خطبة عن (كن من عباد الرحمن)
يوليو 22, 2024خطبة عن حديث (لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ لَضَحِكْتُمْ قَلِيلاً وَلَبَكَيْتُمْ كَثِيرًا)
يوليو 23, 2024الخطبة الأولى (البخل أصل النقائص)
الحمد لله رب العالمين. اللهم لك الحمد حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه، حمدا يوافي النعم ويكافئ المزيد. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى: (الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَيَكْتُمُونَ مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا) (37) النساء، وقال تعالى: (الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَمَنْ يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ) (24) الحديد، وفي سنن الترمذي: (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- «خَصْلَتَانِ لاَ تَجْتَمِعَانِ فِي مُؤْمِنٍ الْبُخْلُ وَسُوءُ الْخُلُقِ»، وفيه: (عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ «لاَ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ خِبٌّ وَلاَ مَنَّانٌ وَلاَ بَخِيلٌ»، وفي الصحيحين: (عَنْ مُصْعَبٍ كَانَ سَعْدٌ يَأْمُرُ بِخَمْسٍ وَيَذْكُرُهُنَّ عَنِ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – أَنَّهُ كَانَ يَأْمُرُ بِهِنَّ «اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْبُخْلِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنَ الْجُبْنِ، وَأَعُوذُ بِكَ أَنْ أُرَدَّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الدُّنْيَا يَعْنِي فِتْنَةَ الدَّجَّالِ وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ».
إخوة الإسلام
البخل والشُّح خلقان مذمومان، ذمَّهما الله تعالى في كتابه الكريم، قال تعالى: ﴿الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَمَن يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ﴾ [الحديد: 24]، وفي الصحيحين: (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ ضَرَبَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – مَثَلَ الْبَخِيلِ وَالْمُتَصَدِّقِ، كَمَثَلِ رَجُلَيْنِ عَلَيْهِمَا جُبَّتَانِ مِنْ حَدِيدٍ، قَدِ اضْطُرَّتْ أَيْدِيهِمَا إِلَى ثُدِيِّهِمَا وَتَرَاقِيهِمَا، فَجَعَلَ الْمُتَصَدِّقُ كُلَّمَا تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ انْبَسَطَتْ عَنْهُ حَتَّى تَغْشَى أَنَامِلَهُ وَتَعْفُوَ أَثَرَهُ، وَجَعَلَ الْبَخِيلُ كُلَّمَا هَمَّ بِصَدَقَةٍ قَلَصَتْ، وَأَخَذَتْ كُلُّ حَلْقَةٍ بِمَكَانِهَا. قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ فَأَنَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – يَقُولُ بِإِصْبَعِهِ هَكَذَا فِي جَيْبِهِ، فَلَوْ رَأَيْتَهُ يُوَسِّعُهَا وَلاَ تَتَوَسَّعُ)، وفي مسند أحمد: (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ «..وَإِيَّاكُمْ وَالشُّحَّ فَإِنَّهُ أَهْلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ أَمَرَهُمْ بِالْقَطِيعَةِ فَقَطَعُوا وَبِالْبُخْلِ فَبَخِلُوا وَبِالْفُجُورِ فَفَجَرُوا»، قال ابن القيم: (لما كان البخيل محبوسًا عن الإحسان، ممنوعًا عن البرِّ والخير، كان جزاؤه من جنس عمله؛ فهو ضيق الصدر، ممنوع من الانشراح، ضيق العطن، صغير النفس، قليل الفرح، كثير الهمِّ والغمِّ والحزن، لا يكاد تقضى له حاجة، ولا يعان على مطلوب)،
