكانة ومنزلة عند ربه وطاعة وتقربا إلى مولاه سبحانه – كان يتوب في اليوم ويستغفر الله أكثر من سبعين مرة ، ففي البخاري ( قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – يَقُولُ « وَاللَّهِ إِنِّي لأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ وَأَتُوبُ إِلَيْهِ فِي الْيَوْمِ أَكْثَرَ مِنْ سَبْعِينَ مَرَّةً » ،والتوبة هي من مقتضيات النقص البشري، ومن لوازم التقصير الإنساني، فالمكلَّف لا ينفك من تقصير في طاعة، أو سهو وغفلة، أو خطأ أو نسيان، أو ذنب وخطيئة، وقد روى مسلم : (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « وَالَّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ لَوْ لَمْ تُذْنِبُوا لَذَهَبَ اللَّهُ بِكُمْ وَلَجَاءَ بِقَوْمٍ يُذْنِبُونَ فَيَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ فَيَغْفِرُ لَهُمْ ». وفي مسند أحمد : (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « كُلُّ ابْنِ آدَمَ خَطَّاءٌ فَخَيْرُ الْخَطَّائِينَ التَّوَّابُونَ ..) ، ومن صفات الرب جل وعلا أنه يقبل التوبة ويفرح بها كرماً منه وإحساناً، قال الله تعالى: ( وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ) الشورى (25) ، وفي الحديث القدسي: (يَا عِبَادِي إِنَّكُمْ تُخْطِئُونَ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَأَنَا أَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا فَاسْتَغْفِرُونِي أَغْفِرْ لَكُمْ ) رواه مسلم ، فيا أيها العبد الغافل عن مصيره : كيف تعصي ربك وهو يسمعك ويراك ، ويعلم سرك ونجواك؟ ألم تكن فقيراً فأغناك؟ ومحروماً فأعطاك؟ ألم تكن ضالاً فهداك؟ ألم تكن معدوماً فسواك؟ ومريضاً فشفاك؟ ألم تكن نائماً فحماك؟ ألم تكن تائهاً فآواك؟ فنعمه عليك لا تعد ولا تحصي ، وفضائله عليك لا تنقطع ، وبابه مفتوح لا يغلق
أيها المسلمون
لقد جعل الله في التوبة ملاذاً مكيناً وملجأ حصيناً، يلجه المذنب معترفا بذنبه، مؤملاً في ربه، نادماً على فعله، غير مصرٍ على خطيئته، يحتمي بحمى الاستغفار، يتبع السيئة الحسنة ؛ فيكفر الله عنه سيئاته، ويرفع من درجاته. فالتوبة الصادقة تمحو الخطيئات مهما عظمت ،حتى الكفر والشرك ، قال الله تعالى : ( قُل لِلَّذِينَ كَفَرُواْ إِن يَنتَهُواْ يُغْفَرْ لَهُمْ مَّا قَدْ سَلَفَ) [الأنفال:38]. وباب التوبة مفتوح لقتلة الأنبياء ، ولمن قالوا إن الله ثالث ثلاثة ، وللذين قالوا إن الله هو المسيح بن مريم – تعالى الله عما يقولون علواً كبيرا ، فقد ناداهم المولى بقوله تعالى: (أَفَلاَ يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ) [المائدة:74]. ومن ظن أن ذنباً لا يتسع لعفو الله ،فقد ظن بربه ظن السوء، فكم من عبد كان من إخوان الشياطين ،فمن الله عليه بتوبة ،محت عنه ما سلف ،فصار صواماً قواماً قانتاً لله ساجداً وقائماً يحذر الآخرة ويرجو رحمة ربه. وفي مسند أحمد (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِىِّ -صلى الله عليه وسلم- « إِنَّ رَجُلاً أَذْنَبَ ذَنْباً فَقَالَ رَبِّ إِنِّي أَذْنَبْتُ ذَنْباً – أَوْ قَالَ عَمِلْتُ عَمَلاً ذَنْباً – فَاغْفِرْهُ فَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ عَبْدِى عَمِلَ ذَنْباً فَعَلِمَ أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ وَيَأْخُذُ بِهِ قَدْ غَفَرْتُ لِعَبْدِى ثُمَّ عَمِلَ ذَنْباً آخَرَ أَوْ أَذْنَبَ ذَنْباً آخَرَ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي عَمِلْتُ ذَنْباً فَاغْفِرْهُ. فَقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَلِمَ عَبْدِى أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ وَيَأْخُذُ بِهِ قَدْ غَفَرْتُ لِعَبْدِى ثُمَّ عَمِلَ ذَنْباً آخَرَ أَوْ أَذْنَبَ ذَنْباً آخَرَ. فَقَالَ رَبِّ إِنِّي عَمِلْتُ ذَنْباً فَاغْفِرْهُ. فَقَالَ عَلِمَ عَبْدِى أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ وَيَأْخُذُ بِهِ قَدْ غَفَرْتُ لِعَبْدِى فَلْيَعْمَلْ مَا شَاءَ »، يعني مادام على هذه الحال كلما أذنب ذنباً استغفر منه غير مُصر. ومن فضل الله وكرمه : فرحته سبحانه بتوبة عبده، فقد روى مسلم (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « لَلَّهُ أَشَدُّ فَرَحًا بِتَوْبَةِ أَحَدِكُمْ مِنْ أَحَدِكُمْ بِضَالَّتِهِ إِذَا وَجَدَهَا ». وباب التوبة مازال مفتوحا ، ففي صحيح مسلم (عَنْ أَبِى مُوسَى عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَبْسُطُ يَدَهُ بِاللَّيْلِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ النَّهَارِ وَيَبْسُطُ يَدَهُ بِالنَّهَارِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ اللَّيْلِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا ».
