خطبة عن حديث (أَسْأَلُكَ خَشْيَتَكَ فِي الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ)
يناير 27, 2018خطبة عن ( وقفات مع سورة الْكَوْثَر )
يناير 27, 2018الخطبة الأولى ( مع اسم الله ( العَفُوّ)
الحمد لله رب العالمين .. اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا لله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.. نشهد أنه بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الحق تبارك وتعالى في محكم آياته وهو أصدق القائلين : (وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا) الأعراف 180، وروى البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « إِنَّ لِلَّهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْمَا مِائَةً إِلاَّ وَاحِدًا مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ »، وقال الله تعالى 🙁 فَأُولَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَفُوًّا غَفُورًا) (99) النساء
إخوة الإسلام
إن معرفة أسماء الله جل جلاله الواردة في الكتاب والسنة ،وما تتضمنه من معاني جليلة ،وأسرار بديعة ،لهي من أعظم الأسباب التي تعين على زيادة إيمان العبد ، وتقوية يقينه بالله تبارك وتعالى . قال شيخ الإسلام ابن تيمية –رحمه الله-:“ولما كانت حاجة النفوس إلى معرفة ربها أعظم الحاجات، كانت طرق معرفتهم له أعظم من طرق معرفة ما سواه، وكان ذكرهم لأسمائه أعظم من ذكرهم لأسماء ما سواه”.ومن الأسماء الحسنى التي وردت في كتاب الله العزيز : اسمه سبحانه وتعالى : (العَفُوّ ) : قال الله تعالى : (ذَلِكَ وَمَنْ عَاقَبَ بِمِثْلِ مَا عُوقِبَ بِهِ ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنْصُرَنَّهُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ) (60) الحج ، وقال الله تعالى :(الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا مِنَ الْقَوْلِ وَزُورًا وَإِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ) (2) المجادلة وقال الله تعالى :(فَأُولَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَفُوًّا غَفُورًا) (99) النساء ن والعفو : هو التجاوُزُ عن الذنب وتَرْك العِقاب عليه، وأَصله المَحْوُ والطمْس، و(العَفُوُّ) : هو الذي يمحو السيئات، ويتجاوز عن المعاصي والموبقات ، والغدرات والفجرات ، فالعفو في حق الله عز وجل عبارة عن إزالة آثار الذنوب بالكلية، فيمحوها من ديوان الكرام الكاتبين، ولا يطالبه بها يوم القيامة، وينسيها من قلوبهم، كيلا يخجلوا عند تذكرها، ويثبت مكان كل سيئة حسنة، قال تعالى: ( فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ ) [الفرقان: 70]. و(العَفُوُّ) : هو الذي لم يزل ولا يزال بالعفو معروفاً، وبالغفران والصفح عن عباده موصوفاً، فكل مخلوق محتاج إلي عفوه ومغفرته، وإلي رحمته وكرمه، وقد وعد الله بالمغفرة والعفو لمن أتى بأسبابها ، فقال تعالى: (وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى) (82) طه ، (وقَالَ قَامَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ عَلَى الْمِنْبَرِ ثُمَّ بَكَى فَقَالَ قَامَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- عَامَ الأَوَّلِ عَلَى الْمِنْبَرِ ثُمَّ بَكَى فَقَالَ « سَلُوا اللَّهَ الْعَفْوَ وَالْعَافِيَةَ فَإِنَّ أَحَدًا لَمْ يُعْطَ بَعْدَ الْيَقِينِ خَيْرًا مِنَ الْعَافِيَةِ » (رواه الترمذي وصححه الألباني)، فالعَفْوُ: هُوَ مِنْ يمحو ذُنوبَ عَبْدِهِ عَنْهُ، وأَما الْعَافِيَةُ: فَهُوَ أَن يُعافيَهُ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ سُقْمٍ أَو بَلِيَّةٍ وَهِيَ الصِّحَّةُ ضدُّ المَرَض، .وأَما المُعافاةُ: فأَنْ يُعافِيَكَ اللهُ مِنَ النَّاسِ ويُعافِيَهم منكَ، أي: يُغْنيك عَنْهُمْ وَيُغْنِيَهِمْ عنك ويصرف أَذاهم عَنْكَ وأَذاك عَنْهُمْ، والعَفُوُّ : هو الذي له العفو الشامل الذي وسع ما يصدر من عباده من الذنوب، ولاسيما إذا أتوا بما يسبب العفو عنهم ، قال تعالى: (قُلْ يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) (53) الزمر ، وفي سنن الترمذي أن (رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ « قَالَ اللَّهُ يَا ابْنَ آدَمَ إِنَّكَ مَا دَعَوْتَنِى وَرَجَوْتَنِى غَفَرْتُ لَكَ عَلَى مَا كَانَ فِيكَ وَلاَ أُبَالِى يَا ابْنَ آدَمَ لَوْ بَلَغَتْ ذُنُوبُكَ عَنَانَ السَّمَاءِ ثُمَّ اسْتَغْفَرْتَنِى غَفَرْتُ لَكَ وَلاَ أُبَالِى يَا ابْنَ آدَمَ إِنَّكَ لَوْ أَتَيْتَنِى بِقُرَابِ الأَرْضِ خَطَايَا ثُمَّ لَقِيتَنِى لاَ تُشْرِكُ بِى شَيْئًا لأَتَيْتُكَ بِقُرَابِهَا مَغْفِرَةً » ، وقال تعالى: (الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ) 32 النجم ، والعَفُوُّ سبحانه : هو الذي يحب العفو والستر، فيصفح عن الذنوب ،ويستر العيوب ،ولا يحب الجهر بها، فهو يعفو عن المسيء كَرَمًا وإحسانًا، ويفتح واسع رحمته فضلاً وإنعامًا، حتى يزول اليأس من القلوب ،وتتعلق في رجائها بمقلب القلوب. ومن حِكمة الله عزَّ وجلَّ تعريفه عبده أنه لا سبيل له إلى النجاة إلا بعفوه ومغفرته، وأنه رهينٌ بحقه فإن لم يتغمده بعفوه ومغفرته وإلا فهو من الهالكين . فهناك ثلاثة أمور في اسم الله العفو: فهو يزيل ويمحو، ثم يرضى، ثم يعطي، فهو سبحانه أزال وطمس ومحا ذنوب عباده وآثارها، ثم رضي عنهم، ثم أعطاهم بعد الرضا عفواً دون سؤال منهم. وهناك فرق بين العفو والغفران: فالغفران :يقتضي إسقاط العقاب ونيل الثّواب، ولا يستحقّه إلّا المؤمن ،ولا يكون إلّا في حقّ الباريء سبحانه وتعالى قال تعالى : {وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ} [آل عمران:135]. · أمّا العفو : فإنّه يقتضي إسقاط اللّوم والذَّمُّ، ولا يقتضي نيل الثَّواب ويستعمل في العبد أيضًا. والعفو قد يكون قبل العقوبة أو بعدها، أمّا الغفران؛ فإنّه لا يكون معه عقوبة البتَّة ولا يوصف بالعفو إلّا القادر عليه ،وفي العفو إسقاط للعقاب،وفي المغفرة ستر للذّنب وصون من عذاب الخزي والفضيحة.
