خطبة عن ( اسم الله الكافي )
يوليو 13, 2016خطبة عن ( اسم الله المجيب )
يوليو 13, 2016الخطبة الأولى ( اسم الله اللطيف )
الحمد لله رب العالمين .. اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا لله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.. نشهد أنه بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الحق تبارك وتعالى في محكم آياته : (وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا) الأعراف 180، روى البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث أبي هريرة- رضي الله عنه – أن النبي-صلى الله عليه وسلم- قال: “إِنَّ لِلَّهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْمًا مِائَةً إِلَّا وَاحِدًا مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ”، وقال الله تعالى -: ﴿ أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ ﴾ [الملك: 14].
إخوة الإسلام
اليوم -إن شاء الله- موعدنا مع اسم من أسماء الله الحسنى ، ألا وهو اسمه تعالى ( اللطيف )، واللطيف مِنْ أسماء الله الحسنى التي وردتْ في الكتاب العظيم، قال – تعالى -: ﴿ لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ ﴾ [الأنعام: 103]، وقال – تعالى – حاكيًا قول يوسف – عليه السلام -: ﴿ إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِمَا يَشَاءُ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ ﴾ [يوسف: 100]، وقال – تعالى -: ﴿ أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ ﴾ [الملك: 14]. قال الخطابي: واللطيف هو البَرُّ بعباده، الذي يلطف بهم من حيث لا يعلمون، ويسبِّب لهم من مصالحهم من حيث لا يحتسبون، كقوله – سبحانه -: ﴿ اللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ ﴾ [الشورى: 19]. وقال الشوكاني في قوله: ﴿ إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ ﴾: “إن الله لطيف لا تخفى عليه خافية؛ بل يصل علمه إلى كل خفي” . وجمع الشيخ عبدالرحمن بن سعدي بين التعريفين، فقال: “اللطيف الذي لطف علمه وخبره، حتى أدرك السرائر والضمائر والخبايا (والخفايا والغيوب)، وهو الذي يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى”. ومن معاني اللطيف أنه الذي يلطف بعبده ووليِّه، فيسوق إليه البر والإحسان من حيث لا يشعر، ويعصمه من الشر من حيث لا يحتسب، ويرقيه إلى أعلى المراتب بأسباب لا تكون من (العبد) على بال، حتى إنه يذيقه المكاره، ليتوصل بها إلى المحاب الجليلة، والمقامات النبيلة”
أيها المسلمون
ومن آثار الإيمان بهذا الاسم العظيم ( اللطيف ) :أولاً: أن الله – عز وجل – لا يفوته من العلم شيء، وإن دقَّ وصغُر أو خفي، وكان في مكان سحيق، قال – تعالى -: ﴿ وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ ﴾ [الأنعام: 59]. وقال – تعالى -: ﴿ يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ ﴾ [لقمان: 16]. فالله لا يخْفى عليه شيءٌ، ولا الخردلة – وهي الحبَّة الصغيرة التي لا وزن لها – فإنها ولو كانت في صخرةٍ في باطن الأرض أو في السموات، فإنَّ الله يأتِي بها، وهو اللَّطيف الخبير. فهذا عِلمه – سبحانه – في الجمادات وحركاتها وسكناتها، أما علمه – سبحانه – في الطيور والحيوانات وسائر الخلائق، فإن الله – تعالى – قال: ﴿ وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ ﴾ [الأنعام: 38]، وقال – تعالى -: ﴿ وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ ﴾ [هود: 6]. فإذا كان هذا علْمه بالجمادات والطيور والحيوانات، فكيف بالمكلَّفين من الجن والإنس الذين لم يُخلَقوا إلا للعبادة؟ قال – تعالى – عنهم: ﴿ يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ ﴾ [غافر: 19]، وقال – سبحانه -: ﴿ وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ وَلَا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَلَا أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرَ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ ﴾ [يونس: 61]. وقال – تعالى -: ﴿ وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ * الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ * وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ * إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ﴾ [الشعراء: 217 – 220]. وروى البخاري ومسلم في صحيحيهما