خطبة عن (المداومة على الطاعة والعبادة)
ديسمبر 2, 2018خطبة عن (من فضائل الوضوء)
ديسمبر 2, 2018الخطبة الأولى ( طلب المغفرة )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
روى الترمذي في سننه بسند حسن صحيح ، وصححه الألباني 🙁عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ : قَالَ : قَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- : « إِنْ تَغْفِرِ اللَّهُمَّ تَغْفِرْ جَمَّا ، وَأَيُّ عَبْدٍ لَكَ لاَ أَلَمَّا ».
إخوة الإسلام
موعدنا اليوم إن شاء الله تعالى مع هذا الأدب النبوي الشريف ، والذي يدعونا فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم بالتوبة والرجوع إلى الله تعالى ، والاعتراف بالذنب وطلب المغفرة والرحمة ، والاعتراف بفضل الله ورحمته ، ومغفرته للخطايا والذنوب ، وستره الجميل على عبده المقترف للخطايا والمعاصي ، فيقول صلى الله عليه وسلم ، مناجيا ربه ، ومستحضرا فضله ورحمته ، راجيا عفوه ومغفرته : « إِنْ تَغْفِرِ اللَّهُمَّ تَغْفِرْ جَمَّا ، وَأَيُّ عَبْدٍ لَكَ لاَ أَلَمَّا » . ومعنى قوله صلى الله عليه وسلم (إِنْ تَغْفِرِ اللَّهُمَّ تَغْفِرْ جَمَّا ) أي : يا إلهي : أنت تغفر الذنوب والمعاصي مرة بعد مرة ، فمغفرتك وعفوك لا حد له : (وَأَيُّ عَبْدٍ لَكَ لاَ أَلَمَّا ) أي : فمن من عبيدك لم يقترف ذنبا؟ ، ومن منهم لم يقع في معصية ؟؟ ، فأنت يا إلهي من شأنك غفران الذنوب العظام ،وأما الجرائم الصغيرة فلا تنسب إليك ،لأن أحدا لا يخلو عنها ،وأنها مكفرة باجتناب الكبائر ، فاللمم هي صغائر الذنوب ، والتي لا يخلو منها أحد ، ثم يندم، ويستغفر الله، ويتوب إليه منها ، فيغفر الله له. قال الله تعالى : (الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ) النجم 32، وفي الصحيحين : (عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ مَا رَأَيْتُ شَيْئًا أَشْبَهَ بِاللَّمَمِ مِمَّا قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – « إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ عَلَى ابْنِ آدَمَ حَظَّهُ مِنَ الزِّنَا ، أَدْرَكَ ذَلِكَ لاَ مَحَالَةَ ، فَزِنَا الْعَيْنِ النَّظَرُ ، وَزِنَا اللِّسَانِ الْمَنْطِقُ ، وَالنَّفْسُ تَمَنَّى وَتَشْتَهِى ، وَالْفَرْجُ يُصَدِّقُ ذَلِكَ كُلَّهُ وَيُكَذِّبُهُ »
أيها المسلمون
وإذا كان العبد يطلب من الله العفو والمغفرة ، وعدم المؤاخذة على الخطإ والزلات ، فعلينا أيضا أن تتسع صدورنا لأخطاء من حولنا، وأن نسترها عليهم، وأن نساعدهم على تجاوزها ، وعدم العود إليها، وألا ننظر إليهم نظرة دونية، أو نحتقرهم، أو نشهر أو نشمت بهم، أو نسقط عدلتهم، واحترامهم، وهيبتهم من أعيننا.. ما دامت تلك الأخطاء، أو الصغائر، لم تغادر دائرة “اللمم”، التي عفا الله تعالى عنها. فلا يخلو مؤمن من بعض هذه الذنوب ،فمستقل ومستكثر، ففي سنن البيهقي ومسند أحمد :(عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ :« مَا مِنْ عَبْدٍ إِلاَّ وَقَدْ أَخْطَأَ أَوْ هَمَّ بِخَطِيئَةٍ لَيْسَ يَحْيَى بْنَ زَكَرِيَّا فَإِنَّهُ لَمْ يُخْطِئْ وَلَمْ يَهُمَّ بِخَطِيئَةٍ ». وفي سنن ابن ماجة : (عَنْ أَنَسٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- : « كُلُّ بَنِى آدَمَ خَطَّاءٌ وَخَيْرُ الْخَطَّائِينَ التَّوَّابُونَ ». وفى الحديث القدسي كما في صحيـح مسلم ، يقول الله تعالى : (يَا عِبَادِي إِنَّكُمْ تُخْطِئُونَ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَأَنَا أَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا فَاسْتَغْفِرُونِي أَغْفِرْ لَكُمْ ) ، وفي سنن الترمذي : (قَالَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ « قَالَ اللَّهُ يَا ابْنَ آدَمَ إِنَّكَ مَا دَعَوْتَنِي وَرَجَوْتَنِي غَفَرْتُ لَكَ عَلَى مَا كَانَ فِيكَ وَلاَ أُبَالِى يَا ابْنَ آدَمَ لَوْ بَلَغَتْ ذُنُوبُكَ عَنَانَ السَّمَاءِ ثُمَّ اسْتَغْفَرْتَنِي غَفَرْتُ لَكَ وَلاَ أُبَالِى يَا ابْنَ آدَمَ إِنَّكَ لَوْ أَتَيْتَنِي بِقُرَابِ الأَرْضِ خَطَايَا ثُمَّ لَقِيتَنِي لاَ تُشْرِكُ بِي شَيْئًا لأَتَيْتُكَ بِقُرَابِهَا مَغْفِرَةً ».
