الخطبة الأولى ( رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته : (وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) (11) التحريم
إخوة الإسلام
لقاؤنا اليوم -إن شاء الله- مع هذه الآية الكريمة من كتاب الله العزيز ، نتلوها ، ونتدبرها ، ونفهم مراميها ، ونسبح في بحار معانيها ، ونعمل -إن شاء الله- بما جاء فيها ، ونرتشف من رحيقها المختوم ، وقد جاء في تفسيرها في التفسير الميسر : ضرب الله مثلا لحال المؤمنين- الذين صدَّقوا الله، وعبدوه وحده، وعملوا بشرعه، وأنهم لا تضرهم مخالطة الكافرين في معاملتهم- بحال زوجة فرعون التي كانت في عصمة أشد الكافرين بالله، وهي مؤمنة بالله، حين قالت: رب ابْنِ لي دارًا عندك في الجنة، وأنقذني من سلطان فرعون وفتنته، ومما يصدر عنه من أعمال الشر، وأنقذني من القوم التابعين له في الظلم والضلال، ومن عذابهم. وروي في الصحيحين : (عَنْ أَبِى مُوسَى الأَشْعَرِيِّ عَنِ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ : كَمَلَ مِنَ الرِّجَالِ كَثِيرٌ ، وَلَمْ يَكْمُلْ مِنَ النِّسَاءِ إِلاَّ مَرْيَمُ بِنْتُ عِمْرَانَ وَآسِيَةُ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ ، وَفَضْلُ عَائِشَةَ عَلَى النِّسَاءِ كَفَضْلِ الثَّرِيدِ عَلَى سَائِرِ الطَّعَامِ » ، وفي سنن الترمذي بسند صححه : (عَنْ أَنَسٍ رضى الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ : « حَسْبُكَ مِنْ نِسَاءِ الْعَالَمِينَ مَرْيَمُ ابْنَةُ عِمْرَانَ وَخَدِيجَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدٍ وَفَاطِمَةُ بِنْتُ مُحَمَّدٍ وَآسِيَةُ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ ». هكذا كانت امرأة فرعون إحدى الأمثلة البارزة التي ضربها الله سبحانه وتعالى للمؤمنين، لتكون نموذجًا يحتذى ،وقدوة تُتَّبَع، وكانت إحدى سيدات نساء العالمين، مع السيدة مريم والسيدة خديجة والسيدة فاطمة عليهنَّ جميعًا سلام الله ورضوانه. لقد كانت زوجة فرعون امرأة منعمة مرفهة، تعيش في ظل أعظم حكَّام الأرض وأقواهم، هذا الحاكم الذي بلغ جبروته وطغيانه أن ادَّعَى الألوهية، ومع ذلك لم تغرَّها هذه الحياة المنعَّمة، وإنما فضلت رضا الله سبحانه وتعالى على كل مُتع الدنيا وزخارفها، فآمنت بسيدنا موسى عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام، وحين علم فرعون بإيمانها طلب منها أن ترجع، فرفضت، ولم ترجع عن إيمانها، فوتَّدَها بأربعة أوتاد في يديها ورجليها، وربطها وجعل على صدرها حجر الرحى، وجعلها في الشمس ، فأراها الله تعالى بيتها في الجنة، ونسيت ما هي فيه من العذاب، وضحكت، فقالوا عند ذلك: “هي مجنونة تضحك، وهي في العذاب”، وروي عن سلمان الفارسي أنها كانت تُعذَّبُ في الشمس، فإذا ذرت، أي: طلعت الشمس وارتفعت، أظلتها الملائكة بأجنحتها، وأُرِيَتْ مقعدَها من الجنة. وفي رواية أخرى أنه أرسل إليها، فقال: انظروا أعظم صخرة تجدونها، فإن مضت على قولها فألقوها عليها، وإن رجعت عن قولها فهي امرأته؛ فلما أتوها رفعت بصرها إلى السماء، فأبصرت بيتها في السماء، فمضت على قولها، فانتزع الله روحها، وألقيت الصخرة على جسد ليس فيه روح.