أيها المسلمون
ومن حظ العبد المؤمن من اسم الله العَفْوُّ: أولا : كثرة الدعـــاء باسم الله العَفْوُّ، وسؤال الله العفو والعافية،وقد ورد دعاء المسألة بالاسم المطلق في حديث عائشة أنها قالت: “قلت: يَا رَسُولَ اللهِ أَرَأَيْتَ إِنْ وَافَقْتُ لَيْلَةَ الْقَدْرِ مَا أَدْعُو؟ ، قَالَ” تَقُولِينَ: «اللهُمَّ إِنَّكَ عَفُوٌّ تُحِبُّ الْعَفْوَ فَاعْفُ عَنِّي» رواه ابن ماجه وصححه الألباني ، وعن أبي بكر قال: قام رسول الله على المنبر ثم بكى، فقال: «سلوا الله العفو والعافية، فإن أحدًا لم يعط بعد اليقين خيرًا من العافية» رواه الترمذي وصححه الألباني ، وفي مسند أحمد : أن (عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ يَقُولُ لَمْ يَكُنْ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَدَعُ هَؤُلاَءِ الدَّعَوَاتِ حِينَ يُصْبِحُ وَحِينَ يُمْسِى « اللَّهُمَّ إِنِّى أَسْأَلُكَ الْعَافِيَةَ فِى الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ اللَّهُمَّ إِنِّى أَسْأَلُكَ الْعَفْوَ وَالْعَافِيَةَ فِى دِينِى وَدُنْيَاىَ وَأَهْلِى وَمَالِى اللَّهُمَّ اسْتُرْ عَوْرَاتِى وَآمِنْ رَوْعَاتِى اللَّهُمَّ احْفَظْنِى مِنْ بَيْنِ يَدَىَّ وَمِنْ خَلْفِى وَعَنْ يَمِينِى وَعَنْ شِمَالِى وَمِنْ فَوْقِى وَأَعُوذُ بِعَظَمَتِكَ أَنْ أُغْتَالَ مِنْ تَحْتِى » ، ثانيا : إن الله يحب العافين عن الناس : وقد حثَّ الله تعالى عباده على العفو والصفح وقبول الأعذار، فاعفُ يُعْفَ الله عنك ، وقد كان أبو بكر الصديق يتصدَّق على مسطح بن أثاثة لقرابته منه، فلما شارك المنافقين في اتهام أم المؤمنين عائشة بالإفك وبرأها الله عزَّ وجلَّ، قال أبو بكر: “وَاللهِ لاَ أُنْفِقُ عَلى مِسْطَحٍ شَيْئًا أَبَدًا بَعْدَ مَا قَال لعَائِشَةَ”، فَأَنْزَل اللهُ سبحانه وتعالى: {وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [النور:22]، فَقَال أَبُو بَكْرٍ: “بَلى، وَاللهِ إِنِّي لأُحِبُّ أَنْ يَغْفِرَ اللهُ لي”، فَرَجَعَ إِلى مِسْطَحٍ الذِي كَانَ يُجْرِي عَليْهِ). (صحيح البخاري). وقال تعالى: {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ} [الشورى:40]. فاعْفُ عن الظالمين، وأَعْرِض عن الجاهلين، ويَسِّر علي المعسرين طلبًا لعفو الله عند لقائه. وفي المستدرك للحاكم : (عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : بينا رسول الله صلى الله عليه و سلم جالس إذ رأيناه ضحك حتى بدت ثناياه فقال له عمر : ما أضحكك يا رسول الله بأبي أنت و أمي ؟ قال : رجلان من أمتي جثيا بين يدي رب العزة فقال أحدهما : يا رب خذلي مظلمتي من أخي فقال الله تبارك و تعالى للطالب : فكيف بأخيك و لم يبق من حسناته شيء ؟ قال : يا رب فليحمل من أوزاري قال : و فاضت عينا رسول الله صلى الله عليه و سلم بالبكاء ثم قال : إن ذاك اليوم عظيم يحتاج الناس أن يحمل عنهم من أوزارهم فقال الله تعالى للطالب ارفع بصرك فانظر في الجنان فرفع رأسه فقال : يا رب أرى مدائن من ذهب و قصورا من ذهب مكللة باللؤلؤ لأي نبي هذا أو لأي صديق هذا أو لأي شهيد هذا ؟ قال : هذا لمن أعطى الثمن قال : يا رب و من يملك ذلك ؟ قال : أنت تملكه قال : بماذا قال : بعفوك عن أخيك قال : يا رب فإني قد عفوت عنه قال الله عز و جل : فخد بيد أخيك فادخله الجنة فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم عند ذلك : اتقوا الله و أصلحوا ذات بينكم فإن الله تعالى يصلح بين المسلمين ) ، ثالثا : التجاوز عن المُعسِر والعفو عنه، وعدم مؤاخذته على عدم استطاعته سداد الدّين .. فعليك أن تتجاوز، حتى يتجاوز الله تعالى عنك، عَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ: «أُتِيَ اللَّهُ بِعَبْدٍ مِنْ عِبَادِهِ آتَاهُ اللَّهُ مَالًا، فَقَالَ لَهُ: مَاذَا عَمِلْتَ فِي الدُّنْيَا؟، قَالَ: وَلَا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا، قَالَ: يَا رَبِّ آتَيْتَنِي مَالَكَ فَكُنْتُ أُبَايِعُ النَّاسَ وَكَانَ مِنْ خُلُقِي الْجَوَازُ فَكُنْتُ أَتَيَسَّرُ عَلَى الْمُوسِرِ وَأُنْظِرُ الْمُعْسِرَ، فَقَالَ اللَّهُ: أَنَا أَحَقُّ بِذَا مِنْكَ، تَجَاوَزُوا عَنْ عَبْدِي»، (صحيح مسلم). رابعا : عدم المجاهرة بالذنـب: فعَنْ أَبَي هُرَيْرَةَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ يَقُولُ: «كُلُّ أُمَّتِي مُعَافًى إِلَّا الْمُجَاهِرِينَ، وَإِنَّ مِنْ الْمُجَاهَرَةِ أَنْ يَعْمَلَ الرَّجُلُ بِاللَّيْلِ عَمَلًا ثُمَّ يُصْبِحَ وَقَدْ سَتَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ فَيَقُولَ: يَا فُلَانُ، عَمِلْتُ الْبَارِحَةَ كَذَا وَكَذَا وَقَدْ بَاتَ يَسْتُرُهُ رَبُّهُ وَيُصْبِحُ يَكْشِفُ سِتْرَ اللَّهِ عَنْهُ» (متفق عليه).
