خطبة عن (من أخلاق الرسول الزهد) مختصرة
سبتمبر 1, 2024خطبة عن (من أخلاق الرسول الخوف والخشية من الله) مختصرة
سبتمبر 1, 2024الخطبة الأولى ( من أخلاق الرسول الرحمة ) مختصرة
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والإيمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
قال الله تعالى في محكم آياته (لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ ) [التوبة: 128] ، وقال تعالى ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ ﴾ [الأنبياء: 107]. وفي المستدرك للحاكم وسنن الدارمي (عَنْ أَبِى صَالِحٍ قَالَ : كَانَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- يُنَادِيهِمْ : « يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا أَنَا رَحْمَةٌ مُهْدَاةٌ ». وروى مسلم في صحيحه (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ادْعُ عَلَى الْمُشْرِكِينَ قَالَ « إِنِّي لَمْ أُبْعَثْ لَعَّانًا وَإِنَّمَا بُعِثْتُ رَحْمَةً ».
إخوة الإسلام
لقد جمع الله سبحانه وتعالى في نبيّه محمد صلى الله عليه وسلم صفات الجمال والكمال البشري ، وتألّقت روحـه الطاهرة بعظيم الشمائـل والخِصال ، وكريم الصفات والأفعال ، حتى أبهرت سيرته القريب والبعيد ، وتملكت هيبتهُ العدوّ والصديق ، ومن سمات الكمال التي تحلّى بها – صلى الله عليه وسلم – خُلُقُ الرحمة والرأفة بالغير ، كيف لا ؟ وهو المبعوث رحمة للعالمين ، فقد وهبه الله قلباً رحيماً ، يرقّ للضعيف ، ويحنّ على المسكين ، ويعطف على الخلق أجمعين ، حتى صارت الرحمة له سجيّة ، فشملت الصغير والكبير ، والقريب والبعيد ، والمؤمن والكافر ، فنال بذلك رحمة الله تعالى ، وهو القائل كما في سنن الترمذي « الرَّاحِمُونَ يَرْحَمُهُمُ الرَّحْمَنُ ارْحَمُوا مَنْ فِي الأَرْضِ يَرْحَمْكُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ)وقد تجلّت رحمته صلى الله عليه وسلم في عددٍ من المظاهر والمواقف ، ومن تلك المواقف والمظاهر والصور لرحمته: رحمته بالأطفال: فكان صلى الله عليه وسلم يعطف على الأطفال ويرقّ لهم ، حتى كان كالوالد لهم ، يقبّلهم ويضمّهم ، ويلاعبهم ويحنّكهم بالتمر ،كما فعل بعبدالله بن الزبير عند ولادته . وروى البخاري (عَنْ عَائِشَةَ – رضى الله عنها – قَالَتْ جَاءَ أَعْرَابِيٌّ إِلَى النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – فَقَالَ تُقَبِّلُونَ الصِّبْيَانَ فَمَا نُقَبِّلُهُمْ . فَقَالَ النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – « أَوَ أَمْلِكُ لَكَ أَنْ نَزَعَ اللَّهُ مِنْ قَلْبِكَ الرَّحْمَةَ » وكان إذا دخل في الصلاة فسمع بكاء الصبيّ ، أسرع في أدائها وخفّفها ، (فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِى قَتَادَةَ الأَنْصَارِيِّ عَنْ أَبِيهِ قَالَ ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – « إِنِّي لأَقُومُ إِلَى الصَّلاَةِ وَأَنَا أُرِيدُ أَنْ أُطَوِّلَ فِيهَا ، فَأَسْمَعُ بُكَاءَ الصَّبِىِّ ، فَأَتَجَوَّزُ فِي صَلاَتِي كَرَاهِيَةَ أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمِّهِ ») رواه البخاري ،وكان يحزن لفقد الأطفال ، ويصيبه ما يصيب البشر ، مع كامل الرضا والتسليم ، والصبر والاحتساب ، ولما مات حفيده صلى الله عليه وسلم فاضت عيناه ، ففي البخاري (أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ – رضى الله عنهما – قَالَ أَرْسَلَتِ ابْنَةُ النَّبِىِّ – صلى الله عليه وسلم – إِلَيْهِ إِنَّ ابْنًا لِى قُبِضَ فَائْتِنَا . فَأَرْسَلَ يُقْرِئُ السَّلاَمَ وَيَقُولُ « إِنَّ لِلَّهِ مَا أَخَذَ وَلَهُ مَا أَعْطَى وَكُلٌّ عِنْدَهُ بِأَجَلٍ مُسَمًّى فَلْتَصْبِرْ وَلْتَحْتَسِبْ » . فَأَرْسَلَتْ إِلَيْهِ تُقْسِمُ عَلَيْهِ لَيَأْتِيَنَّهَا ، فَقَامَ وَمَعَهُ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ وَمُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ وَأُبَىُّ بْنُ كَعْبٍ وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ وَرِجَالٌ ، فَرُفِعَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – الصَّبِىُّ وَنَفْسُهُ تَتَقَعْقَعُ – قَالَ حَسِبْتُهُ أَنَّهُ قَالَ – كَأَنَّهَا شَنٌّ . فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ . فَقَالَ سَعْدٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا هَذَا فَقَالَ « هَذِهِ رَحْمَةٌ جَعَلَهَا اللَّهُ فِى قُلُوبِ عِبَادِهِ ، وَإِنَّمَا يَرْحَمُ اللَّهُ مِنْ عِبَادِهِ الرُّحَمَاءَ » وها هو صلى الله عليه وسلم يقبل الحسن بن علي رحمة به: فقد روى البخاري (أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ – رضى الله عنه – قَالَ قَبَّلَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – الْحَسَنَ بْنَ عَلِىٍّ وَعِنْدَهُ الأَقْرَعُ بْنُ حَابِسٍ التَّمِيمِيُّ جَالِسًا . فَقَالَ الأَقْرَعُ إِنَّ لِي عَشَرَةً مِنَ الْوَلَدِ مَا قَبَّلْتُ مِنْهُمْ أَحَدًا . فَنَظَرَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – ثُمَّ قَالَ « مَنْ لاَ يَرْحَمُ لاَ يُرْحَمُ ») ومن مظاهر رحمته صلى الله عليه وسلم أيضا رحمته بالنساء ، فقد ضرب صلى الله عليه وسلم أروع الأمثلة في التلطّف مع أهل بيته ، حتى إنه كان يجلس عند بعيره فيضع ركبته وتضع صفية رضي الله عنها رجلها على ركبته حتى تركب البعير ، وكان عندما تأتيه ابنته فاطمة رضي الله عنها يأخذ بيدها ويقبلها ، ويجلسها في مكانه الذي يجلس فيه .