خطبة عن خلق ( الْإِحْسَان )
يوليو 22, 2017دروس بعنوان (علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم)
يوليو 24, 2017الخطبة الأولى ( من أسماء الله الحسنى : اسم الله الْجَبَّارُ )
الحمد لله رب العالمين .. اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا لله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.. نشهد أنه بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الحق تبارك وتعالى في محكم آياته وهو أصدق القائلين : (وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا) الأعراف 180، ، وروى البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن لله تسعة وتسعين اسماً مئة إلا واحداً، من أحصاها دخل الجنة»، وقال الله تعالى : (هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ) الحشر (23)
إخوة الإسلام
من الأسماء الحسنى التي وردت في كتاب الله العزيز: اسمه تعالى : (الْجَبَّارُ ) ، يقول الله تعالى في محكم آياته : (هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ) الحشر (23) ، كما جاء ذكر اسمه الجبار في السنة النبوية المطهرة, ومن ذلك ما أخرجه البخاري ومسلم : (عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « تَكُونُ الأَرْضُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ خُبْزَةً وَاحِدَةً يَكْفَؤُهَا الْجَبَّارُ بِيَدِهِ كَمَا يَكْفَأُ أَحَدُكُمْ خُبْزَتَهُ فِى السَّفَرِ نُزُلاً لأَهْلِ الْجَنَّةِ ». ومن ذلك أيضا ما أخرجه أبو داوود والترمذي وابن ماجه والحاكم : (عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ فِي صَلاَةِ اللَّيْلِ « رَبِّ اغْفِرْ لِي وَارْحَمْنِي وَاجْبُرْنِي وَارْزُقْنِي وَارْفَعْنِي ». وهذا عَوْف بْن مَالِكٍ يَقُولُ قُمْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- لَيْلَةً فَلَمَّا رَكَعَ مَكَثَ قَدْرَ سُورَةِ الْبَقَرَةِ يَقُولُ فِى رُكُوعِهِ « سُبْحَانَ ذِى الْجَبَرُوتِ وَالْمَلَكُوتِ وَالْكِبْرِيَاءِ وَالْعَظَمَةِ » .أخرجه أبو داوود والنسائي بإسناد صحيح. وفي صحيح البخاري: ( يقول صلى الله عليه وسلم عن أهل الموقف : ( فَيَتَسَاقَطُونَ حَتَّى يَبْقَى مَنْ كَانَ يَعْبُدُ اللَّهَ مِنْ بَرٍّ أَوْ فَاجِرٍ فَيُقَالُ لَهُمْ مَا يَحْبِسُكُمْ وَقَدْ ذَهَبَ النَّاسُ فَيَقُولُونَ فَارَقْنَاهُمْ وَنَحْنُ أَحْوَجُ مِنَّا إِلَيْهِ الْيَوْمَ وَإِنَّا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِى لِيَلْحَقْ كُلُّ قَوْمٍ بِمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ . وَإِنَّمَا نَنْتَظِرُ رَبَّنَا – قَالَ – فَيَأْتِيهِمُ الْجَبَّارُ . فَيَقُولُ أَنَا رَبُّكُمْ . فَيَقُولُونَ أَنْتَ رَبُّنَا . فَلاَ يُكَلِّمُهُ إِلاَّ الأَنْبِيَاءُ فَيَقُولُ هَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ آيَةٌ تَعْرِفُونَهُ فَيَقُولُونَ السَّاقُ . فَيَكْشِفُ عَنْ سَاقِهِ فَيَسْجُدُ لَهُ كُلُّ مُؤْمِنٍ )
أيها المسلمون
