خطبة مع القرآن (هَذَا بَلَاغٌ لِلنَّاسِ وَلِيُنْذَرُوا بِهِ)
أغسطس 17, 2019خطبة عن (عبادة الهوى)
أغسطس 19, 2019الخطبة الأولى ( بين الخوف والرجاء )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
روى مسلم في صحيحه : (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ : « لَوْ يَعْلَمُ الْمُؤْمِنُ مَا عِنْدَ اللَّهِ مِنَ الْعُقُوبَةِ مَا طَمِعَ بِجَنَّتِهِ أَحَدٌ وَلَوْ يَعْلَمُ الْكَافِرُ مَا عِنْدَ اللَّهِ مِنَ الرَّحْمَةِ مَا قَنِطَ مِنْ جَنَّتِهِ أَحَدٌ ».
أخوة الإسلام
لقاؤنا اليوم إن شاء الله مع هذا الحديث النبوي الشريف ، والذي يجمع فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الخوف والرجاء ، والرغبة والرهبة ، ففي قوله صلى الله عليه وسلم : (لَوْ يَعْلَمُ الْمُؤْمِنُ مَا عِنْدَ اللَّهِ مِنَ الْعُقُوبَةِ مَا طَمِعَ بِجَنَّتِهِ أَحَدٌ ) ،قيل أن المعنى : لو يعلم المؤمن الذي وجبت له الجنة ،ما عند الله من العقوبة ،ومن العذاب ،وما أعده لأهل النار فيها، ما طمع في جنة الله عز وجل، بل لتمنى أن ينجو من النار ، ومن العذاب، حتى وإن لم يدخل الجنة. وأما قوله صلى الله عليه وسلم : (وَلَوْ يَعْلَمُ الْكَافِرُ مَا عِنْدَ اللَّهِ مِنَ الرَّحْمَةِ مَا قَنِطَ مِنْ جَنَّتِهِ أَحَدٌ ».فالكافر لو يعلم سعة الرحمة لغطى على ما يعلمه من عظم العذاب فيحصل له الرجاء، فلا يأمن انتقامه من يرجو رحمته، ولا ييأس من رحمته من يخاف انتقامه، وذلك باعث على مجانبة السيئة ولو كانت صغيرة وملازمة الطاعة ولو كانت قليلة، وفي هذا الحديث بيان لكثرة رحمته وعقوبته ، لكيلا يغتر مؤمن برحمته فيأمن من عذابه، ولا ييأس كافر من رحمته ويترك بابه ، فالمؤمن يعيش حياته الدنيا بين الخوف والرجاء ،بين الخوف من عذابه ، والطمع في رحمته ، فعلم الإنسان بعظمة الله تعالى وبذنوبه ،وتقصيره في حق الله ، يوجب له الخوف من الله ، من غير أن يصل إلى اليأس من رحمة الله .وعلمه بسعة فضل الله ،وعفوه ،وكرمه ،ورحمته، يوجب له رجاء ،أن يكون من أهل تلك الرحمة الواسعة ، من غير أن يصل إلى الأمن من مكر الله .وبهذا يعتدل سير المسلم إلى الدار الآخرة ، فيجمع بين الخوف والرجاء ، ويجتنب اليأس من رحمه الله ، والأمن من مكره . فبرجاء رحمة الله يعبد المسلم ربه ويطيعه ويعمل الصالحات ، وبالخوف منه يترك معصيته، وقد رغب الله تعالى عباده في رحمته وفضله ورهبهم وخوفهم من عذابه ، فقال الله تعالى : (نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (49) وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الْأَلِيمُ) (49) ،(50) الحجر ، ” ولهذا قال بعض السلف : من عبد الله بالحب وحده فهو زنديق ، ومن عبده بالخوف وحده فهو حروري (خوارج)، ومن عبده بالرجاء وحده فهو مرجئ ، ومن عبده بالحب والخوف والرجاء فهو مؤمن . فما وصل الواصلون إليه بمثل خوفه ورجائه ومحبته ؛ فمتى خلا القلب من هذه الثلاث : فسد فسادا لا يرجى صلاحه أبدا ،ومتى ضعف فيه شيء من هذه: ضعف إيمانه بحسبه ، فالواجب على المكلف ذكرا كان أو أنثى ألا ييأس، ولا يقنط ويدع العمل ، بل يكون بين الرجاء والخوف ، يخاف الله ، ويحذر المعاصي ، ويسارع في التوبة ، ويسأل الله العفو، ولا يأمن من مكر الله ويقيم على المعاصي ويتساهل ؛ ولكن يحذر معاصي الله ، ويخافه ،ويكون بين الخوف والرجاء ، فمن غلب عليه الرجاء ؛ وقع في الأمن من مكر الله ، ومن غلب عليه الخوف ؛ وقع في القنوط من رحمة الله ، وكلاهما من كبائر الذنوب ” .