ومن رحمته بالنساء رحمته بزوجه عائشة رضي الله عنها: ففي سنن أبي داود (عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ قَالَ اسْتَأْذَنَ أَبُو بَكْرٍ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ عَلَى النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- فَسَمِعَ صَوْتَ عَائِشَةَ عَالِيًا فَلَمَّا دَخَلَ تَنَاوَلَهَا لِيَلْطِمَهَا وَقَالَ لاَ أَرَاكِ تَرْفَعِينَ صَوْتَكِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَجَعَلَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- يَحْجُزُهُ وَخَرَجَ أَبُو بَكْرٍ مُغْضَبًا فَقَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- حِينَ خَرَجَ أَبُو بَكْرٍ « كَيْفَ رَأَيْتِنِي أَنْقَذْتُكِ مِنَ الرَّجُلِ ». قَالَ فَمَكَثَ أَبُو بَكْرٍ أَيَّامًا ثُمَّ اسْتَأْذَنَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَوَجَدَهُمَا قَدِ اصْطَلَحَا فَقَالَ لَهُمَا أَدْخِلاَنِي فِي سِلْمِكُمَا كَمَا أَدْخَلْتُمَانِي فِي حَرْبِكُمَا. فَقَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- « قَدْ فَعَلْنَا قَدْ فَعَلْنَا ». ) فمن مظاهر رحمته صلى الله عليه وسلم رحمته بالضعفاء عموماً فكان صلى الله عليه وسلم يهتمّ بأمر الضعفاء والخدم ، الذين هم مظنّة وقوع الظلم عليهم ، والاستيلاء على حقوقهم ، وكان يقول في شأن الخدم كما في البخاري « نَعَمْ ، هُمْ إِخْوَانُكُمْ ، جَعَلَهُمُ اللَّهُ تَحْتَ أَيْدِيكُمْ ، فَمَنْ جَعَلَ اللَّهُ أَخَاهُ تَحْتَ يَدِهِ فَلْيُطْعِمْهُ مِمَّا يَأْكُلُ ، وَلْيُلْبِسْهُ مِمَّا يَلْبَسُ ، وَلاَ يُكَلِّفُهُ مِنَ الْعَمَلِ مَا يَغْلِبُهُ ، فَإِنْ كَلَّفَهُ مَا يَغْلِبُهُ فَلْيُعِنْهُ عَلَيْهِ » ، ومن مظاهر الرحمة بهم كذلك ، ما جاء في قوله صلى الله عليه وسلم في مسند أحمد « إِذَا جَاءَ خَادِمُ أَحَدِكُمْ بِطَعَامِهِ فَلْيُقْعِدْهُ مَعَهُ أَوْ لِيُنَاوِلْهُ مِنْهُ فَإِنَّهُ هُوَ الَّذِى وَلِىَ حَرَّهُ وَدُخَانَهُ ». ومثل ذلك اليتامى والأرامل ، فقد حثّ الناس على كفالة اليتيم ، وكان يقول كما عند البخاري: « أَنَا وَكَافِلُ الْيَتِيمِ فِي الْجَنَّةِ هَكَذَا » . وَقَالَ بِإِصْبَعَيْهِ السَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى) ، وجعل الساعي على الأرملة والمسكين كالمجاهد في سبيل الله ، وكالذي يصوم النهار ويقوم الليل ، واعتبر وجود الضعفاء في الأمة ، والعطف عليهم سبباً من أسباب النصر على الأعداء ، فقال صلى الله عليه وسلم : فيما رواه البخاري « هَلْ تُنْصَرُونَ وَتُرْزَقُونَ إِلاَّ بِضُعَفَائِكُمْ » ومن صور رحمته صلى الله عليه وسلم بالخدم والعبيد ما رواه مسلم في صحيحه (قَالَ أَبُو مَسْعُودٍ الْبَدْرِىُّ كُنْتُ أَضْرِبُ غُلاَمًا لِى بِالسَّوْطِ فَسَمِعْتُ صَوْتًا مِنْ خَلْفِي « اعْلَمْ أَبَا مَسْعُودٍ ». فَلَمْ أَفْهَمِ الصَّوْتَ مِنَ الْغَضَبِ – قَالَ – فَلَمَّا دَنَا مِنِّى إِذَا هُوَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَإِذَا هُوَ يَقُولُ « اعْلَمْ أَبَا مَسْعُودٍ اعْلَمْ أَبَا مَسْعُودٍ ». قَالَ فَأَلْقَيْتُ السَّوْطَ مِنْ يَدِى فَقَالَ « اعْلَمْ أَبَا مَسْعُودٍ أَنَّ اللَّهَ أَقْدَرُ عَلَيْكَ مِنْكَ عَلَى هَذَا الْغُلاَمِ ». قَالَ فَقُلْتُ لاَ أَضْرِبُ مَمْلُوكًا بَعْدَهُ أَبَدًا.)
