خطبة عن حديث (يَا عِبَادِى إِنَّمَا هِىَ أَعْمَالُكُمْ أُحْصِيهَا لَكُمْ ثُمَّ أُوَفِّيكُمْ إِيَّاهَا)
مارس 3, 2018خطبة عن ( اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ )
مارس 3, 2018الخطبة الأولى ( مع الصحابي : (أَبُو سُفْيَانَ بن الْحَارِثِ )
الحمد لله رب العالمين .. اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والإيمان. ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام.. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.. نشهد أنه بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته وهو أصدق القائلين : {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا} [الفتح:29]، وروى مسلم في صحيحه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « النُّجُومُ أَمَنَةٌ لِلسَّمَاءِ فَإِذَا ذَهَبَتِ النُّجُومُ أَتَى السَّمَاءَ مَا تُوعَدُ وَأَنَا أَمَنَةٌ لأَصْحَابِي فَإِذَا ذَهَبْتُ أَتَى أَصْحَابِي مَا يُوعَدُونَ وَأَصْحَابِي أَمَنَةٌ لأُمَّتِي فَإِذَا ذَهَبَ أَصْحَابِي أَتَى أُمَّتِى مَا يُوعَدُونَ ».
إخوة الاسلام
إن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، هم – أبر الناس قلوباً، وأعمقهم علماً ، وأحسنهم خلقاً، واليوم إن شاء الله نريد أن نقترب من أولئك الرجال الأبرار ، لنستقبل فيهم أروع نماذج البشرية ، ولنرى في سيرتهم اسمى ما عرفت البشرية من عظمة ونبل ورشاد ،نقترب منهم لنرى إيمانهم ، وثباتهم ، وبطولاتهم ، وولاءهم لله ورسوله ، لنرى البذل الذي بذلوا ، والهول الذي احتملوا ، والفوز الذي أحرزوا ، نرى الدور الجليل الذي نهضوا به لتحرير البشرية كلها من وثنية الضمير ،وضياع المصير ، حقا ، إنهم فتية آمنوا بربهم ، فزادهم الله هدى ،واليوم إن شاء الله موعدنا مع صحابي جليل ، إنه الصحابي 🙁 أَبُو سُفْيَانَ بن الْحَارِثِ) : أما عن نسبه : فهو أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي القرشي الهاشمي، ابْن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وَهُوَ الأوَّل من أولاد الحارث ذكرًا، وأخو رسول الله من الرضاعة؛ أرضعتهما حليمة السعديَّة، وأمُّه غزية بنت قيس بن طريف، من ولد فهر بن مالك بن النضر بن كنانة، وقد قيل: اسمه الْمُغِيرَة. وقال آخرون: بل اسمه كنيته، والمغيرة أخوه. وكان ترب رسول الله يألفه إلفًا شَدِيدًا قبل النُّبُوَّة، فَلَمَّا بعث عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام عَادَاهُ وهجاه وهجا أَصْحَابه وكان شاعرًا ،وكان أبو سفيان بن الحارث مماثلاً للرسول بالسن، وكان يحبه ويحب مجالسته، ظل الأمر كذلك حتى بعث الرسول برسالة الإسلام فتحول الحب إلى كره وهجاه في الشعر، وقاتل أبو سفيان بجوار قريش ضد المسلمين في غزوة بدر، وفي تلك الغزوة تخلّف أبو لهب وأرسل مكانه العاص بن هشام، وانتظر أبو لهب أخبار المعركة بفارغ الصبر، وذات يوم، وأبو لهب يجلس مع نفر من القرشيين عند زمزم، إذ أبصروا فارساً مقبلاً فلما دنا منهم إذا هو: أبو سفيان بن الحارث، ولم يمهله أبو لهب، فناداه: هلمّ إليّ يا ابن أخي، فعندك لعمري الخبر، حدثنا كيف كان أمر الناس؟. قال أبو سفيان بن الحارث: والله ما هو إلا أن لقينا القوم حتى منحناهم أكتافنا، يقتلوننا كيف شاؤوا، ويأسروننا كيف شاؤوا، وأيم الله ما لمت قريشا، فلقد لقينا رجالا بيضاً على خيل بلق، بين السماء والأرض، ما يشبهها شيء، ولا يقف أمامها شيء
