خطبة عن (إِذَا غَضِبْتَ فَاسْكُتْ)
يونيو 23, 2024خطبة عن (التضرع) مختصرة
يونيو 24, 2024الخطبة الأولى (أسباب نعمة التوفيق) مختصرة
الحمد لله رب العالمين. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى على لسان نبيه (شُعَيْب): (إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ) (88) هود
إخوة الإسلام
نعمة التوفيق من أجل النعم، وأعظم العطايا، فهي محض فضل من الله، يمتن بها علي من يشاء من عباده، فالتوفيق لطاعة الله -عز وجل- والاستقامة علي شرعه؛ وفعل الخيرات، وتزكية النفس، فمن وفقه الله تعالى لتزكية نفسه؛ فقد أفلح وفاز، (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى) [الأعلى: 14]. وأعلي مراتب توفيق الله تعالى لعبده أن يحبب إليه الإيمان والطاعة، وأن يكره إليه الكفر والفسوق والعصيان،
ومن المؤكد أن للتوفيق أسبابا، إذا أخذ العبد بها، نال التوفيق والسداد من الله تعالى، ومن أسباب التوفيق: الدعاء بالهداية: فمن أعظم أسباب توفيق الله تعالى للعبد الدعاء، وسؤال الله تعالى نعمة التوفيق والهداية، والافتقار والتضرع بين يدي الله عز وجل؛ وهو أعظم ما يستجلب به التوفيق؛ بل هو لب العبودية لله سبحانه، فحقيقة العبودية: كمال الحب، مع كمال الذل لله عز وجل. فاحرص على ألا يمر عليك يوم إلا وقد سألت الله تعالى أن يهديك، وأن يوفقك لما يحب ويرضي. ومن أسباب التوفيق: المجاهدة: فلا بد من الاجتهاد، والمثابرة، والصبر، فمن اجتهد وكابد، ذاق لذة العبادة، قال تعالى: {يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [آل عمران:200]، وقال تعلى: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} [العنكبوت:69]. قال ثابت البناني: (كابدت نفسي على قيام الليل عشرين سنة وتلذذت به عشرين سنة). فمن يريد أن ينال نعمة التوفيق؛ فعليه أن يجاهد نفسه على استقامتها على طاعة الله؛ فإذا جاهد نفسه على ذلك رُزق نعمة التوفيق والهداية، أما إذا أهمل إصلاح نفسه، أردته المهالك، وحرم نعمة التوفيق،
ومن أسباب التوفيق: التواضع وترك التكبر: فمن أسباب الخذلان، وحرمان نعمة التوفيق، ما ذكره الله تعالى في قوله: {سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَق} [الأعراف:146]؛ فمن كان عنده كبر حُرم نعمة الهداية، وحُرم نعمة التوفيق؛ فعلى المسلم إذا عرف الحق أن يلتزمه، وأن يقبله، وألا يُعرض عنه، وألا يتكبر على الحق، وعلى الخلق؛ فإن من تكبر على الحق وعلى الخلق، يحرم من نعمة التوفيق، ويحرم من نعمة الهداية، وحينئذ فمهما حصل من أمور الدنيا؛ فإنها لا تنفعه، وقد حرم من نعمة التوفيق.
ومن أسباب التوفيق: الفرح والأنس بعبادته سبحانه: فنظر العبد في نعم الله عليه، في نفسه وأهله وماله، يثمر المحبة، ويدعو للشكر، ويخفف العبادة ويسهلها على النفس، وكلما زادت محبة العبد لربه، شعر بلذة العبادة. قال ابن القيم: المحب يتلذذ بخدمة محبوبه، وتصرفه في طاعته، وكلما كانت المحبة أقوى، كانت لذة الطاعة والخدمة أكمل، فليزن العبد إيمانه ومحبته لله بهذا الميزان، ولينظر هل هو ملتذ بخدمته، كالتذاذ المحب بخدمة محبوبه، أو متكرِّه لها، يأتي بها على السآمة والملل والكراهة؟ فهذا محك إيمان العبد، ومحبته لله). وقال بعض السلف: (إني أدخل الصلاة فأحمل هم خروجي منها، ويضيق صدري إذا عرفت أني خارج منها). وفي سنن النسائي: (عَنْ أَنَسٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- «حُبِّبَ إِلَيَّ مِنَ الدُّنْيَا النِّسَاءُ وَالطِّيبُ وَجُعِلَ قُرَّةُ عَيْنِي فِي الصَّلاَةِ»، ومن كانت قرة عينه في شيء؛ فإنه يود ألا يفارقه، ولا يخرج منه؛ فإن قرة عين العبد: نعيمه، وطيب حياته به. وقال بعض السلف: إني لأفرح بالليل حين يقبل، لما يلَذُّ به عيشي، وتقر به عيني، من مناجاة من أُحب، وخلوتي بخدمته، والتذلل بين يديه، وأغتم للفجر إذا طلع، لما اشتغل به بالنهار عن ذلك. فلا شيء ألذ للمحب من خدمة محبوبه وطاعته.