ومن مظاهر رحمته صلى الله عليه وسلم أنه كان يرحم أهل الجفاء والغلظة في القول من الأعراب : روي أن أعرابيًّا جاءه يطلب منه شيئًا فأعطاه، ثم قال: ((أأحسنت إليك؟))، قال الأعرابي: لا، ولا أجملتَ، فغضب المسلمون، وقاموا إليه، فأشار إليهم أن كُفوا، ثم قام ودخل منزله وأرسل إليه وزاده شيئًا، ثم قال: ((أأحسنتُ إليك؟))، فقال: نعم، فجزاك الله من أهل وعشيرة خيرًا، فقال (عليه الصلاة والسلام): ((إنك قلتَ ما قلت، وفي أنفس أصحابي من ذلك شيء، فإن أحببت فقل بين أيديهم ما قلت بين يدي؛ حتى يذهب ما في صدورهم عليك))، قال: نعم، فلما كان الغد – أو العشي – جاء فقال (عليه الصلاة والسلام): ((إن هذا الأعرابي قال ما قال فزدناه، فزعم أنه رضي، أكذلك؟))، قال: نعم، فجزاك الله من أهل وعشيرة خيرًا، فقال (عليه الصلاة والسلام): ((مثَلي ومثل هذا مثل رجل له ناقة شردت عليه، فاتبعها الناس فلم يزيدوها إلا نفورًا، فناداهم صاحبها: خلُّوا بيني وبين ناقتي؛ فإني أرفق بها منكم وأعلم، فتوجه لها بين يديها، فأخذ لها من قمام الأرض، فردها، حتى جاءت واستناخت، وشد عليها رحلها، واستوى عليها، وإني لو تركتكم حيث قال الرجل ما قال فقتلتموه دخل النار)). وقال صلى الله عليه وسلم « أَلاَ لاَ يُبَلِّغْنِي أَحَدٌ مِنْكُمْ عَنْ أَحَدٍ مِنْ أَصْحَابِي شيءْ فَإِنِّي أُحِبُّ أَنْ أَخْرُجَ إِلَيْكُمْ وَأَنَا سَلِيمُ الصَّدْرِ » [رواه البيهقي في السنن الكبرى]. ومن مظاهر رحمته صلى الله عليه وسلم رحمته بالبهائم فقد شملت رحمته صلى الله عليه وسلم البهائم التي لا تعقل فها هو رسول الله صلى الله عليه وسلم ( دَخَلَ حَائِطاً لِرَجُلٍ مِنَ الأَنْصَارِ فَإِذَا فِيهِ نَاضِحٌ لَهُ فَلَمَّا رَأَى النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- حَنَّ وَذَرَفَتْ عَيْنَاهُ فَنَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَمَسَحَ ذِفْرَاهُ وَسَرَاتَهُ فَسَكَنَ فَقَالَ « مَنْ رَبُّ هَذَا الْجَمَلِ ». فَجَاءَ شَابٌّ مِنَ الأَنْصَارِ فَقَالَ أَنَا. فَقَالَ « أَلاَ تَتَّقِى اللَّهَ فِي هَذِهِ الْبَهِيمَةِ الَّتِي مَلَّكَكَ اللَّهُ إِيَّاهَا فَإِنَّهُ شَكَاكَ إِلَىَّ وَزَعَمَ أَنَّكَ تُجِيعُهُ وَتُدْئِبُهُ » رواه أحمد وأبو داوود . ومن رحمته صلى الله عليه وسلم بالطير . ما رواه أبو داود في سننه (عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فِي سَفَرٍ فَانْطَلَقَ لِحَاجَتِهِ فَرَأَيْنَا حُمَّرَةً مَعَهَا فَرْخَانِ فَأَخَذْنَا فَرْخَيْهَا فَجَاءَتِ الْحُمَّرَةُ فَجَعَلَتْ تَفْرُشُ فَجَاءَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ « مَنْ فَجَعَ هَذِهِ بِوَلَدِهَا رُدُّوا وَلَدَهَا إِلَيْهَا ». وَرَأَى قَرْيَةَ نَمْلٍ قَدْ حَرَّقْنَاهَا فَقَالَ « مَنْ حَرَّقَ هَذِهِ ». قُلْنَا نَحْنُ. قَالَ « إِنَّهُ لاَ يَنْبَغِي أَنْ يُعَذِّبَ بِالنَّارِ إِلاَّ رَبُّ النَّارِ ». ولم تقتصر رحمته صلى الله عليه وسلم على الحيوانات ، بل تعدّت ذلك إلى الرحمة بالجمادات ، ومن مظاهر رحمته صلى الله عليه وسلم رحمته بالجمادات : حادثة حنين الجذع ، فإنه لمّا شقّ على النبي صلى الله عليه وسلم طول القيام ، استند إلى جذعٍ بجانب المنبر ، فكان إذا خطب الناس اتّكأ عليه ، ثم ما لبث أن صُنع له منبر ، فتحول إليه وترك ذلك الجذع ، فحنّ الجذع إلى النبي صلى الله عليه وسلم حتى سمع الصحابة منه صوتاً كصوت البعير ، (فعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- كَانَ يَخْطُبُ إِلَى جِذْعٍ فَلَمَّا صُنِعَ الْمِنْبَرُ فَتَحَوَّلَ إِلَيْهِ حَنَّ الْجِذْعُ فَأَتَاهُ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَاحْتَضَنَهُ فَسَكَنَ وَقَالَ « لَوْ لَمْ أَحْتَضِنْهُ لَحَنَّ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ » رواه أحمد .
