خطبة عن (مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ)
نوفمبر 21, 2022خطبة عن (الخوف من الشهرة )
نوفمبر 23, 2022الخطبة الأولى ( طَائِرُ كُلِّ إِنْسَانٍ فِي عُنُقِهِ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
روى الامام أحمد في مسنده وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة: (عَنْ جَابِرٍ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ : « طَائِرُ كُلِّ إِنْسَانٍ فِي عُنُقِهِ »
إخوة الإسلام
كلُّ إنسانٍ مَسؤولٌ عمَّا قدم ،وعما اقتَرَفتْ يَداهُ مِن الأعمالِ، والملائكةُ الحفظة يَكتُبون عليه، ويُسجِّلون كلَّ كبيرةٍ وصغيرةٍ، ثمَّ يُحاسِبُه اللهُ على ذلك يومَ القيامةِ، ويُجازِيه عليها بعدَ أنْ يُقِرَّ العبدُ بما في كتابِه، قال تعالى: (إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ (17) مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ ) [ق:17، 18]، وقال تعالى : (وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ (10) كِرَامًا كَاتِبِينَ (11) يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ ) [ الإنفطار:10-12]، وقال تعالى: (إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) [ التحريم:7]، وقال تعالى: (مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ) [ النساء: 123] ، فعمل ابن آدم مكتوب ومحفوظ عليه، قليله وكثيره ،ويكتب عليه ليلاً ونهاراً، صباحاً ومساء، وقد صور لنا القرآن الكريم هذا المشهد من مشاهد يوم القيامة، حيث قال الله تعالى: {وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا (13) اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا} (13) ،(14) الإسراء،
وفي هذا الحديثِ الذي تصدرت به هذه الخطبة يقولُ النبيُّ صلى الله عليه وسلم: “طائرُ كلِّ إنسانٍ في عُنقِه”، والطائرُ هو عمَلُ العبْدِ، والمعنى: أنَّ كتابَ عمَلِه يَحمِلُه في عُنقِه، فالعمَلُ لازمٌ له لُزومَ القِلادةِ والغِلِّ لا يَنفَكُّ عنه، وقد خَصَّ العُنقَ بالذِّكْرِ؛ لأنَّ اللُّزومَ فيه أشدُّ؛ ولأنَّه يُحاسَبُ عليه كلِّه ويُلزَمُ به يومَ القيامةِ، وقيل: طائرُ الإنسانِ ما كتَبَه اللهُ مِن خَيرٍ وشَرٍّ؛ فهو حظُّه الذي يَلزَمُ عُنقَه ولا يُفارِقُه، وهو مأخوذٌ مِن قولِه تعالى: {وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ} [الإسراء: 13]، قال ابن عاشور: (أن كل إنسان يعامل بعمله من خير أو شر، لا يُنقص له منه شيء). وقال السعدي: (ما عمل من خير وشر يجعله الله ملازماً له، لا يتعداه إلى غيره، فلا يحاسب بعمل غيره، ولا يحاسب غيره بعمله) ، فالكتاب المنشور دونت فيه كافة الأعمال، صغيرها وكبيرها، خيرها وشرها، حسنها وسيئها. قال ابن كثير: “نجمع له عمله كله في كتاب، يُعطاه يوم القيامة، إما بيمينه، إن كان سعيداً، أو بشماله إن كان شقياً”. وقوله: {منشورا} أي: مفتوحاً، يقرؤه هو وغيره، فيه جميع عمله من أول عمره إلى آخره، قال تعالى: {ينبأ الإنسان يومئذ بما قدم وأخر} (القيامة:13).
