خطبة عن (حياة القبر والبرزخ بعد الموت)

                                                   الخطبة الأولى ( حياة القبر ) 

   الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه  الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.. نشهد أنه بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين 

                                                    أما بعد أيها المسلمون

قال تعالى: (حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ (99) لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ ) المؤمنون 99، 100،  

إخوة الإسلام  

إن الموت ليس فناء ، ولكنه انتقال من حياة الى حياة ،يقول ابن القيم (فإن الله تعالى قد جعل الدور ثلاثة، وهى: دار الدنيا، ودار البرزخ، ودار القرار” :” وجعل الله لكل دار أحكاماً تختص بها، فجعل الله الأحكام في دار الدنيا تسري على الأبدان، والأرواح تبع لها، وجعل الأحكام في دار البرزخ تسرى على الأرواح، والأبدان تبع لها، وجعل الأحكام في دار القرار تسرى على الأرواح والأبدان معاً”

أيها المؤمنون

 فتعالوا بنا نتعرف اليوم على حياة البرزخ، أو حياة القبر ، وها هو الميت  قد حمل على الأعناق وهو في طريقه إلى قبره ، فماذا يقول؟ وماذا يسمع؟ ، وعن ماذا يسأل ؟، وبماذا يجيب ؟  فقد روى البخاري في صحيحه (عن سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ – رضى الله عنه – أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ « إِذَا وُضِعَتِ الْجِنَازَةُ وَاحْتَمَلَهَا الرِّجَالُ عَلَى أَعْنَاقِهِمْ ، فَإِنْ كَانَتْ صَالِحَةً قَالَتْ قَدِّمُونِي . وَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ صَالِحَةٍ قَالَتْ يَا وَيْلَهَا أَيْنَ يَذْهَبُونَ بِهَا يَسْمَعُ صَوْتَهَا كُلُّ شَيْءٍ إِلاَّ الإِنْسَانَ ، وَلَوْ سَمِعَهُ صَعِقَ » ، واعلم أخي المسلم ، أنه لا ينفعك أهلك ولا مالك ، ولا يدفع عنك العذاب جاهك أو سلطانك ، فلا يدخل معك قبرك إلا عملك ،ولا ينفعك إلا ما قدمت يداك من عملك الصالح ، ففي صحيح البخاري : (قَالَ رَسُولُ اللَّهُ – صلى الله عليه وسلم – « يَتْبَعُ الْمَيِّتَ ثَلاَثَةٌ ، فَيَرْجِعُ اثْنَانِ وَيَبْقَى مَعَهُ وَاحِدٌ ، يَتْبَعُهُ أَهْلُهُ وَمَالُهُ وَعَمَلُهُ ، فَيَرْجِعُ أَهْلُهُ وَمَالُهُ ، وَيَبْقَى عَمَلُهُ » ، فإذا وضع الميت في لحده ، وأهيل عليه التراب ،وأصبح وحيدا ، فإنه يسمع أصوات مشيعيه  ،ففي صحيح مسلم : (عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « إِنَّ الْمَيِّتَ إِذَا وُضِعَ فِي قَبْرِهِ إِنَّهُ لَيَسْمَعُ خَفْقَ نِعَالِهِمْ إِذَا انْصَرَفُوا ».

