خطبة عن قوله تعالى (فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ
نوفمبر 10, 2018خطبة عن قوله تعالى (وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً)
نوفمبر 10, 2018الخطبة الأولى ( مع الصحابي : (مَجْزَأَة بن ثَوْرٍ الأَسْلَمِيّ )
الحمد لله رب العالمين .. اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والإيمان. ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام.. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.. نشهد أنه بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته وهو أصدق القائلين : {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا} [الفتح:29]، وروى مسلم في صحيحه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « النُّجُومُ أَمَنَةٌ لِلسَّمَاءِ فَإِذَا ذَهَبَتِ النُّجُومُ أَتَى السَّمَاءَ مَا تُوعَدُ وَأَنَا أَمَنَةٌ لأَصْحَابِي فَإِذَا ذَهَبْتُ أَتَى أَصْحَابِي مَا يُوعَدُونَ وَأَصْحَابِي أَمَنَةٌ لأُمَّتِي فَإِذَا ذَهَبَ أَصْحَابِي أَتَى أُمَّتِى مَا يُوعَدُونَ ».
إخوة الاسلام
إن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، هم – أبر الناس قلوباً، وأعمقهم علماً ، وأحسنهم خلقاً، واليوم إن شاء الله نريد أن نقترب من أولئك الرجال الأبرار ، لنستقبل فيهم أروع نماذج البشرية ، ولنرى في سيرتهم اسمى ما عرفت البشرية من عظمة ونبل ورشاد ،نقترب منهم لنرى إيمانهم ، وثباتهم ، وبطولاتهم ، وولاءهم لله ورسوله ، لنرى البذل الذي بذلوا ، والهول الذي احتملوا ، والفوز الذي أحرزوا ،نرى الدور الجليل الذي نهضوا به لتحرير البشرية كلها من وثنية الضمير ،وضياع المصير ، حقا ، إنهم فتية آمنوا بربهم ، فزادهم الله هدى ، واليوم إن شاء الله موعدنا مع صحابي جليل ، إنه الصحابي 🙁 مَجْزَأَةَ بن ثَوْرٍ الأَسْلَمِيُّ ) : أما عن اسمه ونسبه : فهو الصحابي الجليل مجزأة بن ثور بن كعب بن سدوس السدوسي، وهو من بني بكر ، وسيد من ساداتهم . فما أطيب الكلام، وما أجمل المقال، وما ألذ الحديث؛ عن صحب النبي المختار، الخيرة الأبرار، الذين كانوا قُوَما بالليل، وصوما بالنهار، ولاسيما الأبطال الفاتحين، والأفذاذ المجاهدين، وعباقرة الدنيا والدين، الذين ضحوا بدمائهم وأموالهم وأنفسهم في سبيل الله، ومن أجل الله، ولإعلاء كلمة “لا إله إلا الله محمد رسول الله”،والصحابي الجليل مجزأة بن ثور السدوسي ، بطل من الأبطال الأمجاد الذين خاضوا غمار الحروب والمعارك من أجل نصرة دين الإسلام، قال عنه المؤرخون :( مجزأة بن ثور كمي باسل قتل مائة من المشركين مبارزة، فما بالك بمن قتلهم في خضم المعارك !) ،ولكن أشهر ما قيل عنه، هي قصته يوم فتح (تستر) التي سطرت في هامة التاريخ الإسلامي ، لما حدث فيها من تضحية وإقدام وبسالة. فقد قدم رسول الفاروق عمر بن الخطاب من المدينة إلى الكوفة، ومعه أمر من الخليفة عمر بن الخطاب لواليها أبي موسى الأشعري بالمضي بعسكره والالتقاء مع جند المسلمين القادمين من البصرة، والانطلاق معا إلى الأهواز ،لتتبع الهرمزان – قائد جيوش الفرس- والقضاء عليه ،وتحرير مدينة