خطبة عن ( الدليل العقلي لبَشَرية الْمَسِيح عِيسَى ابْن مَرْيَمَ)
مايو 7, 2022خطبة عن (بَشَريةُ الْمَسِيح عِيسَى ابْن مَرْيَمَ من خلال القرآن الكريم)
مايو 7, 2022الخطبة الأولى ( ما ينبغي على المؤمن فعله )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته : (وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ) (1) :(3) العصر
إخوة الإسلام
ينبغي على المسلم المكلف أن يعرف أن عليه أربعة أمور في الحياة الدنيا ، لا بد أن يقوم بها ، إن كان مسلماً يريد الله والدار الآخرة ، أما الأمر الأول: فهو العلم ، فواجب عليك أن تتعلم، وأن تتفقه ، وأن تتعلم ما تقوم به حياتك، وتصح به عبادتك ، وتلاقي به ربك من أمور دينك ودنياك ، وهذا الأمر سهل ميسر على من يسره الله عليه، ولذلك يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: (وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ) [القمر:17]. ، قال مجاهد: [ يسرنا طلب العلم، فهل من طالب علم؟] ، فالعلم سهل ميسر، سواء تعلم الإنسان ،أو حمل شهادة أو لم يحمل؛ لكن يتفقه في الدين ، وفي الصحيحين : (عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ قَالَ سَمِعْتُ مُعَاوِيَةَ بْنَ أَبِى سُفْيَانَ وَهُوَ يَخْطُبُ يَقُولُ إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ « مَنْ يُرِدِ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ وَإِنَّمَا أَنَا قَاسِمٌ وَيُعْطِى اللَّهُ ». وفي سنن ابن ماجه وغيره : (عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « طَلَبُ الْعِلْمِ فَرِيضَةٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ)، فالعلم المفروض تعلمه على كل مسلم هو علم فروض الأعيان، كمعرفة الله وحده لا شريك له ، ومعرفة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم، ووجوب اتباعه في كل ما أمر واجتناب ما نهى عنه وزجر، وتعلم الوضوء والغسل والصلاة وغير ذلك. فالعلمَ كنزٌ عظيم، يعلَم قدرَه كلُّ لبيب وعاقل، ويزيد قدرُ هذا العلم وفضله إن كان في تعلم دين الله والتفقه فيه، كيف لا وهو القائل – سبحانه -: ﴿ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ [الزمر: 9]، ومنزلة العالِم على غيره لا جدال فيها، بنص القرآن والسنَّة، كما في الآية الكريمة المذكورة، وفي سنن ابن ماجه : (عن أبي الدرداء أن رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ « مَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ وَإِنَّ الْمَلاَئِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا رِضًا لِطَالِبِ الْعِلْمِ وَإِنَّ طَالِبَ الْعِلْمِ يَسْتَغْفِرُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاءِ وَالأَرْضِ حَتَّى الْحِيتَانِ فِي الْمَاءِ وَإِنَّ فَضْلَ الْعَالِمِ عَلَى الْعَابِدِ كَفَضْلِ الْقَمَرِ عَلَى سَائِرِ الْكَوَاكِبِ إِنَّ الْعُلَمَاءَ هُمْ وَرَثَةُ الأَنْبِيَاءِ إِنَّ الأَنْبِيَاءَ لَمْ يُوَرِّثُوا دِينَارًا وَلاَ دِرْهَمًا إِنَّمَا وَرَّثُوا الْعِلْمَ فَمَنْ أَخَذَهُ أَخَذَ بِحَظٍّ وَافِرٍ ». والعلم يهَبُ لصاحبه التقوى والخشية والورع، ويُدخِله في الذين قال الله – تعالى – فيهم: ﴿ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ ﴾ [فاطر: 28]؛ فالعلم والعلماء نعمةٌ لا يعلَم قدرَها إلا العلماءُ، وفي فقدِهم فتح لباب الشبهات، واستشراء للفساد والجهل؛ ففي الصحيحين : (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – يَقُولُ « إِنَّ اللَّهَ لاَ يَقْبِضُ الْعِلْمَ انْتِزَاعًا ، يَنْتَزِعُهُ مِنَ الْعِبَادِ ، وَلَكِنْ يَقْبِضُ الْعِلْمَ بِقَبْضِ الْعُلَمَاءِ ، حَتَّى إِذَا لَمْ يُبْقِ عَالِمًا ، اتَّخَذَ النَّاسُ رُءُوسًا جُهَّالاً فَسُئِلُوا ، فَأَفْتَوْا بِغَيْرِ عِلْمٍ ، فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا »
أيها المسلمون
