خطبة عن (صفات الرسول وشمائله الخلقية والخُلقية)
سبتمبر 1, 2024خطبة عن (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا)
سبتمبر 1, 2024الخطبة الأولى (رسول الله قدوتنا) (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ)
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والإيمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته وهو أصدق القائلين : {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا} [الأحزاب: 21]. وقال سبحانه {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} [الحشر: 7]. وفي صحيح البخاري (عَنْ أَبِى مُوسَى عَنِ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ :« مَثَلُ مَا بَعَثَنِي اللَّهُ بِهِ مِنَ الْهُدَى وَالْعِلْمِ كَمَثَلِ الْغَيْثِ الْكَثِيرِ أَصَابَ أَرْضًا ، فَكَانَ مِنْهَا نَقِيَّةٌ قَبِلَتِ الْمَاءَ ، فَأَنْبَتَتِ الْكَلأَ وَالْعُشْبَ الْكَثِيرَ ، وَكَانَتْ مِنْهَا أَجَادِبُ أَمْسَكَتِ الْمَاءَ ، فَنَفَعَ اللَّهُ بِهَا النَّاسَ ، فَشَرِبُوا وَسَقَوْا وَزَرَعُوا ، وَأَصَابَتْ مِنْهَا طَائِفَةً أُخْرَى ، إِنَّمَا هِيَ قِيعَانٌ لاَ تُمْسِكُ مَاءً ، وَلاَ تُنْبِتُ كَلأً ، فَذَلِكَ مَثَلُ مَنْ فَقِهَ فِى دِينِ اللَّهِ وَنَفَعَهُ مَا بَعَثَنِي اللَّهُ بِهِ ، فَعَلِمَ وَعَلَّمَ ، وَمَثَلُ مَنْ لَمْ يَرْفَعْ بِذَلِكَ رَأْسًا ، وَلَمْ يَقْبَلْ هُدَى اللَّهِ الَّذِى أُرْسِلْتُ بِهِ »
إخوة الإسلام
إن وجود القدوة الحسنة في حياة الأمم والشعوب والدعوات ضرورة حتمية، ليُقتدَى بها .لذلك جعل الله تعالى رسولَه محمدا صلى الله عليه وسلم قدوةً ونموذجًا يجسِّد الدين الذي أُرِسَل به ، حتى يعيش الناس مع هذا الدين واقعًا حقيقيًّا بعيدًا عن الأفكار المجردة، فكان الرسول عليه الصلاة والسلام خيرَ قدوة للأمة في تطبيق هذا الدين، وليكون منارًا لها إلى يوم القيامة، لذا فإنه يجب على كل مسلم الاقتداء والتأسي برسول الله صلى الله عليه وسلم ; فالاقتداء أساس الاهتداء، قال تعالى: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللهَ كَثِيرًا ). [الأحزاب: 21].
ولقد كان النبي صلى الله عليه وسلم قدوةً كاملةً في جميع جوانب سيرته، إيمانيًّا وتعبديًّا وخُلقًا وسلوكًا وتعاملاً مع غيره، وفي جميع أحواله، فكانت سيرته مثاليةً للتطبيق على أرض الواقع، ومؤثرةً في النفوس البشرية؛ فقد اجتمعت فيها صفات الكمال وإيحاءات التأثير البشري، واقترن فيها القول بالعمل، ولا ريب أن القدوة العملية أقوى تأثيرًا في النفوس من الاقتصار على الإيحاء النظري، ولهذه العلة أرسل الله تعالى الرسل ليخالطهم الناسُ ويقتدوا بهداهم، وأرسل الله رسوله ليكون للناس أسوةً حسنةً يقتدون به، ويتأسون بسيرته.. قال تعالى: (أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللهُ فَبِهُدَاهُمْ اقْتَدِهِ ) الأنعام 90 ،
ولقد شهد لرسول الله صلى الله عليه وسلم الجميع -مسلمون وغير مسلمين- قديمًا وحديثًا بهذه الشهادة، وهي أنه صلى الله عليه وسلم أفضل البشر، وأَثْنَوْا على صفاته وأخلاقه صلى الله عليه وسلم. وما من إنسان يُمكن أن يُوضع في مقارنة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فهو السابق في كل الأمور في التقوى والشجاعة، والجود والرحمة، والحلم والتسامح.. وكافة صنوف الأخلاق الحميدة. ولأنه صلى الله عليه وسلم هو أسوتنا وقدوتنا في كل أمر، فإنه لم يترك أمرًا من أمور الحياة كبُر أم صغُر إلَّا وأوضح لنا أصول التعامل الصحيح معه، لكي تستقيم خطواتنا على سبيل الشرع الإسلامي، ولا تحيد عنه فتزلّ ونهلك، يقول صلى الله عليه وسلم: «مَا تَرَكْتُ شَيْئًا مِمَّا أَمَرَكُمُ اللهُ بِهِ، إِلا أَمَرْتُكُمْ بِهِ، وَمَا تَرَكْتُ شَيْئًا مِمَّا نَهَاكُمُ اللهُ عَنْهُ إِلا وَقَدْ نَهَيْتُكُمْ عَنْهُ…» رواه البيهقي في سننه والطبراني في معجمه.