أيها المسلمون
لقد خلَّد الله سبحانه وتعالى قصَّة امرأة فرعون بذكرها في القرآن الكريم؛ فقال الله تعالى: ﴿وَضَرَبَ اللهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ﴾ [التحريم: 11]. لقد كانت امرأة فرعون نموذجًا لجميع المؤمنين، رجالهم ونسائهم، فإنه لم يضرها كفر فرعون على ما كان فيه من طغيان وتجبر، ولم تَغُرَّها مفاتنُ الدنيا، وكانت ملك يديها تتذوق حلاوتها، ومع ذلك طلبت النجاة من فرعون وظلمه وقومه، اختارت طريق الحق برغم تكلفته الجسيمة، حيث نالت عذابًا شديدًا مِن فرعون، ولكنها كانت تنظر إلى ما هو أبعد من هذه المحنة المؤقتة، كانت تنظر إلى رضا الله سبحانه وتعالى، فمنحها الحياة الأبدية الهانئة، ورزقها الله تعالى بيتًا في الجنة تتنعم فيه، وأذاق زوجها حياة العذاب الأبدية، جزاء كفره وطغيانه. وفي قوله تعالى : (إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ) ، قال العلماء: لقد اختارت الجار (جل جلاله) قبل أن تختار الدار، فجوار الله (جل وعلا) أعظم مما سواه، ومنزلته وهي الجنة أعظم ما طلبه المؤمنون من ربهم، فهي تطمع في جوار الله قبل طمعها في القصور، فقولها هذا -رحمة الله تعالى عليها ورضي الله عنها- قول بليغ في الدعاء، فهي قد تبرأت من قصر فرعون طالبة إلى ربها بيتًا في الجنة، وتبرأت من صلتها بفرعون، فسألت ربها النجاة منه، وتبرأت من عمله مخافة أن يلحقها من عمله شيء ،وهي ألصق الناس به: (ونجني من فرعون وعمله)، وتبرأت من قوم فرعون وهي تعيش بينهم: (ونجني من القوم الظالمين). وحري بكل مؤمن، ومؤمنة أن يكون من دعائه الذي يبتهل به إلى الله جل وعلا أن يدعو بهذا الدعاء: { رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ } [التحريم:11].
أيها المسلمون
إن بيوت الجنة هي من نعيمها الذي أعده الله تعالى فيها لأهلها؛ فهي مبنية من نعيم لأهل النعيم في دار النعيم، يقول الرسول – صلى الله عليه وسلم -: «إِنَّ لِلْمُؤْمِنِ فِي الْجَنَّةِ لَخَيْمَةً مِنْ لُؤْلُؤَةٍ وَاحِدَةٍ مُجَوَّفَةٍ، طُولُهَا سِتُّونَ مِيلًا، لِلْمُؤْمِنِ فِيهَا أَهْلُونَ، يَطُوفُ عَلَيْهِمِ الْمُؤْمِنُ فَلَا يَرَى بَعْضُهُمْ بَعْضًا» رواه مسلم. وقد بين رسول الله – صلى الله عليه وسلم – بناء تلك المساكن إثر سؤال أصحابه عن بناء الجنة: فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ، أَخْبِرْنَا عَنِ الْجَنَّةِ، مَا بِنَاؤُهَا؟ قَالَ: ” لَبِنَةٌ مِنْ ذَهَبٍ، وَلَبِنَةٌ مِنْ فِضَّةٍ، مِلَاطُهَا الْمِسْكُ الْأَذْفَرُ، حَصْبَاؤُهَا الْيَاقُوتُ وَاللُّؤْلُؤُ، وَتُرْبَتُهَا الْوَرْسُ وَالزَّعْفَرَانُ، مَنْ يَدْخُلُهَا يَخْلُدُ لَا يَمُوتُ، وَيَنْعَمُ لَا يَبْأَسُ، لَا يَبْلَى شَبَابُهُمْ، وَلَا تُخَرَّقُ ثِيَابُهُمْ ” رواه أحمد ، وعَنْ عَلِيٍّ، رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ” إِنَّ فِي الْجَنَّةِ لَغُرَفًا يُرَى بُطُونُهَا مِنْ ظُهُورِهَا، وَظُهُورُهَا مِنْ بُطُونِهَا ” فَقَالَ أَعْرَابِيٌّ: يَا رَسُولَ اللهِ لِمَنْ هِيَ؟ قَالَ: ” لِمَنْ أَطَابَ الْكَلامَ، وَأَطْعَمَ الطَّعَامَ، وَصَلَّى لِلَّهِ بِاللَّيْلِ وَالنَّاسُ نِيَامٌ ” رواه أحمد ، وعن أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِنَّ أَهْلَ الْجَنَّةِ يتراءون (يَتَرَاءَوْنَ) أَهْلَ الْغُرَفِ مِنْ فَوْقِهِمْ كَمَا يَتَرَاءَيُونَ (يَتَرَاءَوْنَ-تَتَرَاءَوْنَ) الْكَوْكَبَ الدُّرِّيَّ الْغَابِرَ فِي الْأُفُقِ مِنَ الْمَشْرِقِ أَوِ الْمَغْرِبِ لِتَفَاضُلِ مَا بَيْنَهُمْ قَالُوا يَا رَسُولَ اللهِ تِلْكَ مَنَازِلُ الْأَنْبِيَاءِ لَا يَبْلُغُهَا غَيْرُهُمْ قَالَ بَلَى وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ رِجَالٌ آمَنُوا بِاللهِ وَصَدَّقُوا الْمُرْسَلِينَ ” رواه البخاري ومسلم
أيها المسلمون
