خطبة عن (أهمية دراسة حياة الأنبياء)
أغسطس 31, 2019خطبة عن الخوف والرجاء (لَوْ يَعْلَمُ الْمُؤْمِنُ مَا عِنْدَ اللَّهِ مِنَ الْعُقُوبَةِ مَا طَمِعَ بِجَنَّتِهِ أَحَدٌ)
سبتمبر 7, 2019الخطبة الأولى ( قُولوا: لا إلهَ إلا اللهُ، تُفلِحوا )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
روى الامام أحمد في مسنده وقال شعيب الأرناؤوط صحيح لغيره : (عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ عَبَّادٍ الدِّيلِيِّ قَالَ : رأَيْتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بَصْرَ عَيْنِي بسُوقِ ذي المَجازِ، يقولُ: يا أيُّها الناسُ، قُولوا: لا إلهَ إلا اللهُ، تُفلِحوا، ويدخُلُ في فِجاجِها والناسُ مُتقصِّفون عليه، فما رأَيْتُ أحدًا يقولُ شيئًا، وهو لا يسكُتُ، يقولُ: أيُّها الناسُ، قُولوا: لا إلهَ إلا اللهُ، تُفلِحوا، إلا أنَّ وراءه رجُلًا أحوَلَ وَضِيءَ الوجهِ، ذا غَدِيرتَيْنِ، يقولُ: إنَّه صابئٌ كاذبٌ، فقلتُ: مَن هذا؟ قالوا: محمَّدُ بنُ عبدِ اللهِ، وهو يذكُرُ النُّبوَّةَ، قلتُ: مَن هذا الذي يكذِّبُهُ؟ قالوا: عَمُّهُ أبو لَهَبٍ، قلتُ: إنَّك كنتَ يومئذٍ صغيرًا؟ قال: لا واللهِ، إنِّي يومئذٍ لَأَعقِلُ ).
إخوة الإسلام
شهادة أن لا إله إلا الله هي كلمة التوحيد وهي أصل الأصول، وعلى صحتها مدار القبول وبها توزن الأعمال، وهي مفتاح الجنة وعنوان السعادة، وما من مفتاح إلا وله أسنان، فلا تصح الأعمال إلا بوجودها ولا يسعد صاحبها بدون الأعمال ، فإنْ أختلت شهادة أن لا إله إلا الله من العبد كان مشركًا، وإن أختلت منه متابعة رسول الله – صلى الله عليه وسلم – كان مبتدعًا، فلا بد للعمل أن يكون لله ، ولابد أيضًا أن يكون على وفق سنة رسول الله – صلى الله عليه وسلم -، فإنّ للعمل ميزانًا في باطنه وهو أن يكون لله، وميزانًا في ظاهره وهو أن يكون على سنة رسول الله صلى الله عليه وسم، وهذا هو الإخلاص والمتابعة. فشهادة أن لا إله إلا الله هي كلمةٌ التقوى، وهي كلمةُ الإخلاص والتوحيد، وهي شهادةُ الحق ودعوةُ الحق، وبراءةٌ من الشرك. لأجلها خُلق الخلق، وأرسل الرسل، وأنزلت الكتب، قال الله تعالى : ﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ﴾ [الذاريات: 56]، وقال الله تعالى : ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا أَنَا فَاعْبُدُونِ ﴾ [الأنبياء: 25] ، وقال الله تعالى : ﴿ يُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ أَنْ أَنْذِرُوا أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاتَّقُونِ ﴾ [النحل: 2]. قال سفيان بن عيينة – رحمه الله تعالى -: “ما أنعم الله على عبد من العباد نعمة أعظم من أن عرفهم لا إله إلا الله”. لأجل هذه الكلمة أعدت دارُ الثواب ودارُ العقاب، ولأجلها أمرت الرسل بالجهاد؛ فمن قالها عصم ماله ودمه، ومن أباها فماله ودمه هدر.