مِنْ حديث أبي هريرة – رضي الله عنه – أنَّ النبيَّ – صلى الله عليه وسلم – قال في حديث جبريل: ((قَالَ مَا الإِحْسَانُ قَالَ « أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ » ، ومن آثار الإيمان بهذا الاسم العظيم ( اللطيف ) : ثانيًا: أنَّ العبد إذا علِم أن ربه متَّصف بدقَّة العلم وإحاطته بكل صغيرة وكبيرة، حاسَبَ نفسه على أقواله وأفعاله، وحركاته وسكناته، والله – تعالى – يجازي العباد على أعمالهم، فالمحسن لا يَضيع من إحسانه مثقالُ ذرة، ولا المسيء يضيع من سيئاته مثقال ذرة، قال – تعالى -: ﴿ فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ ﴾ [الزلزلة: 7-8]. وقال – سبحانه -: ﴿ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا ﴾ [الكهف: 49]، وقال – سبحانه -: ﴿ وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا يَخَافُ ظُلْمًا وَلَا هَضْمًا ﴾ [طه: 112]، وقال – تعالى -: ﴿ وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ ﴾ [الأنبياء: 47]. ومن آثار الإيمان بهذا الاسم العظيم ( اللطيف ) : ثالثًا: أن الله – تعالى – مِنْ لُطفه بعباده يضاعف أجور المؤمنين، ويعفو ويتجاوَز عن ذنوب من شاء من عباده؛ قال – تعالى -: ﴿ مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا ﴾ [الأنعام: 160]. وروى البخاري ومسلم من حديث ابن عمر – رضي الله عنهما – أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: ((إن الله يدْني المؤمن، فيضع عليه كنَفَه ويستره، فيقول: أتعرف ذنب كذا؟ أتعرف ذنب كذا؟ فيقول: نعم، أي رب، حتى إذا قرَّره بذنوبه، ورأى في نفسه أنه هلك، قال: سترتُها عليك في الدنيا، وأنا أغفرها لك اليوم، فيُعطى كتابَ حسناته، وأما الكافر والمنافق، فيقول الأشهاد: ﴿ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ ﴾ [هود: 18] .
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( اسم الله اللطيف )
الحمد لله رب العالمين .. اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا لله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.. نشهد أنه بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
ومن آثار الإيمان بهذا الاسم العظيم ( اللطيف ) : رابعًا: أن الله لطيف بعباده، يريد لهم الخير واليُسر، ويقيض لهم أسباب الصلاح والبر، ومن لطفه بعباده أنه يسوق إليهم أرزاقهم، وما يحتاجونه في معاشهم، قال – تعالى -: ﴿ اللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ ﴾ [الشورى: 19]. وقال – سبحانه -: ﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ ﴾ [الطلاق: 2-3]. ومِنْ لُطْفه سبحانه بخلْقه خلق الجنين في بطن أمِّه في ظلمات ثلاث: ظلمة الرحم، وظلمة البطن، وظلمة المشيمة، وهو في بطن أمه يتقلَّب في هذه الأطوار: نطفة ثم علقة ثم مضغة، ثم تكسى العظام لحمًا؛ قال – تعالى -: ﴿ ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ ﴾ [المؤمنون: 14]. ومِنْ لُطفه بخلقه لطفه بأنبيائه المرسلين، فمن ذلك لطفه بيوسف – عليه السلام – حين أخرجه من السجن، وجاء بأهله من البدْو، وجمع بينه وبين أبويه، بعد أن نزغ الشيطان بينه وبين إخوته. ومن ذلك لطفه بنبيِّه موسى – عليه السلام – حين أرسله إلى فرعون، وألقتْه أمُّه في البحر، ووصل إلى قصر فرعون، وقذف الله في قلب زوجة فرعون الرحمةَ لهذا الطفل، وطلبتْ من فرعون استبقاءه، فنجا من القتل، ثم منع من الرضاعة، ليرجع إلى أمه فيحصل على حنانها، قال – تعالى -: ﴿ وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ مِنْ قَبْلُ فَقَالَتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ ﴾ [القصص: 12]، ثم تربَّى في قصر فرعون، وتحت سمعه وبصره. ومن لُطفه بعبده، أن قيَّض له كل سبب يعوقه ويحول بينه وبين المعاصي، حتى إنه – تعالى – إذا علم أن الدنيا والمال والرياسة، ونحوها مما يتنافس فيه أهل الدنيا، تقطع عبدَه عن طاعته، أو تحمله على الغفلة عنه، أو على معصيته، صرَفَها عنه، وقدَر عليه رزقه؛ ولهذا قال هنا: ﴿ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ ﴾ بحسب اقتضاء حكمته ولطفه ﴿ وَهُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ ﴾. ومن لطفه بعباده المؤمنين أنه أمرهم بالعبادات الاجتماعية، التي بها تقْوى عزائمهم، وتنبعث هممهم، ويحصل منهم التنافس على الخير والرغبة فيه، واقتداء بعضهم ببعض .
الدعاء