فهو صلى الله عليه وسلم إمام الدعاة، وهو القدوة والأسوة والمعلم والمربي الحكيم؛ الذي أمر الله تبارك وتعالى باقتفاء نهجه، وأن نقتدي به في عبادتنا ودعوتنا وخلقنا وسلوكنا ومعاملاتنا وجميع أمور حياتنا، قال تعالى: (قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ) (يوسف: 108). وهو صلى الله عليه وسلم قدوة في بيته وأسرته ، ومع زوجاته وبناته، حيث كان يحدِّثهم بأطيب الكلمات، وأرقِّ التعابير، وكان يلاعبهم ويلاطفهم، ويُدخل السرور على قلوبهم، ويعدل بينهم، ولقد وصفت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها خُلق النبي صلى الله عليه وسلم كما في مسند أحمد: (قَالَتْ كَانَ خُلُقُهُ الْقُرْآنَ )، وهو صلى الله عليه وسلم قدوة في مجتمعه: فكان عليه الصلاة والسلام على درجة رفيعة من الخلق والوعي الكبير والحب العظيم في التعامل مع مجتمعه، فلم يكن يستعلي على أحد منهم، بل يقابلهم بالوجه الحسن المبتسم، ويشاركهم في أفراحهم وأتراحهم، ويهتمُّ بقضاياهم، ويسعى لحلها، ويساوي بينهم جميعًا دون تمييز أو تفريق، عربًا كانوا أو عجمًا، صغارًا كانوا أو كبارًا، ومن هنا استمد المجتمع قوته وصلابته واستحالته على الهزيمة والانكسار.
لذا يجب أن يقتدي المجتمع المسلم بجميع عناصره بالمصطفى صلى الله عليه وسلم، فلا يتكبَّر على عباد الله ولا يظلمهم ولا يغشهم ولا يصعِّب أمورهم، ويتواصى بالحق ويتواصى بالصبر ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، حتى يطمئن الناس إلى بعضهم البعض، وتزداد ثقتهم ببعض، فيزول من المجتمع البغض والكراهية، ويحل الوئام والمودة، ومن ثم ينتصر ويحقق ما يرنو إليه من آمال وطموحات. وهو صلى الله عليه وسلم قدوة كحاكم وقائد فأرسى في المجتمع أسس العدل والحرية والمساواة بين جميع أفراد المجتمع، مسلمين وغير مسلمين، ولقد أدهشت العالمَ معاملةُ رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أعدائه وهو متمكِّنٌ منهم، فلم يظهر في التاريخ أرحمُ منه مع أعدائه، رغم ما كان يلاقيه منهم من الأذى والعذاب والتشريد. وكان صلى الله عليه وسلم القائد المتواضع الرقيق؛ الذي يسهر على مصالح الناس، ويستشعر قدر المسئولية الملقاة على عاتق المسئول، ويغرس هذا الفهم في النفوس؛ فهو القائل صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، كما في البخاري: « كُلُّكُمْ رَاعٍ ، وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ ، الإِمَامُ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي أَهْلِهِ وَهْوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا وَمَسْئُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا ، وَالْخَادِمُ رَاعٍ فِي مَالِ سَيِّدِهِ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ )وفي سنن البيهقي وأبي داود(أن رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ :« مَنْ وَلاَّهُ اللَّهُ مِنْ أَمْرِ النَّاسِ شَيْئًا فَاحْتَجَبَ عَنْ حَاجَاتِهِمْ وَخَلَّتِهِمْ وَفَاقَتِهِمُ احْتَجَبَ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَنْ حَاجَتِهِ وَخَلَّتِهِ وَفَاقَتِهِ ».وعلى هذا ربَّى صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم أصحابه، فلما تولَّوا أمر الناس من بعده جعلوه قدوتهم في ذلك، فعزُّوا وسعدوا وأعزُّوا أمتهم ودينهم، فهذا عمر رضي الله عنه كان حينما يعطي عماله- أي الذين سيتولون أمور الناس- خطابَ التكليف.. يقول لهم: “إني لم أبعثكم أمراء ولا جبابرة، ولكن بعثتكم أئمة الهدى يُقتَدى بكم، فلا تمنعوا الناس حقوقهم فتظلموهم”.
