خطبة عن (رمضان شهر الانتصار على أعداء الانسان)
مارس 19, 2023خطبة عن ( رَغِمَ أَنْفُهُ ) مختصرة
مارس 19, 2023الخطبة الأولى (الانتصار على أعداء الانسان في شهر رمضان)
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والإيمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ ) محمد 7 ، ويقول سبحانه : (لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ ) (177) ) البقرة ، وقال تعالى : (وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ) (111) التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ ) (112)) التوبة
إخوة الإسلام
عندما تذكر الانتصارات في شهر رمضان ، ينصرف الذهن مباشرة إلى الانتصارات العسكرية التي حققها المسلمون على أعدائهم في هذا الشهر، من غزوة بدر إلى فتح مكة إلى عين جالوت إلى حرب العاشر من رمضان وغيرها من الملاحم الإيمانية التي كتب الله فيها النصر المؤزر لعباده المؤمنين ، وهذا حق ، ولله الفضل والمنة . ولكن مجالات الانتصار في رمضان بالنسبة للمؤمن هي أكثر من ذلك ، وهي غير مقتصرة على هذا الجانب فقط، بل إن الانتصارات التي تحققت وتتحقق على أعداء الأمة والمتآمرين عليها خلال شهر رمضان منذ بدء الرسالة إلى يوم الناس هذا ، بقدر ما كانت نتيجة للأجواء الروحانية التي يصنعها رمضان بفيوضاته ورحماته وجوائزه ومآثره التي يغدقها المولى عز وجل فيه على عباده المؤمنين الصائمين ، مما يهيئ لهم أسباب النصر لينتصروا ، فإنها محصلة كذلك لكم من الانتصارات التي يحدثها وينجزها العبد المؤمن على مستواه الفردي والجماعي في شهر الصيام ، كما قال سبحانه:( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ ) (محمد7). ويبدو أن الانتصارات بشتى أنواعها واختلاف مجالاتها في شهر رمضان ، مرتبطة ارتباطا وثيقا ببعضها البعض ، فكلما ارتفع مؤشر هذه ارتفع منسوب تلك ،واقترب موعدها ،وتوفرت أسبابها ، وكلما حدث فشل وتقصير في هذه ، أصبحت الأخرى بعيدة المنال وهكذا، وقد قيل : من لم ينتصر في حي على الفلاح ، لا ينتصر في حي على الكفاح ، كمثال على هذا الارتباط. ومدى نجاحه في مجاهدته وجديته وإيجابيته للوصول إلى ذلك. لذلك فإن مدرسة الصيام محطة مهمة ليجعل العبد المؤمن لنفسه فيها برنامجا عمليا لتحقيق الانتصارات بمفهومها الشامل ، وبفضل الله وعونه فقد أحصيت عددا من الانتصارات التي يجب على المؤمن الصائم في شهر رمضان أن يحققها ، وينجح في إمتحانها ، ليتأكد ويطمئن ، أنه فعلا استطاع أن يستثمر أجواء الانتصارات الإيمانية الرمضانية ، وخرج منها بحظ وافر ، فمن الانتصارات التي يحققها المؤمن على أعدائه في شهر الصوم : (1)ــ الانتصاري على مرض الرياء : فشهر رمضان شهر الإخلاص بلا منازع ، وقد توفرت كل عوامل النجاح للمؤمن فيه على كل دواعي الرياء وأسبابه، وتنمية عنصر المراقبة والتجرد لله عز وجل لديه ، فامتناع الصائم عن الطعام والشراب والشهوات المادية والمعنوية طيلة يومه، استجابة لأمر ربه هو عين الإخلاص ، وإن تحقيق هذا النوع من الانتصار هو الأساس الذي تنبني عليه كل الانتصارات الأخرى ، ( 2 ) ــ ومن الانتصارات التي يحققها المؤمن في شهر الصوم الانتصار على الشيطان : وقد هيأ المولى سبحانه وتعالى ذلك للصائم ، فصفد فيه الشياطين فعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ – رضى الله عنه – أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ : « إِذَا جَاءَ رَمَضَانُ فُتِّحَتْ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ النَّارِ وَصُفِّدَتِ الشَّيَاطِينُ ».