فالبخل دليل على قلة العقل، وسوء التدبير، وهو أصل النقائص، ويدعو إلى خصال ذميمة، ولا يجتمع مع الإيمان في قلب واحد، ففي سنن النسائي: (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- «لاَ يَجْتَمِعُ غُبَارٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَدُخَانُ جَهَنَّمَ فِي جَوْفِ عَبْدٍ أَبَدًا وَلاَ يَجْتَمِعُ الشُّحُّ وَالإِيمَانُ فِي قَلْبِ عَبْدٍ أَبَدًا». فالبخل والشح يهلك الإنسان، ويدمر الأخلاق، ويُؤخر صاحبه، ويبعده عن صفات الأنبياء والصالحين. قال تعالى: {وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْراً لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} [آل عمران:180]. وفي صحيح البخاري: (أن جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ – رضي الله عنهما – يَقُولُ قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – «لَوْ قَدْ جَاءَ مَالُ الْبَحْرَيْنِ لَقَدْ أَعْطَيْتُكَ هَكَذَا وَهَكَذَا ثَلاَثًا». فَلَمْ يَقْدَمْ مَالُ الْبَحْرَيْنِ حَتَّى قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – فَلَمَّا قَدِمَ عَلَى أَبِي بَكْرٍ أَمَرَ مُنَادِيًا فَنَادَى مَنْ كَانَ لَهُ عِنْدَ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – دَيْنٌ أَوْ عِدَةٌ فَلْيَأْتِنِي. قَالَ جَابِرٌ فَجِئْتُ أَبَا بَكْرٍ، فَأَخْبَرْتُهُ أَنَّ النَّبِيَّ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ «لَوْ جَاءَ مَالُ الْبَحْرَيْنِ أَعْطَيْتُكَ هَكَذَا وَهَكَذَا ثَلاَثًا». قَالَ فَأَعْطَانِي. قَالَ جَابِرٌ فَلَقِيتُ أَبَا بَكْرٍ بَعْدَ ذَلِكَ فَسَأَلْتُهُ، فَلَمْ يُعْطِنِي، ثُمَّ أَتَيْتُهُ فَلَمْ يُعْطِنِي، ثُمَّ أَتَيْتُهُ الثَّالِثَةَ فَلَمْ يُعْطِنِي، فَقُلْتُ لَهُ قَدْ أَتَيْتُكَ فَلَمْ تُعْطِنِي، ثُمَّ أَتَيْتُكَ فَلَمْ تُعْطِنِي، ثُمَّ أَتَيْتُكَ فَلَمْ تُعْطِنِي، فَإِمَّا أَنْ تُعْطِيَنِي، وَإِمَّا أَنْ تَبْخَلَ عَنِّي. فَقَالَ أَقُلْتَ تَبْخَلُ عَنِّي وَأَيُّ دَاءٍ أَدْوَأُ مِنَ الْبُخْلِ – قَالَهَا ثَلاَثًا – مَا مَنَعْتُكَ مِنْ مَرَّةٍ إِلاَّ وَأَنَا أُرِيدُ أَنْ أُعْطِيَكَ. وَعَنْ عَمْرٍو عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِىٍّ سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ جِئْتُهُ، فَقَالَ لِي أَبُو بَكْرٍ عُدَّهَا. فَعَدَدْتُهَا فَوَجَدْتُهَا خَمْسَمِائَةٍ، فَقَالَ خُذْ مِثْلَهَا مَرَّتَيْنِ)،
وفي صحيح الأدب المفرد للبخاري: (عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : “من سيدكم يا بني سلمة؟ ” قلنا: جد بن قيس، على أنا نبخله. قال: ” وأي داء أدوى من البخل؟ بل سيدكم عمرو بن الجموح”. وكان عمرو على أصنامهم في الجاهلية، وكان يولم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا تزوج). فقوله صلى الله عليه وسلم: «وأي داء أدوى من البخل؟»: هذه الجملة، لو يعقِلها عاقل، لوُزِنت بأثقل الموازين، ولسُطِّرت بأنْفَسِ الْمِداد، ولَكُتبت بماء الذهب، ولُعلِّقت على أستار الكعبة؛ فالمعنى: وأي ذنب أقبح من البخل صفة؟، وأي مرض أشد وقعًا، وأكثر بأسًا، وأقطع ألمًا من الشح علة؟،