ومن أسباب التوفيق: اتباع الحق والفطرة السليمة: فاتباع الحق، وفعل المعروف وعمل الصالحات، من علامات الإيمان، ودلائل الصلاح، وكمال الأنفس الزكية، والفطرة السليمة التي فطر الله تعالى الناس عليها، يقول الله سبحانه: {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} [الروم:30]، ويقول تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ} [البينة:5]، فهذا الدين القويم؛ من تمسك به، وحافظ عليه، واستمر في دربه، فهو الصالح التقين، المرضي عند الله، لذلك وعد الله هؤلاء بقوله: {جَزَاؤُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ} [البينة:8] . فمن يتبع منهج الله تعالى، ويسير في دروب الإيمان فهو السعيد الهاني البال، المرتاح النفس، تلزمه الطمأنينة والسكينة؛ لأنه لزم ذكر الله، يقول تعالى: {الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللهِ أَلَا بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} [الرعد:28]،
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية (أسباب نعمة التوفيق)
الحمد لله رب العالمين. اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان. ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد أيها المسلمون
ومن أسباب التوفيق: الثبات على الاستقامة: فالثبات على الاستقامة، والاستمرار في طريقها من أعظم النعم، والأمور بخواتيمها، فلا يغترن أحد بعمله، فالعبد ربما يقضي عمره يعبد الله عز وجل، ولا يترك بابًا من المعروف إلا فعله، حتى إذا كان بينه وبين الموت لحظات عصى الله فسخط الله عليه، فقبض روحه مع أصحاب النار، فهذا من الخذلان وعدم التوفيق. وفي صحيح البخاري: (عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ قَالَ نَظَرَ النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – إِلَى رَجُلٍ يُقَاتِلُ الْمُشْرِكِينَ، وَكَانَ مِنْ أَعْظَمِ الْمُسْلِمِينَ غَنَاءً عَنْهُمْ فَقَالَ «مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ النَّارِ فَلْيَنْظُرْ إِلَى هَذَا». فَتَبِعَهُ رَجُلٌ فَلَمْ يَزَلْ عَلَى ذَلِكَ حَتَّى جُرِحَ، فَاسْتَعْجَلَ الْمَوْتَ. فَقَالَ بِذُبَابَةِ سَيْفِهِ، فَوَضَعَهُ بَيْنَ ثَدْيَيْهِ، فَتَحَامَلَ عَلَيْهِ، حَتَّى خَرَجَ مِنْ بَيْنِ كَتِفَيْهِ. فَقَالَ النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – «إِنَّ الْعَبْدَ لَيَعْمَلُ فِيمَا يَرَى النَّاسُ عَمَلَ أَهْلِ الْجَنَّةِ، وَإِنَّهُ لَمِنْ أَهْلِ النَّارِ، وَيَعْمَلُ فِيمَا يَرَى النَّاسُ عَمَلَ أَهْلِ النَّارِ وَهْوَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ، وَإِنَّمَا الأَعْمَالُ بِخَوَاتِيمِهَا»، وفي صحيح مسلم: (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ «إِنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ الزَّمَنَ الطَّوِيلَ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ ثُمَّ يُخْتَمُ لَهُ عَمَلُهُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ الزَّمَنَ الطَّوِيلَ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ ثُمَّ يُخْتَمُ لَهُ عَمَلُهُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ». وفي سنن الترمذي: (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ «هَذَا كِتَابٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ فِيهِ أَسْمَاءُ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَأَسْمَاءُ آبَائِهِمْ وَقَبَائِلِهِمْ ثُمَّ أُجْمِلَ عَلَى آخِرِهِمْ فَلاَ يُزَادُ فِيهِمْ وَلاَ يُنْقَصُ مِنْهُمْ أَبَدًا». ثُمَّ قَالَ لِلَّذِي فِي شِمَالِهِ «هَذَا كِتَابٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ فِيهِ أَسْمَاءُ أَهْلِ النَّارِ وَأَسْمَاءُ آبَائِهِمْ وَقَبَائِلِهِمْ ثُمَّ أُجْمِلَ عَلَى آخِرِهِمْ فَلاَ يُزَادُ فِيهِمْ وَلاَ يُنْقَصُ مِنْهُمْ أَبَدًا ». فَقَالَ أَصْحَابُهُ فَفِيمَ الْعَمَلُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنْ كَانَ أَمْرٌ قَدْ فُرِغَ مِنْهُ فَقَالَ «سَدِّدُوا وَقَارِبُوا فَإِنَّ صَاحِبَ الْجَنَّةِ يُخْتَمُ لَهُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَإِنْ عَمِلَ أَيَّ عَمَلٍ وَإِنَّ صَاحِبَ النَّارِ يُخْتَمُ لَهُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ وَإِنْ عَمِلَ أَيَّ عَمَلٍ». ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- بِيَدَيْهِ فَنَبَذَهُمَا ثُمَّ قَالَ «فَرَغَ رَبُّكُمْ مِنَ الْعِبَادِ فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ».
