خطبة عن (إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَواْ إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُواْ)
نوفمبر 15, 2016خطبة عن ( مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ)
نوفمبر 16, 2016الخطبة الأولى ( حديث : اسْقِ حَدِيقَةَ فُلاَنٍ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
روى مسلم في صحيحه ( عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « بَيْنَا رَجُلٌ بِفَلاَةٍ مِنَ الأَرْضِ فَسَمِعَ صَوْتًا فِي سَحَابَةٍ اسْقِ حَدِيقَةَ فُلاَنٍ. فَتَنَحَّى ذَلِكَ السَّحَابُ فَأَفْرَغَ مَاءَهُ فِي حَرَّةٍ فَإِذَا شَرْجَةٌ مِنْ تِلْكَ الشِّرَاجِ قَدِ اسْتَوْعَبَتْ ذَلِكَ الْمَاءَ كُلَّهُ فَتَتَبَّعَ الْمَاءَ فَإِذَا رَجُلٌ قَائِمٌ فِي حَدِيقَتِهِ يُحَوِّلُ الْمَاءَ بِمِسْحَاتِهِ فَقَالَ لَهُ يَا عَبْدَ اللَّهِ مَا اسْمُكَ قَالَ فُلاَنٌ. لِلاِسْمِ الَّذِى سَمِعَ فِي السَّحَابَةِ فَقَالَ لَهُ يَا عَبْدَ اللَّهِ لِمَ تَسْأَلُنِي عَنِ اسْمِى فَقَالَ إِنِّي سَمِعْتُ صَوْتًا فِي السَّحَابِ الَّذِى هَذَا مَاؤُهُ يَقُولُ اسْقِ حَدِيقَةَ فُلاَنٍ لاِسْمِكَ فَمَا تَصْنَعُ فِيهَا قَالَ أَمَّا إِذَا قُلْتَ هَذَا فَإِنِّي أَنْظُرُ إِلَى مَا يَخْرُجُ مِنْهَا فَأَتَصَدَّقُ بِثُلُثِهِ وَآكُلُ أَنَا وَعِيَالِي ثُلُثًا وَأَرُدُّ فِيهَا ثُلُثَهُ ».
إخوة الإسلام
الإنفاق على المحتاجين وتفريج كربات المسلمين تجارة عظيمة مع رب العالمين ، وهي سبب من أسباب الرزق ، ودليل ذلك قوله -تعالى-: { وَمَا أَنْفَقْتُم مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ} (سبأ: 39)وفي قصة الحديث السابق الكثير والكثير من الدروس والعبر ، ومنها : أولا : فضل الإنفاق في سبيل الله .. قال النووي رحمه الله في شرحه على صحيح مسلم : ” وَفِي الْحَدِيث فَضْل الصَّدَقَة وَالْإِحْسَان إِلَى الْمَسَاكِين وَأَبْنَاء السَّبِيل”. والنفقة هي التجارة التي لا تعرف الخسارة ، قال تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَّن تَبُورَ * لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُم مِّن فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ ) فاطر 29 ، 30 . ومن أنفق فهو موعود بخلف رباني كريم ، لقول رب العالمين : ( وَمَا أنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ) (39) سبأ.
واعلموا أنّ المنفق يدعو له ملك كل يوم ، وأنّ الممسك الشحيح البخيل يدعو عليه ملك كل يوم .. فعن عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه ، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : «مَا مِنْ يَوْمٍ يُصْبِحُ الْعِبَادُ فِيهِ إِلَّا مَلَكَانِ يَنْزِلَانِ ، فَيَقُولُ أَحَدُهُمَا : اللَّهُمَّ أَعْطِ مُنْفِقًا خَلَفًا ، وَيَقُولُ الْآخَرُ : اللَّهُمَّ أَعْطِ مُمْسِكًا تَلَفًا» [البخاري ومسلم] . وإنّ المال الذي تقدمه صدقةً هو الذي ستنتفع به ، بل هو مالك الحقيقي .. فعن عائشة رضي الله عنها : أنَّهُمْ ذَبَحُوا شَاةً ، فَقَالَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم «مَا بَقِيَ مِنْهَا» ؟ قالت : مَا بَقِيَ مِنْهَا إِلاَّ كَتِفُها . قَالَ : «بَقِيَ كُلُّهَا غَيْرُ كَتِفِهَا» [خرّجه الترمذي] . واسمع إلى السؤال الذي تعجب الصحابة منه .. والسائل هو رسول الله صلى الله عليه وسلم .. قال لهم :« أَيُّكُمْ مَالُ وَارِثِهِ أَحَبُّ إِلَيْهِ مِنْ مَالِهِ» ؟ قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا مِنَّا أَحَدٌ إِلَّا مَالُهُ أَحَبُّ إِلَيْهِ . قَالَ :«فَإِنَّ مَالَهُ مَا قَدَّمَ ، وَمَالُ وَارِثِهِ مَا أَخَّرَ» [أخرجه البخاري] . ولذا كان سهل بن عبد الله التُّسْتَرِيُّ يكثر من الإنفاق ؛ فلامه بعضهم في ذلك . فقال لهم : أرأيتم لو أنّ رجلاً أراد أن يرتحل من دارٍ إلى دارٍ هل يُبقي في الأولى شيئاً ؟ قالوا : لا . قال : فإني مرتحل من الدنيا إلى الآخرة .