الأمر الثاني: العمل: أن يعمل المسلم بما علَّمه الله، قال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: (أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَـلا تَعْقِلُونَ) [البقرة:44] ، وقال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى في بني إسرائيل يوم تعلموا ولم يعملوا: (مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) [الجمعة:5]. وفي سنن الترمذي بسند صحيح : (قَالَ أَبُو كَبْشَةَ الأَنْمَارِيُّ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ :« إِنَّمَا الدُّنْيَا لأَرْبَعَةِ نَفَرٍ عَبْدٍ رَزَقَهُ اللَّهُ مَالاً وَعِلْمًا فَهُوَ يَتَّقِى فِيهِ رَبَّهُ وَيَصِلُ فِيهِ رَحِمَهُ وَيَعْلَمُ لِلَّهِ فِيهِ حَقًّا فَهَذَا بِأَفْضَلِ الْمَنَازِلِ وَعَبْدٍ رَزَقَهُ اللَّهُ عِلْمًا وَلَمْ يَرْزُقْهُ مَالاً فَهُوَ صَادِقُ النِّيَّةِ يَقُولُ لَوْ أَنَّ لِي مَالاً لَعَمِلْتُ بِعَمَلِ فُلاَنٍ فَهُوَ بِنِيَّتِهِ فَأَجْرُهُمَا سَوَاءٌ وَعَبْدٍ رَزَقَهُ اللَّهُ مَالاً وَلَمْ يَرْزُقْهُ عِلْمًا فَهُوَ يَخْبِطُ فِي مَالِهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ لاَ يَتَّقِى فِيهِ رَبَّهُ وَلاَ يَصِلُ فِيهِ رَحِمَهُ وَلاَ يَعْلَمُ لِلَّهِ فِيهِ حَقًّا فَهَذَا بِأَخْبَثِ الْمَنَازِلِ وَعَبْدٍ لَمْ يَرْزُقْهُ اللَّهُ مَالاً وَلاَ عِلْمًا فَهُوَ يَقُولُ لَوْ أَنَّ لِي مَالاً لَعَمِلْتُ فِيهِ بِعَمَلِ فُلاَنٍ فَهُوَ بِنِيَّتِهِ فَوِزْرُهُمَا سَوَاءٌ » ، وفي عدم العمل بالعلم يروي أسامة بن زيد رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “يُجَاءُ بِالرَّجُلِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيُلْقَى فِي النَّارِ، فَتَنْدَلِقُ أَقْتَابُهُ فِي النَّارِ، فَيَدُورُ كَمَا يَدُورُ الْحِمَارُ بِرَحَاهُ، فَيَجْتَمِعُ أَهْلُ النَّارِ عَلَيْهِ فَيَقُولُونَ: أَيْ فُلَانُ، مَا شَأْنُكَ؟ أليس كُنْتَ تَأْمُرُنَا بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَانَا عَنِ الْمُنْكَرِ؟ قَالَ: كُنْتُ آمُرُكُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَلَا آتِيهِ، وَأَنْهَاكُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَآتِيهِ” رواه البخاري ، ويروي أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “لَمَّا أُسْرِيَ بِي مَرَرْتُ بِرِجَالٍ تُقْرَضُ شِفَاهُهُمْ بِمَقَارِيضَ مِنْ نَارٍ، قَالَ: فَقُلْتُ: مَنْ هَؤُلَاءِ يَا جِبْرِيلُ؟ قَالَ: هَؤُلَاءِ خُطَبَاءُ مِنْ أُمَّتِكَ، يَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَيَنْسَوْنَ أَنْفُسَهُمْ وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتَابَ، أَفَلَا يَعْقِلُونَ” رواه أحمد ، وقال الحسن: “إِنْ كَانَ الرَّجُلُ لَيُصِيبُ الْبَابَ مِنَ الْعِلْمِ فَيَعْمَلُ بِهِ، فَيَكُونُ خَيْرًا لَهُ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا لَوْ كَانَتْ لَهُ فَجَعَلَهَا فِي الآخِرَةِ. قَالَ: وَقَالَ أيضًا: كَانَ الرَّجُلُ إِذَا طَلَبَ الْعِلْمَ لَمْ يَلْبَثْ أَنْ يُرَى ذَلِكَ فِي بَصَرِهِ وَتَخَشُّعِهِ وَلِسَانِهِ وَيَدِهِ وَصَلاَتِهِ وَزُهْدِهِ”
أيها المسلمون
أما الأمر الثالث مما ينبغي على المؤمن فعله فهو: التبليغ: أن يبلغ ما تعلم إلى الناس، فالتبليغ هو دعوة الناس إلى هذا العلم الذي حملتَه، ولو آيةً أو حديثاً، قال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ) [النحل:125]. وقال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: (قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي) [يوسف:108]. وقال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: (وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ) [فصلت:33]. فالتبليغ للناس من أعظم الأعمال وأجلها ، وهذا لا يقتضي من الإنسان شهادة ولا تَبَحُّراً، بل إذا عرفتَ آيةً أو حديثاً فبلغها، فإن الله يرزقك سُبحَانَهُ وَتَعَالَى بها أجراً ومثوبةً وقبولاً عنده، ففي الصحيحين يقول