فشهادة أن لا إله إلا الله هي مفتاحُ الجنة وثمنها، وهي دعوة الرسل، وبها كلم الله موسى كفاحًا، ومن كانت آخر كلامه من الدنيا دخل الجنة كما صح ذلك عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم -، وهي موجبةٌ للمغفرة، ومنجاةٌ من النار. في مسند أحمد : (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ بَيْنَمَا نَحْنُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ سَمِعْنَا مُنَادِياً يُنَادِى اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ فَقَالَ نَبِيُّ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « عَلَى الْفِطْرَةِ ». فَقَالَ أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ. فَقَالَ نَبِيُّ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « خَرَجَ مِنَ النَّارِ ». وعَنْ أَبِي ذَرٍّ ، قَالَ : قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، عَلِّمْنِي شَيْئًا يُقَرِّبُنِي مِنَ الْجَنَّةِ وَيُبَاعِدُنِي مِنَ النَّارِ ، قَالَ : ” إِذَا عَمِلْتَ سَيِّئَةً فَأَتْبِعْهَا حَسَنَةً ” . قَالَ : مِنَ الْحَسَنَاتِ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ ؟ قَالَ : ” هِيَ أَحْسَنُ الْحَسَنَاتِ “ (لا إله إلا الله) تمحو الذنوب والخطايا، وتجدد ما درس من الإيمان في القلب، وهي أفضل الذكر، وأثقل شيء في الميزان، كما روى عبد الله بن عمر – رضي الله عنه – عن النبي – صلى الله عليه وسلم -: « إِنَّ نَبِيَّ اللَّهِ نُوحاً -صلى الله عليه وسلم- لَمَّا حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ قَالَ لاِبْنِهِ إِنِّي قَاصٌّ عَلَيْكَ الْوَصِيَّةَ آمُرُكَ بِاثْنَتَيْنِ وَأَنْهَاكَ عَنِ اثْنَتَيْنِ آمُرُكَ بِلاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ فَإِنَّ السَّمَوَاتِ السَّبْعَ وَالأَرْضِينَ السَّبْعَ لَوْ وُضِعَتْ فِي كَفَّةٍ وَوُضِعَتْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ فِي كَفَّةٍ رَجَحَتْ بِهِنَّ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَلَوْ أَنَّ السَّمَوَاتِ السَّبْعَ وَالأَرْضِينَ السَّبْعَ كُنَّ حَلْقَةً مُبْهَمَةً قَصَمَتْهُنَّ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ ) رواه أحمد ، ( لا إله إلا الله ) إذا قالها المسلم صعدت إلى السماء، وخرقت الحجب؛ حتى تصل إلى الله تعالى، أخرج الترمذي وحسنه : (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رضى الله عنه قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « مَا قَالَ عَبْدٌ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ قَطُّ مُخْلِصًا إِلاَّ فُتِحَتْ لَهُ أَبْوَابُ السَّمَاءِ حَتَّى تُفْضِىَ إِلَى الْعَرْشِ مَا اجْتَنَبَ الْكَبَائِرَ » وهذه الكلمةُ أفضلُ الأعمال، وأكثرها تضعيفًا، تحفظ العبد من الشيطان، وتعدل عتق الرقاب؛ فعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ – رضى الله عنه – أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ « مَنْ قَالَ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ ، لَهُ الْمُلْكُ ، وَلَهُ الْحَمْدُ ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ . فِي يَوْمٍ مِائَةَ مَرَّةٍ ، كَانَتْ لَهُ عَدْلَ عَشْرِ رِقَابٍ ، وَكُتِبَتْ لَهُ مِائَةُ حَسَنَةٍ ، وَمُحِيَتْ عَنْهُ مِائَةُ سَيِّئَةٍ ، وَكَانَتْ لَهُ حِرْزًا مِنَ الشَّيْطَانِ يَوْمَهُ ذَلِكَ حَتَّى يُمْسِىَ ، وَلَمْ يَأْتِ أَحَدٌ بِأَفْضَلَ مِمَّا جَاءَ بِهِ ، إِلاَّ أَحَدٌ عَمِلَ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ » متفق عليه. وهي التي تفتح أبواب الجنة؛ كما جاء في حديث عمر – رضي الله عنه – عن النبي – صلى الله عليه وسلم – أنه قال: « مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ يَتَوَضَّأُ فَيُبْلِغُ – أَوْ فَيُسْبِغُ – الْوُضُوءَ ثُمَّ يَقُولُ أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ إِلاَّ فُتِحَتْ لَهُ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ الثَّمَانِيَةُ يَدْخُلُ مِنْ أَيِّهَا شَاءَ ». أخرجه مسلم. شهادة أن لا إله إلا الله تحرم النار على من قالها مخلصًا؛ كما في حديث عتبان بن مالك – رضي الله عنه – عن النبي – صلى الله عليه وسلم – أنه قال: « فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ حَرَّمَ عَلَى النَّارِ مَنْ قَالَ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ . يَبْتَغِى بِذَلِكَ وَجْهَ اللَّهِ » أخرجه الشيخان، ولهذا السبب فهي تقطع ظهر إبليس، كما قال سفيان الثوري: “ليس شيء أقطع لظهر إبليس من لا إله إلا الله”.