أيها المسلمون
فالإنسان العاقل إذا علم أن أعماله مكتوبة ومسجلة عليه، فلابد أن ينظر ماذا كُتب في عمله؟، ماذا كُتب في هذا الكتاب الذي سوف يجده يوم القيامة مكتوباً؟، وعلينا أن نحرص على أن لا يكتب في هذا الكتاب إلا العمل الصالح، وإذا كتب فيه العمل السيء فعلينا أن نحرص غاية الحرص على محو هذا المكتوب بالتوبة، قبل أن تنشر صحائف الأعمال يوم القيامة، فالإنسان محاسب ومجزي بعمله، وموقوف بين يدي ربه ،ففي سنن الترمذي بسند حسنه : (عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ يَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « إِنَّ اللَّهَ سَيُخَلِّصُ رَجُلاً مِنْ أُمَّتِى عَلَى رُءُوسِ الْخَلاَئِقِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيَنْشُرُ عَلَيْهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ سِجِلاًّ كُلُّ سِجِلٍّ مِثْلُ مَدِّ الْبَصَرِ ثُمَّ يَقُولُ أَتُنْكِرُ مِنْ هَذَا شَيْئًا أَظَلَمَكَ كَتَبَتِي الْحَافِظُونَ فَيَقُولُ لاَ يَا رَبِّ. فَيَقُولُ أَفَلَكَ عُذْرٌ فَيَقُولُ لاَ يَا رَبِّ. فَيَقُولُ بَلَى إِنَّ لَكَ عِنْدَنَا حَسَنَةً فَإِنَّهُ لاَ ظُلْمَ عَلَيْكَ الْيَوْمَ فَتَخْرُجُ بِطَاقَةٌ فِيهَا أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ فَيَقُولُ احْضُرْ وَزْنَكَ فَيَقُولُ يَا رَبِّ مَا هَذِهِ الْبِطَاقَةُ مَعَ هَذِهِ السِّجِلاَّتِ فَقَالَ إِنَّكَ لاَ تُظْلَمُ. قَالَ فَتُوضَعُ السِّجِلاَّتُ فِي كِفَّةٍ وَالْبِطَاقَةُ فِي كِفَّةٍ فَطَاشَتِ السِّجِلاَّتُ وَثَقُلَتِ الْبِطَاقَةُ فَلاَ يَثْقُلُ مَعَ اسْمِ اللَّهِ شَيْءٌ »، وفيه أيضا: (عَنْ أَبِي بَرْزَةَ الأَسْلَمِيِّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « لاَ تَزُولُ قَدَمَا عَبْدٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ عُمْرِهِ فِيمَا أَفْنَاهُ وَعَنْ عِلْمِهِ فِيمَا فَعَلَ وَعَنْ مَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وَفِيمَا أَنْفَقَهُ وَعَنْ جِسْمِهِ فِيمَا أَبْلاَهُ »، وفي الصحيحين: (عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ سَيُكَلِّمُهُ اللَّهُ لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ تُرْجُمَانٌ فَيَنْظُرُ أَيْمَنَ مِنْهُ فَلاَ يَرَى إِلاَّ مَا قَدَّمَ وَيَنْظُرُ أَشْأَمَ مِنْهُ فَلاَ يَرَى إِلاَّ مَا قَدَّمَ وَيَنْظُرُ بَيْنَ يَدَيْهِ فَلاَ يَرَى إِلاَّ النَّارَ تِلْقَاءَ وَجْهِهِ فَاتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ »، وفي صحيح مسلم: (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « لَتُؤَدُّنَّ الْحُقُوقَ إِلَى أَهْلِهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُقَادَ لِلشَّاةِ الْجَلْحَاءِ مِنَ الشَّاةِ الْقَرْنَاءِ »، وفي صحيح البخاري: (أَنَّ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ – رضي الله عنه – قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – « يَخْلُصُ الْمُؤْمِنُونَ مِنَ النَّارِ، فَيُحْبَسُونَ عَلَى قَنْطَرَةٍ بَيْنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ ، فَيُقَصُّ لِبَعْضِهِمْ مِنْ بَعْضٍ، مَظَالِمُ كَانَتْ بَيْنَهُمْ فِي الدُّنْيَا ، حَتَّى إِذَا هُذِّبُوا وَنُقُّوا أُذِنَ لَهُمْ فِي دُخُولِ الْجَنَّةِ ، فَوَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لأَحَدُهُمْ أَهْدَى بِمَنْزِلِهِ فِي الْجَنَّةِ مِنْهُ بِمَنْزِلِهِ كَانَ فِي الدُّنْيَا »، وفي صحيح مسلم: (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « أَتَدْرُونَ مَا الْمُفْلِسُ ». قَالُوا الْمُفْلِسُ فِينَا مَنْ لاَ دِرْهَمَ لَهُ وَلاَ مَتَاعَ. فَقَالَ « إِنَّ الْمُفْلِسَ مِنْ أُمَّتِي يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصَلاَةٍ وَصِيَامٍ وَزَكَاةٍ وَيَأْتِي قَدْ شَتَمَ هَذَا وَقَذَفَ هَذَا وَأَكَلَ مَالَ هَذَا وَسَفَكَ دَمَ هَذَا وَضَرَبَ هَذَا فَيُعْطَى هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يُقْضَى مَا عَلَيْهِ أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ ثُمَّ طُرِحَ فِي النَّارِ »،