والصدقة تدخل الجنة وتقي النار .. نعم هي تبعد العبد المؤمن عن النار لقول النبي صلى الله عليه وسلم : «اتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ» [أخرجه البخاري] . وتدخل الجنة لقول الله تعالى 🙁 وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاء وَالضَّرَّاء وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ * وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ اللّهَ فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللّهُ وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَى مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ * أُوْلَـئِكَ جَزَآؤُهُم مَّغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ) [آل عمران: 133-136] ،ولا تقل أخي في الله إنّ الحقوق كثيرة، لا تقل إنّ الفقر لم يبرح رحالنا منذ أمد . ونحو ذلك من الكلام الذي يلقي به الشيطان في روعك ، فتصدق بما تستطيع ولا تعجز ، فالعجر ليس من صفات أهل الإيمان ، ولقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :«سَبَقَ دِرْهَمٌ مِائَةَ أَلْفِ دِرْهَمٍ» . قَالُوا : وَكَيْفَ ؟ قَالَ :«كَانَ لِرَجُلٍ دِرْهَمَانِ ، تَصَدَّقَ بِأَحَدِهِمَا ، وَانْطَلَقَ رَجُلٌ إِلَى عُرْضِ مَالِهِ فَأَخَذَ مِنْهُ مِائَةَ أَلْفِ دِرْهَمٍ فَتَصَدَّقَ بِهَا» [أخرجه النسائي] . ثانيا : ومن الدروس المستفادة من قصة الحديث السابق : إثبات الكرامات .. فالمسلم الحق لا ينكر الكرامة، ولكنه يُفرِّق بين الآية والكرامة والسحر . فالآية ما أيد الله به نبيه . والكرامة أمر خارق للعادة يجريه الله إكراماً لولي من أوليائه . والسِّحر ما كان من خارق وجرى على يد فاسق فاجر مشرك. والكرامة تكون على يد ولي ، والولي يوافق الشرع لا يخالفه ، يفرد الله بالعبادة، لا يدعو الناس إلى أن يعبدوا غير الله ، بخلاف السحرة . قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في مجموع الفتاوى في سبعة مواضع : ” قَالَ الْأَئِمَّةُ : لَوْ رَأَيْتُمْ الرَّجُلَ يَطِيرُ فِي الْهَوَاءِ أَوْ يَمْشِي عَلَى الْمَاءِ فَلَا تَغْتَرُّوا بِهِ حَتَّى تَنْظُرُوا وُقُوفَهُ عِنْدَ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ وَلِهَذَا يُوجَدُ كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ يَطِيرُ فِي الْهَوَاءِ وَتَكُونُ الشَّيَاطِينُ هِيَ الَّتِي تَحْمِلُهُ لَا يَكُونُ مِنْ كَرَامَاتِ أَوْلِيَاءِ اللَّهِ الْمُتَّقِينَ “. ثالثا : وتعلمنا القصة أن الإنسان كما يدين يُدان ، والجزاء من جنس العمل ، ولا يظلم ربك أحداً .. فهذا أنفق فأنفق الله عليه ، وفي الحديث عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ : «قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : أَنْفِقْ أُنْفِقْ عَلَيْكَ » [خرجه الشيخان] . وقال صلى الله عليه وسلم لأسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها : «لاَ تُوكِي فَيُوكى عَلَيْكِ» . وفي رواية: «أنفقي ، وَلاَ تُحصي فَيُحْصِي اللهُ عَلَيْكِ ، وَلاَ تُوعي فَيُوعي اللهُ عَلَيْكِ» [متفق عليه] . رابعا : ومن الدروس المستفادة من قصة الحديث السابق : فضل الاكتساب من عمل اليد . وقد كان نبي الله داود عليه السلام يأكل من عمل يده ، وأفضل الكسب عمل اليد كما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم . وفي صحيح البخاري قال نبينا صلى الله عليه وسلم :«مَا أَكَلَ أَحَدٌ طَعَامًا قَطُّ خَيْرًا مِنْ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ ، وَإِنَّ نَبِيَّ اللَّهِ دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلَام كَانَ يَأْكُلُ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ» . وفي مسند أحمد وغيره (عَنْ جَدِّهِ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ قَالَ قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ الْكَسْبِ أَطْيَبُ قَالَ « عَمَلُ الرَّجُلِ بِيَدِهِ وَكُلُّ بَيْعٍ مَبْرُورٍ »