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( من أخلاق الرسول الرحمة ) مختصرة
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والإيمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
ومن مظاهر رحمته صلى الله عليه وسلم رحمته بالأعداء وبالكفَّار حرباً وسلماً فقد تجلّت رحمته صلى الله عليه وسلم في ذلك الموقف العظيم ، يوم فتح مكة وتمكين الله تعالى له ، حينما أعلنها صريحةً واضحةً لمن قال اليوم يوم الملحمة فقال صلى الله عليه وسلم ( اليوم يوم المرحمة ) ، وأصدر عفوه العام عن قريش التي لم تدّخر وسعاً في إلحاق الأذى بالمسلمين ، فقابل الإساءة بالإحسان ، والأذيّة بحسن المعاملة .وروى البخاري في صحيحه (أَنَّ عَائِشَةَ – رضى الله عنها – زَوْجَ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – حَدَّثَتْهُ أَنَّهَا قَالَتْ لِلنَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – هَلْ أَتَى عَلَيْكَ يَوْمٌ كَانَ أَشَدَّ مِنْ يَوْمِ أُحُدٍ قَالَ « لَقَدْ لَقِيتُ مِنْ قَوْمِكِ مَا لَقِيتُ ، وَكَانَ أَشَدُّ مَا لَقِيتُ مِنْهُمْ يَوْمَ الْعَقَبَةِ ، إِذْ عَرَضْتُ نَفْسِى عَلَى ابْنِ عَبْدِ يَالِيلَ بْنِ عَبْدِ كُلاَلٍ ، فَلَمْ يُجِبْنِي إِلَى مَا أَرَدْتُ ، فَانْطَلَقْتُ وَأَنَا مَهْمُومٌ عَلَى وَجْهِى ، فَلَمْ أَسْتَفِقْ إِلاَّ وَأَنَا بِقَرْنِ الثَّعَالِبِ ، فَرَفَعْتُ رَأْسِي ، فَإِذَا أَنَا بِسَحَابَةٍ قَدْ أَظَلَّتْنِي ، فَنَظَرْتُ فَإِذَا فِيهَا جِبْرِيلُ فَنَادَانِي فَقَالَ إِنَّ اللَّهَ قَدْ سَمِعَ قَوْلَ قَوْمِكَ لَكَ وَمَا رَدُّوا عَلَيْكَ ، وَقَدْ بَعَثَ إِلَيْكَ مَلَكَ الْجِبَالِ لِتَأْمُرَهُ بِمَا شِئْتَ فِيهِمْ ، فَنَادَانِي مَلَكُ الْجِبَالِ ، فَسَلَّمَ عَلَىَّ ثُمَّ قَالَ يَا مُحَمَّدُ ، فَقَالَ ذَلِكَ فِيمَا شِئْتَ ، إِنْ شِئْتَ أَنْ أُطْبِقَ عَلَيْهِمِ الأَخْشَبَيْنِ ، فَقَالَ النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – بَلْ أَرْجُو أَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ مِنْ أَصْلاَبِهِمْ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ وَحْدَهُ لاَ يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا » ومن مظاهر رحمته صلى الله عليه وسلم رحمته بأهل المعاصي والتائبين فقد روى البخاري في صحيحه (أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ – رضى الله عنه – قَالَ بَيْنَمَا نَحْنُ جُلُوسٌ عِنْدَ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – إِذْ جَاءَهُ رَجُلٌ ، فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلَكْتُ . قَالَ « مَا لَكَ » . قَالَ وَقَعْتُ عَلَى امْرَأَتِي وَأَنَا صَائِمٌ . فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – « هَلْ تَجِدُ رَقَبَةً تُعْتِقُهَا » . قَالَ لاَ . قَالَ « فَهَلْ تَسْتَطِيعُ أَنْ تَصُومَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ » . قَالَ لاَ . فَقَالَ « فَهَلْ تَجِدُ إِطْعَامَ سِتِّينَ مِسْكِينًا » . قَالَ لاَ . قَالَ فَمَكَثَ النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – ، فَبَيْنَا نَحْنُ عَلَى ذَلِكَ أُتِىَ النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – بِعَرَقٍ فِيهَا تَمْرٌ – وَالْعَرَقُ الْمِكْتَلُ – قَالَ « أَيْنَ السَّائِلُ » . فَقَالَ أَنَا . قَالَ « خُذْهَا فَتَصَدَّقْ بِهِ » . فَقَالَ الرَّجُلُ أَعَلَى أَفْقَرَ مِنِّى يَا رَسُولَ اللَّهِ فَوَ اللَّهِ مَا بَيْنَ لاَبَتَيْهَا – يُرِيدُ الْحَرَّتَيْنِ – أَهْلُ بَيْتٍ أَفْقَرُ مِنْ أَهْلِ بَيْتِي ، فَضَحِكَ النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – حَتَّى بَدَتْ أَنْيَابُهُ ثُمَّ قَالَ « أَطْعِمْهُ أَهْلَكَ » وفي الحديث المتفق عليه (عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ – رضى الله عنه – قَالَ كُنْتُ عِنْدَ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – فَجَاءَهُ رَجُلٌ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي أَصَبْتُ حَدًّا فَأَقِمْهُ عَلَىَّ . قَالَ وَلَمْ يَسْأَلْهُ عَنْهُ . قَالَ وَحَضَرَتِ الصَّلاَةُ فَصَلَّى مَعَ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – فَلَمَّا قَضَى النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – الصَّلاَةَ قَامَ إِلَيْهِ الرَّجُلُ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي أَصَبْتُ حَدًّا ، فَأَقِمْ فِيَّ كِتَابَ اللَّهِ . قَالَ « أَلَيْسَ قَدْ صَلَّيْتَ مَعَنَا » . قَالَ نَعَمْ . قَالَ « فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ غَفَرَ لَكَ ذَنْبَكَ » أَوْ قَالَ « حَدَّكَ » وكان صلى الله عليه وسلم رحيما بالمسلمين فيرفق عليهم حتى في أداء العبادات فقد روى البخاري في صحيحه (عَنْ أَبِى مَسْعُودٍ الأَنْصَارِيِّ قَالَ جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إِنِّي وَاللَّهِ لأَتَأَخَّرُ عَنْ صَلاَةِ الْغَدَاةِ مِنْ أَجْلِ فُلاَنٍ ، مِمَّا يُطِيلُ بِنَا فِيهَا . قَالَ فَمَا رَأَيْتُ النَّبِيَّ – صلى الله عليه وسلم – قَطُّ أَشَدَّ غَضَبًا فِي مَوْعِظَةٍ مِنْهُ يَوْمَئِذٍ ، ثُمَّ قَالَ « يَا أَيُّهَا النَّاسُ ، إِنَّ مِنْكُمْ مُنَفِّرِينَ ، فَأَيُّكُمْ مَا صَلَّى بِالنَّاسِ فَلْيُوجِزْ ، فَإِنَّ فِيهِمُ الْكَبِيرَ وَالضَّعِيفَ وَذَا الْحَاجَةِ »
أيها المسلمون
لقد كانت حياته صلى الله عليه وسلم كلها رحمة ، فهو رحمة ، وشريعته رحمة ، وسيرته رحمة ، وسنته رحمة ، وصدق الله إذ يقول :{ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ}الأنبياء : 107
الدعاء