خطبة عن ( من أخلاق الرسول: العدل)
ديسمبر 6, 2016خطبة عن ( من أخلاق الرسول: العزة)
ديسمبر 6, 2016الخطبة الأولى (من مواقف العزة عند رسول الله)
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والإيمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
( بعَثَ أبو طالب إلى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال له: يا ابن أخي، إنّ قومك قد جاءوني، فَقَالُوا لِي كَذَا وَكَذَا، لِلّذِي كَانُوا قَالُوا لَهُ، فَأَبْقِ عَلَيّ، وَعَلَى نَفْسِك، وَلا تُحَمّلْنِي من الأمر ما لا أطيق. فَظَنَّ رَسُولُ اللهِ صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّمَ أنه قد بدا لعمه فيه أَنّهُ خَاذِلُهُ وَمُسْلِمُهُ، وَأَنّهُ قَدْ ضَعُفَ عَنْ نصرته والقيام معه. فقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَا عَمّ، وَاَللهِ لَوْ وَضَعُوا الشّمْسَ فِي يَمِينِي، وَالْقَمَرَ فِي يَسَارِي عَلَى أَنْ أَتْرُكَ هَذَا الأَمْرَ حَتّى يُظْهِرَهُ اللهُ، أَوْ أَهْلِكَ فِيهِ، مَا تَرَكْتُهُ».
إخوة الإسلام
ونواصل حديثنا عن صور العزة في حياة وأخلاق الرسول صلى الله عليه وسلم : فمن مواقف العزة عند رسول الله أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان عزيزًا في حياته قبل الإسلام وبعده، فقد كانت عزة نفسه تأبى عليه أن يسجد لحجر لا يضر ولا ينفع، كما كانت تمنعه من يأتي ما اعتاده قومه من الفواحش كالكذب والغش والخيانة والزنا وشرب الخمر . ومن صور العزة في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم أنه قبل الإسلام لم يسجد لصنم قط ،وكانت حياته صلى الله عليه وسلّم حياة زكية طاهرة، من الآثام التي تدنس الشباب في مجتمعاتهم، بعيدة عن الشرك، فلم يسجد لصنم قط، بعيدًا عن معايب الجاهلية، ومفاسدها ومن صور العزة اعتزاز الرسول بالإسلام ، فبعد الإسلام كانت كل مواقفه صلى الله عليه وسلم تنطق بالعزة المنزهة عن الكبر والفخر والخيلاء، فقد أعلن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنّ الله -عز وجل- بعثه من خير قرون بني آدم؛ وأنه سيد ولد آدم ففي البخاري عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « أَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَأَوَّلُ مَنْ يَنْشَقُّ عَنْهُ الْقَبْرُ وَأَوَّلُ شَافِعٍ وَأَوَّلُ مُشَفَّعٍ ». وعزة الرسول في حمل الرسالة فقد جاء وفد من كفار قريش لعمّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أبي طالب يستنكرون على رسول الله، وقالوا له: “وَإِنّا وَاَللهِ لا نَصْبِرُ عَلَى هَذَا مِنْ شَتْمِ آبَائِنَا، وَتَسْفِيهِ أَحْلامِنَا، وَعَيْبِ آلِهَتِنَا، حَتّى تَكُفّهُ عَنّا، أَوْ نُنَازِلَهُ وَإِيّاكَ فِي ذَلِكَ”. فبعَثَ أبو طالب إلى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال له: يا ابن أخي، إنّ قومك قد جاءوني، فَقَالُوا لِي كَذَا وَكَذَا، لِلّذِي كَانُوا قَالُوا لَهُ، فَأَبْقِ عَلَيّ، وَعَلَى نَفْسِك، وَلا تُحَمّلْنِي من الأمر ما لا أطيق. فَظَنَّ رَسُولُ اللهِ صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّمَ أنه قد بدا لعمه فيه أَنّهُ خَاذِلُهُ وَمُسْلِمُهُ، وَأَنّهُ قَدْ ضَعُفَ عَنْ نصرته والقيام معه. فقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَا عَمّ، وَاَللهِ لَوْ وَضَعُوا الشّمْسَ فِي يَمِينِي، وَالْقَمَرَ فِي يَسَارِي عَلَى أَنْ أَتْرُكَ هَذَا الأَمْرَ حَتّى يُظْهِرَهُ اللهُ، أَوْ أَهْلِكَ فِيهِ، مَا تَرَكْتُهُ». ثُمّ اسْتَعْبَرَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم فبكى ثم