خطبة عن (اللّهُمّ إلَيْك أَشْكُو ضَعْفَ قُوّتِي وَقِلّةَ حِيلَتِي)

   الخطبة الأولى ( اللّهُمّ إلَيْك أَشْكُو ضَعْفَ قُوّتِي ، وَقِلّةَ حِيلَتِي ، وَهَوَانِي عَلَى النّاسِ ) 

 الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه  الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين 

                                     أما بعد  أيها المسلمون    

قال الله تعالى : (وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَأَدْعُو رَبِّي عَسَى أَلَّا أَكُونَ بِدُعَاءِ رَبِّي شَقِيًّا) (48)  مريم، وقال الله تعالى : (قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللَّهِ أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ أَغَيْرَ اللَّهِ تَدْعُونَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (40) بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شَاءَ وَتَنْسَوْنَ مَا تُشْرِكُونَ) (40) ،(41) الأنعام ،وروى الترمذي في سننه بسند صحيح : (عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : كُنْتُ خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَوْمًا فَقَالَ : « يَا غُلاَمُ إِنِّي أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ احْفَظِ اللَّهَ يَحْفَظْكَ احْفَظِ اللَّهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلِ اللَّهَ وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ وَاعْلَمْ أَنَّ الأُمَّةَ لَوِ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلاَّ بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ لَكَ وَلَوِ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إِلاَّ بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْكَ رُفِعَتِ الأَقْلاَمُ وَجَفَّتِ الصُّحُفُ ».

إخوة الإسلام

حين خرج رسول الله – صلى الله عليه وسلم – إلى الطائف داعيًا وهاديًا، يحدوه الأمل في هداية ثقيف، فقد جاء إليهم على قدم وساق، وبقلب يحمل الخير والهدى للعالمين. ولما وصل إلى الطائف ، توجه على التو نحو علية القوم، وقادة ثقيف، وزعماء الطائف، فهو يعلم أن هداية الحكام أكثر أثرًا من هداية المحكومين، فذهب إلى نخبة البلد وأهم ثلاث شخصيات في الطائف، وهم أخوة : عبد ياليل، ومسعود ، وحبيب بنو عمرو . فلما جلس إليهم وكلمهم، سخروا منه، وردوا عليه ردًا منكرًا، وأغروا به السفهاء، وأمطروه ضربًا بالحجارة حتى دميت قدماه، وقذفًا بالهجاء والشتم، وكان “زيد “يقيه بنفسه حتى أصيب في رأسه،  فخرج صلى الله عليه وسلم منها مسرعا ، ودخل بستانا لعتبة وشيبة ، وجلس إلى شجرة عنب ، وكأنما هي المرة الأولى التي يجلس فيها بعد سنين، فقد أعياه الضرب ،والركل، والدماء الشريفة تنزف من وجهه الكريم، ومن قدمه الشريف، فضلاً عن ذلك الجرح النفسي في قلبه الصديع المكلوم ، والأسى الذي ينكأ جروح الماضي، وهنا يتوجه صلى الله عليه وسلم إلى ربه ضارعًا، خاشعًا ، رافعًا يديه إلى السماء، مناجيًا ربه، معتذرًا إليه، متحببًا إليه، بكلمات كريمة ، وبدعاء صادق ،نبع من أعماق قلبه الحزين، وقد امتزجت كلماته بحرقه وجدانه المكسور : فقال : “اللّهُمّ إلَيْك أَشْكُو ضَعْفَ قُوّتِي ، وَقِلّةَ حِيلَتِي ، وَهَوَانِي عَلَى النّاسِ، يَا أَرْحَمَ الرّاحِمِينَ ! أَنْتَ رَبّ الْمُسْتَضْعَفِينَ وَأَنْتَ رَبّي ، إلَى مَنْ تَكِلُنِي ؟ إلَى بَعِيدٍ يَتَجَهّمُنِي ؟ أَمْ إلَى عَدُوّ مَلّكْتَهُ أَمْرِي ؟ إنْ لَمْ يَكُنْ بِك عَلَيّ غَضَبٌ فَلَا أُبَالِي ، وَلَكِنّ عَافِيَتَك هِيَ أَوْسَعُ لِي ، أَعُوذُ بِنُورِ وَجْهِك الّذِي أَشْرَقَتْ لَهُ الظّلُمَاتُ وَصَلُحَ عَلَيْهِ أَمْرُ الدّنْيَا وَالْآخِرَةِ مِنْ أَنْ تُنْزِلَ بِي غَضَبَك ، أَوْ يَحِلّ عَلَيّ سُخْطُكَ، لَك الْعُتْبَى حَتّى تَرْضَى ، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوّةَ إلّا بِك” [ابن هشام ]، لقد كانت إصابته صلى الله عليه وسلم النفسية كبيرة، إلى الدرجة التي نراه ولأول مرة ، يشكو إلى الله قلة حيلته ، وضعف قوته ، وهوانه على الناس . فقال : “اللّهُمّ إلَيْك أَشْكُو ” صلى الله عليك وسلم يا رسول الله ، لقد علمتنا أن الشكاية واللجوء إنما يكون إلى الباري جل في علاه، فهو يجيب المضطر إذا دعاه ،ويكشف الضر ،ويشفي السقيم ، ويقضي الحاجات ، قال الله تعالى :  “وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ ” [البقرة186 ]، وقال الله تعالى : ” أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاء الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ ” [النمل:62]. ثم قال صلى الله عليه وسلم : “إلَيْك أَشْكُو ضَعْفَ قُوّتِي ، وَقِلّةَ حِيلَتِي ، وَهَوَانِي عَلَى النّاسِ ” كلا والله يا رسول الله ، فأنت الأقوى بين بني البشر ، وأنت الأعلى مستعينا بربك ، وأنت الأعظم بين البرية ، يا خير الورى – صلى الله عليك وسلم – . بل من آذوك هم أهل الهوان؛ إذ هانو على أنفسهم، وكذبوا دعوتك، وحجبوا عن قلوبهم نورك. هم الأهون والأذل ، والله ليردنك الله إلى ثقيف وأنت العزيز وهم الأذلاء، حتى إذا قهرتهم في غزوة حنين في العام الثامن من الهجرة، وقتلت منهم وأسرت، جاءوا إليك معتذرين، يطلبون سباياهم، فتفك نساءهم من الأسر ، وأولادهم من الرق ، وتعفو وتصفح الصفح الجميل ، فيدخلوا في الإسلام وافرين ، ويقول صلى الله عليه وسلم : ” يَا أَرْحَمَ الرّاحِمِينَ ! أَنْتَ رَبّ الْمُسْتَضْعَفِينَ وَأَنْتَ رَبّي” . سينصرك الله نصرًا عزيزًا، وينصر جنودك وأتباعك إلى قيام الساعة، ستنكشف الغمة – إن شاء الله تعالى – ، وتفيق الأمة، سيندمل الجرح يا رسول الله، وسيمكن الله لدعوتك، ويستخلف الله عباده المستضعفين، فيرفعوا رايتك، ويطبقوا شرعتك، قال الله تعالى : ” وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ ” [الحج: 39]. ويقول صلى الله عليه وسلم : ” إلَى مَنْ تَكِلُنِي ؟ إلَى بَعِيدٍ يَتَجَهّمُنِي ؟ أَمْ إلَى عَدُوّ مَلّكْتَهُ أَمْرِي” لا تبالي ! “إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ ” [الكوثر3]، إن مبغضك هو المقطوع !”إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ ” [الحجر95]، ” فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ” [البقرة137]، ( طه . مَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى ” [ طه1،2] ،” أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ{1} وَوَضَعْنَا عَنكَ وِزْرَكَ{2} الَّذِي أَنقَضَ ظَهْرَكَ{3} وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ{4} فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً{5} إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً{6} ” [ الشرح : 1-6]. لا تحزن ! سيفتح الله لك قلوب الأبعدين، وسيمكنك الله من رقاب العدوين، فلا يتجهمك الأول ولا يملك أمرك الثاني، بل ستملك زمامهما رغبًا أو رهبًا، ” وَلَن يَجْعَلَ اللّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً ” [ النساء : 141]. “كَتَبَ اللَّهُ : لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي؛ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ ” [ المجادلة:21]. ويقول صلى الله عليه وسلم : “إنْ لَمْ يَكُنْ بِك عَلَيّ غَضَبٌ فَلَا أُبَالِي ، وَلَكِنّ عَافِيَتَك هِيَ أَوْسَعُ لِي” .. والله لم يغضب عليك ! وما أعظم نفسك الكريمة، تتهم نفسك بالتقصير، وما قصرت قيد أنمله، لا تبالي، فقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر ! لا تبالي، فأنت الشافع المشفع لا تبالي، فأنت حبيب الله أنت خليله ! لا تبالي ؛ فعافيته أوسع، ورحمته وسعت كل شيء0  