تستر ،درة التاج الكسروي، ولؤلؤة بلاد فارس. وقد جاء في الأمر الذي وجهه الخليفة لأبي موسى أن يصطحب معه الفارس الباسل مجزأة بن ثور السدوسي سيد بني بكر وأميرهم المطاع. وصدع أبو موسى الأشعري بأمر خليفة المسلمين، فعبأ جيشه، وجعل على ميسرته مجزأة بن ثور السدوسي، وانضم إلى جيوش المسلمين القادمة من البصرة، ومضوا معاً غزاة في سبيل الله. فما زالوا يحررون المدن، ويطهرون المعاقل، والهرمزان يفر من أمامهم من مكان إلى آخر حتى بلغ مدينة تستر، واحتمى بحماها. عسكرت جيوش المسلمين حول خندق تستر وظلت ثمانية عشر شهراً لا تستطيع اجتيازه. وخاضت مع جيوش الفرس خلال تلك المدة الطويلة ثمانين معركة. وكانت كل معركة من هذه المعارك تبدأ بالمبارزة بين فرسان الفريقين، ثم تتحول إلى حرب شديدة مهلكة. وقد أبلى مجزأة بن ثور بلاء حسنا فقد تمكن من قتل مائة من شجعان فرسان العدو مبارزة، فأصبح اسمه يثير الرعب في صفوف الفرس. وعند ذلك عرف الذين لم يكونوا قد عرفوه من قبل لم حرص أمير المؤمنين على أن يكون هذا البطل الباسل في عداد الجيش الغازي. وفي آخر معركة من تلك المعارك الثمانين حمل المسلمون على عدوهم حملة باسلة صادقة فأخلى الفرس لهم الجسور المنصوبة فوق الخندق، ولاذوا بالمدينة، وأغلقوا عليهم أبواب حصنها المنيع.
وانتقل المسلمون بعد هذا الصبر الطويل من حال سيئة إلي أخرى أشد سوءًا، فقد أخذ الفرس يمطرونهم من أعالي الأبراج بسهامهم الصائبة. وجعلوا يدلون من فوق الأسوار سلاسل من الحديد، في نهاية كل سلسلة كلاليب متوهجة من شدة ما حميت بالنار. فإذا رام أحد جنود المسلمين تسلق السور أو الاقتراب منه، علقوها فيه ، وأدخلوها في لحمه ، وجذبوه إليهم، فيحترق جسده، و يتساقط لحمه ، ويقضى عليه. اشتد الكرب على المسلمين، وأخذوا يسألون الله بقلوب ضارعة خاشعة أن يفرج عنهم، وينصرهم على عدوه وعدوهم. وبينما كان أبو موسى الأشعري يتأمل سور تستر العظيم، يائساً من اقتحامه، سقط أمامه سهم قُذِفَ نحوه من فوق السور، فنظر فيه فإذا فيه رسالة تقول: لقد وثقت بكم معشر المسلمين، وإني أستأمنكم على نفسي ومالي و أهلي ومن تبعني، ولكم علي أن أدلكم على منفذ تنفذون منه إلى المدينة. فكتب أبو موسى أماناً لصاحب السهم، وقذفه إليه بالسهم. فاستوثق الرجل من أمان المسلمين ، وتسلل إليهم تحت جناح الظلام، وأفضى لأبي موسى بحقيقة أمره فقال: نحن من سادات القوم، وقد قتل “الهرمزان” أخي الأكبر، وتعدى على ماله وأهله، وأضمر لي الشر في صدره ،حتى ما عدت آمنه على نفسي وأولادي… فآثرت عدلكم على ظلمه، ووفاءكم على غدره، وعزمت على أن أدلكم على منفذ خفي تنفذون منه إلى تستر، فأعطني إنساناً يتحلى بالجرأة والعقل، ويكون ممن يتقنون السباحة حتى أرشده إلى الطريق. استدعى أبو موسى الأشعري مجزأة بن ثور السدوسي، وأسر إليه بالأمر وقال: أعنَّي برجل من قومك له عقل وحزم، وقدرة على السباحة. فقال مجزأة: اجعلني ذلك الرجل أيها الأمير. فقال له أبو موسى : ((إذا كنت قد شئت، فعلى بركة الله)). ثم أوصاه أن يحفظ الطريق، وأن يعرف موضع الباب، وأن يحدد مكان الهرمزان، وأن يتثبت من شخصه ، وألا يحدث أمراً غير ذلك.