أخرجه مسلم. ولهذا يضيِّق الصوم مجاري الشيطان في بدن الإنسان ـ وكما هو معلوم ـ فإنَّ الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم ، إلاَّ أنَّه بالصيام يضعف نفوذه ، وفي الحديث الذي رواه البخاري : « إِنَّ الشَّيْطَانَ يَجْرِى مِنِ ابْنِ آدَمَ مَجْرَى الدَّمِ » . فالعلماء قالوا: إنَّ التضييق عليه يكون بتضييق مجاريه بالجوع ومنها الصوم ، فالجوع يكسر الشهوة ، ومجرى الشهوات ، وبذلك ينتصر المؤمن في رمضان على الشيطان ، ( 3) ــ ومن الانتصارات التي يحققها المؤمن في شهر الصوم الانتصار على الشهوات : فشهر رمضان تمرين عملي للصائم على التغلب على شهواته المختلفة من شهوة البطن والفرج والنظر والسمع والكلام والقلب والنفس وغيرها، بحيث يتحرر من أسرها له ، ويتعالى على جواذبها التي تجذبه إلى مستنقعها الآسن ، ويخلص نفسه من كل دواعي الاستجابة لإغراءاتها . والانتصار في معركة الشهوات قضية مصيرية بالنسبة للمؤمن ، لأنه إن انهزم فيها وفشل في مقاومتها وسلم العنان والخطام لها ،أدى به ذلك ـ دون شك ـ إلى الانهزام في كل معاركه الأخرى، فالشهوات حواجز تحجز عنه موارد التوفيق ، وصوارف تصرفه عن النجاح في أمر آخرته الذي هو رأس الأمر له.وما انتصر أسلافنا على أعدائهم إلا بعد ما انتصروا في معركة الشهوات هذه، وما انهزموا وانكسرت شوكتهم إلا لما استسلموا لشهواتهم وانهزموا أمامها ، وما خسارتنا للأندلس السليب إلا خير دليل على ما أقول. وانتصار المؤمن في رمضان على شهوات البطن والفرج وشهوة الكلام والغضب والشح والبخل وغيرها من شهوات الدنيا وملذاتها ،وانتصاره على أهواء النفس، كل هذا مؤذنٌ بالنصر الكبير؛ فإن الإنسان الذي استطاع النصر على نفسه فيمتنع عما تحب وتهوى طاعة لله تعالى؛ يرشحه ذلك أن ينتصر على عدوه في المعركة الكبرى؛ معركة الإسلام مع خصومة.
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( رمضان شهر الانتصار على أعداء الانسان ) 1
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والإيمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
ومن الانتصارات التي يحققها المؤمن في شهر الصوم الانتصار على الشح والبخل : فإن التخلص من داء الشح والبخل، وتطهير النفس منهما ، والذي عده رسول الله صلى الله عليه وسلم من المهلكات، والمتسبب في كثير من الموبقات ، ففي مسند أحمد وغيره (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ ،قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- : « إِيَّاكُمْ وَالشُّحَّ فَإِنَّهُ أَهْلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ أَمَرَهُمْ بِالظُّلْمِ فَظَلَمُوا وَأَمَرَهُمْ بِالْقَطِيعَةِ فَقَطَعُوا وَأَمَرَهُمْ بِالْفُجُورِ فَفَجَرُوا) ، فمن مقاصد الصيام المهمة الجود والكرم ، والبذل والعطاء ، لذلك كان صلى الله عليه وسلم أجود ما يكون في رمضان ، حتى كان كالريح المرسلة ، فليتأسى المؤمن به ، ويعلنها حربا لا هوادة فيها على كل ماله علاقة بالشح والبخل ، فالفلاح الذي هو غايته ومبتغاه في الدنيا والآخرة ، ولا يمكن أن يحوزه إلا إذا نجح في معركته مع الشح ، كما قال تعالى: ( وَأَنفِقُوا خَيْراً لِّأَنفُسِكُمْ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ) (التغابن16). فالصيام مدرسة يتعود فيها