أيها المسلمون
هذا هي بعض فضائل لا إله إلا الله؛ ولكن هل ينال فضلها وبركتها من قالها بلسانه فقط؟ كلا؛ حتى يستيقن بها قلبه كما جاء في بعض الأحاديث” مستيقنا”، وفي آخر “خالصًا من قبل نفسه”، وفي آخر “مخلصًا” وفي آخر “يبتغي بذلك وجه الله”، وفي آخر “يقولها حقًا من قبله”؛ إذ تفيد هذه الأحاديث أنه لا يكفي قول اللسان. نعم يكفي قول اللسان في حقن دمه وماله، ومعاملته في الدنيا كمسلم ما لم يأت بناقض لها، كما ثبت في صحيح البخاري : (أُسَامَةَ بْنَ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ – رضى الله عنهما – يُحَدِّثُ قَالَ بَعَثَنَا رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – إِلَى الْحُرَقَةِ مِنْ جُهَيْنَةَ – قَالَ – فَصَبَّحْنَا الْقَوْمَ فَهَزَمْنَاهُمْ – قَالَ – وَلَحِقْتُ أَنَا وَرَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ رَجُلاً مِنْهُمْ – قَالَ – فَلَمَّا غَشِينَاهُ قَالَ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ – قَالَ – فَكَفَّ عَنْهُ الأَنْصَارِيُّ ، فَطَعَنْتُهُ بِرُمْحِي حَتَّى قَتَلْتُهُ – قَالَ – فَلَمَّا قَدِمْنَا بَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ فَقَالَ لِي « يَا أُسَامَةُ أَقَتَلْتَهُ بَعْدَ مَا قَالَ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ » . قَالَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّمَا كَانَ مُتَعَوِّذًا . قَالَ « أَقَتَلْتَهُ بَعْدَ أَنْ قَالَ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ » . قَالَ فَمَا زَالَ يُكَرِّرُهَا عَلَىَّ حَتَّى تَمَنَّيْتُ أَنِّى لَمْ أَكُنْ أَسْلَمْتُ قَبْلَ ذَلِكَ الْيَوْمِ) ، أما في الآخرة فلا تكون سببًا في دخول الجنة والنجاة من النار إلا باستكمال شروطها، وانتفاء موانعها، كما تواترت بذلك النصوص، قيل للحسن -رحمه الله-: “إن ناسًا يقولون: من قال: لا إله إلا الله دخل الجنة؟ فقال: من قال: لا إله إلا الله فأدى حقها وفرضها، دخل الجنة”. ولما سئل وهب بن منبه رحمه الله: ” أليس مفتاح الجنة لا إله إلا الله؟ قال: بلى ولكن ما من مفتاح إلا وله أسنان؛ فإن جئت بمفتاح له أسنان فتح لك، وإلا لم يفتح لك”. وقال الحسنُ للفرزدق وهو يدفن امرأته: “ما أعددت لهذا اليوم؟ قال: شهادة أن لا إله إلا الله منذ سبعين سنة، قال الحسن: نعم العُدَّة! لكن، لـ “لا إله إلا الله” شروط، فإياك وقذفَ المحصنات!.
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( قُولوا: لا إلهَ إلا اللهُ، تُفلِحوا )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
قال الحافظ ابن رجب – رحمه الله تعالى -:”وتحقيق هذا المعنى وإيضاحه أن قول العبد: لا إله إلا الله يقتضي أن لا إله له غيرُ الله، والإله: هو الذي يطاع فلا يعصى هيبة له وإجلالًا، ومحبة وخوفًا ورجاءً، وتوكلًا عليه، وسؤالًا منه، ودعاءً له، ولا يصلح ذلك كله لغير الله عز وجل، فمن أشرك مخلوقًا في شيء من هذه الأمور التي هي من خصائص الإلهية كان ذلك قدحًا في إخلاصه في قول: لا إله إلا الله، ونقصًا في توحيده، وكان فيه من عبودية المخلوق بحسب ما فيه من ذلك، وهذا كله من فروع الشرك؛ ولهذا ورد إطلاق الكفر والشرك على كثير من المعاصي التي منشؤها طاعة غير الله، أو خوفه، أو رجاؤه، أو التوكل عليه، والعمل لأجله” ،فمن ظن أن مجرد النطق بهذه الكلمة ينجيه من النار ويدخله الجنة، ولو لم يستيقن بها قلبه، وتعمل بهذا اليقين جوارحه، فقد أخطأ في ظنه؛ لأن كثيرًا ممن يقعون في نواقض الإسلام يقولونها، وكثيرٌ ممن يحاربون الإسلام يقولونها، وكثيرٌ ممن يحاربون الإسلام وأهله من المنافقين يقولونها، ومنافقو عهد الرسالة الذين مردوا على النفاق كانوا يقولونها بحضرة النبي – صلى الله عليه وسلم -؛ حقنًا لدمائهم وأموالهم! ومع ذلك أخبر الله أن المنافقين بفعلهم هذا يخادعون الله وهو خادعهم؛ فكان جزاؤهم أنهم في الدرك الأسفل من النار.
الدعاء