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية : التوبة والتائبين ( وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
إن الحياة فرصة عظيمة للتوبة والإنابة والرجوع إلى الله، وللتوبة شروط ، فمن شروط التوبة النصوح : أولا : الإقلاع عن المعصية. فلا توبة مع الإصرار ، ثانيا : الندم على فعلها. فالندم توبة ، ثالثا : العزيمة على ألا يعود إليها أبداً. أما إذا كانت المعصية متعلقة بحق آدمي فيضاف إلى ما تقدم من الشروط شرط رابع وهو البراءة من حق صاحبها، فإن كانت مالاً أو حقاً رده إليه، وإن كانت حداً مقترفا مكنه منه أو طلب عفوه، وإن كانت غيبة استحله منها واستغفر له حتى يرى أنه أدى حقه، ففي البخاري : (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ – رضى الله عنه – قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – « مَنْ كَانَتْ لَهُ مَظْلَمَةٌ لأَحَدٍ مِنْ عِرْضِهِ أَوْ شَيْءٍ فَلْيَتَحَلَّلْهُ مِنْهُ الْيَوْمَ ، قَبْلَ أَنْ لاَ يَكُونَ دِينَارٌ وَلاَ دِرْهَمٌ ، إِنْ كَانَ لَهُ عَمَلٌ صَالِحٌ أُخِذَ مِنْهُ بِقَدْرِ مَظْلَمَتِهِ ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ حَسَنَاتٌ أُخِذَ مِنْ سَيِّئَاتِ صَاحِبِهِ فَحُمِلَ عَلَيْهِ » . واعلموا أن التوبة المقبولة الصحيحة لها علامات ، ومنها: أن يكون التائب بعد التوبة خيراً مما كان عليه قبلها، وأن لايزال الخوف مصاحباً له ،لا يأمن مكر الله طرفة عين ،وتأخير التوبة سبب لتراكم الذنوب على القلوب ، ففي سنن الترمذي (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « إِنَّ الْعَبْدَ إِذَا أَخْطَأَ خَطِيئَةً نُكِتَتْ فِي قَلْبِهِ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ فَإِذَا هُوَ نَزَعَ وَاسْتَغْفَرَ وَتَابَ سُقِلَ قَلْبُهُ وَإِنْ عَادَ زِيدَ فِيهَا حَتَّى تَعْلُوَ قَلْبَهُ وَهُوَ الرَّانُ الَّذِى ذَكَرَ اللَّهُ : ( كَلاَّ بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ) المطففين 14» ، ومن أعظم الأمور المعينة على التوبة : أن يستحضر العبد سعة رحمة الله سبحانه وتعالى فهو القائل: (قُلْ يا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُواْ عَلَى أَنفُسِهِمْ لاَ تَقْنَطُواْ مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ) [الزمر:53]. ومن الأمور المعينة على التوبة : تذكر الموت ،والقدوم إلى الله ،والوقوف بين يديه سبحانه وتعالى ، ومن الامور المعينة على التوبة : البعد عن أصدقاء السوء ، أما عن جزاء التوابين ، فللتوبة والتائبين أعظم الأجر والجزاء ، يقول عز وجل: (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ) (222) البقرة ، فاستحق التائب أن يكون حبيب الله، فإن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين، ويحب الله من فعل ما أمر به وترك ما نهي عنه، والتوبة غاية كل مؤمن وبداية الأمر وخاتمته . ومن جزاء التوابين : أن تُمحى سيئاتهم ،لأن التوبة تجب ما قبلها ،وأن الله يبدل سيئاتهم حسنات ،يقول الله عز وجل : (إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (70) وَمَنْ تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا) (70) ،(71) الفرقان
الدعاء