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( مع اسم الله ( العَفُوّ)
الحمد لله رب العالمين .. اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا لله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.. نشهد أنه بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
ومن أعظم فوائد العفو: أن العفو يستوجب محبة الله تعالى، قال تعالى: {وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [آل عمران:134]. ومن عفا، عُفِى عنه يوم القيامة، إذ الجزاء من جنس العمل. والعفو يُورث التقوى، يقول الله تعالى: {وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} [البقرة:237]، والعفو يزيد الإنسان عزًّا، فالنبي يقول: «وَمَا زَادَ اللَّهُ عَبْدًا بِعَفْوٍ إِلَّا عِزًّا» (صحيح مسلم), وللعفو الأجر العظيم عند الله تعالى، لقوله تعالى: {فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ} [الشورى 40] كما أن العفو يُثْمِر محبة الناس. والعفو دليل على كمال الإيمان وحُسن الإسلام ، وهو مظهر من مظاهر حُسن الخلق، ودليل على سعة الصدر وحُسن الظن ، وهو طريق نورٍ وهدايةٍ لأهل الإيمان
أيها المسلمون
كلنا نذنب و نخطئ فنحن بشر وما أحوجنا إلى رحمة الله ومغفرته وعفوه وإلا هلكنا ،ولهذا شرع الله تعالى لنا التوبة كي يرحمنا ،وشملنا بعفوه ومنه وكرمه فالعفو من القدير قمة العظمة والقوة وكما يقال في المثل العربي ( العفو عند المقدرة ) ، فالله تعالى قادر أن يهلكنا ، ولكنه يعفو ويسامح ،لأنه يمتلك كل شيء، فالكون كله ملكه ،والأمر أمره، وهو القاهر فوق عباده، وهو الحكيم الخبير ،وروى الطبراني : (عن سلمة بن نفيل قال : جاء شاب فقام بين يدي رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال بأعلى صوته : يا رسول الله أرأيت من لم يدع سيئة إلا عملها ولا خطيئة إلا ركبها ولا أشرف له سهم فما فوقه إلا اقتطعه بيمينه ومن لو قسمت خطاياه على أهل المدينة لغمرتهم فقال النبي صلى الله عليه وسلم : أسلمت أو أنت مسلم ؟ قال : أما أنا فأشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : اذهب ققد بدل الله سيئاتك حسنات ،قال : يا رسول الله وغدراتي وفجراتي ؟ قال : وغدراتك وفجرانك ثلاثا فولى الشاب وهو يقول : الله أكبر فلم أزل أسمعه يكبر حتى توارى عني أو خفى عنى ) وجاء أعرابي إلى النبي فقال: (يا رسول الله، من سيحاسب الناس يوم القيامة؟ فقال النبي: الله، فقال: بنفسه؟ فقال النبي: بنفسه، فقال الأعرابي: الله أكبر! وابتسم، فقال النبي: لِمَ يبتسم الأعرابي؟ قال: يا رسول الله، إن الكريم إذا قدر عفا، وإذا حاسب سامح، فابتسم النبي وقال: فَقِهَ الأعرابي – أي فهم – ألا لا كريم أكرم من الله عز وجل).