واسم الله الجبار له ثلاثة معان: المعنى الأول: جبر القوة: فهو سبحانه وتعالى الجبار الذي يقهر الجبابرة ويغلبهم بجبروته وعظمته، فكل جبار وإن عظم فهو تحت قهر الله عز وجل وجبروته وفي يده وقبضته. المعنى الثاني لاسمه الجبار : فهو جبر الرحمة: فإنه سبحانه يجبر الضعيف بالغنى والقوة، ويجبر الكسير بالسلامة، ويجبر المنكسرة قلوبهم بإزالة كسرها، وإحلال الفرج والطمأنينة فيها، وما يحصل لهم من الثواب والعاقبة الحميدة إذا صبروا على ذلك من أجله. أما المعنى الثالث لاسمه الجبار :فهو جبر العلو : فإنه سبحانه فوق خلقه عال عليهم، وهو مع علوه عليهم قريب منهم يسمع أقوالهم، ويرى أفعالهم، ويعلم ما توسوس به نفوسهم، وقال ابن القيم في النونية في معنى الجبار:
وكذلك الجبار من أوصافه والجبر في أوصافه قسمان
جبر الضعيف وكل قلب قد غدا ذا كسرة فالجبر منه دان
والثانِ جبر القهر بالعز الذي لا ينبغي لسواه من إنسان
وله مسمى ثالث وهو العلو فليس يدنو منه من إنسان
وصفة الجبار بمعنى القهر والطغيان .. فهي في حق الإنسان صفة ذميمة، ويتجلى ذلك في العديد من الآيات القرآنية ، ومنها قوله تعالى: (وَتِلْكَ عَادٌ جَحَدُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَعَصَوْا رُسُلَهُ وَاتَّبَعُوا أَمْرَ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ) (59) هود ، وقوله تعالى : (وَاسْتَفْتَحُوا وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ) (15) ابراهيم ، ولذلك ينفي الحق جل وعلا عن نبيه يحيى عليه السلام هذه الصفة فيقول تعالى : (يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا (12) وَحَنَانًا مِنْ لَدُنَّا وَزَكَاةً وَكَانَ تَقِيًّا (13) وَبَرًّا بِوَالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُنْ جَبَّارًا عَصِيًّا) (12): (14) مريم ، كما نفاها سبحانه وتعالى أيضا عن نبيه عيسى عليه السلام فقال تعالى على لسانه: (قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا (30) وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا (31) وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا) (30): (32) مريم فنفى الجبر هنا هو نفي للطغيان وللقهر والتحكم في مخلوقات الله عز وجل لمنافع وأهواء شخصية. وأما الجبر : بمعنى جبر خواطر الناس ، فهي صفة ممدوحة ، فهذا سفيان الثوري رضي الله عنه يقول: “ما رأيت عبادة أجل وأعظم من جبر الخواطر” والرسول صلى الله عليه وسلم وهو صاحب الخلق العظيم في جبر الخواطر. ففي قصة الصحابي عكرمة بن أبي جهل رضي الله عنه ، كان أبوه (أبو جهل) من أعداء الاسلام ، وعندما جاء عكرمة مسلما وجاء إلى النبي عليه الصلاة والسلام ، نبه النبي عليه الصلاة والسلام الصحابة ألا يسبوا أباه أمامه، وأن لا يعيروه بأبيه ، وذلك جبرا لخاطره. وهكذا كان صلى الله عليه وسلم يجبر خاطر كل من تكلم معه. فكان إذا تكلم معه إنسان نظر في عينيه، هذا من جبر الخواطر. وكان إذا صافحه أحد لا يفلت يده حتى يفلت الطرف الآخر، وهذا جبر للخواطر. وكان إذا ناداه أحد لا يلتفت إليه بجنبه بل يلتفت إليه بكله صلى الله عليه وسلم جبرا لخاطره.