أما عن قصة إسلام أبي سفيان بن الحارث : فقد كان أبو سفيان بن الحارث وعبد الله بن أبي أمية بن المغيرة قد لقيا رسول الله صلى الله عليه وسلم بثنية العقاب، فيما بين مكة والمدينة فالتمسا الدخول عليه فكلمته أم سلمة فيهما، فقالت: يا رسول الله، ابن عمِّك وابن عمَّتك وصهرك، فقال: “لَا حَاجَةَ لِي بِهِمَا: أَمَّا ابْنُ عَمِّي فَهَتَكَ عِرْضِي، وَأَمَّا ابْنُ عَمَّتِي وَصِهْرِي فَهُوَ الَّذِي قَالَ لِي بِمَكَّةَ مَا قَالَ”. فلمَّا خرج الخبر إليهما بذلك ومع أبي سفيان بن الحارث ابنٌ له فقال: والله ليأذنن لي رسول الله صلى الله عليه وسلم أو لآخذنَّ بيد ابني هذا ثم لنذهبنَّ في الأرض حتى نموت عطشًا أو جوعًا، فلمَّا بلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم رقَّ لهما، فدخلا عليه فأنشده أبو سفيان قوله في إسلامه واعتذاره ممَّا كان مضى منه، فقال:
لَعَمْرُكَ إِنِّي يَوْمَ أَحْمِلُ رَايَةً … لِتَغْلِبَ خَيْلُ اللَّاتِ خَيْلَ مُحَمَّدِ
لَكَالْمُدْلِجِ الْحَيْرَانِ أَظْلَمَ لَيْلُهُ … فَهَذَا أَوَانِي حِينَ أُهْدَى وَأَهْتَدِي
هَدَانِي هَادٍ غَيْرُ نَفْسِي وَنَالَنِي … مَعَ اللهِ مَنْ طَرَّدْتُ كُلَّ مُطَرَّدِ
أَصُدُّ وَأَنْأَى جَاهِدًا عَنْ مُحَمَّدٍ … وَأُدْعَى وَإِنْ لَمْ أَنْتَسِبْ مِنْ مُحَمَّدِ
قَالَ: فَذَكَرُوا أَنَّهُ حِينَ أَنْشَدَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَمَنْ طَرَّدْتُ كُلَّ مُطَرَّدِ، ضَرَبَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي صَدْرِهِ وَقَالَ: «أَنْتَ طَرَدْتَنِي كُلَّ مُطَرَّدٍ» ، وقد ذكر الواقدي في مغازيه روايةً أخرى في مغازيه عن إسلام أبي سفيان بن الحارث: قال أبو سفيان، فقلت: من أصحب ومع من أكون؟ قد ضرب الإسلام بجرانه! فجئت زوجتي وولدي، فقلت: تهيَّئوا للخروج فقد أظلَّ قدوم محمد عليكم. قالوا: قد آن لك تبصر أنَّ العرب والعجم قد تبعت محمَّدًا وأنت موضع في عداوته، وكنت أولى الناس بنصره! فقلت لغلامي مذكور: عَجِّل بأبعرةٍ وفرس. قال: ثم سرنا حتى نزلنا الأبواء، وقد نزلتْ مقدِّمتُه الأبواء، فتنكرتُ وخِفتُ أن أُقتل؛ وكان قد هدر دمي، فخرجت، وأجد ابني جعفر على قدمي نحوًا من ميل، في الغداة التي صبح رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها الْأَبْوَاءَ، فأقبل الناس رَسَلًا رَسَلًا، فتنحَّيتُ فَرَقًا من أصحابه، فلمَّا طلع مركبه تصدَّيت له تلقاء وجهه، فلما ملأ عينيه مني أعرض عني بوجهه إلى الناحية الأخرى، فتحوَّلت إلى ناحية وجهه الأخرى، وأعرض عنِّي