أيها المسلمون
لقد عصى أبو البشر آدم ( عليه السلام ) ربه ، فتاب ،وأناب ،واعترف بالذّنب ،فقال وزوجه : (قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ) (23) الأعراف وقال تعالى : (وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى (121) ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى) (121) ،(122) طه ،فكم بين حال (آدم) واعترافه بالذّنب ، وانكسار قلبه ،وانطراحه بين يدي مولاه ، وبين إبليس الذي عصى ربّه واستكبر وأبى وهذا هو حال الناس على مـرّ الأيام ، فريق إذا وقع في المعصية ،أقـرّ بالذّنب ،واعترف بالخطيئة وسأل ربه العفو والمغفرة . وفريق إذا وقع في السيئات ،وهلك في الموبقات ،عاند وكابر ، أو احتقر الذّنب ،وجاهر بالمعصية ، فالاعتراف بالذنب من سمات الأنبياء والصالحين ،فهذا نبيُّ الله نوح ( عليه السلام ) ، يقول بلسان العبد الفقير ، كما في قوله تعالى : (قَالَ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الْخَاسِرِينَ) (47) هود .وهذا نبيُّ الله يونس ( عليه السلام ) ، يخرج غاضبا ،فيجد نفسه في ظلمات بعضها فوق بعض ، فـيُـناجي ربّه بلسان المعترفِ بِذَنبِه ، المقـرّ بخطيئته ، قال الله تعالى : (وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ (87) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ) (87) ،(88) الأنبياء
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( طلب المغفرة )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
وذاك نبيُّ الله القويُّ الأمين موسى (عليه السلام ) ،فماذا قال بعد أن وقع في الخطيئة قال الله تعالى على لسانه : (قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) (16) القصص ،وذاك نبي الله داود ( عليه السلام ) ، قال الله تعالى في شأنه: (وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ (24) فَغَفَرْنَا لَهُ ذَلِكَ وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآبٍ) (24) ،(25) ص ، وتأملوا مناجاةَ النبيِّ محمد (عليه الصلاة والسلام) ، وهو يُناجي ربّه ، ففي صحيح مسلم : (عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- أَنَّهُ كَانَ يَدْعُو بِهَذَا الدُّعَاءِ : « اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي خَطِيئَتِي وَجَهْلِي وَإِسْرَافِي فِي أَمْرِى وَمَا أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنِّى اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي جِدِّى وَهَزْلِى وَخَطَئِي وَعَمْدِي وَكُلُّ ذَلِكَ عِنْدِي اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي مَا قَدَّمْتُ وَمَا أَخَّرْتُ وَمَا أَسْرَرْتُ وَمَا أَعْلَنْتُ وَمَا أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنِّى أَنْتَ الْمُقَدِّمُ وَأَنْتَ الْمُؤَخِّرُ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ». ولما سأل أبو بكر الصديق رضي الله عنه رسولَ الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسولَ اللّه علمني دُعاءً أَدعو به في صلاتي قال : قل : (اللهمّ إني ظلمتُ نفسي ظلماً كثيراً ، ولا يَغفرُ الذّنوبَ إلا أنتَ ، فاغفِرْ لي مغفرةً من عندَك ، وارحمني إنكَ أنتَ الغفور الرّحيم ) . رواه البخاري ومسلم ، ولا يعني هذا أن يتمادى العبد في المعاصي ، فإن الله قال في كتابه العزيز : (فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ) أي في الدنيا ، (أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) أي في الآخرة . النور (63) ، وفي صحيح مسلم ، يقول صلى الله عليه وسلم : (فَإِنَّ الْعَبْدَ إِذَا اعْتَرَفَ بِذَنْبٍ ثُمَّ تَابَ تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ » فالاعتراف بالذّنب إنما يُفيدُ صاحبَه إذا دَفَـعَه وحَمَلَه على الاستغفار وطلب عفو ربِّه ومرضاتِه . فحذار حذار من التمادي ،والإصرار على الذنب ، والبدار البدار بالاعتراف والاعتذار، وكرر قوله تعالى : (رَبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ) (118) المؤمنون ، وكرر قول رسوله صلى الله عليه وسلم : « إِنْ تَغْفِرِ اللَّهُمَّ تَغْفِرْ جَمَّا ، وَأَيُّ عَبْدٍ لَكَ لاَ أَلَمَّا ». فالله عز وجلّ هو أكرم الأكرمين وأجود الأجودين ،
الدعاء