ومن سعة رحمة الله تعالى على عباده ، وكبير فضله ، وعظيم إحسانه، أنه يجازي على العمل القليل بالثواب الجزيل، فهل تتمنى أخي المسلم ، وأختي المسلم ، أن يكون لك بيتا في الجنة ؟ ، هل تتمنى أن تكون في جوار الرحمن ، وبجوار سيد الأنام ؟ فإليك بعض هذه الأعمال التي بشرنا بها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأن من عملها في الدنيا مخلصا ، كان جزاؤه بيتا في الجنة ، ومنها : أولا : بناء المساجد : ففي صحيح مسلم : (أَنَّهُ سَمِعَ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ عِنْدَ قَوْلِ النَّاسِ فِيهِ حِينَ بَنَى مَسْجِدَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- إِنَّكُمْ قَدْ أَكْثَرْتُمْ وَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ : « مَنْ بَنَى مَسْجِدًا – قَالَ بُكَيْرٌ حَسِبْتُ أَنَّهُ قَالَ – يَبْتَغِى بِهِ وَجْهَ اللَّهِ بَنَى اللَّهُ لَهُ مِثْلَهُ فِي الْجَنَّةِ ». وَفِى رِوَايَةِ هَارُونَ « بَنَى اللَّهُ لَهُ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ ». ثانيا : قراءة سورة الإخلاص : ففي مسند أحمد : ( عَنْ سَهْلِ بْنِ مُعَاذِ بْنِ أَنَسٍ الْجُهَنِيِّ عَنْ أَبِيهِ مُعَاذِ بْنِ أَنَسٍ الْجُهَنِيِّ صَاحِبِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ : « مَنْ قَرَأَ (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) حَتَّى يَخْتِمَهَا عَشْرَ مَرَّاتٍ بَنَى اللَّهُ لَهُ قَصْراً فِى الْجَنَّةِ » . فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ إِذاً أَسْتَكْثِرَ يَا رَسُولَ اللَّهِ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « اللَّهُ أَكْثَرُ وَأَطْيَبُ » قال الألباني : (صحيح) في صحيح الجامع. ثالثا : الحمد والاسترجاع حال وقوع المصيبة في الولد : ففي سنن الترمذي بسند حسنه : (عَنْ أَبِى مُوسَى الأَشْعَرِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « إِذَا مَاتَ وَلَدُ الْعَبْدِ قَالَ اللَّهُ لِمَلاَئِكَتِهِ قَبَضْتُمْ وَلَدَ عَبْدِى. فَيَقُولُونَ نَعَمْ. فَيَقُولُ قَبَضْتُمْ ثَمَرَةَ فُؤَادِهِ. فَيَقُولُونَ نَعَمْ. فَيَقُولُ مَاذَا قَالَ عَبْدِى فَيَقُولُونَ حَمِدَكَ وَاسْتَرْجَعَ. فَيَقُولُ اللَّهُ ابْنُوا لِعَبْدِى بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَسَمُّوهُ بَيْتَ الْحَمْدِ ». رابعا : دعاء السوق : قال صلى الله عليه وسلم من دخل السوق فقال : ( لا إله إلا الله وحده لا شريك له ،له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو حي لا يموت بيده الخير وهو على كل شيء قدير ،كتب الله له ألف ألف حسنة ومحا عنه ألف ألف سيئة ورفع له ألف ألف درجة وبنى له بيتا في الجنة) الحديث عن ابن عمر ، وحسنه الألباني في صحيح الجامع ، خامسا : سد الفرج في صفوف الصلاة : أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ عن عَائِشَةَ قالت : قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { مَنْ سَدَّ فُرْجَةً فِي صَفٍّ رَفَعَهُ اللَّهُ بِهَا دَرَجَةً وَبَنَى لَهُ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ } قال الألباني ( صحيح ) السلسلة الصحيحة ، سادسا : المواظبة على السنن الرواتب : فقد روى مسلم في صحيحه : (عَنْ أُمِّ حَبِيبَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- أَنَّهَا قَالَتْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ : « مَا مِنْ عَبْدٍ مُسْلِمٍ يُصَلِّى لِلَّهِ كُلَّ يَوْمٍ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً تَطَوُّعًا غَيْرَ فَرِيضَةٍ إِلاَّ بَنَى اللَّهُ لَهُ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ أَوْ إِلاَّ بُنِىَ لَهُ بَيْتٌ فِي الْجَنَّةِ ». قَالَتْ أُمُّ حَبِيبَةَ فَمَا