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( مع الصحابي : (مَجْزَأَة بن ثَوْرٍ الأَسْلَمِيّ )
الحمد لله رب العالمين .. اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والإيمان. ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام.. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.. نشهد أنه بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
مضى مجزأة بن ثور تحت جنح الظلام مع دليله الفارسي، فأدخله في نفق تحت الأرض يصل بين النهر والمدينة. فكان النفق يتسع تارة حتى يتمكن من الخوض في مائه وهو ماشٍ على قدميه، ويضيق تارة أخرى حتى يحمله على السباحة حملا. وكان يتشعب ويتعرج مرة، و يستقيم مرة ثانية … وهكذا حتى بلغ به المنفذ الذي ينفذ منه إلى المدينة، و أراه “الهرمزان” قاتل أخيه، والمكان الذي يتحصن فيه. فلما رأى مجزأة “الهرمزان”، همَّ بأن يرديه بسهم في نحره, لكنه ما لبث أن تذكر وصية أبي موسى له بألا يحدث أمرا، فرد نفسه عن هواها وعاد من حيث جاء قبل بزوغ الفجر. أعد أبو موسى ثلاثمائة من أشجع جند المسلمين قلباً، وأشدهم جلدا وصبراً، وأقدرهم على العوم وأمَّر عليهم مجزأة بن ثور وودَّعهم و أوصاهم… وجعل التكبير علامة على دعوة جند المسلمين لاقتحام المدينة. أمر مجزأة رجاله أن يتخففوا من ملابسهم ما استطاعوا حتى لا تحمل من الماء ما يثقلهم، وحذرهم من أن يأخذوا معهم غير سيوفهم. ومضى بهم في آخر الثلث الأول من الليل. ظل مجزأة بن ثور وجنده البواسل نحوا من ساعتين يصارعون عقبات هذا النفق الخطير، فيصرعونها تارة ،وتصرعهم تارة أخرى. ولما بلغوا المنفذ المؤدي إلى المدينة ،وجد مجزأة أن النفق قد ابتلع مائتين وعشرين رجلاً من رجاله ، و أبقى له ثمانين … وما أن وطئت أقدام مجزأة وصحبه أرض المدينة حتى جردوا سيوفهم، وانقضوا على حماة الحصن ، فأغمدوها في صدورهم. ثم وثبوا إلى الأبواب وفتحوها و هم يكبرون. فتلاقى تكبيرهم من الداخل مع تكبير أخوانهم من الخارج… وتدفق المسلمون على المدينة عند الفجر. و دارت بينهم وبين أعداء الله رحى معركة ضروس قلما شهد تاريخ الحروب مثلها هولاً ورهبةً وكثرة في القتلى. وفيما كانت المعركة قائمة على قدم وساق أبصر مجزأة بن ثور الهرمزان في ساحها، فاتجه نحوه، فوثب كل من مجزأة والهرمزان بسيفيهما فضرب كل منهما صاحبه ضربة عظيمة، فارتد سيف مجزأة، وأصاب سيف الهرمزان ، فخر البطل الكميُّ الباسل صريعا على أرض المعركة، وعينه قريرة بما حقق الله على يديه . واصل جند المسلمين القتال، حتى كتب الله لهم النصر، ووقع الهرمزان في أيديهم أسيراً. انطلق المبشرون إلى المدينة المنورة يزفون إلى الفاروق بشائر الفتح. و يسوقون أمامهم الهرمزان وعلى كتفيه حلته الموشاة بخيوط الذهب ليراه الخليفة. وكان المبشرون يحملون مع ذلك تعزية حارة للخليفة بفارسه الباسل مجزأة بن ثور السدوسي. فقد استشهد البطل المغوار مجزأة بن ثور السدوسي في تلك المعركة عام 17هـ
الدعاء