مرارًا، فأخذني ما قرب وما بعد، وقلت: أنا مقتول قبل أن أصل إليه. وأتذكر برَّه ورحمته وقرابتي فيمسك ذلك مني، وقد كنت لا أشكُّ أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه سيفرحون بإسلامي فرحًا شديدًا، لقرابتي من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلمَّا رأى المسلمون إعراض رسول الله صلى الله عليه وسلم عني أعرضوا عني جميعًا، فلقيني ابن أبي قحافة معرِضًا، ونظرت إلى عمر ويغري بي رجلًا من الأنصار، فألزَّ بي رجلٌ يقول: يا عدوَّ الله، أنت الذي كنت تُؤذِي رسول الله صلى الله عليه وسلم وتُؤذِي أصحابه قد بلغت مشارق الأرض ومغاربها في عداوته! فرددت بعض الردِّ عن نفسي، فاستطال عليَّ، ورفع صوته حتى جعلني في مثل الحرجة من الناس يُسرُّون بما يفعل بي. قال: فدخلت على عمِّي العبَّاس، فقلت: يا عبَّاس ، قد كنت أرجو أن سيفرح رسول الله بإسلامي لقرابتي وشرفي، وقد كان منه ما كان رأيت، فكلِّمْهُ ليرضى عنِّي! قال: لا والله، لا أُكلِّمُه كلمةً فيك أبدًا بعد الذي رأيت منه إلَّا أن أرى وجهًا؛ إنِّي أجلُّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وأهابه. فقلت: يا عمِّي إلى من تكلُني؟ قال: هو ذاك. قال: فلقيت عليًّا رحمة الله عليه فكلَّمته، فقال لي مثل ذلك، فرجعت إلى العبَّاس فقلت: يا عمِّ فكفَّ عنِّي الرجل الذي يشتمني. قال: صِفْهُ لي. فقلت: هو رجلٌ آدم شديد الأدمة، قصير، دحداح ، بين عينيه شجَّة. قال: ذاك نعمان بن الحارث النجاري. فأرسل إليه، فقال: يا نعمان، إنَّ أبا سفيان ابن عمِّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وابن أخي، وإن يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم ساخطًا فسيرضى، فكُفَّ عنه. فبَعْدَ لأيٍ ما كَفَّ. وقال: لا أعرض عنه. قال أبو سفيان: فخرجت فجلست على باب منزل رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى خرج إلى الجحفة، وهو لا يُكلِّمني ولا أحدٌ من المسلمين. وجعلت لا ينزل منزلًا إلَّا أنا على بابه ومعي ابني جعفر قائم، فلا يراني إلَّا أعرض عني، فخرجت على هذه الحال حتى شهدت معه فتح مكَّة وأنا على حيلةٍ تُلازمه حتى هبط من أذاخر حتى نزل الأبطح، فدنوت من باب قبَّته فنظر إلي نظرًا هو ألين من ذلك النظر الأوَّل، قد رجوت أن يتبسم، ودخل عليه نساء بني المطلب، ودخلت معهنَّ زوجتي فرقَّقَتْه عليَّ، وخرج إلى المسجد وأنا بين يديه لا أُفارقه على حالٍ حتى خرج إلى هوازن، فخرجتُ معه، وقد جَمَعت العرب جمعًا لم يُجمع مثله قط، وخرجوا بالنساء والذرية والماشية، فلمَّا لقيتهم قلت: اليوم يرى أثري إن شاء الله، ولمـَّا لقيتهم حملوا الحملة التي ذكر الله: (ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ) التوبة 25. وثبُت رسول الله صلى الله عليه وسلم على بغلته الشهباء وجرَّد سيفه، فأقتحم عن فرسي وبيدي السيف صلتا، قد كُسِرت جفنه، والله أعلم أنِّي أُريد الموت دونه وهو ينظر إليَّ، فأخذ العبَّاس بن عبد المطلب بلجام البغلة، فأخذتُ بالجانب الآخر، فقال: من هذا؟ فذهبت أكشف المغفر، فقال العبَّاس: يا رسول الله، أخوك وابن عمِّك أبو سفيان بن الحارث! فارضَ عنه، أي رسول الله! قال: «قَدْ فَعَلْتُ»، فغفر الله كلَّ عداوةٍ عادانيها! فأقبل رجله في الركاب، ثُمَّ التفت إلي فقال: أخي لعمري! ثم أمر العباس فقال: ناد يا أصحاب البقرة! يا أصحاب السمرة (بيعة الشجرة) يوم الحديبية! يا للمهاجرين! يا للأنصار! يا للخزرج! فأجابوا: لبيك داعي الله! وكروا كرة رجل واحد، قد حطموا الجفون، وشرعوا الرماح، وخفضوا عوالي الأمنة، وأرقلوا إرقال الفحول، فرأيتني وإني لأخاف على رسول الله صلى الله عليه وسلم شروع رماحهم حتى أحدقوا برسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: تقدم فضارب القوم! فحملت حملة أزلتهم عن موضعهم، وتبعني- رسول الله صلى الله عليه وسلم قدما في نحور القوم، ما نالوا ما تقدم، فما قامت لهم قائمة حتى طردتهم قدر فرسخ، وتفرقوا في كل وجه ،وقد كتب الله لهم النصر المبين، ولما انجلى غبارها، التفت الرسول صلى الله عليه وسلم لمن يتشبث بمقود فرسه وتأمله وقال: «من هذا؟ أخي أبو سفيان بن الحارث؟ وما كاد يسمع أبو سفيان كلمة أخي حتى طار فؤاده من الفرح، فأكب على قدمي رسول الله يقبلهما.
أيها المسلمون
وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يحب أبا سفيان وقد شهد له بالجنة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “أَبُو سُفْيَانَ بْنِ الْحَارِثِ سَيِّدُ فِتْيَانِ أَهْلِ الْجَنَّةِ” رواه الحاكم ،وقال -أيضًّا-: “أَرْجُو أَنْ يَكُوْنَ خَلَفًا مِنْ حَمْزَةَ” . وقال صلى الله عليه وسلم: “أَبُو سُفْيَانَ خَيْرُ أَهْلِي، أَوْ مِنْ خَيْرِ أَهْلِي”. وَقَالَ ابْن دريد وغيره من أهل العلم بالخبر: إنَّ قول رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: “كُلُّ الصَّيْدِ فِي جَوْفِ الْفَرَا”: إنَّه أَبُو سُفْيَان بْن الحارث بْن عمِّه هَذَا ، وقد قيل: إنَّ الَّذِينَ كانوا يشبهون رسول الله صلى الله عليه وسلم: جعفر بن أبي طالب، والحسن بن علي، وقثم بن العباس، وأبو سفيان بن الحارث ،وقد روى عنه ولده عبد الملك أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: “يَا بَنِي هَاشِمٍ! إِيَّاكُمْ وَالصَّدَقَةَ ” . وقد ذكر سعيد بن المسيب أنَّ أبا سفيان كان يُصلِّي في الصيف نصف النهار حتى تُكره الصلاة، ثم يُصلِّي من الظهر إلى العصر.
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( مع الصحابي : (أَبُو سُفْيَانَ بن الْحَارِثِ )
الحمد لله رب العالمين .. اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والإيمان. ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام.. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.. نشهد أنه بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