بَرِحْتُ أُصَلِّيهِنَّ بَعْدُ. وَقَالَ عَمْرٌو مَا بَرِحْتُ أُصَلِّيهِنَّ بَعْدُ. وَقَالَ النُّعْمَانُ مِثْلَ ذَلِكَ. سابعا : من آمن بالنبي صلى الله عليه وسلم وأسلم وجاهد : ففي سنن النسائي وغيره : (فَضَالَةَ بْنَ عُبَيْدٍ يَقُولُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ : « أَنَا زَعِيمٌ – وَالزَّعِيمُ الْحَمِيلُ – لِمَنْ آمَنَ بِي وَأَسْلَمَ وَهَاجَرَ بِبَيْتٍ فِي رَبَضِ الْجَنَّةِ وَبِبَيْتٍ فِي وَسَطِ الْجَنَّةِ وَأَنَا زَعِيمٌ لِمَنْ آمَنَ بِي وَأَسْلَمَ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِبَيْتٍ فِي رَبَضِ الْجَنَّةِ وَبِبَيْتٍ فِي وَسَطِ الْجَنَّةِ وَبِبَيْتٍ فِي أَعْلَى غُرَفِ الْجَنَّةِ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَلَمْ يَدَعْ لِلْخَيْرِ مَطْلَبًا وَلاَ مِنَ الشَّرِّ مَهْرَبًا يَمُوتُ حَيْثُ شَاءَ أَنْ يَمُوتَ » قال الألباني (صحيح) ، ثامنا : ترك الجدال ولو كان محقا ،وترك الكذب ولو كان مازحا، وحسن الخلق: ففي سنن أبي داود وغيره : ( عَنْ أَبِى أُمَامَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- : « أَنَا زَعِيمٌ بِبَيْتٍ فِي رَبَضِ الْجَنَّةِ لِمَنْ تَرَكَ الْمِرَاءَ وَإِنْ كَانَ مُحِقًّا وَبِبَيْتٍ فِي وَسَطِ الْجَنَّةِ لِمَنْ تَرَكَ الْكَذِبَ وَإِنْ كَانَ مَازِحًا وَبِبَيْتٍ فِي أَعْلَى الْجَنَّةِ لِمَنْ حَسَّنَ خُلُقَهُ ». قال الألباني ( حسن ) صحيح الترغيب والترهيب
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
ومن يبني له بيتا فإنه يجمّل بيته بالأشجار والنخيل ، فمن أراد أن يجمّل بيوته وقصوره في الجنة بالأشجار والنخيل فليكثر من ذكر الله : ففي سنن ابن ماجه : (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- مَرَّ بِهِ وَهُوَ يَغْرِسُ غَرْسًا فَقَالَ : « يَا أَبَا هُرَيْرَةَ مَا الَّذِى تَغْرِسُ ». قُلْتُ غِرَاسًا لِي. قَالَ « أَلاَ أَدُلُّكَ عَلَى غِرَاسٍ خَيْرٍ لَكَ مِنْ هَذَا ». قَالَ بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ « قُلْ سُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَلاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَاللَّهُ أَكْبَرُ يُغْرَسْ لَكَ بِكُلِّ وَاحِدَةٍ شَجَرَةٌ فِي الْجَنَّةِ ». صححه الألباني ، وفي سنن الترمذي بسند حسنه :(عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- : « لَقِيتُ إِبْرَاهِيمَ لَيْلَةَ أُسْرِىَ بِي فَقَالَ يَا مُحَمَّدُ أَقْرِئْ أُمَّتَكَ مِنِّى السَّلاَمَ وَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ الْجَنَّةَ طَيِّبَةُ التُّرْبَةِ عَذْبَةُ الْمَاءِ وَأَنَّهَا قِيعَانٌ وَأَنَّ غِرَاسَهَا سُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَلاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَاللَّهُ أَكْبَرُ»
أيها المسلمون
وفي الآية السابقة من الفوائد والدرر الكثير والكثير ، ومنها : أن المرأة الصالحة قد تكون تحت الرجل الفاجر، وبيان عظم قدر هذا الدعاء إذ ذكره الله في كتابه ، وجواز الدعاء للنفس خاصة. – إثبات علو الله تبارك وتعالى من قولها(عندك) لأن الجنة سقفها عرش الرحمن، واختيار الجار قبل الدار. – جواز دعاء المرأة الصالحة أن يخلصها الله من زوجها الكافر وأن الصبر عليه غير مشروع، وتقديم الدعاء بأمر الآخرة على الدعاء بأمر الدنيا. – أن لأعمال الظالمين شؤمًا يصيب الصالحين ولذا قالت (وعمله) ويفسر هذا قوله تعالى : (وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) (25) الانفال – جواز التصريح بالاسم في الدعاء حيث إنها صرحت بفرعون ، وأن الجنة موجود الآن ، وأن الله قد يحدث في الجنة نعيمًا لم يكن فيها بسبب دعاء الرجل الصالح ، واستحباب الدعاء بمعالي الأمور.
الدعاء