خطبة عن الصحابي (أبو أيوب الأنصاري)
يوليو 20, 2016خطبة عن (الصحابي : أبو سعيد الخدري)
يوليو 20, 2016الخطبة الأولى ( الصحابي : أبو ذر الغفاري)
الحمد لله رب العالمين .. اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والإيمان. ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام.. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.. نشهد أنه بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته وهو أصدق القائلين : {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا} [الفتح:29]، وروى مسلم في صحيحه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « النُّجُومُ أَمَنَةٌ لِلسَّمَاءِ فَإِذَا ذَهَبَتِ النُّجُومُ أَتَى السَّمَاءَ مَا تُوعَدُ وَأَنَا أَمَنَةٌ لأَصْحَابِي فَإِذَا ذَهَبْتُ أَتَى أَصْحَابِي مَا يُوعَدُونَ وَأَصْحَابِي أَمَنَةٌ لأُمَّتِي فَإِذَا ذَهَبَ أَصْحَابِي أَتَى أُمَّتِى مَا يُوعَدُونَ ».
إخوة الاسلام
أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، هم – أبر الناس قلوباً، وأعمقهم علماً ، وأحسنهم خلقاً ،واليوم إن شاء الله نريد أن نقترب من أولئك الرجال الأبرار ،لنستقبل فيهم أروع نماذج البشرية ، ولنرى في سيرتهم اسمى ما عرفت البشرية من عظمة ونبل ورشاد ،نقترب منهم لنرى إيمانهم ، وثباتهم ، وبطولاتهم ، وولاءهم لله ورسوله ،لنرى البذل الذي بذلوا ، والهول الذي احتملوا ، والفوز الذي أحرزوا ،نرى الدور الجليل الذي نهضوا به لتحرير البشرية كلها من وثنية الضمير ، وضياع المصير ، حقا ، إنهم فتية آمنوا بربهم ، فزادهم الله هدى ، واليوم إن شاء الله موعدنا مع الصحابي الجليل : ( أبو ذر الغفاري) ،أما عن نسبه ومولده : فهو أبو ذَرّ، ويقال أبو الذَرّ جندب بن جنادة الغفاري. وقد اختلف في اسمه, فقيل: جندب بن عبد الله، وقيل: جندب بن السكن، والمشهور جندب بن جنادة. وأم أبي ذَرّ هي رملة بنت الوقيعة الغفارية، وقد أسلمت رضي الله عنها. وكان آدم طويلاً أبيض الرأس واللحية، أسمر اللون نحيفًا، قال أبو قلابة عن رجل من بني عامر: “دخلت مسجد مِنى فإذا شيخ معروق آدم (أي أسمر اللون)، عليه حُلَّة قِطْريٌّ، فعرفت أنه أبو ذَرّ بالنعت”. وقد ولد أبو ذر في قبيلة غفار بين مكة والمدينة، وقد اشتهرت هذه القبيلة بالسطو، وقطع الطريق على المسافرين والتجار وأخذ أموالهم بالقوة، وكان أبو ذَرّ رجلاً يصيب الطريق، وكان شجاعًا يقطع الطريق وحده، ويُغير على الناس في عماية الصبح على ظهر فرسه أو على قدميه كأنه السبع، فيطرق الحي ويأخذ ما يأخذ. ومع هذا كان أبو ذَرّ ممن تألّه ( أي يعبد الله ): “أخذ أبو بكر بيدي فقال: يا أبا ذر. فقلت: لبيك يا أبا بكر. فقال: هل كنت تأله في جاهليتك؟ قلت: نعم، لقد رأيتني أقوم عند الشمس (أي عند شروقها)، فلا أزال مصليًا حتى يؤذيني حرّها، فأخرّ كأني خفاء. فقال لي: فأين كنت توجَّه؟ قلت: لا أدري إلا حيث وجهني الله، حتى أدخل الله عليَّ الإسلام”. في الجاهلية، وكان يقول: لا إله إلا الله، ولا يعبد الأصنام.