وقد كان أبو سفيان من شعراء بني هاشم، ولكنَّه قبل إسلامه سخَّر شعره وفصاحته في هجاء الإسلام والرسول صلى الله عليه وسلم وقد قال عنه حسَّان بن ثابت رضي الله عنه حينها : أَلَا أَبْلِغْ أَبَا سُفْيَانَ عَنِّي … مُغَلْغَلَةً فَقَدْ بَرَحَ الْخَفَاءُ … هَجَوْتَ مُحَمَّدًا فَأَجَبْتُ عَنْهُ … وَعِنْدَ اللهِ فِي ذَاكَ الْجَزَاءُ
وقد ورد عن أبي سفيان قوله في إسلامه والاعتذار للنبيِّ صلى الله عليه وسلم على ما مضى منه قبل الإسلام:
لَعَمْرُكَ إِنِّي يَوْمَ أَحْمِلُ رَايَةً … لِتَغْلِبَ خَيْلُ اللَّاتِ خَيْلَ مُحَمَّدِ
لَكَالْمُدْلِجِ الْحَيْرَانِ أَظْلَمَ لَيْلُهُ … فَهَذَا أَوَانِي حِينَ أُهْدَى وَأَهْتَدِي
هَدَانِي هَادٍ غَيْرُ نَفْسِي وَنَالَنِي … مَعَ اللهِ مَنْ طَرَّدْتُ كُلَّ مُطَرَّدِ
أَصُدُّ وَأَنْأَى جَاهِدًا عَنْ مُحَمَّدٍ … وَأُدْعَى وَإِنْ لَمْ أَنْتَسِبْ مِنْ مُحَمَّدِ
هُمُ مَا هُمُ مَنْ لَمْ يَقُلْ بِهَوَاهِمُ … وَإِنْ كَانَ ذَا رَأْيٍ يُلَمْ وَيُفَنَّدِ
أُرِيدُ لِأُرْضِيهِمْ وَلَسْتُ بِلَائِطٍ … مَعَ الْقَوْمِ مَا لَمْ أُهْدَ فِي كُلِّ مَقْعَدِ
وقد رثى أبو ســفيان بن الحارث رسول الله صلى الله عليه وسلم حين تُوفِّي بقصيدة، وهي التي يقول فيها:
أَرِقْتُ فَبَاتَ لَيْلِي لَا يَزُولُ … وَلَيْلُ أَخِي الْمُصِيبَةِ فِيهِ طُولُ
وَأَسْعَدَنِي الْبُكَاءُ وَذَاكَ فِيمَا … أُصِيبَ الْمُسْلِمُونَ بِهِ قَلِيلُ
فَقَدْ عَظُمَتْ مُصِيبَتُنَا وَجَلَّتْ … عَشِيَّةَ قِيلَ: قَدْ قُبِضَ الرَّسُولُ
فَقَدْنَا الوَحْيَ وَالتَّنْزِيْلَ فِيْنَا … يَرُوْحُ بِهِ وَيَغْدُو جِبْرَئِيْل
وَذَاكَ أَحَقُّ مَا سَالَتْ عَلَيْهِ … نُفُوْسُ الخَلْقِ أَوْ كَادَتْ تَسِيْل
نَبِيٌّ كَانَ يَجْلُو الشَّكَّ عَنَّا … بِمَا يُوْحَى إِلَيْهِ وَمَا يَقُوْل
وَيَهْدِيْنَا فَلاَ نَخْشَى ضَلاَلًا … عَلَيْنَا وَالرَّسُوْلُ لَنَا دَلِيْلُ
فَلَمْ نَرَ مِثْلَهُ فِي النَّاسِ حَيًّا … وَلَيْسَ لَهُ مِنَ المَوْتَى عَدِيْل
أيها المسلمون
وأقبل أبو ســفيان بن الحارث على العبادة إقبالاً عظيماً، وبعد رحيل الرسول عن الدنيا، تعلقت روحه بالموت ،ليلحق برسول الله في الدار الآخرة، وعاش ما عاش والموت أمنية حياته. فمنذ أن أعلن إسلامه راح يعوض ما فاته من حلاوة الإيمان والعبادة، فكان عابداً ساجداً، وذات يوم شاهده الناس في البقيع يحفر لحداً، ويسويه ويهيئه، فلما أبدوا دهشتهم مما يصنع، قال لهم: إني أعد قبري، وبعد ثلاثة أيام فقط، كان راقداً في بيته، وأهله من حوله يبكون، وفتح عينيه عليهم في طمأنينة سابغة وقال لهم: لا تبكوا عليَّ، فاني لم أتنطف بخطيئة منذ أسلمت. وقبل أن يحني رأسه على صدره، لوح به إلى أعلى، ملقياً على الدنيا تحيَّة الوداع، وقيل إنه توفي إثر جرح في رأسه بسبب الحلاقة لدى حجه عام 20 هجرية، ودفن في البقيع. وقيل: في دار عقيل بن أبي طالب، وصلَّى عليه عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فرضي الله عن الصحابي أَبي سُفْيَانَ بن الْحَارِثِ وآل بيت رسول الله أجمعين ، وجمعنا بهم في الفردوس الأعلى في جنات النعيم
الدعاء