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( الرسول صلى الله عليه وسلم قدوتنا )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والإيمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
وهو صلى الله عليه وسلم قدوة في الإصلاح والتغيير فلقد واجه النبي صلى الله عليه وسلم أوضاعًا سياسية غاية في الفساد، على المستوى المحلي والإقليمي والدولي، ولمواجهتها وتغييرها أعلن منذ البداية أنَّ الإيمان الصحيح والعقيدة السليمة هما وحدهما طريق الإصلاح وسبيل التغيير، وأرسى منذ اللحظة الأولى أهم قاعدة للإصلاح والتغيير حين قال كما في مسند أحمد وغيره : « يَا أَيُّهَا النَّاسُ قُولُوا لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ تُفْلِحُوا » وظل صلى الله عليه وسلم يغرس الإيمانَ في القلوبِ ويزكِّي به النفوس ويطهِّر به الأفئدة، ويُقيم به بعد ذلك دعائم الدولة.وهذه كانت نقطة الانطلاق لتحقيق التغيير والإصلاح على كافة الجوانب وفي مستوياتها المختلفة، على أساسٍ متين من الإيمان الصحيح والعقيدة السليمة في قلوب أفرادٍ ربانيين، أنشأوا مجتمعًا صالحًا إيمانيًّا ، ودولةً فاضلةً ربانيةً، غيَّرت وجه التاريخ.
والسؤال : كيف نقتدي برسول الله صلى الله عليه وسلم؟ ، والجواب : إنَّ أوَّل خطوة على طريق الاقتداء بالنبي الكريم هي : مدارسة سيرة النبي الكريم وسنَّته؛ حتى نتعلَّم كيف كانت حياته، وكيف كانت معاملاته، وكيف كان يسير في جوانب حياته كلِّها، فإنه صلى الله عليه وسلم هو الإنسان الوحيد على وجه البسيطة الذي كانت حياته كلُّها كتابًا مفتوحًا للجميع، فلم يكن في حياته الجانب الخاص الذي لا يعرفه الناس، بل إنَّ حياته من أصغر صغيرةٍ وأخصِّ خصِّيصةٍ فيها كانت معروفةً لأصحابه، بل إنَّها دُوِّنت حتى تقرأها أمَّته من بعده إلى قيام الساعة. كما يجب أن نستخرج من خلال قراءتنا لسيرة النبي صلى الله عليه وسلم روحه في التعامل مع الأمور، لذا ينبغي أن تكون قراءتنا لحياة نبينا قراءةَ الباحث عن المنهج الذي يضبط له أموره. ولا يجب أن يكون اقتداؤنا بالنبي صلى الله عليه وسلم في جانبٍ دون آخر، أو تكون تعاملاتنا خلاف منهجه، فعلينا الاقتداء الشامل بالنبي الكريم صلى الله عليه وسلم في كافة الجوانب وبذل أقصى جهد لتحقيق ذلك. ومن الأمور التي يجدر التنبيه عليها أيضا في الاقتداء بالنبي – صلى الله عليه وسلم والتأسي به:- العمل بسنته باطنا وظاهرا: مثل سنن الاعتقاد ومجانبة البدعة وأهلها. والسنن المؤكدة : مثل سنن الأكل واللباس والوتر وركعتي الضحى، وسنن المناسك في الحج والعمرة .. وتطبيق السنن المكانية : الذهاب إلى مدينة رسول الله – صلى الله عليه وسلم -، والصلاة في مسجده، والصلاة في مسجد قباء، والصلاة في الروضة الشريفة، ففي البخاري « مَا بَيْنَ بَيْتِي وَمِنْبَرِي رَوْضَةٌ مِنْ رِيَاضِ الْجَنَّةِ » ، والإكثار من الصلاة عليه – صلى الله عليه وسلم ، فقد روى مسلم أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ : (مَنْ صَلَّى عَلَىَّ صَلاَةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا )
أيها المؤمنون
ومع أخلاق الرسول صلى الله عليه وسلم نلتقي في لقاءات قادمة إن شاء الله
الدعاء