أيها المسلمون
وللإيمان باسمه الجبار آثار في حياة المؤمن وسلوكه ومعتقداته : فمن آثار الإيمان باسمه الجبار : تعظيم الرب تعظيما يليق بجلاله وعظمته , وهذا بمقتضى أن يعلم العبد أن ما شاء الله كان , وما لم يشأ لم يكن , لأنه لا معقب لحكمه ، ومن آثار الإيمان باسمه الجبار : أن يعرف العبد قدره ومنزلته ،وأن لا يتعدى قدره، وأن يتواضع لربه تبارك وتعالى ، ولا يخرج عن طاعته. ومن آثار الإيمان باسمه الجبار: أن يستسلم لقضاء الله عز وجل ،فلا يجزع ويتسخط ، ومن آثار الإيمان باسمه الجبار : أن يعلم المؤمن ويستيقن أنه لا مشرع إلا الله عز وجل , فالجبار له الخلق والأمر فلا أحد يشرع في هذا الكون ويأمر وينهى على وجه التشريع إلا الله سبحانه , فمن اجترأ على الله ،وشرع للناس ووضع لهم القوانين الوضعية بدلا من أحكام الله عز وجل فقد اجترأ على الرب تبارك تعالى ، وإذا علم المؤمن أن الله هو الجبار بمعنى العظيم الأعظم فإنه يتواضع ويترك التكبر والتجبر. ومن آثار الإيمان باسمه الجبار : أن يثق العبد المؤمن بربه الثقة الكاملة ويعلم أنه يركن إلى ركن شديد , وأنه يلجأ إلى رب نواصي الخلق بيده , وأنه لو اجتمعت عليه الأمة على أن ينفعوه بشيء لن ينفعوه إلا بشيء قد كتبه الله له , ولو اجتمعوا على أن يضروه بشيء , لم يضروه إلا بشيء قد كتبه الله عليه , ومن آثار الإيمان باسمه الجبار : أن يحب المؤمن الله عز وجل فتكون محبته أكبر من كل محبة , لأن القلوب جبلت على حب من أحسن إليها , ومن آثار الإيمان باسمه الجبار : أن يرغب العبد المؤمن ويلجأ إلى الله في كل نقص وكل حاجة تعترضه , فلا يلجأ إلى المخلوقين , وإنما يلجأ إلى الله سبحانه فهو الذي يجبر الكسير ويغني الفقير وهو لا يسأم من سؤال العطايا.
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( مع أسماء الله الحسنى : اسم الله الْجَبَّارُ )
الحمد لله رب العالمين .. اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا لله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.. نشهد أنه بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
ومن الآثار الإيمانية لاسم الله الجبار: 1- إن الله تعالى هو الجبار الذي له العلو على خلقه، علو الذات، وعلو القدر والصفات، وعلو القهر والجبر، لا يدنو منه الخلق إلا بأمره، ولا يشفعون أو يتكلمون إلا من بعد إذنه، فلن يبلغوا ضره فيضروه، ولن يبلغوا نفعه فينفعوه. 2- جبر الله تعالى خلقه على ما أراد أن يكونوا عليه من خلق، لا يمتنع عليه شيء منهم أبداً ( إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) [يس: 82]. وقال تعالى: ( أَفَغَيْرَ دِينِ اللهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ ) [آل عمران: 83]. وقال تعالى: ( إِنَّ رَبَّكُمُ اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى العَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلَا لَهُ الخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللهُ رَبُّ العَالَمِينَ) [الأعراف: 54]. وقال تعالى : ( ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ العَزِيزِ العَلِيمِ ) [فصِّلت: 12]. أي: استجيبا لأمري، وانفعلا لفعلي، طائعتين أو مكرهتين. 3- والله سبحانه جبر خلقه أيضاً على ما شاء من أمر أو نهي، بمعنى أنه شرع لهم من الدين ما ارتضاه هو، كما قال تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَوْفُوا بِالعُقُودِ أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الأَنْعَامِ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ إِنَّ اللهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ) [المائدة: 1]. فشرع لهم من الشرائع ما شاء، وأمرهم باتباعها ونهاهم عن العدول عنها، فمن أطاع فله الجنة ومن عصى فله النار. ولم يجبر أحداً من خلقه على إيمان أو كفر، بل لهم المشيئة في ذلك كما قال سبحانه: (وَقُلِ الحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ) [الكهف: 29]. وقال تعالى : ( وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا) [الشمس: 7-10]. وهم مع ذلك لا يخرجون عن مشيئته. ولو شاء الله لهدى الناس جميعاً، ولم يجعل لهم اختياراً كما قال سبحانه: ( أَفَلَمْ يَيْئَسِ الَّذِينَ آَمَنُوا أَنْ لَوْ يَشَاءُ اللهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعًا) [الرعد: 31]، وقال تعالى : ( وَلَوْ شِئْنَا لَآَتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا) [السجدة: 13]. ، 4) الجبروت لله وحده وقد مدح الله بهذا الاسم نفسه ، وأما في حق الخلق فهو مذموم ، فهو سبحانه قهر الجبابرة بجبروته وعلاهم بعظمته لا يجري عليه حكم حاكم فيجب عليه انقياده، ولا يتوجه عليه أمر آمر فيلزمه امتثاله، آمر غير مأمور، قاهر غير مقهور فهو سبحانه (لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ) [الأنبياء: 23]. وأما الخلق فهم موصوفون بصفات النقص ، فهم مقهورون مجبورون تؤذيهم البقة وتأكلهم الدودة، وتشوشهم الذبابة، فالعبد أسير جوعه، وصريع شبعه ومن تكون هذه صفته كيف يليق به التكبر والتجبر؟!