أيها المسلمون
ولكن ، كيف اهتدى أبو ذر إلى الإسلام ؟ ففي صحيح البخاري : (قَالَ لَنَا ابْنُ عَبَّاسِ أَلاَ أُخْبِرُكُمْ بِإِسْلاَمِ أَبِى ذَرٍّ قَالَ قُلْنَا بَلَى . قَالَ قَالَ أَبُو ذَرٍّ كُنْتُ رَجُلاً مِنْ غِفَارٍ ، فَبَلَغَنَا أَنَّ رَجُلاً قَدْ خَرَجَ بِمَكَّةَ ، يَزْعُمُ أَنَّهُ نَبِىٌّ ، فَقُلْتُ لأَخِى انْطَلِقْ إِلَى هَذَا الرَّجُلِ كَلِّمْهُ وَأْتِنِى بِخَبَرِهِ . فَانْطَلَقَ فَلَقِيَهُ ، ثُمَّ رَجَعَ فَقُلْتُ مَا عِنْدَكَ فَقَالَ وَاللَّهِ لَقَدْ رَأَيْتُ رَجُلاً يَأْمُرُ بِالْخَيْرِ وَيَنْهَى عَنِ الشَّرِّ . فَقُلْتُ لَهُ لَمْ تَشْفِنِى مِنَ الْخَبَرِ . فَأَخَذْتُ جِرَابًا وَعَصًا ، ثُمَّ أَقْبَلْتُ إِلَى مَكَّةَ فَجَعَلْتُ لاَ أَعْرِفُهُ ، وَأَكْرَهُ أَنْ أَسْأَلَ عَنْهُ ، وَأَشْرَبُ مِنْ مَاءِ زَمْزَمَ وَأَكُونُ فِى الْمَسْجِدِ . قَالَ فَمَرَّ بِى عَلِىٌّ فَقَالَ كَأَنَّ الرَّجُلَ غَرِيبٌ . قَالَ قُلْتُ نَعَمْ . قَالَ فَانْطَلِقْ إِلَى الْمَنْزِلِ . قَالَ فَانْطَلَقْتُ مَعَهُ لاَ يَسْأَلُنِى عَنْ شَىْءٍ ، وَلاَ أُخْبِرُهُ ، فَلَمَّا أَصْبَحْتُ غَدَوْتُ إِلَى الْمَسْجِدِ لأَسْأَلَ عَنْهُ ، وَلَيْسَ أَحَدٌ يُخْبِرُنِى عَنْهُ بِشَىْءٍ . قَالَ فَمَرَّ بِى عَلِىٌّ فَقَالَ أَمَا نَالَ لِلرَّجُلِ يَعْرِفُ مَنْزِلَهُ بَعْدُ قَالَ قُلْتُ لاَ . قَالَ انْطَلِقْ مَعِى . قَالَ فَقَالَ مَا أَمْرُكَ وَمَا أَقْدَمَكَ هَذِهِ الْبَلْدَةَ قَالَ قُلْتُ لَهُ إِنْ كَتَمْتَ عَلَىَّ أَخْبَرْتُكَ . قَالَ فَإِنِّى أَفْعَلُ . قَالَ قُلْتُ لَهُ بَلَغَنَا أَنَّهُ قَدْ خَرَجَ هَا هُنَا رَجُلٌ يَزْعُمُ أَنَّهُ نَبِىٌّ ، فَأَرْسَلْتُ أَخِى لِيُكَلِّمَهُ فَرَجَعَ وَلَمْ يَشْفِنِى مِنَ الْخَبَرِ ، فَأَرَدْتُ أَنْ أَلْقَاهُ . فَقَالَ لَهُ أَمَا إِنَّكَ قَدْ رَشَدْتَ ، هَذَا وَجْهِى إِلَيْهِ ، فَاتَّبِعْنِى ، ادْخُلْ حَيْثُ أَدْخُلُ ، فَإِنِّى إِنْ رَأَيْتُ أَحَدًا أَخَافُهُ عَلَيْكَ ، قُمْتُ إِلَى الْحَائِطِ ، كَأَنِّى أُصْلِحُ نَعْلِى ، وَامْضِ أَنْتَ ، فَمَضَى وَمَضَيْتُ مَعَهُ ، حَتَّى دَخَلَ وَدَخَلْتُ مَعَهُ عَلَى النَّبِىِّ – صلى الله عليه وسلم – فَقُلْتُ لَهُ اعْرِضْ عَلَىَّ الإِسْلاَمَ . فَعَرَضَهُ فَأَسْلَمْتُ مَكَانِى ، فَقَالَ لِى « يَا أَبَا ذَرٍّ اكْتُمْ هَذَا الأَمْرَ ، وَارْجِعْ إِلَى بَلَدِكَ ، فَإِذَا بَلَغَكَ ظُهُورُنَا فَأَقْبِلْ » . فَقُلْتُ وَالَّذِى بَعَثَكَ بِالْحَقِّ لأَصْرُخَنَّ بِهَا بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ . فَجَاءَ إِلَى الْمَسْجِدِ ، وَقُرَيْشٌ فِيهِ فَقَالَ يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ ، إِنِّى أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ . فَقَالُوا قُومُوا إِلَى هَذَا الصَّابِئِ . فَقَامُوا فَضُرِبْتُ لأَمُوتَ فَأَدْرَكَنِى الْعَبَّاسُ ، فَأَكَبَّ عَلَىَّ ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيْهِمْ ، فَقَالَ وَيْلَكُمْ تَقْتُلُونَ رَجُلاً مِنْ غِفَارَ ، وَمَتْجَرُكُمْ وَمَمَرُّكُمْ عَلَى غِفَارَ . فَأَقْلَعُوا عَنِّى ، فَلَمَّا أَنْ أَصْبَحْتُ الْغَدَ رَجَعْتُ فَقُلْتُ مِثْلَ مَا قُلْتُ بِالأَمْسِ ، فَقَالُوا قُومُوا إِلَى هَذَا الصَّابِئِ . فَصُنِعَ { بِى } مِثْلَ مَا صُنِعَ بِالأَمْسِ وَأَدْرَكَنِى الْعَبَّاسُ فَأَكَبَّ عَلَىَّ ، وَقَالَ مِثْلَ مَقَالَتِهِ بِالأَمْسِ . قَالَ فَكَانَ هَذَا أَوَّلَ إِسْلاَمِ أَبِى ذَرٍّ رَحِمَهُ اللَّهُ . ) ، وكان أبو ذرّ من كبار الصحابة، قديم الإسلام، يقال: أسلم بعد أربعة فكان خامسًا، وقد كان للنبي أثرٌ كبير وواضحٌ في حياة أبي ذر ؛ وذلك لقدم إسلامه، وطول المدة التي قضاها مع النبي؛ فعن حاطب قال: قال أبو ذر: “ما ترك رسول الله شيئًا مما صبّه جبريل وميكائيل -عليهما السلام- في صدره إلا قد صبه في صدري”.وفي سنن أبي داود وصحيح ابن حبان (قَالَ أَبُو ذَرٍّ يَا رَسُولَ اللَّهِ ذَهَبَ أَصْحَابُ الدُّثُورِ بِالأُجُورِ يُصَلُّونَ كَمَا نُصَلِّى وَيَصُومُونَ كَمَا نَصُومُ وَلَهُمْ فُضُولُ أَمْوَالٍ يَتَصَدَّقُونَ بِهَا وَلَيْسَ لَنَا مَالٌ نَتَصَدَّقُ بِهِ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « يَا أَبَا ذَرٍّ أَلاَ أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ تُدْرِكُ بِهِنَّ مَنْ سَبَقَكَ وَلاَ يَلْحَقُكَ مَنْ خَلْفَكَ إِلاَّ مَنْ أَخَذَ بِمِثْلِ عَمَلِكَ ». قَالَ بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ « تُكَبِّرُ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ دُبُرَ كُلِّ صَلاَةٍ ثَلاَثًا وَثَلاَثِينَ وَتَحْمَدُهُ ثَلاَثًا وَثَلاَثِينَ وَتُسَبِّحُهُ ثَلاَثًا وَثَلاَثِينَ وَتَخْتِمُهَا بِلاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَىْءٍ قَدِيرٌ غُفِرَتْ لَهُ ذُنُوبُهُ وَلَوْ كَانَتْ مِثْلَ زَبَدِ الْبَحْرِ ».
