خطبة عن (أيام العشر)
يونيو 1, 2024خطبة عن (أيام العشر أقبلت فاغتنموها)
يونيو 1, 2024الخطبة الأولى ( أيام العشر من ذي الحجة ، ويوم عرفة )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
روى البخاري في صحيحه (عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنِ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – أَنَّهُ قَالَ : « مَا الْعَمَلُ فِي أَيَّامِ الْعَشْرِ أَفْضَلَ مِنَ الْعَمَلِ فِي هَذِهِ » . قَالُوا وَلاَ الْجِهَادُ ،قَالَ « وَلاَ الْجِهَادُ ،إِلاَّ رَجُلٌ خَرَجَ يُخَاطِرُ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ فَلَمْ يَرْجِعْ بِشَيْءٍ »
أيها المسلمون :
من فضل الله تعالى على عباده المؤمنين ،أن جعل لهم مواسم للطاعات، يكثرون فيها من العمل الصالح، ويتنافسون فيها فيما يقربهم إلى رب الارض والسموات، والسعيد من اغتنم تلك المواسم، وجعلها زادا له يقربه من الجنات ، ففي الحديث الذي رواه الطبراني قال صلى الله عليه وسلم: «إن لربكم في أيام دهركم نفحات، فتعرضوا لها لعل أحدكم أن يصيبه منها نفحة لا يشقى بعدها أبداً» ،ومن هذه المواسم الفاضلة : هذه الأيام العشر من ذي الحجة، وهي أيام شهد لها الرسول صلى الله عليه وسلم بأنها أفضل أيام الدنيا، وحث على العمل الصالح فيها؛ فقد روى البخاري قَالَ صلى الله عليه وسلم : « مَا الْعَمَلُ فِي أَيَّامِ الْعَشْرِ أَفْضَلَ مِنَ الْعَمَلِ فِي هَذِهِ » . قَالُوا وَلاَ الْجِهَادُ ،قَالَ « وَلاَ الْجِهَادُ ،إِلاَّ رَجُلٌ خَرَجَ يُخَاطِرُ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ فَلَمْ يَرْجِعْ بِشَيْءٍ » ،فعلى العبد المسلم أن يجتهد فيها، ويكثر من الأعمال الصالحة، وأن يحسن استقبالها واغتنامها. ففي مسند الإمام أحمد (عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ : « مَا مِنْ أَيَّامٍ أَعْظَمَ عِنْدَ اللَّهِ وَلاَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنَ الْعَمَلِ فِيهِنَّ مِنْ هَذِهِ الأَيَّامِ الْعَشْرِ فَأَكْثِرُوا فِيهِنَّ مِنَ التَّهْلِيلِ وَالتَّكْبِيرِ وَالتَّحْمِيدِ »
أيها المسلمون
فحري بالمسلم أن يستقبل مواسم الطاعات عامة، ومنها العشر من ذي الحجة بأمور : أولها : التوبة الصادقة والعزم الأكيد على الرجوع إلى الله، ففي التوبة فلاح للعبد في الدنيا والآخرة، يقول الله تعالى: (وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ) [النور:31]. ثانيا : ينبغي على المسلم أن يحرص حرصاً شديداً على عمارة هذه الأيام بالأعمال والأقوال الصالحة، ومن عزم على شيء أعانه الله ،وهيأ له الأسباب التي تعينه على إكمال العمل، ومن صدق الله صدقه الله، قال الله تعالى: ( وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ) العنكبوت (69) ، ثالثا : أن نستقبل الأيام العشر من ذي الحجة بالبعد عن المعاصي : فكما أن الطاعات أسباب للقرب من الله تعالى، فالمعاصي أسباب للبعد عن الله ،والطرد من رحمته، وقد يحرم الإنسان رحمة الله بسبب ذنب يرتكبه ، فإن كنت تطمع في مغفرة الذنوب والعتق من النار فأحذر الوقوع في المعاصي في هذه الأيام وفي غيرها ؟
إخوة الإسلام
ومن الأعمال الفاضلة التي ينبغي للمسلم أن يحرص عليها في أيام العشر من ذي الحجة: اقامة الصلاة : فالصلاة هي من أجل الأعمال وأعظمها وأكثرها فضلاً، ولهذا يجب على المسلم المحافظة عليها في أوقاتها مع الجماعة، وعليه أن يكثر من النوافل في هذه الأيام، فإنها من أفضل القربات، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه: (وَمَا تَقَرَّبَ إِلَىَّ عَبْدِى بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَىَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ ، وَمَا يَزَالُ عَبْدِى يَتَقَرَّبُ إِلَىَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ) [رواه البخاري]. – الصيام: فيسن للمسلم أن يصوم تسع ذي الحجة، لأن النبي صلى الله عليه وسلم حث على العمل الصالح في أيام العشر، ومن المعلوم أن الصيام من أفضل الأعمال. الصدقة : وهي من جملة الأعمال الصالحة التي يستحب للمسلم الإكثار منها في هذه الأيام، وقد حث الله عليها فقال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خُلَّةٌ وَلَا شَفَاعَةٌ) [البقرة:254]، وقال صلى الله عليه وسلم ( مَا نَقَصَتْ صَدَقَةٌ مِنْ مَالٍ) [رواه مسلم]. – التكبير: فيسن التكبير والتحميد والتهليل والتسبيح أيام العشر، والجهر بذلك في المساجد والمنازل والطرقات