خطبة عن قوله تعالى (أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ )
مارس 31, 2018خطبة عن (من مواقف الرسول مع الصحابة العدول)
مارس 31, 2018الخطبة الأولى ( مع الصحابي : ( ثُمَامَةُ بْنُ أَثَالٍ )
الحمد لله رب العالمين .. اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والإيمان. ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام.. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.. نشهد أنه بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته وهو أصدق القائلين : {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا} [الفتح:29]،وروى مسلم في صحيحه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « النُّجُومُ أَمَنَةٌ لِلسَّمَاءِ فَإِذَا ذَهَبَتِ النُّجُومُ أَتَى السَّمَاءَ مَا تُوعَدُ وَأَنَا أَمَنَةٌ لأَصْحَابِي فَإِذَا ذَهَبْتُ أَتَى أَصْحَابِي مَا يُوعَدُونَ وَأَصْحَابِي أَمَنَةٌ لأُمَّتِي فَإِذَا ذَهَبَ أَصْحَابِي أَتَى أُمَّتِى مَا يُوعَدُونَ ».
إخوة الاسلام
إن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، هم – أبر الناس قلوباً، وأعمقهم علماً ، وأحسنهم خلقاً، واليوم إن شاء الله نريد أن نقترب من أولئك الرجال الأبرار ، لنستقبل فيهم أروع نماذج البشرية ، ولنرى في سيرتهم اسمى ما عرفت البشرية من عظمة ونبل ورشاد ،نقترب منهم لنرى إيمانهم ، وثباتهم ، وبطولاتهم ، وولاءهم لله ورسوله ، لنرى البذل الذي بذلوا ، والهول الذي احتملوا ، والفوز الذي أحرزوا ،نرى الدور الجليل الذي نهضوا به لتحرير البشرية كلها من وثنية الضمير ،وضياع المصير ، حقا ، إنهم فتية آمنوا بربهم ، فزادهم الله هدى ،واليوم إن شاء الله موعدنا مع صحابي جليل ، إنه الصحابي 🙁 ثُمَامَةُ بْنُ أَثَالٍ) ،أما عن اسمه ونسبه : فهو ثمامة بن أثال بن النعمان الحنفي ،أبو أمامة اليمامي، من وجهاء العرب، وسيد من سادات بني حنيفة المرموقين، وهو شاعر في قومه ،وملك من ملوك اليمامة الذين لا يعصى لهم أمر. وفي السنة السادسة للهجرة عزم الرسول صلوات الله عليه على أن يوسع نطاق دعوته إلى الله ، فكتب ثمانية كتب إلى ملوك العرب والعجم ، وبعث بها إليهم يدعوهم فيها إلى الاسلام .. وكان في جملة من كاتبهم ثمامة بن أثال الحنفي. تلقى ثمامة رسالة النبي عليه الصلاة و السلام بالازدراء والإعراض ، وأخذته العزة بالإثم ، فأصم أذنيه عن سماع دعوة الحق والخير ، ثم أنه ركبه الشيطان ،فأغراه بقتل رسول الله صلى الله عليه وسلم ووأد دعوته ، فدأب يتحين الفرص للقضاء على النبي صلى الله عليه وسلم حتى أصاب منه غرة ، وكادت تتم الجريمة الشنعاء ،لولا أن أحد أعمام ثمامة أثناه عن عزمه في آخر لحظة ، فنجى الله نبيه من شره . ولكن ثمامة إذا كان قد كف عن رسول الله صلوات الله عليه ؛ فإنه لم يكف عن أصحابه ، حيث جعل يتربص بهم ، حتى ظفر بعدد منهم وقتلهم شر قتلة ، فأهدر النبي عليه الصلاة والسلام دمه ، وأعلن ذّلك في أصحابه . ولم يمض على ذّلك وقت طويل ، حتى عزم ثمامة ابن أثال على أداء العمرة ، فانطلق من أرض اليمامة ،موليا وجهه شطر مكة ، وهو يمني نفسه بالطواف حول الكعبة ،والذبح لأصنامها . وبينما كان ثمامة في بعض طريقه قريبا من المدينة ،نزلت به نازلة لم تقع له بحسبان ، وذلك أن سرية من سرايا رسول الله صلوات الله عليه ، كانت تجوس خلال الديار ،خوفا من أن يطرق المدينة طارق ، أو يريدها معتد بشر ، فأسرت السرية ثمامة – وهي لا تعرفه – وأتت به إلى المدينة ، فقد روى مسلم في صحيحه ( أن أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- خَيْلاً قِبَلَ نَجْدٍ فَجَاءَتْ بِرَجُلٍ مِنْ بَنِى حَنِيفَةَ يُقَالُ لَهُ ثُمَامَةُ بْنُ أُثَالٍ سَيِّدُ أَهْلِ الْيَمَامَةِ. فَرَبَطُوهُ بِسَارِيَةٍ مِنْ سَوَارِي الْمَسْجِدِ فَخَرَجَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ « مَاذَا عِنْدَكَ يَا ثُمَامَةُ ». فَقَالَ عِنْدِي يَا مُحَمَّدُ خَيْرٌ إِنْ تَقْتُلْ تَقْتُلْ ذَا دَمٍ ،وَإِنْ تُنْعِمْ تُنْعِمْ عَلَى شَاكِرٍ ،وَإِنْ كُنْتَ تُرِيدُ الْمَالَ فَسَلْ تُعْطَ مِنْهُ مَا شِئْتَ. فَتَرَكَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- حَتَّى كَانَ بَعْدَ الْغَدِ فَقَالَ « مَا عِنْدَكَ يَا ثُمَامَةُ ». قَالَ مَا قُلْتُ لَكَ إِنْ تُنْعِمْ تُنْعِمْ عَلَى شَاكِرٍ وَإِنْ تَقْتُلْ تَقْتُلْ ذَا دَمٍ وَإِنْ كُنْتَ تُرِيدُ الْمَالَ فَسَلْ تُعْطَ مِنْهُ مَا شِئْتَ. فَتَرَكَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- حَتَّى كَانَ مِنَ الْغَدِ فَقَالَ « مَاذَا عِنْدَكَ يَا ثُمَامَةُ ». فَقَالَ عِنْدِي مَا قُلْتُ لَكَ إِنْ تُنْعِمْ تُنْعِمْ عَلَى شَاكِرٍ وَإِنْ تَقْتُلْ تَقْتُلْ ذَا دَمٍ وَإِنْ كُنْتَ تُرِيدُ الْمَالَ فَسَلْ تُعْطَ مِنْهُ مَا شِئْتَ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « أَطْلِقُوا ثُمَامَةَ ». فَانْطَلَقَ إِلَى نَخْلٍ قَرِيبٍ مِنَ الْمَسْجِدِ فَاغْتَسَلَ ثُمَّ دَخَلَ الْمَسْجِدَ فَقَالَ أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ. يَا مُحَمَّدُ وَاللَّهِ مَا كَانَ عَلَى الأَرْضِ وَجْهٌ أَبْغَضَ إِلَىَّ مِنْ وَجْهِكَ فَقَدْ أَصْبَحَ وَجْهُكَ أَحَبَّ الْوُجُوهِ كُلِّهَا إِلَىَّ وَاللَّهِ مَا كَانَ مِنْ دِينٍ أَبْغَضَ إِلَىَّ مِنْ دِينِكَ فَأَصْبَحَ دِينُكَ أَحَبَّ الدِّينِ كُلِّهِ إِلَىَّ وَاللَّهِ مَا كَانَ مِنْ بَلَدٍ أَبْغَضَ إِلَىَّ مِنْ بَلَدِكَ فَأَصْبَحَ بَلَدُكَ أَحَبَّ الْبِلاَدِ كُلِّهَا إِلَىَّ وَإِنَّ خَيْلَكَ أَخَذَتْنِى وَأَنَا أُرِيدُ الْعُمْرَةَ فَمَاذَا تَرَى فَبَشَّرَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- وَأَمَرَهُ أَنْ يَعْتَمِرَ فَلَمَّا قَدِمَ مَكَّةَ قَالَ لَهُ قَائِلٌ أَصَبَوْتَ فَقَالَ لاَ وَلَكِنِّى أَسْلَمْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- وَلاَ وَاللَّهِ لاَ يَأْتِيكُمْ مِنَ الْيَمَامَةِ حَبَّةُ حِنْطَةٍ حَتَّى يَأْذَنَ فِيهَا رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- ) .هكذا مضى ثمامة إلى غايته ،ليطوف ببيت الله ،بعد أن هداه الله للإسلام ، فلما بلغ بطن مكة ،وقف يجلجل بصوته العالي قائلا : لبيك اللهم لبيك . لبيك لا شريك لك لبيك . إن الحمد والنعمة لك والملك .لا شريك لك .. فكان ثمامة أول مسلم على ظهر الأرض دخل مكة ملبيا ،وسمعت قريش صوت التلبية فهبت مغضبة مذعورة ، واستلت السيوف من أغمادها ، واتجهت نحو الصوت لتبطش بهذا الذي اقتحم عليها عرينها ، فلما أقبل القوم على ثمامة ،رفع صوته بالتلبية ، وهو ينظر إليهم بكبرياء ، فهم فتى من فتيان قريش أن يرديه بسهم ، فأخذوا على يديه ، وقالوا : ويحك أتعلم من هذا ؟ إنه ثمامة بن أثال ملك اليمامة، والله إن أصبتموه بسوء قطع قومه عنا الميرة وأماتونا جوعا ، ثم أقبل القوم على ثمامة بعد أن أعادوا السيوف إلى أغمادها وقالوا : ما بك يا ثمامة؟!! أصبوت وتركت دينك ودين آبائك ؟ ،قال : ما صبوت ولكني تبعت خير دين ،اتبعت دين محمد ،ثم أردف يقول : أقسم برب هذا البيت ، إنه لا يصل إليكم بعد عودتي إلى اليمامة حبة من قمحها أو شيء من خيراتها ، وهكذا اعتمر ثمامة بن أثال على مرأى من قريش كما أمره الرسول صلى الله عليه وسلم أن يعتمر ، وذبح تقربا لله ،لا للأنصاب والأصنام، ومضى إلى بلاده، فأمر قومه أن يحبسوا الميرة عن قريش ، فصدعوا بأمره و استجابوا له ، و حبسوا خيراتهم عن أهل مكة ، وأخذ الحصار الذي فرضه ثمامة على قريش يشتد شيئا فشيا ، فارتفعت الأسعار ، وفشا الجوع في الناس واشتد عليهم الكرب ، حتى خافوا على أنفسهم ، وأبنائهم من أن يهلكوا جوعا . فهي المقاطعة لمن حاد الله ورسوله .. المقاطعة لمن حاربوا الإسلام ..