وهناك عفو خاص لأمة مُحمّد يوم القيامة ، ففي الصحيحين، يقول صلى الله عليه وسلم : (فَأَسْتَأْذِنُ عَلَى رَبِّى فِى دَارِهِ فَيُؤْذَنُ لِى عَلَيْهِ ، فَإِذَا رَأَيْتُهُ وَقَعْتُ سَاجِدًا فَيَدَعُنِى مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَدَعَنِى فَيَقُولُ ارْفَعْ مُحَمَّدُ ، وَقُلْ يُسْمَعْ ، وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ ، وَسَلْ تُعْطَ – قَالَ – فَأَرْفَعُ رَأْسِى فَأُثْنِى عَلَى رَبِّى بِثَنَاءٍ وَتَحْمِيدٍ يُعَلِّمُنِيهِ ، فَيَحُدُّ لِى حَدًّا فَأَخْرُجُ فَأُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ » . قَالَ قَتَادَةُ وَسَمِعْتُهُ أَيْضًا يَقُولُ « فَأَخْرُجُ فَأُخْرِجُهُمْ مِنَ النَّارِ وَأُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ ، ثُمَّ أَعُودُ فَأَسْتَأْذِنُ عَلَى رَبِّى فِى دَارِهِ فَيُؤْذَنُ لِى عَلَيْهِ ، فَإِذَا رَأَيْتُهُ وَقَعْتُ سَاجِدًا فَيَدَعُنِى مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَدَعَنِى ثُمَّ يَقُولُ ارْفَعْ مُحَمَّدُ ، وَقُلْ يُسْمَعْ ، وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ ، وَسَلْ تُعْطَ – قَالَ – فَأَرْفَعُ رَأْسِى فَأُثْنِى عَلَى رَبِّى بِثَنَاءٍ وَتَحْمِيدٍ يُعَلِّمُنِيهِ – قَالَ – ثُمَّ أَشْفَعُ فَيَحُدُّ لِى حَدًّا فَأَخْرُجُ فَأُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ » . قَالَ قَتَادَةُ وَسَمِعْتُهُ يَقُولُ « فَأَخْرُجُ فَأُخْرِجُهُمْ مِنَ النَّارِ وَأُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ ، ثُمَّ أَعُودُ الثَّالِثَةَ فَأَسْتَأْذِنُ عَلَى رَبِّى فِى دَارِهِ فَيُؤْذَنُ لِى عَلَيْهِ ، فَإِذَا رَأَيْتُهُ وَقَعْتُ سَاجِدًا فَيَدَعُنِى مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَدَعَنِى ثُمَّ يَقُولُ ارْفَعْ مُحَمَّدُ ، وَقُلْ يُسْمَعْ ، وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ ، وَسَلْ تُعْطَهْ – قَالَ – فَأَرْفَعُ رَأْسِى فَأُثْنِى عَلَى رَبِّى بِثَنَاءٍ وَتَحْمِيدٍ يُعَلِّمُنِيهِ – قَالَ – ثُمَّ أَشْفَعُ فَيَحُدُّ لِى حَدًّا فَأَخْرُجُ فَأُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ » . قَالَ قَتَادَةُ وَقَدْ سَمِعْتُهُ يَقُولُ « فَأَخْرُجُ فَأُخْرِجُهُمْ مِنَ النَّارِ وَأُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ ، حَتَّى مَا يَبْقَى فِى النَّارِ إِلاَّ مَنْ حَبَسَهُ الْقُرْآنُ أَىْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْخُلُودُ – قَالَ – ثُمَّ تَلاَ هَذِهِ الآيَةَ (عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا ) قَالَ وَهَذَا الْمَقَامُ الْمَحْمُودُ الَّذِى وُعِدَهُ نَبِيُّكُمْ – صلى الله عليه وسلم – » ،وكم كان رسولنا الكريم محمد صلى الله عليه وسلم عفوا ورحيما بقومه عندما قال لهم رغم تعذيبهم وإساءاتهم له ( اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون ) ، وقال : اذهبوا فأنتم الطلقاء .
الدعاء