العبد على السخاء ، وإطلاق اليد بالعطاء، ويتعمق لديه فيها الشعور بمعاناة المحرومين ، ويدوس فيها على أنانيته وحبه لذاته ، لأن الروح السخية المعطاءة التي تستلذ رفع العنت والقهر عن المحتاجين ، وتأخذ بأيديهم وتسد حاجتهم ، هي معيار القرب من الله عز وجل، كما جاء في الحديث الذي يرويه الترمذي 🙁 عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ : « السَّخِىُّ قَرِيبٌ مِنَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْجَنَّةِ قَرِيبٌ مِنَ النَّاسِ بَعِيدٌ مِنَ النَّارِ وَالْبَخِيلُ بَعِيدٌ مِنَ اللَّهِ بَعِيدٌ مِنَ الْجَنَّةِ بَعِيدٌ مِنَ النَّاسِ قَرِيبٌ مِنَ النَّارِ وَلَجَاهِلٌ سَخِىٌّ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ عَابِدٍ بَخِيلٍ ». فتحقيق الانتصار في هذا الجانب هو ديدن العبد الصائم في شهر السخاء، والهزيمة في المعركة مع الشح والبخل أدعى لتوالي الهزائم فيما عداها. ( 5 ) ــ ومن الانتصارات التي يحققها المؤمن في شهر الصوم الانتصار على اللسان وآفاته: فعندما نسمع حديث المصطفى صلى الله عليه وسلم:( عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ – رضى الله عنه – قَالَ ،قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم : « مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالْعَمَلَ بِهِ فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ فِي أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ » (رواه البخاري ) ، هنا ندرك أهمية هذا النوع من الانتصار في شهر رمضان ، فمن لم يستطع أن ينتصر في معركته مع لسانه ــ خاصة وهو صائم ـ لا يمكنه أن ينتصر في معركته مع شيطانه وشهواته ، بل إن الانهزام أمام اللسان وآفاته يؤدي بصاحبه إلى الإفلاس الذي عبر عنه النبي صلى الله عليه وسلم 🙁 فعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « أَتَدْرُونَ مَا الْمُفْلِسُ ». قَالُوا الْمُفْلِسُ فِينَا مَنْ لاَ دِرْهَمَ لَهُ وَلاَ مَتَاعَ. فَقَالَ « إِنَّ الْمُفْلِسَ مِنْ أُمَّتِى يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصَلاَةٍ وَصِيَامٍ وَزَكَاةٍ وَيَأْتِي قَدْ شَتَمَ هَذَا وَقَذَفَ هَذَا وَأَكَلَ مَالَ هَذَا وَسَفَكَ دَمَ هَذَا وَضَرَبَ هَذَا فَيُعْطَى هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يُقْضَى مَا عَلَيْهِ أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ ثُمَّ طُرِحَ فِي النَّارِ ». (رواه مسلم). لذلك كان الصيام تدريبا عمليا للعبد على ممارسة هذه العبادة، فيقول صلى الله عليه وسلم : « أَمْسِكْ عَلَيْكَ لِسَانَكَ وَلْيَسَعْكَ بَيْتُكَ وَابْكِ عَلَى خَطِيئَتِكَ » رواه الترمذي ، وامتلاك القدرة على التحكم في اللسان وكبح جماحه ، وتوظيفه في الخير والطيب من القول ، وقد ربط القرآن الكريم بين الهداية إلى صراط الله المستقيم ، وبين الهداية إلى الكلام الطيب ، وكأنه يريد أن يؤكد لنا أنهما متلازمان ، لا يمكن أن يتحقق الثاني ، حتى يتم الالتزام بالأول، فقال سبحانه: ( وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ وَهُدُوا إِلَى صِرَاطِ الْحَمِيدِ ) (الحج24). فالانتصار على اللسان وآفاته من عدمه ، معيار مهم يعرف من خلاله المؤمن الصائم مدى توفيقه ونجاحه في مدرسة رمضان، وحصوله على كنوزه ومنحه ونفحاته وجوائزه التي لاتعد ولا تحصى. ونستكمل الموضوع إن شاء الله
الدعاء