المقاطعة لمن عذَّبوا المسلمين وفتنوهم في دينهم ..فقد أيقن ثمامة أن واضع المعروف في غير أهله؛ كالزراع في السَّبَخ، أو كالمُسْرِج في الشمس ..وأن التعاون التجاري أولى به قبائل أخرى ذات أخلاق فاضلة. لقد لقنهم ثمامة الدرس، وأصاب المفَصْل فيهم، وشَل اقتصادهم، وجعل عيشهم رَنَق، وعذبهم أُجاج، وحلوهم صَبْر.. حتى أصابهم الضنك والضجر، فأرسل وجهاء قريش إلى رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يسألونه بأرحامهم أن يكتب إلى ثمامة ليخلي لهم حمل الطعام . وقالوا : إن عهدنا بك أنك تصل الرحمن وتحض على ذلك … وها أنت قد قطعت أرحامنا ، فقتلت الآباء بالسيف ، وأمت الأبناء بالجوع .. وإن ثمامة بن أثال قد قطع عنا ميرتنا ، وأضر بنا ، فإن رأيت أن تكتب إليه أن يبعث الينا بما نحتاج إليه فافعل ، فكتب صلى الله عليه وسلم إلى ثمامة بأن يطلق لهم ميرتهم فأطلقها . أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( مع الصحابي : ( ثُمَامَةُ بْنُ أَثَالٍ )
الحمد لله رب العالمين .. اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والإيمان. ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام.. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.. نشهد أنه بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
وظل ثمامة بن أثال – ما امتدت به الحياة وفيا لدينه ، حافظا لعهد نبيه ، فلما التحق الرسول صلى الله عليه وسلم بالرفيق الأعلى ، وطفق العرب يخرجون من دين الله زرافات ووحدانا ، وقام مسيلمة الكذاب في بني حنيفة يدعوهم إلى الإيمان به ، وقف ثمامة في وجهه ، وقال لقومه : يا بني حنيفة إياكم وهذا الأمر المظلم الذي لا نور فيه ، إنه والله لشقاء كتبه الله عز وجل على من أخذ به منكم ، وبلاء على من لم يأخذ به ، ثم قال : يا بني حنيفة إنه لا يجتمع نبيان في وقت واحد ، وإن محمدا رسول الله لا نبي بعده ، ولا نبي يشرك معه .. ثم قرأ عليهم : (حم (1) تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (2) غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ) غافر (1) :(3) ثم انحاز بمن بقي على الإسلام من قومه ومضى يقاتل المرتدين جهادا في سبيل الله وإعلاء لكلمته في الأرض .. جزى الله ثمامة بن أثال عن الإسلام والمسلمين خيراً ، واكرمه بالجنة التي وعد المتقون.
أيها المسلمون
ومن كلمات ثمامة بن أثال الباقية : أنه قال حين ارتد من ارتد من أهل اليمامة:
دعانا إلى ترك الديانة والهدى *** مسيلمة الكذاب إذ جاء يسجع
فيا عجبًا من معشر قد تتابعوا *** له في سبيل الغي, والغي أشنع
في أبيات كثيرة ذكرها ابن إسحاق في الردة وفي آخرها: وفي البعد عن دار وقد ضل أهلها *** هدى واجتماع كل ذلك مهيع .. ومن كلماته لقومه ينهاهم عن اتباع مسيلمة: “إياكم وأمرًا مظلمًا لا نور فيه, وإنه لشقاء كتبه الله تعالى على من أخذ به منكم, وبلاء على من لم يأخذ به منكم يا بني حنيفة”. أما عن وفاة ثمامة بن أثال : فقد ذكر ابن إسحاق أن ثمامة ثبت على إسلامه لما ارتد أهل اليمامة وارتحل هو ومن أطاعه من قومه فلحقوا بالعلاء الحضرمي فقاتل معه المرتدين من أهل البحرين, فلما ظفروا اشترى ثمامة حلة كانت لكبيرهم, فرآها عليه ناس من بني قيس بن ثعلبة فظنوا أنه هو الذي قتله وسَلَبَه، فقتلوه ،فرضي الله عن الصحابي ثمامة بن أثال، وعن أصحاب رسول الله أجمعين ، وجمعنا بهم وإمامهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في الفردوس الأعلى من الجنة
الدعاء