قَامَ، فَلَمّا وَلّى نَادَاهُ أَبُو طَالِبٍ، فَقَالَ: أقبل يا ابن أَخِي. فَأَقْبَلَ عَلَيْهِ رَسُولُ الله صَلّى الله عليه وسلم، فقال: اذهب يا ابن أخي، فقل ما أحببت، فو الله لا أسلمك لشيء أبدًا ). ومن صور العزة ، عزة الرسول صلى الله عليه وسلم بعبادته لربه ،فلقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يتحمل الأذى من المشركين، ولكنه كان يوقفهم عند حدودهم، ولا يسمح لهم بتجاوزها، فهو وإن كان مأمورًا بالصبر عليهم والإعراض عنهم، فإنه -أيضًا- عزيز لا يرضى الله له المهانة، وعندما تجرأ كفار قريش عليه صلى الله عليه وسلم دعا عليهم عند الكعبة، فوجموا وخافوا دعوته، وكان دعاؤه صلى الله عليه وسلم من نصيبهم، فقتلوا جميعًا يوم بدر، ففي البخاري : (أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ حَدَّثَهُ أَنَّ النَّبِيَّ – صلى الله عليه وسلم – كَانَ يُصَلِّى عِنْدَ الْبَيْتِ ، وَأَبُو جَهْلٍ وَأَصْحَابٌ لَهُ جُلُوسٌ ، إِذْ قَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ أَيُّكُمْ يَجِيءُ بِسَلَى جَزُورِ بَنِى فُلاَنٍ فَيَضَعُهُ عَلَى ظَهْرِ مُحَمَّدٍ إِذَا سَجَدَ فَانْبَعَثَ أَشْقَى الْقَوْمِ فَجَاءَ بِهِ ، فَنَظَرَ حَتَّى إِذَا سَجَدَ النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – وَضَعَهُ عَلَى ظَهْرِهِ بَيْنَ كَتِفَيْهِ وَأَنَا أَنْظُرُ ، لاَ أُغَيِّرُ شَيْئًا ، لَوْ كَانَ لِي مَنْعَةٌ . قَالَ فَجَعَلُوا يَضْحَكُونَ وَيُحِيلُ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ ، وَرَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – سَاجِدٌ لاَ يَرْفَعُ رَأْسَهُ ، حَتَّى جَاءَتْهُ فَاطِمَةُ ، فَطَرَحَتْ عَنْ ظَهْرِهِ ، فَرَفَعَ رَأْسَهُ ثُمَّ قَالَ « اللَّهُمَّ عَلَيْكَ بِقُرَيْشٍ » . ثَلاَثَ مَرَّاتٍ ، فَشَقَّ عَلَيْهِمْ إِذْ دَعَا عَلَيْهِمْ – قَالَ وَكَانُوا يُرَوْنَ أَنَّ الدَّعْوَةَ فِي ذَلِكَ الْبَلَدِ مُسْتَجَابَةٌ – ثُمَّ سَمَّى « اللَّهُمَّ عَلَيْكَ بِأَبِي جَهْلٍ ، وَعَلَيْكَ بِعُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ ، وَشَيْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ ، وَالْوَلِيدِ بْنِ عُتْبَةَ ، وَأُمَيَّةَ بْنِ خَلَفٍ ، وَعُقْبَةَ بْنِ أَبِى مُعَيْطٍ » . وَعَدَّ السَّابِعَ فَلَمْ يَحْفَظْهُ قَالَ فَوَ الَّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ ، لَقَدْ رَأَيْتُ الَّذِينَ عَدَّ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – صَرْعَى فِي الْقَلِيبِ قَلِيبِ بَدْرٍ ) ، ومن صور العزة ، عزة الرسول في قتال المشركين ففي غزوة أحد عصا الرماة أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فانقلبت الدائرة على المسلمين، وصعد رسول الله صلى الله عليه وسلم فوق جبل أحد، وأشرف أبو سفيان ( فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ أَفِي الْقَوْمِ مُحَمَّدٌ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ ، فَنَهَاهُمُ النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – أَنْ يُجِيبُوهُ ثُمَّ قَالَ أَفِي الْقَوْمِ ابْنُ أَبِى قُحَافَةَ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ ، ثُمَّ قَالَ أَفِي الْقَوْمِ ابْنُ الْخَطَّابِ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ ، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى أَصْحَابِهِ فَقَالَ أَمَّا هَؤُلاَءِ فَقَدْ قُتِلُوا . فَمَا مَلَكَ عُمَرُ نَفْسَهُ فَقَالَ كَذَبْتَ وَاللَّهِ يَا عَدُوَّ اللَّهِ ، إِنَّ الَّذِينَ عَدَدْتَ لأَحْيَاءٌ كُلُّهُمْ ، وَقَدْ بَقِىَ لَكَ مَا يَسُوؤُكَ . قَالَ يَوْمٌ بِيَوْمِ بَدْرٍ ، وَالْحَرْبُ سِجَالٌ ، إِنَّكُمْ سَتَجِدُونَ فِي الْقَوْمِ مُثْلَةً لَمْ آمُرْ بِهَا وَلَمْ تَسُؤْنِي ، ثُمَّ أَخَذَ يَرْتَجِزُ أُعْلُ هُبَلْ ، أُعْلُ هُبَلْ . قَالَ النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – « أَلاَ تُجِيبُوا لَهُ » . قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ ، مَا نَقُولُ قَالَ « قُولُوا اللَّهُ أَعْلَى وَأَجَلُّ » . قَالَ إِنَّ لَنَا الْعُزَّى وَلاَ عُزَّى لَكُمْ . فَقَالَ النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – « أَلاَ تُجِيبُوا لَهُ » . قَالَ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ ، مَا نَقُولُ قَالَ « قُولُوا اللَّهُ مَوْلاَنَا وَلاَ مَوْلَى لَكُمْ » . فهذه مواقف من العزة كخلق من أخلاق الرسول صلى الله عليه وسلم، والتي ظهر منها ما ينبغي أن تكون عليه عزة المسلم في حمل عقيدته وتبليغ رسالة ربه وافتخاره بما يحمله من مشروع سماوي فيه صلاح العباد والبلاد، كل ذلك من غير فخر ولا استعلاء على خلق الله.
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية (من مواقف العزة عند رسول الله)
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والإيمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
والمجتمع لابد أن ينشأ على العزة، فالإسلام لا يحب المذلة والمهانة، وأمّا وصف القرآن للصالحين بأنهم “…… أذلة على المؤمنين…..” فمعناه التواضع ولين الجانب. فعزة النفس هي التي تعود الإنسان على المطالبة بحقوقه، وعدم التفريط فيها، عزة النفس هي التي تهون على المجتمع التضحية من أجل الدفاع عن دينه وأرضه، وتهوّن على أفراده تقديم أنفسهم فداءً للدين.. العزة هي التي تجعل نفس المؤمن تأبى وجود المنكر فضلًا عن رؤيته دون إنكار عليه، ومحاولة تغييره.. العزة هي التي تجعل المسلم يرفض الخضوع لحكم ظالم يريد أن يستبد ويفرض رأيه، ويسيِّر المجتمع كالقطيع من خلفه.. العزة هي التي تجعل الإنسان لا يخاف من أحدٍ ما دام لم يخطئ، وإن أخطأ فالعزة هي التي تدفعه للاعتراف بالخطأ مع الاستعداد لمواجهة نتائجه دون خوف ووجل.. فلا اعْتِزَاز إلَّا بالإسلام، ولا انتماء إلَّا إلى الإسلام. أبي الإسلام لا أبَ لي سواه إذا افتخروا بقيس أو تميم
– والاعْتِزَاز برسول الله صلى الله عليه وسلم: فهو يعتَــزُّ بكونه فَرْدًا في أمَّة محمَّد صلى الله عليه وسلم ، ينتسب إليه إذا انتسبت الأمم، ويُفَاخر به إذا ذُكِر القادة والمصلحون العظماء، يرجو شفاعته، ويتمنَّى لقائه، ويسأل الله أن يوفِّقه للسِّير على نهجه وإحياء سنَّته، والقيام بحقوقه. – ومن العزة إظهار العِزَّة على الكافرين، والذِّلَّة وخفض الجناح للمؤمنين: وهذه من أعظم صور العِزَّة ومظاهرها: أن يُرِي المؤمن الكافرين من نفسه عزَّةً وقوَّةً واستعلاءً، لا كِبْرًا وبَطَرًا، بل إظهارًا لقوَّة هذا الدِّين وعزَّته وعلوِّه، قال الله عزَّ وجلَّ وهو يصف رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه: ( مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ )[الفتح: 29]، فهم رُحَماء فيما بينهم، ألَّا إنَّهم أشدَّاء على الكافرين، أقوياء في مواجهتهم. وقال -تبارك وتعالى-: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ ) [المائدة: 54]، فهذه صفتهم التي استحقُّوا بها التَّمكين، ونالوا بها شرف القيادة، فهم أذِلَّة على المؤمنين، خافضين الجناح لهم، ليِّنين في تعاملهم معهم، إلَّا أنَّهم -في الجانب الآخر- أشدَّاء أقوياء على الكافرين.
الدعاء