أيها المؤمنون

 والقبر أول منازل الآخرة ، ففي سنن الترمذي (أن هَانِئًا مَوْلَى عُثْمَانَ قَالَ كَانَ عُثْمَانُ إِذَا وَقَفَ عَلَى قَبْرٍ بَكَى حَتَّى يَبُلَّ لِحْيَتَهُ فَقِيلَ لَهُ تُذْكَرُ الْجَنَّةُ وَالنَّارُ فَلاَ تَبْكِى وَتَبْكِى مِنْ هَذَا فَقَالَ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « إِنَّ الْقَبْرَ أَوَّلُ مَنَازِلِ الآخِرَةِ فَإِنْ نَجَا مِنْهُ فَمَا بَعْدَهُ أَيْسَرُ مِنْهُ وَإِنْ لَمْ يَنْجُ مِنْهُ فَمَا بَعْدَهُ أَشَدُّ مِنْهُ » قَالَ وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « مَا رَأَيْتُ مَنْظَرًا قَطُّ إِلاَّ وَالْقَبْرُ أَفْظَعُ مِنْهُ » ، وللميت في قبره حياة وأحوال  ومن أحوال الميت في قبره ، أنه يسأل ويفتن ويختبر في صدق إيمانه ففي سنن النسائي ( أن أَسْمَاءَ بِنْتَ أَبِى بَكْرٍ تَقُولُ : قَامَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَذَكَرَ الْفِتْنَةَ الَّتِي يُفْتَنُ بِهَا الْمَرْءُ فِي قَبْرِهِ فَلَمَّا ذَكَرَ ذَلِكَ ضَجَّ الْمُسْلِمُونَ ضَجَّةً حَالَتْ بَيْنِي وَبَيْنَ أَنْ أَفْهَمَ كَلاَمَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَلَمَّا سَكَنَتْ ضَجَّتُهُمْ قُلْتُ لِرَجُلٍ قَرِيبٍ مِنِّى أَيْ بَارَكَ اللَّهُ لَكَ مَاذَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فِي آخِرِ قَوْلِهِ قَالَ « قَدْ أُوحِىَ إِلَىَّ أَنَّكُمْ تُفْتَنُونَ فِي الْقُبُورِ قَرِيبًا مِنْ فِتْنَةِ الدَّجَّالِ ». ومن الاختبارات والفتن التي يتعرض لها الميت في قبره سؤال الملكين ، من ربك؟ ، وما دينك ؟، ومن نبيك ؟، فقد روى مسلم في صحيحه ( عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ : (يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ) ، قَالَ « نَزَلَتْ فِي عَذَابِ الْقَبْرِ فَيُقَالُ لَهُ مَنْ رَبُّكَ فَيَقُولُ رَبِّىَ اللَّهُ وَنَبِيِّيَ مُحَمَّدٌ -صلى الله عليه وسلم-. فَذَلِكَ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ (يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِى الآخِرَةِ) ». وفي سنن أبي داود  « وَيَأْتِيهِ مَلَكَانِ فَيُجْلِسَانِهِ فَيَقُولاَنِ لَهُ : مَنْ رَبُّكَ فَيَقُولُ : رَبِّىَ اللَّهُ. فَيَقُولاَنِ لَهُ : مَا دِينُكَ فَيَقُولُ : دِينِي الإِسْلاَمُ. فَيَقُولاَنِ لَهُ : مَا هَذَا الرَّجُلُ الَّذِى بُعِثَ فِيكُمْ قَالَ فَيَقُولُ : هُوَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-. فَيَقُولاَنِ : وَمَا يُدْرِيكَ فَيَقُولُ : قَرَأْتُ كِتَابَ اللَّهِ فَآمَنْتُ بِهِ وَصَدَّقْتُ ». زَادَ فِي حَدِيثِ جَرِيرٍ : « فَذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ (يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا) ». الآيَةَ. ثُمَّ اتَّفَقَا قَالَ : « فَيُنَادِى مُنَادٍ مِنَ السَّمَاءِ : أَنْ قَدْ صَدَقَ عَبْدِى فَأَفْرِشُوهُ مِنَ الْجَنَّةِ وَافْتَحُوا لَهُ بَابًا إِلَى الْجَنَّةِ وَأَلْبِسُوهُ مِنَ الْجَنَّةِ ». قَالَ : « فَيَأْتِيهِ مِنْ رَوْحِهَا وَطِيبِهَا ». قَالَ : « وَيُفْتَحُ لَهُ فِيهَا مَدَّ بَصَرِهِ ». قَالَ : « وَإِنَّ الْكَافِرَ ». فَذَكَرَ مَوْتَهُ قَالَ : « وَتُعَادُ رُوحُهُ فِي جَسَدِهِ وَيَأْتِيهِ مَلَكَانِ فَيُجْلِسَانِهِ فَيَقُولاَنِ : مَنْ رَبُّكَ فَيَقُولُ : هَاهْ هَاهْ هَاهْ لاَ أَدْرِي.فَيَقُولاَنِ لَهُ : مَا دِينُكَ فَيَقُولُ : هَاهْ هَاهْ لاَ أَدْرِي. فَيَقُولاَنِ : مَا هَذَا الرَّجُلُ الَّذِى بُعِثَ فِيكُمْ فَيَقُولُ : هَاهْ هَاهْ لاَ أَدْرِي. فَيُنَادِى مُنَادٍ مِنَ السَّمَاءِ : أَنْ كَذَبَ فَأَفْرِشُوهُ مِنَ النَّارِ وَأَلْبِسُوهُ مِنَ النَّارِ وَافْتَحُوا لَهُ بَابًا إِلَى النَّارِ ». قَالَ : « فَيَأْتِيهِ مِنْ حَرِّهَا وَسَمُومِهَا ». قَالَ : « وَيُضَيَّقُ عَلَيْهِ قَبْرُهُ حَتَّى تَخْتَلِفَ فِيهِ أَضْلاَعُهُ ». زَادَ فِي حَدِيثِ جَرِيرٍ قَالَ : « ثُمَّ يُقَيَّضُ لَهُ أَعْمَى أَبْكَمُ مَعَهُ مِرْزَبَّةٌ مِنْ حَدِيدٍ لَوْ ضُرِبَ بِهَا جَبَلٌ لَصَارَ تُرَابًا ». قَالَ : « فَيَضْرِبُهُ بِهَا ضَرْبَةً يَسْمَعُهَا مَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ إِلاَّ الثَّقَلَيْنِ فَيَصِيرُ تُرَابًا ». قَالَ : « ثُمَّ تُعَادُ فِيهِ الرُّوحُ ».

أيها المسلمون

 وأهل السنة والجماعة يؤمنون بنعيم القبر وعذابه ، وأن الميت في قبره إما في روضة من رياض الجنة أو في حفرة من حفر النار ،فقد روى الترمذي في سننه (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « إِنَّمَا الْقَبْرُ رَوْضَةٌ مِنْ رِيَاضِ الْجَنَّةِ أَوْ حُفْرَةٌ مِنْ حُفَرِ النَّارِ »  ،وقد ثبت عذاب القبر بالأدلة القاطعة  ، ففي صحيح البخاري (عَنْ عَائِشَةَ – رضى الله عنها – أَنَّ يَهُودِيَّةً دَخَلَتْ عَلَيْهَا ، فَذَكَرَتْ عَذَابَ الْقَبْرِ ، فَقَالَتْ لَهَا أَعَاذَكِ اللَّهُ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ . فَسَأَلَتْ عَائِشَةُ رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – عَنْ عَذَابِ الْقَبْرِ فَقَالَ « نَعَمْ عَذَابُ الْقَبْرِ » . قَالَتْ عَائِشَةُ – رضى الله عنها – فَمَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – بَعْدُ صَلَّى صَلاَةً إِلاَّ تَعَوَّذَ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ . زَادَ غُنْدَرٌ « عَذَابُ الْقَبْرِ حَقٌّ » ، ولعذاب القبر أسباب ، ومن بين أسباب عذاب القبر عدم التنزه من البول ، والنميمة ،ففي صحيح البخاري (عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ مَرَّ النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – بِقَبْرَيْنِ فَقَالَ « إِنَّهُمَا لَيُعَذَّبَانِ ، وَمَا يُعَذَّبَانِ فِي كَبِيرٍ أَمَّا أَحَدُهُمَا فَكَانَ لاَ يَسْتَتِرُ مِنَ الْبَوْلِ ، وَأَمَّا الآخَرُ فَكَانَ يَمْشِى بِالنَّمِيمَةِ » . ثُمَّ أَخَذَ جَرِيدَةً رَطْبَةً ، فَشَقَّهَا نِصْفَيْنِ ، فَغَرَزَ فِي كُلِّ قَبْرٍ وَاحِدَةً . قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ ، لِمَ فَعَلْتَ هَذَا قَالَ « لَعَلَّهُ يُخَفَّفُ عَنْهُمَا مَا لَمْ يَيْبَسَا » ، ومن أسباب عذاب القبر  الغلول أو جريمة كالسرقة:  ففي صحيح البخاري (سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ – رضى الله عنه – يَقُولُ افْتَتَحْنَا خَيْبَرَ ، وَلَمْ نَغْنَمْ ذَهَبًا وَلاَ فِضَّةً ، إِنَّمَا غَنِمْنَا الْبَقَرَ وَالإِبِلَ وَالْمَتَاعَ وَالْحَوَائِطَ ، ثُمَّ انْصَرَفْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – إِلَى وَادِى الْقُرَى ، وَمَعَهُ عَبْدٌ لَهُ يُقَالُ لَهُ مِدْعَمٌ ، أَهْدَاهُ لَهُ أَحَدُ بَنِى الضِّبَابِ ، فَبَيْنَمَا هُوَ يَحُطُّ رَحْلَ رَسُولِ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – إِذْ جَاءَهُ سَهْمٌ عَائِرٌ حَتَّى أَصَابَ ذَلِكَ الْعَبْدَ ، فَقَالَ النَّاسُ هَنِيئًا لَهُ الشَّهَادَةُ . فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – « بَلَى وَالَّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ ، إِنَّ الشَّمْلَةَ الَّتِي أَصَابَهَا يَوْمَ خَيْبَرَ مِنَ الْمَغَانِمِ لَمْ تُصِبْهَا الْمَقَاسِمُ لَتَشْتَعِلُ عَلَيْهِ نَارًا » . فَجَاءَ رَجُلٌ حِينَ سَمِعَ ذَلِكَ مِنَ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – بِشِرَاكٍ أَوْ بِشِرَاكَيْنِ ، فَقَالَ هَذَا شَيْءٌ كُنْتُ أَصَبْتُهُ . فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – « شِرَاكٌ أَوْ شِرَاكَانِ مِنْ نَارٍ » والغلول: السرقة من الغنيمة. والشملة: هي الكساء من الصوف يتغطى به. ويقول ابن القيم رحمه الله: فعذاب القبر عن معاصي القلب والعين والأذن واللسان والبطن والفرج واليد والرجل، ولما كان أكثر الناس كذلك كان أكثر أصحاب القبور معذبين والفائز منهم قليل فظواهر القبور تراب وبواطنها حسرات  