أيها المسلمون
فاحذروا من الشيطان فإنه يريد أن يوقعكم في اليأس من رحمة الله لتتركوا عبادة الله ، أو يوقعكم في الاسراف في الرجاء ، وعدم الخوف من مكر الله ،فتهون عليكم المعاصي ، وفي هذا الحديث : خوَّفنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في أوله ، ثم بشرنا صلى الله عليه وسلم في آخره ، ليكون ذلك دافعا لنا إلى الاجتهاد في طاعة الله وإحسان الظن به ، والابتعاد عن معصيته، فيَقْدَح فِي الْقَلْبِ قَادِحُ الْخَوْفِ وَالرَّجَاءِ ، فَيَتَحَرَّكَ لِلْعَمَلِ ، طَلَبًا لِلْخَلَاصِ مِنَ الْخَوْفِ ، وَرَغْبَةً فِي حُصُولِ الْمَرْجُوِّ. وقد روى أحمد عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ 🙁 أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ : أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي : إِنْ ظَنَّ بِي خَيْرًا فَلَهُ ، وَإِنْ ظَنَّ شَرًّا فَلَهُ ) صححه الألباني في “الصحيحة” ،وقال الامام النووي رحمه الله في شرح رياض الصالحين : اعلم أن المختار للعبد في حال صحته أن يكون خائفا راجيا، ويكون خوفه ورجاؤه سواءً، وفي حال المرض يغلب الرّجاء على الخوف ، ففي سنن الترمذي : (عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- دَخَلَ عَلَى شَابٍّ وَهُوَ فِي الْمَوْتِ فَقَالَ « كَيْفَ تَجِدُكَ ». قَالَ وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي أَرْجُو اللَّهَ وَإِنِّي أَخَافُ ذُنُوبِي. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « لاَ يَجْتَمِعَانِ فِي قَلْبِ عَبْدٍ فِي مِثْلِ هَذَا الْمَوْطِنِ إِلاَّ أَعْطَاهُ اللَّهُ مَا يَرْجُو وَآمَنَهُ مِمَّا يَخَافُ ».
أيها المسلمون
إن الخوف من الله ،يحمل المؤمن على الكف عن محارم الله وحدوده ،والحذر الشديد من الوقوع في أسباب سخط الله وغضبه ، فينزجر قلبه عما حرم الله ، ويتقي بجوارحه من الوقوع في الفواحش والآثام. فالخوف المحمود: هو الذي يحث على فعل الصالحات، وترك المحرمات، أما إذا زاد عن حده ، أفضى إلى اليأس ، والقنوط من رحمة الله. والرجاء في رحمة الله تعالى هو السبيل والطريق الذي يسوق المؤمن ويحدوه لفعل الصالحات.
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( بين الخوف والرجاء)
الحمد لله رب العالمين. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
المؤمن ذو القلب الحي ، إذا قرأ نصوص الوعيد ، والعذاب ، وأحوال الكفار والمعاندين والفساق ،أصابه القلق والخوف الشديد من دخوله فيهم ، وإذا قرأ نصوص الوعد والرجاء والنعيم ، وأحوال الأنبياء والمتقين ،واتصافهم بالذكر الحسن في الدنيا ، والفلاح في الآخرة ، طار قلبه فرحا ، واشتاق لبلوغ الجنة ، وسأل الله أن يكون منهم. فالعلم بعظم العذاب والعقاب يوجب الخوف ،والعلم بسعة الرحمة يوجب الرجاء ، وهذا هو المعني بقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث المتقدم : « لَوْ يَعْلَمُ الْمُؤْمِنُ مَا عِنْدَ اللَّهِ مِنَ الْعُقُوبَةِ مَا طَمِعَ بِجَنَّتِهِ أَحَدٌ ، وَلَوْ يَعْلَمُ الْكَافِرُ مَا عِنْدَ اللَّهِ مِنَ الرَّحْمَةِ مَا قَنِطَ مِنْ جَنَّتِهِ أَحَدٌ » ،فقلب المؤمن ينبغي أن يكون في سيره إلى الله ، بين مقام الخوف ،ومقام الرجاء ،حتى يكون متوازنا في عبادته ، لا يغلب جانب على جانب ،فإن دعته نفسه للمعصية ، تذكر الخوف ، وإن دعته نفسه لترك العمل ، ذكرها بالرجاء ، قال تعالى في وصف المتقين: (أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ). الاسراء 57، وقال الله تعالى:(أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ )الزمر 9 فالصالحون يسابقون في الخيرات وهم يطمعون في رحمة الله ويخافون عذاب الله. ولذلك قال ابن القيم: (القلبُ في سَيره إلى الله عزّ وجلّ بمنزلة الطائر، فالمحبّة رأسه ، والخوف والرجاء جناحاه). فالخوف والرجاء للمؤمن بمنزلة الجناحين للطائر إذا فقد أحدهما لم يستطع التحليق في الفضاء ،
الدعاء