أيها المسلمون
وكان الزهد الشديد والتواضع من أهم ملامح شخصية أبي ذر الغفاري رضي الله عنه :فقد قيل لأبي ذرٍّ : ألا تتخذ أرضًا كما اتخذ طلحة والزبير؟ فقال: “وما أصنع بأن أكون أميرًا، وإنما يكفيني كل يوم شربة من ماء أو نبيذ أو لبن، وفي الجمعة قَفِيزٌ من قمح”. وعن أبي ذر قال: “كان قوتي على عهد رسول الله صاعًا من التمر، فلست بزائدٍ عليه حتى ألقى الله تعالى”. ومن أهم ملامح شخصيته صدق اللهجة :ففي سنن الترمذي بسند حسن (عَنْ أَبِى ذَرٍّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « مَا أَظَلَّتِ الْخَضْرَاءُ وَلاَ أَقَلَّتِ الْغَبْرَاءُ مِنْ ذِى لَهْجَةٍ أَصْدَقَ وَلاَ أَوْفَى مِنْ أَبِى ذَرٍّ شِبْهِ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ ». فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ كَالْحَاسِدِ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفَنَعْرِفُ ذَلِكَ لَهُ قَالَ « نَعَمْ فَاعْرِفُوهُ لَهُ ». وقد حرص أبو ذر الغفاري على الجهاد رغم الصعوبات : عن عبد الله بن مسعود قال: لما سار رسول الله إلى تبوك، جعل لا يزال يتخلف الرجل فيقولون: يا رسول الله، تخلف فلان. فيقول: “دعوه، إن يك فيه خير فسيلحقه الله بكم، وإن يك غير ذلك فقد أراحكم الله منه”. حتى قيل: يا رسول الله، تخلف أبو ذر، وأبطأ به بعيره. فقال رسول الله: “دعوه، إن يك فيه خير فسيلحقه الله بكم، وإن يك غير ذلك فقد أراحكم الله منه”. فتلوَّم أبو ذَرّ على بعيره فأبطأ عليه، فلما أبطأ عليه أخذ متاعه فجعله على ظهره فخرج يتبع رسول الله ماشيًا، ونزل رسول الله في بعض منازله ونظر ناظر من المسلمين فقال: يا رسول الله، هذا رجل يمشي على الطريق. فقال رسول الله: “كن أبا ذَرّ”. فلما تأمله القوم، قالوا: يا رسول الله، هو -والله- أبو ذَرّ. فقال رسول الله: “رحم الله أبا ذَرّ، يمشي وحده، ويموت وحده، ويبعث وحده”. ومن بعض المواقف من حياة أبي ذر الغفاري رضي الله عنه مع الرسول صلى الله عليه وسلم :ففي صحيح مسلم عن أبي ذَر قال: سألت رسول الله: هل رأيت ربك؟ قال: “نور أنَّى أراه”. قال النووي: أي حجابه نور، فكيف أراه؟! وفي صحيح مسلم (عَنْ أَبِى ذَرٍّ قَالَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلاَ تَسْتَعْمِلُنِي قَالَ فَضَرَبَ بِيَدِهِ عَلَى مَنْكِبِي ثُمَّ قَالَ « يَا أَبَا ذَرٍّ إِنَّكَ ضَعِيفٌ وَإِنَّهَا أَمَانَةٌ وَإِنَّهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ خِزْىٌ وَنَدَامَةٌ إِلاَّ مَنْ أَخَذَهَا بِحَقِّهَا وَأَدَّى الَّذِى عَلَيْهِ فِيهَا ».
أيها المسلمون
ومن بعض المواقف من حياة أبي ذر الغفاري مع الصحابة :فمع معاوية رضي الله عنه : ففي صحيح البخاري :(عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ قَالَ مَرَرْتُ بِالرَّبَذَةِ فَإِذَا أَنَا بِأَبِي ذَرٍّ – رضى الله عنه – فَقُلْتُ لَهُ مَا أَنْزَلَكَ مَنْزِلَكَ هَذَا قَالَ كُنْتُ بِالشَّأْمِ ، فَاخْتَلَفْتُ أَنَا وَمُعَاوِيَةُ فِي الَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلاَ يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ . قَالَ مُعَاوِيَةُ نَزَلَتْ فِي أَهْلِ الْكِتَابِ . فَقُلْتُ نَزَلَتْ فِينَا وَفِيهِمْ . فَكَانَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ فِي ذَاكَ ، وَكَتَبَ إِلَى عُثْمَانَ – رضى الله عنه – يَشْكُونِي ، فَكَتَبَ إِلَىَّ عُثْمَانُ أَنِ اقْدَمِ الْمَدِينَةَ . فَقَدِمْتُهَا فَكَثُرَ عَلَىَّ النَّاسُ حَتَّى كَأَنَّهُمْ لَمْ يَرَوْنِي قَبْلَ ذَلِكَ ، فَذَكَرْتُ ذَاكَ لِعُثْمَانَ فَقَالَ لِي إِنْ شِئْتَ تَنَحَّيْتَ فَكُنْتَ قَرِيبًا . فَذَاكَ الَّذِى أَنْزَلَنِي هَذَا الْمَنْزِلَ ، وَلَوْ أَمَّرُوا عَلَىَّ حَبَشِيًّا لَسَمِعْتُ وَأَطَعْتُ ) ، ومن مواقفه رضي الله عنه مع أبي بن كعب رضي الله عنه : ما رواه الإمام أحمد : (عَنْ أُبَىِّ بْنِ كَعْبٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَرَأَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ بَرَاءَةٌ وَهُوَ قَائِمٌ يُذَكِّرُ بِأَيَّامِ اللَّهِ وَأُبَىُّ بْنُ كَعْبٍ وِجَاهَ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- وَأَبُو الدَّرْدَاءِ وَأَبُو ذَرٍّ فَغَمَزَ أُبَىَّ بْنَ كَعْبٍ أَحَدُهُمَا فَقَالَ مَتَى أُنْزِلَتْ هَذِهِ السُّورَةُ يَا أُبَىُّ فَإِنِّي لَمْ أَسْمَعْهَا إِلاَّ الآنَ. فَأَشَارَ إِلَيْهِ أَنِ اسْكُتْ فَلَمَّا انْصَرَفُوا قَالَ سَأَلْتُكَ مَتَى أُنْزِلَتْ هَذِهِ السُّورَةُ فَلَمْ تُخْبِرْنِي. قَالَ أُبَىٌّ لَيْسَ لَكَ مِنْ صَلاَتِكَ الْيَوْمَ إِلاَّ مَا لَغَوْتَ. فَذَهَبْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لَهُ وَأَخْبَرْتُهُ بِالَّذِي قَالَ أُبَىٌّ فَقَالَ « صَدَقَ أُبَىٌّ ».