فهنيئاً للعامل الذي يبيت متعباً من عمل يده قد أضناه العمل وأتعبه الكد .. هنيئاً له ثم هنيئاً له . خامسا : ومما يُستفاد من هذه القصة : فضل النفقة على الأهل والعيال . وهذه من أفضل ما يقرب به المسلم إلى ربه .. فعن أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : «دِينَارٌ أَنْفَقْتَهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ، وَدِينَارٌ أَنْفَقْتَهُ فِي رَقَبَةٍ ، وَدِينَارٌ تَصَدَّقْتَ بِهِ عَلَى مِسْكِينٍ ، وَدِينَارٌ أَنْفَقْتَهُ عَلَى أَهْلِكَ ، أَعْظَمُهَا أَجْرًا الَّذِي أَنْفَقْتَهُ عَلَى أَهْلِكَ» [أخرجه مسلم] . وليس معنى هذا أن نهمل المساكين بحجة الإنفاق على الأهل . وأخرج الطبراني في المعجم الكبير : عَنْ كَعْبِ بن عُجْرَةَ، قَالَ: مَرَّ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم رَجُلٌ، فَرَأَى أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ جلده وَنَشَاطِهِ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ: لَوْ كَانَ هَذَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ؟، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم :«إِنْ كَانَ خَرَجَ يَسْعَى عَلَى وَلَدِهِ صِغَارًا فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَإِنْ كَانَ خَرَجَ يَسْعَى عَلَى أَبَوَيْنِ شَيْخَيْنِ كَبِيرَيْنِ فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَإِنْ كَانَ يَسْعَى عَلَى نَفْسِهِ يُعِفُّهَا فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَإِنْ كَانَ خَرَجَ رِيَاءً وَمُفَاخَرَةً فَهُوَ فِي سَبِيلِ الشَّيْطَانِ”. وقال صلى الله عليه وسلم :« وَلَسْتَ تُنْفِقُ نَفَقَةً تَبْتَغِي بِهَا وَجْهَ اللَّهِ إِلَّا أُجِرْتَ بِهَا ، حَتَّى اللُّقْمَةُ تَجْعَلُهَا فِي فِي امْرَأَتِكَ» [أخرجه البخاري ومسلم] ،
وتأمل معي قوله صلى الله عليه وسلم :«تبتغي بها وجه الله» وذلك لتخرج المنفق من أسر العادات ،أي أنفق على أهلك واحتسب ثواب ذلك عند ربك ، ولقول نبينا صلى الله عليه وسلم في صحيح مسلم : «إِنَّ الْمُسْلِمَ إِذَا أَنْفَقَ عَلَى أَهْلِهِ نَفَقَةً وَهُوَ يَحْتَسِبُهَا كَانَتْ لَهُ صَدَقَةً» . وعَنِ العِرْبَاضِ بْنِ سَارِيَةَ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ
« إِنَّ الرَّجُلَ إِذَا سَقَى امْرَأَتَهُ مِنَ الْمَاءِ أُجِرَ ». قَالَ فَأَتَيْتُهَا فَسَقَيْتُهَا وَحَدَّثْتُهَا بِمَا سَمِعْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-. [أخرجه الإمام أحمد في مسنده] . ولقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم من إهمال النفقة على الأهل والولد فقال في سنن أبي داود : «كَفَى بِالْمَرْءِ إِثْمًا أَنْ يُضَيِّعَ مَنْ يَقُوتُ» أي : من يلزمه قوته ونفقته . وفي رواية للنسائي في الكبرى قال صلى الله عليه وسلم :« كَفَى بِالْمَرْءِ إِثْمًا أَنْ يُضَيِّعَ مَنْ يَعُول» . سادسا : ومما يُستفاد من قصة الحديث : أنّ الله أوكل أمور تدبير الكون للملائكة الكرام عليهم السلام ، كما قال سبحانه : ( فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْرًا)، فقد أقسم الله تعالى بالملائكة الذين وكلهم الله أن يدبروا كثيرا من أمور العالم العلوي والسفلي، من الأمطار، والنبات، والأشجار، والرياح، والبحار، والأجنة، والحيوانات، والجنة، والنار ، وغير ذلك. سابعا: ومما يُستفاد من قصة الحديث : أنّ العبد الصالح يُرزق من حيث لا يحتسب ، فهذا الرجل المتصدق رزق أمرين : الأول : رزق من ماء السماء . الثاني : من يخبره بما يدل على مكانته عند الله . ولو شاء الله لما هيأ له هذا المخبر .