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( طَائِرُ كُلِّ إِنْسَانٍ فِي عُنُقِهِ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
الله سبحانه وتعالى سيحاسب كل الخلق يوم القيامة، ويجازى كل منهم بما قدم، قال تعالى: (الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ) الجاثية (28)، وقال تعالى: ( يُنَبَّأُ الإِنسَانُ يَوْمَئِذٍ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ) [القيامة: 13]، وقال تعالى: (هَذَا كِتَابُنَا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) الجاثية (29)، أي يستحضر جميع أعمالكم من غير زيادة ولا نقصان، ونأمر الحفظة من الملائكة بكتابة أعمالكم الصغيرة والكبيرة، وفي سنن الترمذي بسند حسنه: ( عن أبي هريرة : (قَالَ حَدَّثَنِي رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- أَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ يَنْزِلُ إِلَى الْعِبَادِ لِيَقْضِىَ بَيْنَهُمْ وَكُلُّ أُمَّةٍ جَاثِيَةٌ)، وفي الصحيحين: (عَنْ صَفْوَانَ بْنِ مُحْرِزٍ الْمَازِنِيِّ قَالَ بَيْنَمَا أَنَا أَمْشِي مَعَ ابْنِ عُمَرَ – رضي الله عنهما – آخِذٌ بِيَدِهِ إِذْ عَرَضَ رَجُلٌ، فَقَالَ كَيْفَ سَمِعْتَ رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – فِي النَّجْوَى فَقَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – يَقُولُ « إِنَّ اللَّهَ يُدْنِي الْمُؤْمِنَ فَيَضَعُ عَلَيْهِ كَنَفَهُ، وَيَسْتُرُهُ فَيَقُولُ أَتَعْرِفُ ذَنْبَ كَذَا أَتَعْرِفُ ذَنْبَ كَذَا فَيَقُولُ نَعَمْ أَيْ رَبِّ. حَتَّى إِذَا قَرَّرَهُ بِذُنُوبِهِ وَرَأَى فِي نَفْسِهِ أَنَّهُ هَلَكَ قَالَ سَتَرْتُهَا عَلَيْكَ فِي الدُّنْيَا، وَأَنَا أَغْفِرُهَا لَكَ الْيَوْمَ. فَيُعْطَى كِتَابَ حَسَنَاتِهِ، وَأَمَّا الْكَافِرُ وَالْمُنَافِقُونَ فَيَقُولُ الأَشْهَادُ هَؤُلاَءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ، أَلاَ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ »،
فكان لزاما أن يعلم الواحد منا أنه موقوف بين يدي الله ومسؤول، وحق لمن علم أنه موقوف ومسؤول أن يعد للسؤال جوابا وللجواب صوابا. كما قال الفضيل بن عياض لرجل: “كم عمرك؟ فقال الرجل: ستون سنة، قال الفضيل: إذًا أنت منذ ستين سنة تسير إلى الله تُوشِك أن تَصِل، فقال الرجل: إنَّا لله وإنَّا إليه راجعون، فقال الفضيل: يا أخي، هل عرفتَ معناه، قال الرجل: نعم، عرفت أني لله عبد، وأني إليه راجع، فقال الفضيل: يا أخي، مَن عرف أنه لله عبد وأنه إليه راجع، عرف أنه موقوف بين يديه، ومَن عرف أنه موقوف عرف أنه مسؤول، ومَن عرف أنه مسؤول فليُعدَّ للسؤال جوابًا” (حلية الأولياء). ولا يمكن أن يكون هذا إلا بالمحاسبة، كما قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: “حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوا أعمالكم قبل أن توزن عليكم، وتزينوا للعرض الأكبر {يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ} [الحاقة:18]، وإنما يخف الحساب يوم القيامة على من حاسب نفسه في الدنيا”. وقال رضي الله عنه: “حاسب نفسك في الرخاء قبل حساب الشدة، فإن من حاسب نفسه في الرخاء عاد أمره إلى الرضى والغبطة، ومن شغلته حياته، وألهته أهواؤه عاد أمره إلى الندامة والحسرة”.
الدعاء