وقد استعاذ منه النبي صلى الله عليه وسلم، ففي الصحيحين: (عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رضي الله عنه-. أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – كَانَ يَدْعُو «أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْبُخْلِ وَالْكَسَلِ، وَأَرْذَلِ الْعُمُرِ، وَعَذَابِ الْقَبْرِ، وَفِتْنَةِ الدَّجَّالِ، وَفِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ» ، فالبخل لا يقتصر ضرره على صاحبه، بل يتعداه لكل الأنفس المخالطة له، والمحيطة به، والبخيل محروم في الدنيا، مؤاخذ في الآخرة، وهو مكروه من الله تعالى، ومبغوض من الناس، ولذا قيل: (جود الرجل يحببه إلى أضداده، وبخله يبغضه إلى أولاده). وقد تتسع دائرة البخل، حتى تشمل امتناع المرء عن أداء ما أوجب الله تعالى عليه، فترى البعض يبخل بنفسه وماله ووقته، وقد يمتنع عن تأدية حقوق الله أو النفس أو الخلق، وقد يبخل الإنسان بأشياء نفسه، وأشد منه دعوة الآخرين للبخل، قال تعالى: {الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ} [النساء:37]. وقد يصل البخل بصاحبه إلى أن يبخل على نفسه، بحيث يمرض فلا يتداوى، ويجوع فلا يأكل، ويتعرى فلا يلبس،
والبخل قد يكون غير قاصر على البخل بالمال؛ وإنما يبخل بالنظرة بعين الاهتمام، وبالابتسامة للتقدير والاحترام، وبالتربيت على رأس الأبناء، واحتضانهم لحظات تفوُّقهم، فكل ما سبق بخل وغَبنٌ، وتحطيم لأنفس بحرمانها أيسرَ سُبُلِ إسعادها، وما ذاك إلا لقسوة بالقلب، وتحجُّر بالعقل، وضيق بالنفس، وقد يكون البخل في عدم اظهار المشاعر الطيبة للآخرين، فالمشاعر الطيبة، والأحاسيس النبيلة الخيِّرة التي لا تستنزف مالًا، ولا تُرهق بالًا، سوى إظهارها من القلب للناس بلا أدنى جهد، والتي تعتبر بمنعها أشد إيلامًا، وأنكى إيذاءً من بخل المال، هي بالنسبة لك أيها البخيل ضربُ محالٍ، وشيء لا يُنال، فالابتسامة من الموبقات، والضحك من المهلكات، كأنما فُرِضت عليهما ضريبة مال، فوجب وأدُهما حتى لا يتم التغريم بهما، فجُلُّ الوقت شكوى وخلافات، فالسِّلم لا يعرف لك طريقًا، وراحة البال لا تألفك كصديق، فيا أيها البخيل، كيف تهوى الإكرام من سائر الناس، وأنت أضنُّ حتى بالابتسام، ولين الكلام، وبسط القِرى للأنام؟،
وللبخل أضرار وخيمة، ومسالبُ جسيمة؛ ومنها: حرمان الأجر المترتب على الإنفاق في سبيل الله، وحرمان الأرزاق، وضعف الإيمان لسوء الظن بالرحمن، وبغض أقرب الناس؛ للتقتير عليهم، والتضييق بهم، والوقوع في الإثم؛ لمنع الواجبات، بالصدِّ عن الإنفاق، وحرمان البخيل نفسه وغيره من مُتَعِ الدنيا الحلال، التي خاصمها بلا صلح، فحياتك أيها البخيل كلها توتُّر، وبؤس، وكَدَر، وتنغيص، وقنوط، ويأس؛ فلا تسعى لتحسين حياتك البائسة، ولا تجتهد بحقٍّ لرفع دنوِّ يدك المفلسة، وكلما جاءتك فرصة لنجاتك من براثن هذا المستنقع، تعللت بحُجَجٍ واهية، تصرفك ليس للنجاة، ولكن بمزيد من الهلاك، غرقًا في خضم أمواج أبحُرِ بُخْلِك العاتية؛ لتظل بها تقبع؛ لأنك بالإمساك نقضًا للجود أطمع.
