خطبة عن (وَكَانَ الْإِنْسَانُ قَتُورًا)
يونيو 19, 2025خطبة عن (من مواطن الثبات)
يونيو 21, 2025الخطبة الأولى (منارات في الطريق إلى الله)
الحمد لله رب العالمين. اللهم لك الحمد حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه، حمدا يوافي النعم ويكافئ المزيد. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى: (وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) (153) الانعام، وروى الإمام أحمد في مسنده: (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ خَطَّ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- خَطًّا ثُمَّ قَالَ « هَذَا سَبِيلُ اللَّهِ ثُمَّ خَطَّ خُطُوطاً عَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ شِمَالِهِ – ثُمَّ قَالَ – هَذِهِ سُبُلٌ – قَالَ يَزِيدُ – مُتَفَرِّقَةٌ عَلَى كُلِّ سَبِيلٍ مِنْهَا شَيْطَانٌ يَدْعُو إِلَيْهِ ». ثُمَّ قَرَأَ (وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ)، وفيه أيضا: (عَنِ النَّوَاسِ بْنِ سَمْعَانَ الأَنْصَارِيِّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً صِرَاطاً مُسْتَقِيماً وَعَلَى جَنْبَتَي الصِّرَاطِ سُورَانِ فِيهِمَا أَبْوَابٌ مُفَتَّحَةٌ وَعَلَى الأَبْوَابِ سُتُورٌ مُرْخَاةٌ وَعَلَى بَابِ الصِّرَاطِ دَاعٍ يَقُولُ يَا أَيُّهَا النَّاسُ ادْخُلُوا الصِّرَاطَ جَمِيعاً وَلاَ تَتَفَرَّجُوا وَدَاعِي يَدْعُو مِنْ جَوْفِ الصِّرَاطِ فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يُفْتَحَ شَيْئاً مِنْ تِلْكَ الأَبْوَابِ قَالَ وَيْحَكَ لاَ تَفْتَحْهُ فَإِنَّكَ إِنْ تَفْتَحْهُ تَلِجْهُ وْالصَّرِاطُ الإِسْلاَمُ وَالسُّورَانِ حُدُودُ اللَّهِ تَعَالَى وَالأَبْوَابُ الْمُفَتَّحَةُ مَحَارِمُ اللَّهِ تَعَالَى وَذَلِكَ الدَّاعِي عَلِى رَأْسِ الصِّرَاطِ كِتَابُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَالدَّاعِي مِنْ فَوْقِ الصِّرَاطِ وَاعِظُ اللَّهِ فِي قَلْبِ كُلِّ مُسْلِمٍ».
إخوة الإسلام
إن الطريق إلى الله تعالى لهو سهل وميسور، ولكن تعتريه بعض المصاعب والعقبات والمضلات، ولابد للسائر في هذا الطريق أن يتعرف عليها، ويجتازها، ليصل إلى الله تعالى بقلب سليم، ويسكن في جوار الحمن في جنات النعيم، وقد وضع الشرع الحكيم في هذا الطريق علامات ومنارات واشارات، ليهتدي بها السائر، ويحذر من العقبات والمضلات، والسؤال الذي نحاول الاجابة عليه اليوم: ما هي تلك العلامات والمنارات والاشارات؟، وما هي تلك العقبات؟، وكيفية التخلص منها للوصول إلى دار السلام، وبر الأمان، في جوار الملك الديان،
وبداية نقول: إن العلامات والمنارات على الطريق هي علامات ارشادية، ومنارات مضيئة، وخطوط واضحة، تدل على صحة السير والمسير، حتى لا نضل عن سواء السبيل، ومن هذه العلامات والاشارات والمنارات على طريق السائرين إلى الله تعالى: صحبة العلماء والصالحين، فعند مصاحبتك للأصدقاء، تذكَّر قولَهُ تعالى: (الأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ) [الزخرف:67]، فالصاحب ساحب، وإذا أردت أن تلازم صديقاً وصاحباً، فتذكّر قوله صلى الله عليه وسلم كما في سنن الترمذي: «لاَ تُصَاحِبْ إِلاَّ مُؤْمِنًا وَلاَ يَأْكُلْ طَعَامَكَ إِلاَّ تَقِىٌّ»، وفيه أيضا: (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- «الرَّجُلُ عَلَى دِينِ خَلِيلِهِ فَلْيَنْظُرْ أَحَدُكُمْ مَنْ يُخَالِلُ». وقال علقمة: (اصحب مَنْ إنْ صَحبتَهُ زانَك، وإن أصابتك خَصاصةٌ عانك، وإن قُلتَ سدَّد مقالك، وإن رأى منك حسنةً عدَّها، وإن بدت منك ثُلمةٌ سدَّها، وإن سألته أعطاك، وإذا نزلَت بك مهمَّةٌ واساك).