ومن أسباب التوفيق: الاستغفار وتجديد العهد مع الله: فتجديد العهد مع الله يكون بالاستغفار والإنابة والتوبة، وسئل سهل عن الاستغفار الذي يكفر الذنوب فقال: (أول الاستغفار الاستجابة، ثم الإنابة، ثم التوبة، فالاستجابة أعمال الجوارح، والإنابة أعمال القلوب، والتوبة إقباله على مولاه، بأن يترك الخلق ثم يستغفر الله من تقصيره الذي هو فيه)، وتجديد العهد مع الله لا يكون بعد فعل الذنب فقط، بل يكون أيضًا بعد فعل الطاعة، قال تعالى: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إلَهَ إلَّا اللهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْـمُؤْمِنَاتِ وَاللهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ} [محمد:19]، وقال سبحانه: {ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللهَ إنَّ اللهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} [البقرة:199].
ومن أسباب التوفيق: الاستعانة بالله: فلا يستطيع العبد المداومة على طاعة الله إلا بالاستعانة، ولا الوصول إلى الهداية إلا بتوفيق منه سبحانه: {إيَّاكَ نَعْبُدُ وَإيَّاكَ نَسْتَعِينُ (5) اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْـمُسْتَقِيمَ} [الفاتحة:٥- ٦]، وقال تعالى: {وَمَا تَوْفِيقِي إلَّا بِاللهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإلَيْهِ أُنِيبُ} [هود:88].
ومن أسباب التوفيق: الشكر والثناء على من أنعم عليك بطاعته: كان صلى الله عليه وسلم بعدما يفعل الطاعة يحمد الله ويثني عليه أن وفقه لها، فيقول: الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات. فكل نعمة على العبد من الله في دين أو دنيا تحتاج إلى شكر، ثم التوفيق للشكر عليها نعمة أخرى تحتاج إلى شكر؛ وهكذا فالعبد لا يقدر على القيام التام بشكر النعم؛ لأن الله هيأ له الزمان والأحوال والإعانة، فالفضل كله منه؛ وفي صحيح البخاري: (عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ رَأَيْتُ النَّبِيَّ – صلى الله عليه وسلم – يَوْمَ الْخَنْدَقِ يَنْقُلُ مَعَنَا التُّرَابَ وَهْوَ يَقُولُ «وَاللَّهِ لَوْلاَ اللَّهُ مَا اهْتَدَيْنَا، وَلاَ صُمْنَا وَلاَ صَلَّيْنَا، فَأَنْزِلَنْ سَكِينَةً عَلَيْنَا، وَثَبِّتِ الأَقْدَامَ إِنْ لاَقَيْنَا، وَالْمُشْرِكُونَ قَدْ بَغَوْا عَلَيْنَا، إِذَا أَرَادُوا فِتْنَةً أَبَيْنَا)
ومن أسباب التوفيق: الفرح بالطاعة دون منّ ومفاخرة: فالفرح الأكبر عند المؤمن هو فرحه بطاعته لربه وزيادة حسناته، يفرح بفضل الله وبرحمته وبقربه منه سبحانه، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِّمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ (57) قُلْ بِفَضْلِ اللهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ} [يونس:57- 58].
الدعاء