وكل موضع يجوز فيه ذكر الله ، إظهاراً للعبادة، وإعلاناً بتعظيم الله تعالى . ويجهر به الرجال وتخفيه المرأة ، وقد ثبت أن ابن عمر وأبا هريرة رضي الله عنهما كانا يخرجان إلى السوق أيام العشر يكبران ، ويكبر الناس بتكبيرهما، – أداء الحج والعمرة: إن من أفضل ما يعمل في هذه العشر حج بيت الله الحرم، فمن وفقه الله تعالى لحج بيته وقام بأداء نسكه على الوجه المطلوب فله الجنة ، ففي الصحيحين : قال صلى الله عليه وسلم : (وَالْحَجُّ الْمَبْرُورُ لَيْسَ لَهُ جَزَاءٌ إِلاَّ الْجَنَّةُ » – الإكثار من الأعمال الصالحة عموماً: لأن العمل الصالح محبوب إلى الله تعالى ،وهذا يستلزم عِظَم ثوابه عند الله تعالى، فمن لم يمكنه الحجّ ،فعليه أن يعمر هذه الأوقات الفاضلة بطاعة الله تعالى : من الصلاة ، وقراءة القرآن ، والذكر ، والدعاء ، والصدقة ، وبر الوالدين ، وصلة الأرحام ، والأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر ، وحفظ اللسان والفرج ـ والإحسان إلى الجيران ـ وإكرام الضيف ـ والإنفاق في سبيل الله ـ وإماطة الأذى عن الطريق ـ والنفقة على الزوجة والعيال ـ وكفالة الأيتام ـ وزيارة المرضى ـ وقضاء حوائج الإخوان ـ والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ـ وعدم إيذاء المسلمين ـ والرفق بالرعية ـ وصلة أصدقاء الوالدين ـ والدعاء للإخوان بظهر الغيب ـ وأداء الأمانات والوفاء بالعهد ، وإدخال السرور على المسلمين ـ والشفقة بالضعفاء ـ واصطناع المعروف والدلالة على الخير ـ وسلامة الصدر وترك الشحناء ـ وتعليم الأولاد والبنات ـ والتعاون مع المسلمين فيما فيه خير. وغير ذلك من طرق الخير ، وسبل الطاعة. – الأضحية: ومن الأعمال الصالحة في هذه العشر التقرب إلى الله تعالى بذبح الأضاحي ، وبذل المال في سبيل الله تعالى .
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( العشر من ذي الحجة ، ويوم عرفة )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
ومن أفضل أيام العشر من ذي الحجة ، بل وأيام العام كله ، يوم عرفة ، فبعد أيام قلائل إن شاء الله سيهل علينا هذا اليوم المبارك ،فهذا اليوم شرفه الله وفضله بفضائل عظيمة، وخصه الله بالأجر الكبير، والثواب العظيم ، فهو يوم يعم الله فيه عباده بالرحمات، ويكفر عنهم السيئات ،ويمحو عنهم الخطايا والزلات، ويعتقهم من النار ،وفي هذا اليوم يُرى فيه إبليس صاغرًا حقيرًا ، لما يرى من المغفرة والرحمات من رب الأرض والسموات ، ففي موطإ مالك (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ : « مَا رُئِيَ الشَّيْطَانُ يَوْمًا هُوَ فِيهِ أَصْغَرُ وَلاَ أَدْحَرُ وَلاَ أَحْقَرُ وَلاَ أَغْيَظُ مِنْهُ فِي يَوْمِ عَرَفَةَ وَمَا ذَاكَ إِلاَّ لِمَا رَأَى مِنْ تَنَزُّلِ الرَّحْمَةِ وَتَجَاوُزِ اللَّهِ عَنِ الذُّنُوبِ الْعِظَامِ .. ) ، فهو يوم التجليات والنفحات الإلهية، يوم العطاء والبذل والسخاء، اليوم الذي يقف فيه الناس على صعيد واحد مجردين من كل آصرة ورابطة إلا رابطة الإيمان والعقيدة، ينشدون لرب واحد ويناجون إلهاً واحداً، وهو يوم الدعاء ، ففي سنن الترمذي : ( أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ : « خَيْرُ الدُّعَاءِ دُعَاءُ يَوْمِ عَرَفَةَ وَخَيْرُ مَا قُلْتُ أَنَا وَالنَّبِيُّونَ مِنْ قَبْلِي لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ». وهو يوم يسن لغير الحاج أن يصومه ، فصومه يكفر ذنوب السنة الماضية والآتية ، ففي صحيح مسلم : أنه صلى الله عليه وسلم ( سُئِلَ عَنْ صَوْمِ يَوْمِ عَرَفَةَ فَقَالَ « يُكَفِّرُ السَّنَةَ الْمَاضِيَةَ وَالْبَاقِيَةَ » ، وهو يوم العتق من النار ، ففي صحيح مسلم : (قَالَتْ عَائِشَةُ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « مَا مِنْ يَوْمٍ أَكْثَرَ مِنْ أَنْ يُعْتِقَ اللَّهُ فِيهِ عَبْدًا مِنَ النَّارِ مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ وَإِنَّهُ لَيَدْنُو ثُمَّ يُبَاهِى بِهِمُ الْمَلاَئِكَةَ فَيَقُولُ مَا أَرَادَ هَؤُلاَءِ ».وهو يوم مباهاة الله بأهل عرفة أهل السماء ، ففي مسند أحمد ( قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يُبَاهِى الْمَلاَئِكَةَ بِأَهْلِ عَرَفَاتٍ يَقُولُ انْظُرُوا إِلَى عِبَادِي شُعْثاً غُبْراً » ، ويوم عرفة هو يوم الحج الأكبر ، وهو الركن الأعظم من أركان الحج ، فعَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- أَنَّهُ قَالَ « الْحَجُّ عَرَفَةُ » رواه الترمذي .
الدعاء