ومن علامات ومنارات الطريق إلى الله تعالى: أن تتسلح بسلاح الصبر، قال الله تعالى: (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155) الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (156) أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ) (155): (157) البقرة، وفي صحيح البخاري: (عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ – رضي الله عنه – أَنَّ نَاسًا مِنَ الأَنْصَارِ سَأَلُوا رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – فَأَعْطَاهُمْ، ثُمَّ سَأَلُوهُ فَأَعْطَاهُمْ، حَتَّى نَفِدَ مَا عِنْدَهُ فَقَالَ «مَا يَكُونُ عِنْدِي مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ أَدَّخِرَهُ عَنْكُمْ، وَمَنْ يَسْتَعْفِفْ يُعِفَّهُ اللَّهُ، وَمَنْ يَسْتَغْنِ يُغْنِهِ اللَّهُ، وَمَنْ يَتَصَبَّرْ يُصَبِّرْهُ اللَّهُ، وَمَا أُعْطِيَ أَحَدٌ عَطَاءً خَيْرًا وَأَوْسَعَ مِنَ الصَّبْرِ»، وفي صحيح مسلم: (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- «عَجَبًا لأَمْرِ الْمُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ وَلَيْسَ ذَاكَ لأَحَدٍ إِلاَّ لِلْمُؤْمِنِ إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ». وفي صحيح البخاري: (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – «مَنْ يُرِدِ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُصِبْ مِنْهُ»، وفي صحيح البخاري: (قَالَ عَطَاءُ بْنُ أَبِى رَبَاحٍ قَالَ لِي ابْنُ عَبَّاسٍ أَلاَ أُرِيكَ امْرَأَةً مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ قُلْتُ بَلَى. قَالَ هَذِهِ الْمَرْأَةُ السَّوْدَاءُ أَتَتِ النَّبِيَّ – صلى الله عليه وسلم – فَقَالَتْ إِنِّي أُصْرَعُ، وَإِنِّي أَتَكَشَّفُ فَادْعُ اللَّهَ لِي. قَالَ «إِنْ شِئْتِ صَبَرْتِ وَلَكِ الْجَنَّةُ وَإِنْ شِئْتِ دَعَوْتُ اللَّهَ أَنْ يُعَافِيَكِ». فَقَالَتْ أَصْبِرُ. فَقَالَتْ إِنِّي أَتَكَشَّفُ فَادْعُ اللَّهَ أَنْ لاَ أَتَكَشَّفَ، فَدَعَا لَهَا) .