                               أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم

   الخطبة الثانية ( اللّهُمّ إلَيْك أَشْكُو ضَعْفَ قُوّتِي ، وَقِلّةَ حِيلَتِي ، وَهَوَانِي عَلَى النّاسِ ) 

 الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه  الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين                                     

                                    أما بعد  أيها المسلمون    

ونواصل الحديث عن دعائه صلى الله عليه وسلم حين قفل عائدا من رحلته من الطائف ، فقال : “أَعُوذُ بِنُورِ وَجْهِك الّذِي أَشْرَقَتْ لَهُ الظّلُمَاتُ وَصَلُحَ عَلَيْهِ أَمْرُ الدّنْيَا وَالْآخِرَةِ مِنْ أَنْ تُنْزِلَ بِي غَضَبَك ، أَوْ يَحِلّ عَلَيّ سُخْطُكَ” . ما أكرمك ! تسأل ربك أن يعيذك بوجه الكريم من غضبه وسخطه ! فكيف بنا وكلنا ذنوب ! لا تبالي ، قد أعاذك ولله الحمد بنور وجهه الكريم، الذي أشرقت له الظلمات من غضبه، فاللهم لا تغضب علينا . لا تبالي ، قد أعاذك ولله الحمد بنور وجهه الكريم الذي صلح عليه أمر الدنيا والآخرة من سخطه، فاللهم ارحمنا وارض عنا . ويقول صلى الله عليه وسلم : “لَك الْعُتْبَى حَتّى تَرْضَى”.صلى الله عليك، تتحبب إلى ربك، وتتلطف إليه، وتتودد ، وتؤكد على غايتك الكريمة، وهي رضا مولاك، فله أن يعاتبك حتى يرضى عنك . لا يضيرك شيء ما دام الله راض عنك، لا يحزنك شيء طالمًا الرب يحبك . لله درك !،حتى وأنت نبي الله تصحح نيتك وتوكد مقصدك ؟ ويقول صلى الله عليه وسلم : ” وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوّةَ إلّا بِك” ، تتبرأ من كل حول ومن كل طول ومن كل قوة إلا قوة الله وحوله وطوله، فأنت لا تعترف بأي قوة إلا قوة الله ، فأنت قوي بالله، ولن يخزيك أرحم الراحمين، فلا تبالي

                                        الدعاء