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( الصحابي : أبو ذر الغفاري)
الحمد لله رب العالمين .. اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والإيمان. ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام.. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.. نشهد أنه بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
وعن بعض المواقف من حياة أبي ذر الغفاري مع التابعين : فمع عبد الله بن الصامت : ما جاء في صحيح مسلم (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الصَّامِتِ عَنْ أَبِى ذَرٍّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « إِذَا قَامَ أَحَدُكُمْ يُصَلِّى فَإِنَّهُ يَسْتُرُهُ إِذَا كَانَ بَيْنَ يَدَيْهِ مِثْلُ آخِرَةِ الرَّحْلِ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ بَيْنَ يَدَيْهِ مِثْلُ آخِرَةِ الرَّحْلِ فَإِنَّهُ يَقْطَعُ صَلاَتَهُ الْحِمَارُ وَالْمَرْأَةُ وَالْكَلْبُ الأَسْوَدُ ». قُلْتُ يَا أَبَا ذَرٍّ مَا بَالُ الْكَلْبِ الأَسْوَدِ مِنَ الْكَلْبِ الأَحْمَرِ مِنَ الْكَلْبِ الأَصْفَرِ قَالَ يَا ابْنَ أَخِى سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- كَمَا سَأَلْتَنِى فَقَالَ « الْكَلْبُ الأَسْوَدُ شَيْطَانٌ ». وقد روى رضي الله عنه الكثير من الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكان له رضي الله عنه أثر كبير في الآخرين ،فمنذ أن أسلم رضي الله عنه أصبح من الدعاة إلى الله ، فدعا أباه وأمه وأهله وقبيلته، فقد روى مسلم في صحيحه (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الصَّامِتِ قَالَ قَالَ أَبُو ذَرٍّ ….. ثُمَّ أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ « إِنَّهُ قَدْ وُجِّهَتْ لِى أَرْضٌ ذَاتُ نَخْلٍ لاَ أُرَاهَا إِلاَّ يَثْرِبَ فَهَلْ أَنْتَ مُبَلِّغٌ عَنِّى قَوْمَكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَنْفَعَهُمْ بِكَ وَيَأْجُرَكَ فِيهِمْ ». فَأَتَيْتُ أُنَيْسًا فَقَالَ مَا صَنَعْتَ قُلْتُ صَنَعْتُ أَنِّى قَدْ أَسْلَمْتُ وَصَدَّقْتُ. قَالَ مَا بِى رَغْبَةٌ عَنْ دِينِكَ فَإِنِّى قَدْ أَسْلَمْتُ وَصَدَّقْتُ. فَأَتَيْنَا أُمَّنَا فَقَالَتْ مَا بِى رَغْبَةٌ عَنْ دِينِكُمَا فَإِنِّى قَدْ أَسْلَمْتُ وَصَدَّقْتُ. فَاحْتَمَلْنَا حَتَّى أَتَيْنَا قَوْمَنَا غِفَارًا فَأَسْلَمَ نِصْفُهُمْ وَكَانَ يَؤُمُّهُمْ إِيمَاءُ بْنُ رَحَضَةَ الْغِفَارِىُّ وَكَانَ سَيِّدَهُمْ. وَقَالَ نِصْفُهُمْ إِذَا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- الْمَدِينَةَ أَسْلَمْنَا. فَقَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- الْمَدِينَةَ فَأَسْلَمَ نِصْفُهُمُ الْبَاقِى وَجَاءَتْ أَسْلَمُ فَقَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ إِخْوَتُنَا نُسْلِمُ عَلَى الَّذِى أَسْلَمُوا عَلَيْهِ. فَأَسْلَمُوا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-« غِفَارُ غَفَرَ اللَّهُ لَهَا وَأَسْلَمُ سَالَمَهَا اللَّهُ ».