ومن هذه العلامات والاشارات على طريق السائرين إلى الله تعالى: التوبة والاعتذار: فالله تعالى يدعو عباده العاصين المقصرين إلى التوبة والاعتذار, وترك الذنوب والإصرار, قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (8) التحريم , والله تعالى يفرح بالتائبين، ويقبل العاصين المذنبين, فعن أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: (لَلَّهُ أَشَدُّ فَرَحًا بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ، حِينَ يَتُوبُ إِلَيْهِ، مِنْ أَحَدِكُمْ كَانَ عَلَى رَاحِلَتِهِ بِأَرْضِ فَلاَةٍ، فَانْفَلَتَتْ مِنْهُ، وَعَلَيْهَا طَعَامُهُ وَشَرَابُهُ، فَأَيِسَ مِنْهَا، فَأَتَى شَجَرَةً، فَاضْطَجَعَ فِي ظِلِّهَا، قَدْ أَيِسَ مِنْ رَاحِلَتِهِ، فَبَيْنَمَا هُوَ كَذَلِكَ، إِذَا هُوَ بِهَا قَائِمَةً عِنْدَهُ، فَأَخَذَ بِخِطَامِهَا، ثُمَّ قَالَ، مِنْ شِدَّةِ الْفَرَحِ: اللَّهُمَّ أَنْتَ عَبْدِي، وَأَنَا رَبُّكَ، أَخْطَأَ مِنْ شِدَّةِ الْفَرَحِ). أخرجه مُسْلم، وعَنْ أَبِي مُوسَى عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قال: (إِنَّ الله عَزَّ وَجَلَّ يَبْسُطُ يَدَهُ بِاللَّيْلِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ النهارِ، وًيبْسُطُ يَدَهُ بِالنهارِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ اللَّيْلِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا). أخرجه مسلم
ومن هذه العلامات والاشارات على طريق السائرين إلى الله تعالى: الاكثار من الدعاء والاستغفار: فالدعاء وطلب المغفرة من الله تعالى سبيل السالكين وطريقهم إلى الجنة وإشارة على سيرهم في الطريق الصحيح, قال تعالى على لسان سيدنا نوح عليه السلام: (رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِي مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ) [نوح:28]، وقال موسى عليه السلام لما قتل رجلا من الأقباط: (رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) [القصص:16]. وقال شعيب لقومه: (وَاسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ) [هود:90]. وقال سيدنا صالح لقومه: (يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ هُوَ أَنشَأَكُمْ مِنْ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ) [هود:61].
ومن هذه العلامات والاشارات على طريق السائرين إلى الله تعالى: الاكثار من فعل الحسنات ،فإن الحسنات يذهبن السيئات: مصداقاً لقوله سبحانه: (وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ) (114) هود . وعَنْ عَبْداللهِ، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَارَسُولَ اللهِ، إِنِّي عَالَجْتُ امْرَأَةً فِي أَقْصَى الْمَدِينَةِ، وَإِنِّي أَصَبْتُ مِنْهَا مَادُونَ أَنْ أَمَسَّهَا، فَأَنَا هَذَا، فَاقْضِ فِيَّ مَاشِئْتَ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: لَقَدْ سَتَرَكَ اللَّهُ، لَوْ سَتَرْتَ نَفْسَكَ، قَالَ: فَلَمْ يَرُدَّ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم شَيْئًا، فَقَامَ الرَّجُلُ فَانْطَلَقَ، فَأَتْبَعَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم رَجُلاً دَعَاهُ، وَتَلاَ عَلَيْهِ هَذِهِ الآيَةَ: “أَقِمِ الصَّلاَةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ)، فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ: يَانَبِيَّ اللهِ، هَذَا لَهُ خَاصَّةً؟ قَالَ: بَلْ لِلنًّاسِ كَافَّةً) رواه مسلم ،وعَنْ طَوِيلٍ شَطَبٍ الْمَمْدُودِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّهُ أَتَى رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم ، فَقَالَ: أَرَأَيْتَ رَجُلا عَمِلَ الذُّنُوبَ كُلَّهَا فَلَمْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ تَعَالَى شَيْئًا، وَهُوَ فِي ذَلِكَ لا يَتْرُكُ حَاجَةً أَوْ دَاجَةً إِلا اقْتَطَعَهَا بِيَمِينِهِ، فَهَلْ لِذَلِكَ مِنْ تَوْبَةٍ؟ قَالَ: هَلْ أَسْلَمْتَ؟ قَالَ: أَمَّا أَنَا فَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّكَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: نَعَمْ، تَفْعَلُ الْخَيْرَاتِ وَتَتْرُكُ الشَّرَّاتِ فَيَجْعَلُهُنَّ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لِلْخَيْرَاتِ كُلِّهِنَّ قَالَ وَغَدَرَاتِي وَفَجَرَاتِي؟ قَالَ: نَعَمْ قَالَ: اللَّهُ أَكْبَرُ، فَمَا زَالَ يُكَبِّرُ حَتَّى تَوَارَى). أخرجه البزار وصححه الألباني
ومن هذه العلامات والاشارات على طريق السائرين إلى الله تعالى: أن في الابتلاءات تمحيص وكفارات: قال تعالى: (وَلِيَبْتَلِيَ اللَّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ) (154) آل عمران، وقال تعالى: (أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ) (214) البقرة، وقال تعالى: (الم (1) أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ (2) وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ) (1): (3) العنكبوت، وفي الصحيحين: (عَنْ أَبي هُرَيْرَة، عَنِ النَّبِي صلى الله عليه وسلم، قَالَ: (مَا يُصِيبُ الْمسلِمَ مِنْ نَصَب، وَلاَ وَصَب، وَلاَ هَمِّ، وَلاَ حَزن، وَلاَ أَذىً، وَلاَ غَمّ، حَتى الشوْكَةِ يُشَاكُهَا، إِلا كَفَّرَ اللهِ بِهَا مِنْ خَطَايَاهُ)، وفي صحيح البخاري: (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: (مَا يَزَالُ الْبَلاَءُ بِالْمُؤْمِنِ وَالْمُؤْمِنَةِ فِي نَفْسِهِ وَوَلَدِهِ وَمَالِهِ حَتَّى يَلْقَى اللّهَ وَمَا عَلَيْهِ خَطِيئَة)، وفيه أيضا: (عَنْ عَبْداللهِ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ؛ أَتَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فِي مَرَضِهِ، وَهُوَ يُوعَكُ وَعْكًا شَدِيدًا، وَقُلْتُ: إِنَّكَ لَتُوعَكُ وَعْكًا شَدِيدًا، قُلْتُ: إِنَّ ذَاكَ بِأَنَّ لَكَ أَجْرَيْنِ؟ قَالَ: أَجَلْ، مَا مِنْ مُسْلِمٍ يُصِيبُهُ أَذًى، إِلاَّ حَاتَّ اللَّهُ عَنْهُ خَطَايَاهُ، كَمَا تَحَاتُّ وَرَقُ الشَّجَرِ)
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية (منارات في الطريق إلى الله)
الحمد لله رب العالمين. اللهم لك الحمد حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه، حمدا يوافي النعم ويكافئ المزيد. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد أيها المسلمون
ومن علامات ومنارات الطريق إلى الله تعالى: تذوق لذة وحلاوة الطاعة، والشعور بمرارة المعصية، ففي صحيح مسلم: (أن رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ «ذَاقَ طَعْمَ الإِيمَانِ مَنْ رَضِىَ بِاللَّهِ رَبًّا وَبِالإِسْلاَمِ دِينًا وَبِمُحَمَّدٍ رَسُولاً». وفي صحيح البخاري: (عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ – رضي الله عنه – قَالَ قَالَ النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – «لاَ يَجِدُ أَحَدٌ حَلاَوَةَ الإِيمَانِ حَتَّى يُحِبَّ الْمَرْءَ، لاَ يُحِبُّهُ إِلاَّ لِلَّهِ، وَحَتَّى أَنْ يُقْذَفَ فِي النَّارِ أَحَبُّ إِلَيْهِ مِنْ أَنْ يَرْجِعَ إِلَى الْكُفْرِ، بَعْدَ إِذْ أَنْقَذَهُ اللَّهُ، وَحَتَّى يَكُونَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا». وفي مسند أحمد: (عَنْ أَبِي أُمَامَةَ أَنَّ رَجُلاً سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- مَا الإِيمَانُ قَالَ «إِذَا سَرَّتْكَ حَسَنَتُكَ وَسَاءَتْكَ سَيِّئَتُكَ فَأَنْتَ مُؤْمِنٌ». قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَمَا الإِثْمُ قَالَ «إِذَا حَاكَ فِي نَفْسِكَ شَيْءٌ فَدَعْهُ» .