                                          أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم

                                              الخطبة الثانية ( حياة القبر ) 

   الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه  الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.. نشهد أنه بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين 

                                                       أما بعد أيها المسلمون

 وأما أسباب النجاة من عذاب القبر: فإن أعظم أسباب النجاة من عذاب القبر هي الشهادة في سبيل الله فنسأل الله أن يبلغنا إياها بمنه وكرمه أمين. ففي سنن النسائي(  أَنَّ رَجُلاً قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا بَالُ الْمُؤْمِنِينَ يُفْتَنُونَ فِي قُبُورِهِمْ إِلاَّ الشَّهِيدَ قَالَ « كَفَى بِبَارِقَةِ السُّيُوفِ عَلَى رَأْسِهِ فِتْنَةً ». وفي مسند أحمد (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « إِنَّ لِلشَّهِيدِ عِنْدَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ – قَالَ الْحَكَمُ – سِتَّ خِصَالٍ أَنْ يُغْفَرَ لَهُ فِي أَوَّلِ دَفْعَةٍ مِنْ دَمِهِ وَيَرَى – قَالَ الْحَكَمُ وَيُرَى – مَقْعَدَهُ مِنَ الْجَنَّةِ وَيُحَلَّى حُلَّةَ الإِيمَانِ وَيُزَوَّجَ مِنَ الْحُورِ الْعِينِ وَيُجَارَ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ وَيَأْمَنَ مِنَ الْفَزَعِ الأَكْبَرِ – قَالَ الْحَكَمُ يَوْمَ الْفَزَعِ الأَكْبَرِ – وَيُوضَعَ عَلَى رَأْسِهِ تَاجُ الْوَقَارِ الْيَاقُوتَةُ مِنْهُ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا وَيُزَوَّجَ اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِينَ زَوْجَةً مِنَ الْحُورِ الْعِينِ وَيُشَفَّعَ فِى سَبْعِينَ إِنْسَاناً مِنْ أَقَارِبِهِ ». ومن الأسباب المنجية من عذاب القبر ، الأعمال الصالحة الخالصة: فقد روى ابن حبان في صحيحه والحاكم في مستدركه (عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال (إن الميت إذا وضع في قبره إنه يسمع خفق نعالهم حين يولون عنه فإن كان مؤمنا كانت الصلاة عند رأسه وكان الصيام عن يمينه وكانت الزكاة عن شماله وكان فعل الخيرات من الصدقة والصلة والمعروف والإحسان إلى الناس عند رجليه فيؤتى من قبل رأسه فتقول الصلاة ما قبلي مدخل ثم يؤتى عن يمينه فيقول الصيام ما قبلي مدخل ثم يؤتى عن يساره فتقول الزكاة ما قبلي مدخل ثم يؤتي من قبل رجليه فتقول فعل الخيرات من الصدقة والصلة والمعروف والإحسان إلى الناس ما قبلي مدخل )، ومن الأعمال المنجية من عذاب القبر قراءة سورة تبارك ، ففي سنن الترمذي (عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ ضَرَبَ بَعْضُ أَصْحَابِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- خِبَاءَهُ عَلَى قَبْرٍ وَهُوَ لاَ يَحْسِبُ أَنَّهُ قَبْرٌ فَإِذَا فِيهِ إِنْسَانٌ يَقْرَأُ سُورَةَ تَبَارَكَ الَّذِى بِيَدِهِ الْمُلْكُ حَتَّى خَتَمَهَا فَأَتَى النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي ضَرَبْتُ خِبَائِي عَلَى قَبْرٍ وَأَنَا لاَ أَحْسِبُ أَنَّهُ قَبْرٌ فَإِذَا فِيهِ إِنْسَانٌ يَقْرَأُ سُورَةَ تَبَارَكَ الْمُلْكُ حَتَّى خَتَمَهَا. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « هِيَ الْمَانِعَةُ هِيَ الْمُنْجِيَةُ تُنْجِيهِ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ »

أيها المسلمون

 وإذا كان الكافر في قبره معذبا ، كما أخبر الله عن آل فرعون بقوله تعالى (النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ ) غافر (46) ، فإذا كان هذا هو حال الكافر في قبره ، فإن المؤمن منعم في قبره ، والشاهد على ذلك ما رواه  البخاري في صحيحه (أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ أَنَّ أُمَّ الرُّبَيِّعِ بِنْتَ الْبَرَاءِ وَهْىَ أُمُّ حَارِثَةَ بْنِ سُرَاقَةَ أَتَتِ النَّبِيَّ – صلى الله عليه وسلم – فَقَالَتْ يَا نَبِيَّ اللَّهِ ، أَلاَ تُحَدِّثُنِي عَنْ حَارِثَةَ وَكَانَ قُتِلَ يَوْمَ بَدْرٍ أَصَابَهُ سَهْمٌ غَرْبٌ ، فَإِنْ كَانَ فِي الْجَنَّةِ ، صَبَرْتُ ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ ذَلِكَ اجْتَهَدْتُ عَلَيْهِ فِي الْبُكَاءِ . قَالَ « يَا أُمَّ حَارِثَةَ ، إِنَّهَا جِنَانٌ فِي الْجَنَّةِ ، وَإِنَّ ابْنَكِ أَصَابَ الْفِرْدَوْسَ الأَعْلَى » وفي صحيح ابن حبان ، وفي سنن النسائي  (إِنَّمَا نَسَمَةُ الْمُؤْمِنِ طَائِرٌ فِي شَجَرِ الْجَنَّةِ حَتَّى يَبْعَثَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إِلَى جَسَدِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ)  وقد روى مسلم في صحيحه (عَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ سَأَلْنَا عَبْدَ اللَّهِ عَنْ هَذِهِ الآيَةِ (وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ) قَالَ أَمَا إِنَّا قَدْ سَأَلْنَا عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ « أَرْوَاحُهُمْ فِي جَوْفِ طَيْرٍ خُضْرٍ لَهَا قَنَادِيلُ مُعَلَّقَةٌ بِالْعَرْشِ تَسْرَحُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ شَاءَتْ ثُمَّ تَأْوِي إِلَى تِلْكَ الْقَنَادِيلِ فَاطَّلَعَ إِلَيْهِمْ رَبُّهُمُ اطِّلاَعَةً فَقَالَ هَلْ تَشْتَهُونَ شَيْئًا قَالُوا أَيَّ شَيْءٍ نَشْتَهِى وَنَحْنُ نَسْرَحُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ شِئْنَا فَفَعَلَ ذَلِكَ بِهِمْ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ فَلَمَّا رَأَوْا أَنَّهُمْ لَنْ يُتْرَكُوا مِنْ أَنْ يُسْأَلُوا قَالُوا يَا رَبِّ نُرِيدُ أَنْ تَرُدَّ أَرْوَاحَنَا فِي أَجْسَادِنَا حَتَّى نُقْتَلَ فِي سَبِيلِكَ مَرَّةً أُخْرَى. فَلَمَّا رَأَى أَنْ لَيْسَ لَهُمْ حَاجَةٌ تُرِكُوا ».

                                                                       الدعاء