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية (اسْقِ حَدِيقَةَ فُلاَنٍ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
وفي قصة الحديث السابق أن هذا الرجل عرف حق الله وحقوق الفقراء في ماله ، فعرفه الله وأمده من فضله
فالزكاة على ما تخرجه الأرض من أركان الإسلام ، وقد حث عليها سيد الأنام صلى الله عليه وسلم ، فقد قال الله تعالى (وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ جَنَّاتٍ مَعْرُوشَاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفًا أُكُلُهُ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشَابِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ) (141) الانعام ،فالزكاة حقّ افترضه الله للفقراء في أموال الأغنياء. والزكاة فريضة المال، أوجبها الله على من ملك نصابًا من الأموال، وله المنة سبحانه في ذلك عليهم، حيث وهبهم الكثير، وجعلهم أمناء عليه، ينفذون فيه أمره، ويتسابقون في دفع الحاجة عن عباده الفقراء، قال تعالى ( آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَأَنْفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ ) [الحديد:7]. وفي إخراج الزكاة إخلاص العبودية لله سبحانه؛ فإن شهادة أن لا إله إلا الله تتضمن إفراد المعبود سبحانه بالعبادة، وإن من شروط الوفاء بها أن لا يبقى للموحّد محبوب لذاته سوى الواحد الفرد، وإنما يمتحن المحبّ بتخلّيه عن محبوبة، والأموال محبوبة عند الخلائق؛ لأنها آلة تمتُّعهم بالدنيا، وبسببها يأنسون بهذا العالم وينفرون عن الموت، ولهذا تجد المرء يفادي بنفسه وماله كل شيء؛ ولهذا امتحنهم الله بهما، قال تعالى ( إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنْ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمْ الْجَنَّةَ ) [التوبة:111]. وروى البيهقي في سننه والحاكم في مستدركه (حَدَّثَنَا أَبُو الْمُثَنَّى الْعَبْدِىُّ قَالَ سَمِعْتُ ابْنَ الْخَصَاصِيَةِ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ : أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- لأُبَايِعَهُ عَلَى الإِسْلاَمِ فَاشْتَرَطَ عَلَىَّ :« تَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ وَتُصَلِّى الْخَمْسَ وَتَصُومُ رَمَضَانَ وَتُؤَدِّى الزَّكَاةَ وَتَحُجُّ الْبَيْتَ وَتُجَاهِدُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ». قَالَ قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ أَمَّا اثْنَتَانِ فَلاَ أُطِيقُهُمَا أَمَّا الزَّكَاةُ فَمَا لِي إِلاَّ عَشْرُ ذَوْدٍ هُنَّ رِسْلُ أَهْلِي وَحَمُولَتُهُمْ وَأَمَّا الْجِهَادُ فَيَزْعُمُونَ أَنَّهُ مَنْ وَلَّى فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنْ اللَّهِ فَأَخَافُ إِذَا حَضَرَنِي قِتَالٌ كَرِهْتُ الْمَوْتَ وَجَشِعَتْ نَفْسِى ، قَالَ فَقَبَضَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَدَهُ ثُمَّ حَرَّكَهَا ثُمَّ قَالَ:« لاَ صَدَقَةَ وَلاَ جِهَادَ فَبِمَ تَدْخُلُ الْجَنَّةَ؟ » قَالَ ثُمَّ قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ أُبَايِعُكَ فَبَايَعَنِي عَلَيْهِنَّ كُلِّهِنَّ. ) ، ومما يستفاد من قصة الحديث السابق : أن الله يرزق من يشاء ، بأسباب ومن دون أسباب وفق حكمته ، وهذا بفعل الطاعات ، ومنها الإنفاق في سبيل الله فهو من أعظم أسباب حصول الأرزاق . قال تعالى (كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًا قَالَ يَامَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ) (37) آل عمران وقال تعالى (لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ) (38) النور
الدعاء