أيها المسلمون
وقد أنكرت الرسل على أقوامها صفة التجبر والتكبر في الأرض بغير الحق كما قال تعالى عن هود صلى الله عليه وسلم أنه قال لقومه ( وَإِذَا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ فَاتَّقُوا اللهَ وَأَطِيعُونِ) إلى أن قال تعالى: (إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ ) [الشعراء: 130-135]. ولكنهم عاندوا واتبعوا أمر جبابرتهم فهلكوا أجمعين. قال تعالى : ( وَتِلْكَ عَادٌ جَحَدُوا بِآَيَاتِ رَبِّهِمْ وَعَصَوْا رُسُلَهُ وَاتَّبَعُوا أَمْرَ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ ) [هود: 59]. وقد كان التجبر سببا للطبع على قلوبهم فلم تعرف معروفاً ولم تنكر منكراً ، فقال سبحانه ( كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ) [غافر: 35]. وقد توعد الله سبحانه الجبابرة بالعذاب والنكال، توعدهم بجهنم وبئس المهاد. قال تعالى (وَاسْتَفْتَحُواْ وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ مِّن وَرَآئِهِ جَهَنَّمُ وَيُسْقَى مِن مَّاء صَدِيدٍ يَتَجَرَّعُهُ وَلاَ يَكَادُ يُسِيغُهُ وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِن كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ وَمِن وَرَآئِهِ عَذَابٌ غَلِيظٌ ) [إبراهيم: 15-17]. وفي سنن الترمذي بسند صحيح : (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ ،قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « يَخْرُجُ عُنُقٌ مِنَ النَّارِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَهُ عَيْنَانِ تُبْصِرَانِ وَأُذُنَانِ تَسْمَعَانِ وَلِسَانٌ يَنْطِقُ يَقُولُ إِنِّي وُكِّلْتُ بِثَلاَثَةٍ بِكُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ وَبِكُلِّ مَنْ دَعَا مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَبِالْمُصَوِّرِينَ » ، وفي الصحيحين: (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « تَحَاجَّتِ النَّارُ وَالْجَنَّةُ فَقَالَتِ النَّارُ أُوثِرْتُ بِالْمُتَكَبِّرِينَ وَالْمُتَجَبِّرِينَ. وَقَالَتِ الْجَنَّةُ فَمَا لِي لاَ يَدْخُلُنِي إِلاَّ ضُعَفَاءُ النَّاسِ وَسَقَطُهُمْ وَعَجَزُهُمْ. فَقَالَ اللَّهُ لِلْجَنَّةِ أَنْتِ رَحْمَتِي أَرْحَمُ بِكِ مَنْ أَشَاءُ مِنْ عِبَادِي. وَقَالَ لِلنَّارِ أَنْتِ عَذَابِي أُعَذِّبُ بِكِ مَنْ أَشَاءُ مِنْ عِبَادِي وَلِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْكُمْ مِلْؤُهَا )
الدعاء