عليه الصلاة والسلام لعلي: { ثُمَّ ادْعُهُمْ إِلَى الإِسْلاَمِ ، وَأَخْبِرْهُمْ بِمَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ مِنْ حَقِّ اللَّهِ فِيهِ ، فَوَاللَّهِ لأَنْ يَهْدِىَ اللَّهُ بِكَ رَجُلاً وَاحِدًا خَيْرٌ لَكَ مِنْ أَنْ يَكُونَ لَكَ حُمْرُ النَّعَمِ » ، وفي البخاري :(عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو أَنَّ النَّبِيَّ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ « بَلِّغُوا عَنِّى وَلَوْ آيَةً) ، والدعوة يشترط فيها ثلاثة شروط:-أولها: أن تكون خالصة لوجه الواحد الأحد: بأن تقصد بدعوتك الله عز وجل، بلا رياء ولا سمعة، ثانيها: أن تتعلم العلم الذي تدعو به: فإن الجاهل لا يعلم غيرَه، وأن تتمكن من المسألة التي تريد أن تفهم الناس بها، ثالثها: أن تحمل أدبها، وحكمتها، وأن تكون صاحب حكمة؛ فلا تكون مؤذياً، ولا جارحاً للشعور، ولا فظاً غليظ القلب، فإن الناس إذا رأوا هذا انفضوا من حولك. فالواجب على أهل العلم بشريعة الله أينما كانوا أن يقوموا بمهمة الدعوة؛ لأن الناس في أشد الضرورة إلى ذلك في مشارق الأرض ومغاربها، ونحن في غربة من الإسلام ،وقلة من علماء الحق، وكثرة من أهل الجهل والباطل والشر والفساد. والواجب على أهل العلم بالله وبدينه أن يشمروا عن ساعد الجد، وأن يستقيموا على الدعوة وأن يصبروا عليها ، يرجون ما عند الله من المثوبة ،ويخشون مغبة التأخر عن ذلك، والتكاسل عنه، والله سبحانه وتعالى أوجب على العلماء أن يبينوا، وأوجب على العامة أن يقبلوا الحق ،وأن يستفيدوا من العلماء ،وأن يقبلوا النصيحة،
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( ما ينبغي على المؤمن فعله )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
ونواصل الحديث عما ينبغي على المؤمن : الأمر الرابع: الصبر: أن يصبر على هذا التبليغ، وما يأتيه من أذىً ومشقة من الناس. فالذي يدعو إلى الله سبحانه لا بدَّ له من الصبر؛ لأن طريق الدعوة ليس مفروشًا بالورد، ولنا العِبَر الكثيرة فيما لقيه أنبياءُ الله من شتَّى أنواع الأذى وصبْرهم على ذلك، فحريٌّ بنا أن نقتدي بهم، وأن نتجمَّل بهذه الصفة العظيمة، خصوصًا في عصر الفِتَن هذا الذي كثُرتْ فيه الأهواء والآراء والمعاصي والشُّبَه، فلا سلاحَ لمناظرة هؤلاء ونُصْحهم إلَّا بالصبر، قال جل وعلا: ﴿ وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ ﴾ [آل عمران: 120]. بل إن الله تعالى أمرنا بالدعوة إليه بالحكمة والموعظة الحسنة، والمجادلة بالتي هي أحسن، فقال سبحانه: ﴿ ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ﴾ [النحل: 125]، وقال أيضًا: ﴿ قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ ﴾ [يوسف: 108]، وقال أيضًا:﴿ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ ﴾ [العصر: 3]. ولنتأمل في أمر الله لنبيِّه صلى الله عليه وسلم في هذه الآيات الكريمات بالصبر – وهو مَنْ هو عليه الصلاة والسلام ، قال الله تعالى : ﴿ وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ﴾ [الكهف: 28]. فإن كان الله تعالى أمر نبيَّنا بالصبر كغيره من الرُّسُل من قبله، فمن باب أَولى مَنْ حَمَلَ مشْعَلَه مِنْ بعدِه، خاصةً إذا عَلِمنا أن الأنبياء أشدُّ الناس بلاءً، فقد روى الترمذي في سننه : ( عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ النَّاسِ أَشَدُّ بَلاَءً قَالَ « الأَنْبِيَاءُ ثُمَّ الأَمْثَلُ فَالأَمْثَلُ فَيُبْتَلَى الرَّجُلُ عَلَى حَسَبِ دِينِهِ فَإِنْ كَانَ دِينُهُ صُلْبًا اشْتَدَّ بَلاَؤُهُ وَإِنْ كَانَ فِي دِينِهِ رِقَّةٌ ابْتُلِىَ عَلَى حَسَبِ دِينِهِ فَمَا يَبْرَحُ الْبَلاَءُ بِالْعَبْدِ حَتَّى يَتْرُكَهُ يَمْشِى عَلَى الأَرْضِ مَا عَلَيْهِ خَطِيئَةٌ ». فكلُّ مسلم مدعوٌّ للتحلِّي بهذه الفضيلة، وليدْعُ بما علِمَه، وليتوقَّعْ أيَّ أذًى، ولْيَصبرْ؛ قال سبحانه: ﴿ أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ ﴾ [البقرة: 214]،
الدعاء