خطبة عن ( قَالَ النَّبِيُّ: لَيْسَ مِنَّا )
يوليو 29, 2017خطبة عن قوله تعالى(فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ)
يوليو 29, 2017الخطبة الأولى ( لَيْسَ الْمُؤْمِنُ بِالطَّعَّانِ وَلاَ اللَّعَّانِ وَلاَ الْفَاحِشِ وَلاَ الْبَذِيءِ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
روى البخاري في الأدب المفرد والترمذي بسند حسن :(عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « لَيْسَ الْمُؤْمِنُ بِالطَّعَّانِ وَلاَ اللَّعَّانِ وَلاَ الْفَاحِشِ وَلاَ الْبَذِيءِ »
إخوة الإسلام
إن اللعن والسب والشتم والفحش في الكلام والطعن في الأنساب ، كل ذلك ليس من شيم المتقين ، فالمؤمن بعيد عن السب والشتم ولا يستخدم الألفاظ البذيئة في جد ولا هزل ولا في رضا أو غضب .وقَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم : ( لَيْسَ الْمُؤْمِنُ ) أَيْ الْكَامِلُ ، ( بِالطَّعَّانِ ) أَيْ عَيَّابًا النَّاسَ ، ( وَلَا اللَّعَّانُ ) أي أنه لا يلعن الناس ، ولا يدعو عليهم باللعنة ،واللعنة معناها الطرد من رحمة الله تعالى ،( وَلَا الْفَاحِشِ ): أَيْ فَاعِلِ الْفُحْشِ أَوْ قَائِلِهِ والْمُرَادَ بِهِ الشَّتْمُ الْقَبِيحُ الَّذِي يَقْبُحُ ذِكْرُهُ، ( وَلَا الْبَذِيِّ ) وَهُوَ الَّذِي لَا حَيَاء لَهُ كَمَا قَالَهُ بَعْضُ الشُّرَّاحِ . وقد روى البخاري في صحيحه : ( عن عُرْوَة بْن الزُّبَيْرِ أَنَّ عَائِشَةَ – رضى الله عنها – أَخْبَرَتْهُ قَالَتِ اسْتَأْذَنَ رَجُلٌ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – فَقَالَ « ائْذَنُوا لَهُ بِئْسَ ، أَخُو الْعَشِيرَةِ أَوِ ابْنُ الْعَشِيرَةِ » . فَلَمَّا دَخَلَ أَلاَنَ لَهُ الْكَلاَمَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ قُلْتَ الَّذِى قُلْتَ ، ثُمَّ أَلَنْتَ لَهُ الْكَلاَمَ قَالَ « أَيْ عَائِشَةُ ، إِنَّ شَرَّ النَّاسِ مَنْ تَرَكَهُ النَّاسُ – أَوْ وَدَعَهُ النَّاسُ – اتِّقَاءَ فُحْشِهِ » وفي الصحيحين : (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – « سِبَابُ الْمُسْلِمِ فُسُوقٌ ، وَقِتَالُهُ كُفْرٌ » وسباب المسلم فسوق يعني أن السابّ نفسه فاسق لأن سباب المسلم فسوق وقتاله كفر ، كما وردت الكثير من الأحاديث التي يحذر فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم أمته من اللعن والشتم والسباب ، لأنها ليست من أخلاق المسلمين ، ومنها على سبيل المثال لا الحصر : (عَنْ ثَابِتِ بْنِ الضَّحَّاكِ أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم قَالَ« لَعْنُ الْمُؤْمِنِ كَقَتْلِهِ) رواه البخاري في الادب ، واحمد في مسنده أي في التحريم أو العقاب أو الإبعاد، إذ اللعنة إبعاد من الرحمة، والقتل يبعد من الحياة الحسية. ( وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ادْعُ عَلَى الْمُشْرِكِينَ قَالَ « إِنِّى لَمْ أُبْعَثْ لَعَّانًا وَإِنَّمَا بُعِثْتُ رَحْمَةً ». [مسلم] ، ( وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « لاَ يَنْبَغِي لِصِدِّيقٍ أَنْ يَكُونَ لَعَّانًا ». [مسلم] ، (وعَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ قَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- « لاَ يَكُونُ الْمُؤْمِنُ لَعَّانًا ». [الترمذي] ( وأن أَبَا الدَّرْدَاءِ يَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « لاَ يَكُونُ اللَّعَّانُونَ شُفَعَاءَ وَلاَ شُهَدَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ». [مسلم]. (وعَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدَبٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « لاَ تَلاَعَنُوا بِلَعْنَةِ اللَّهِ وَلاَ بِغَضَبِهِ وَلاَ بِالنَّارِ » [الترمذي] أي لا تدعوا على الناس بما يبعدهم الله من رحمته إما صريحا كما تقولون «لعنة الله عليه» أو كناية كما تقولون «غضب الله عليه» أو «أدخله الله النار»
أيها المسلمون