ومن علامات ومنارات الطريق إلى الله تعالى: عدم الاغترار بالعمل، والخوف من سوء الخاتمة، وأن التوفيق من عند الله تعالى، ودخول الجنة برحمته وفضله، ففي صحيح البخاري: (عَنْ سَهْلٍ أَنَّ رَجُلاً مِنْ أَعْظَمِ الْمُسْلِمِينَ غَنَاءً عَنِ الْمُسْلِمِينَ فِي غَزْوَةٍ غَزَاهَا مَعَ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – فَنَظَرَ النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – فَقَالَ «مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى الرَّجُلِ مِنْ أَهْلِ النَّارِ فَلْيَنْظُرْ إِلَى هَذَا». فَاتَّبَعَهُ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ، وَهْوَ عَلَى تِلْكَ الْحَالِ مِنْ أَشَدِّ النَّاسِ عَلَى الْمُشْرِكِينَ، حَتَّى جُرِحَ فَاسْتَعْجَلَ الْمَوْتَ، فَجَعَلَ ذُبَابَةَ سَيْفِهِ بَيْنَ ثَدْيَيْهِ حَتَّى خَرَجَ مِنْ بَيْنِ كَتِفَيْهِ فَأَقْبَلَ الرَّجُلُ إِلَى النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – مُسْرِعًا فَقَالَ أَشْهَدُ أَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ. فَقَالَ «وَمَا ذَاكَ». قَالَ قُلْتَ لِفُلاَنٍ «مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ النَّارِ فَلْيَنْظُرْ إِلَيْهِ». وَكَانَ مِنْ أَعْظَمِنَا غَنَاءً عَنِ الْمُسْلِمِينَ، فَعَرَفْتُ أَنَّهُ لاَ يَمُوتُ عَلَى ذَلِكَ فَلَمَّا جُرِحَ اسْتَعْجَلَ الْمَوْتَ فَقَتَلَ نَفْسَهُ. فَقَالَ النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – عِنْدَ ذَلِكَ «إِنَّ الْعَبْدَ لَيَعْمَلُ عَمَلَ أَهْلِ النَّارِ، وَإِنَّهُ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ، وَيَعْمَلُ عَمَلَ أَهْلِ الْجَنَّةِ، وَإِنَّهُ مِنْ أَهْلِ النَّارِ، وَإِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالْخَوَاتِيمِ»، وفي مسند أحمد: (عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- «إِنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ وَإِنَّهُ لَمِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَإِنَّهُ لَمِنْ أَهْلِ النَّارِ وَإِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالْخَوَاتِيمِ ».
فعلى المؤمن أن يبقى قلبه معلقا بالله تعالى، وألا يعجب بنفسه، ولا يغتر بعمله، ولا يأمن مكره سبحانه، بل يبقى خائفا وجلا، معلقا قلبه بربه، عالما أنه لا نجاة له إلا بتوفيقه ومعونته، وأنه لا ينجيه عمله – وإن أخلص فيه – حتى يتغمده الله برحمته، والمؤمن يكون خائفاً أن يسلب حاله في كل طرفة عين، غير آمن من مكر الله، ولا غافل عن خطر الخاتمة، فلذلك لا يفارق الخوف والحذر قلوب أولياء الله أبداً.
الدعاء