أيها المسلمون
ومن المواقف الخالدة في حياة أبي ذر رضي الله عنه : فعندما انتقل الزاهد الورع خليفة وأمير المؤمنين عمر بن الخطاب إلى جوار ربه ورسوله، تاركًا خلفه فراغًا هائلاً، ويبايع المسلمون عثمان بن عفان وتستمر الفتوحات وتتدفق الأموال من البلاد المفتوحة، فارس والروم ومصر، وظهرت بين العرب طبقات غنية كنزت الأموال، وبنت القصور، وعاشت عيشة الأمراء، كما ظهرت بجانبهم طبقات فقيرة لا تجد ما تقتات به. خرج أبو ذر إلى معاقل السلطة والثروة يغزوها بمعارضته معقلاً معقلاً، وأصبح في أيام معدودات الراية التي التفَّتْ حولها الجماهير والكادحون، وكان إذا نزل بأرض ردد قول الله تعالى: {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلاَ يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ * يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ} [التوبة: 34، 35]. ولقد بدأ بأكثر تلك المعاقل سيطرة ورهبة هناك بالشام حيث معاوية بن أبي سفيان يحكم أرضًا من أكثر بلاد الإسلام خصوبة وخيرًا وفيئًا، ويستشعر معاوية الخطر، وتفزعه كلمات الثائر الجليل، ولكنه يعرف قدره، فلا يقربه بسوء، ويكتب من فوره للخليفة عثمان بن عفان ، ويكتب عثمان لأبي ذر يستدعيه إلى المدينة، ويجري بينهما حوار طويل ينتهي بأن يقول له أبو ذر: “لا حاجة لي في دنياكم”. وطلب أبو ذر من عثمان أن يسمح له بالخروج إلى “الرَّبَذَة”، فأذن له. ومن مواقف أبي ذر الغفاري من الثورات : أتى أبا ذر وفدٌ من الكوفة وهو في الرَّبَذَة، يسألونه أن يرفع راية الثورة ضد عثمان بن عفان ، فزجرهم بكلمات حاسمة قائلاً: “والله لو أن عثمان صلبني على أطول خشبة، أو جبل لسمعت وأطعت وصبرت واحتسبت، ورأيت أن ذلك خيرٌ لي، ولو سيَّرني ما بين الأفق إلى الأفق، لسمعت وأطعت وصبرت واحتسبت، ورأيت أن ذلك خير لي، ولو ردني إلى منزلي لسمعت وأطعت وصبرت واحتسبت، ورأيت أن ذلك خيرٌ لي”. وهكذا أدرك ما تنطوي عليه الفتنة المسلحة من وبال وخطر؛ فتحاشاها. وجلس يوما يحدّث ويقول: [أوصاني خليلي بسبع. .أمرني بحب المساكين والدنو منهم.. وأمرني أن أنظر إلى من هو دوني, ولا أنظر إلى من هو فوقي.. وأمرني إلا أسأل أحد شيئا. .وأمرني أن أصل الرحم.. وأمرني أن أقول الحق وان كان مرّا.. وأمرني أن لا أخاف في الله لومة لائم. .وأمرني أن أكثر من: لا حول ولا قوة إلا بالله]. ولقد عاش هذه الوصية, وصاغ حياته وفقها, حتى صار “ضميرا” بين قومه وأمته.. ويقول الإمام علي رضي الله عنه: “لم يبق اليوم أحد لا يبالي في الله لومة لائم غير أبي ذر”..!! عاش يناهض استغلال الحكم, واحتكار الثروة.. عاش يدحض الخطأ, ويبني الصواب. عاش متبتلا لمسؤولية النصح والتحذير..
أيها المسلمون
ومن بعض الكلمات الخالدة لأبي ذر الغفاري رضي الله عنه : فمن أقواله : “حجوا حجة لعظائم الأمور، وصوموا يومًا شديد الحر لطول يوم النشور، وصلوا ركعتين في سوداء الليل لوحشة القبور”. وأما عن وفاة أبي ذر الغفاري :فقد تُوفِّي أبو ذر الغفاري بالرَّبَذَة سنة 32هـ/ 652م. مات أبو ذر وحيدا, في فلاة الربذة.. بعد أن سار حياته كلها وحيدا على طريق لم يتألق فوقه سواه.. ولقد بعث في التاريخ وحيدا في عظمة زهده, وبطولة صموده..
الدعاء