ولعل في هذه الكثرة من الأحاديث النبوية ما يؤكد على خطورة أمر اللعنة، وضرر المجازفة الحمقاء في طرد الآخرين من رحمة الله في غرس معاني الكره والنفرة في الوقت الذي ينبغي أن يكون فيه المجتمع الإيماني متماسكا برباط المودة والحب، وأفراده كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضا. بل تتجلى جدية الرسول صلى الله عليه وسلم في نزع جذور هذه الآفة من النفوس في أكثر من موقف مع أصحابه الكرام فتارة مرشدا وتارة مستنكرا وتارة معاقبا. ( فروي أن جُرْمُوزاً الْهُجَيْمِيَّ قَالَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَوْصِنِي. قَالَ « أُوصِيكَ أَنْ لاَ تَكُونَ لَعَّاناً » [أحمد] ( وعَنْ أُمِّ الدَّرْدَاءِ قَالَتْ سَمِعْتُ أَبَا الدَّرْدَاءِ يَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « إِنَّ الْعَبْدَ إِذَا لَعَنَ شَيْئًا صَعِدَتِ اللَّعْنَةُ إِلَى السَّمَاءِ فَتُغْلَقُ أَبْوَابُ السَّمَاءِ دُونَهَا ثُمَّ تَهِبْطُ إِلَى الأَرْضِ فَتُغْلَقُ أَبْوَابُهَا دُونَهَا ثُمَّ تَأْخُذُ يَمِينًا وَشِمَالاً فَإِذَا لَمْ تَجِدْ مَسَاغًا رَجَعَتْ إِلَى الَّذِى لُعِنَ فَإِنْ كَانَ لِذَلِكَ أَهْلاً وَإِلاَّ رَجَعَتْ إِلَى قَائِلِهَا ». [أبو داود]. ( وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنْ رَجُلاً لَعَنَ الرِّيحَ عِنْدَ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ « لاَ تَلْعَنِ الرِّيحَ فَإِنَّهَا مَأْمُورَةٌ وَإِنَّهُ مَنْ لَعَنَ شَيْئًا لَيْسَ لَهُ بِأَهْلٍ رَجَعَتِ اللَّعْنَةُ عَلَيْهِ » [الترمذي]. (وعَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ قَالَ َلعَنَ رَجُلٌ دِيكاً صَاحَ عِنْدَ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- « لاَ تَلْعَنْهُ فَإِنَّهُ يَدْعُو إِلَى الصَّلاَةِ » [أحمد] أي إلى قيام الليل بصياحه فيه ومن أعان على طاعة يستحق المدح لا الذم. وقال الحليمي: فيه دليل على أن كل من استفيد منه خير لا ينبغي أن يسب ولا يستهان به، بل حقه الإكرام والشكر ويتلقى بالإحسان، ( وعَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ قَالَ بَيْنَمَا رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ وَامْرَأَةٌ مِنَ الأَنْصَارِ عَلَى نَاقَةٍ فَضَجِرَتْ فَلَعَنَتْهَا فَسَمِعَ ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ « خُذُوا مَا عَلَيْهَا وَدَعُوهَا فَإِنَّهَا مَلْعُونَةٌ ». قَالَ عِمْرَانُ فَكَأَنِّى أَرَاهَا الآنَ تَمْشِى فِي النَّاسِ مَا يَعْرِضُ لَهَا أَحَدٌ ) .[مسلم]
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( لَيْسَ الْمُؤْمِنُ بِالطَّعَّانِ وَلاَ اللَّعَّانِ وَلاَ الْفَاحِشِ وَلاَ الْبَذِيءِ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
أما لعن من فعل فعلا معينا دون تخصيص لأحد فهو جائز ، فقد ورد عنه صلى الله عليه وآله وسلم أنه لعن آكل الربا ومؤكله وكاتبه وشاهديه ، ولعن المخنثين من الرجال والمترجلات من النساء ، ولعن من لعن والديه ، ومن عمِل عمَل قوم لوط ، والراشي والمرتشي ، والمحتكر ، والخمر وشاربها وساقيها وآكل ثمنها وبائعها ومستقيها ومبتاعها وعاصرها ومعتصرها وحاملها والمحمولة إليه ، ولعن المرأة إذا خرجت من دارها بغير إذن زوجها ، ولعن النامصة والمتنمصة ، ولعن المرأة إذا باتت وزوجها عليها ساخط ، ولعن من خبب إمرأة على زوجها ، وقد لعن الله تعالى في القرآن الظالمين والكاذبين، فقال تعالى : (وَيَقُولُ الْأَشْهَادُ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ) (18) هود ، وقال تعالى : (ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ) (61) آل عمران ، وإن من أشنع أنواع السباب رمي المسلم بالكفر.. وقد حذر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من تكفير المسلمين ، لأن من قال لأخيه يا كافر ، باء بها أحدهما ، أي إما أن يكون صادقا أو أن تعود كلمة الكفر عليه هو والعياذ بالله. ففي الصحيحين : ( عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ – رضى الله عنهما – أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ « أَيُّمَا رَجُلٍ قَالَ لأَخِيهِ يَا كَافِرُ . فَقَدْ بَاءَ بِهَا أَحَدُهُمَا » ، فاللعن والسب والشتم والفحش في الكلام والطعن في الأنساب ، كل ذلك ليس من شيم المتقين ، فالمؤمن بعيد عن السب والشتم ولا يستخدم الألفاظ البذيئة في جد ولا هزل ولا في رضا أو غضب . ومن الضروري تنشئة الأطفال بعيدا عن استخدام تلك الألفاظ لأن محوها بعد ما يكبر الشخص إن تعوّد عليها وهو طفل صغير صعب ، وحتى إن تركها فربما تفوه بها دون شعور في حالات الغضب
الدعاء