أيها المسلمون
روى البخاري في صحيحه: (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – «مَنْ آتَاهُ اللَّهُ مَالاً فَلَمْ يُؤَدِّ زَكَاتَهُ، مُثِّلَ لَهُ مَالُهُ شُجَاعًا أَقْرَعَ، لَهُ زَبِيبَتَانِ يُطَوَّقُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، يَأْخُذُ بِلِهْزِمَتَيْهِ – يَعْنِى بِشِدْقَيْهِ – يَقُولُ أَنَا مَالُكَ أَنَا كَنْزُكَ» . ثُمَّ تَلاَ هَذِهِ الآيَةَ (وَلاَ يَحْسِبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ) [آل عمران:180]، وفي صحيح مسلم: (عَنْ مُطَرِّفٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ أَتَيْتُ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- وَهُوَ يَقْرَأُ (أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ) قَالَ «يَقُولُ ابْنُ آدَمَ مَالِي مَالِي – قَالَ – وَهَلْ لَكَ يَا ابْنَ آدَمَ مِنْ مَالِكَ إِلاَّ مَا أَكَلْتَ فَأَفْنَيْتَ أَوْ لَبِسْتَ فَأَبْلَيْتَ أَوْ تَصَدَّقْتَ فَأَمْضَيْتَ»، وفي سنن أبي داود: (أن أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ : « شَرُّ مَا فِي رَجُلٍ شُحٌّ هَالِعٌ وَجُبْنٌ خَالِعٌ». وفي الصحيحين: (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ – رضي الله عنه – أَنَّ النَّبِيَّ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ «مَا مِنْ يَوْمٍ يُصْبِحُ الْعِبَادُ فِيهِ إِلاَّ مَلَكَانِ يَنْزِلاَنِ فَيَقُولُ أَحَدُهُمَا اللَّهُمَّ أَعْطِ مُنْفِقًا خَلَفًا، وَيَقُولُ الآخَرُ اللَّهُمَّ أَعْطِ مُمْسِكًا تَلَفًا». وفيهما أيضا: (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ «يَتَقَارَبُ الزَّمَانُ، وَيَنْقُصُ الْعَمَلُ، وَيُلْقَى الشُّحُّ، وَتَظْهَرُ الْفِتَنُ، وَيَكْثُرُ الْهَرْجُ». قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّمَ هُوَ. قَالَ «الْقَتْلُ الْقَتْلُ»، وروى الطبراني: “إنّ أعجز الناس من عجز عن الدعاء، وأبخل الناس من بخل بالسّلامِ”.
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية (البخل أصل النقائص)
الحمد لله رب العالمين. اللهم لك الحمد حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه، حمدا يوافي النعم ويكافئ المزيد. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد أيها المسلمون
قال عليّ رضي الله عنه: (إنه سيأتي على النّاس زمانٌ عَضوض، يَعَضُّ الموسرُ على ما في يده ولم يُؤْمر بذلك). قال الله تعالى: {ولا تَنْسَوُا الفَضْلَ بيْنَكُم} [البقرة:237]. وقال طلحة بين عبيد الله رضي الله عنه: (إنّا لَنَجِدُ بأمْوالنا ما يجدُ البخلاء لكننا نتصبّرُ). وقال محمد بن المنكدر – رحمه الله تعالى -: كان يُقال: (إذا أراد الله بقوم شرًّا أمَّرَ عليهم شرارهم، وجعل أرزاقهم بأيدي بخلائهم). وقال الضحاك – رحمه الله تعالى – في تفسير قوله تعالى: {إنَّا جَعَلْنَا في أعناقهم أغلالاً} [يس: 8]، قال: (البخل، أمسك الله تعالى أيديهم عن النّفقة في سبيل الله فهم لا يُبصرون الهدى). وقالت أم البنين أخت عمر بن عبد العزيز – رحمها الله تعالى – : “أفٍّ للبخيل، لو كان البُخل قميصًا ما لَبِسْتُهُ، ولو كان طريقًا ما سلكتُهُ”، وقال الشعبيُّ – رحمه الله تعالى – : “ما أدري أيُّهُما أبعد غورًا في جهنّم: البخل أو الكذِب”، وقال أبو حنيفة رحمه الله تعالى: “لا أرى أن أُعَدِّلَ بخيلاً؛ لأن البخل يحمله على الاستقصاء فيأخذ فوق حقه خيفةً من أن يُغْبَنَ، فمن كان هكذا لا يكون مأمون الأمانة”.
أيها المسلم
فإياك إياك والبخل، فقد علمت ما جاء فيه من الذم، ودرِّبْ نفسك على الجود والكرم وتعامل مع الرب الكريم الذي لا تضيع عنده مثاقيل الذر، فعندك من النباهة والفطنة ما يخلصك من المعرة في الدنيا والآخرة… فأيها البخيل، لن تعيش فوق عمرك، ولن يدخل معك مالك بقبرك؛ فعِشْ كريمًا سخيًّا على نفسك، قبل غيرك، ثم أفِضْ على من حولك، وحطِّم أغلال قيدك، قبل أن يحبسك قيد بخلك ما بقِيَ من أجلك، فلن ينفعك عند موتك سوى مالٍ تصدقت به، كصدقة أجريتها، فأبقت لك ثوابها، أو كرب فرَّجته، أو عُسْر يسَّرته، أو ولد صالح أحسنت إليه، وأغدقت عليه، وصرفت إكرامك لديه، فيدعو لك لا عليك.
الدعاء