خطبة عن رفع العلم وحديث (هَذَا أَوَانٌ يُخْتَلَسُ الْعِلْمُ مِنَ النَّاسِ)
أغسطس 3, 2024خطبة عن (الْحَمْدُ لِلَّهِ)
أغسطس 4, 2024الخطبة الأولى (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)
الحمد لله رب العالمين. اللهم لك الحمد حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه، حمدا يوافي النعم ويكافئ المزيد. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد أيها المسلمون
في سنن أبي داود ومسند أحمد: (عَنْ سَهْلِ بْنِ مُعَاذِ بْنِ أَنَسٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ «مَنْ أَكَلَ طَعَامًا ثُمَّ قَالَ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَطْعَمَنِي هَذَا الطَّعَامَ وَرَزَقَنِيهِ مِنْ غَيْرِ حَوْلٍ مِنِّي وَلاَ قُوَّةٍ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ وَمَنْ لَبِسَ ثَوْبًا فَقَالَ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِى كَسَانِي هَذَا الثَّوْبَ وَرَزَقَنِيهِ مِنْ غَيْرِ حَوْلٍ مِنِّي وَلاَ قُوَّةٍ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ».
إخوة الإسلام
(الْحَمْدُ لِلَّهِ): إنها كلمة ثناء أثنى الله تعالى بها على نفسه، ليعلمنا كيف نُثني عليه سبحانه، وكيف نشكره على نعمه التي لا تعد ولا تحصى، (الْحَمْدُ لِلَّهِ): كلمةُ مباركة، وهي ثناء في دعاء، ودعاء في ثناء، تجري على ألسنة المؤمنين بسهولة ويسر، وهذا من فضل الله على عباده المؤمنين. يقول ابن القيم – رحمه الله-: (الحمد لله): إخبار عن محاسن المحمود، مع حبه وإجلاله وتعظيمه).
(الْحَمْدُ لِلَّهِ): يقولها المسلم اذا انتهى من قضاء حاجته، فقد روى البيهقي: قال صلى الله عليه وسلم: «إِذَا أَتَى أَحَدُكُمْ الْبَرَازَ فَلْيُكْرِمْ قِبْلَةَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، فَلاَ يَسْتَقْبِلْهَا وَلاَ يَسْتَدْبِرْهَا ثُمَّ لِيَسْتَطِبْ بِثَلاَثَةِ أَحْجَارٍ أَوْ ثَلاَثَةِ أَعْوَادٍ أَوْ ثَلاَثِ حَثَيَاتٍ مِنْ تُرَابٍ، ثُمَّ لِيَقُلْ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَخْرَجَ عَنِّي مَا يُؤْذِينِي وَأَمْسَكَ عَلَيَّ مَا يَنْفَعُنِي »،
(الْحَمْدُ لِلَّهِ): يقولها المسلم حين ينتهي من طعامه وشرابه، وإذا انعم الله عليه بنعمة، أو أتمها عليه، ففي صحيح البخاري: (عَنْ أَبِي أُمَامَةَ أَنَّ النَّبِيَّ – صلى الله عليه وسلم – كَانَ إِذَا فَرَغَ مِنْ طَعَامِهِ – وَقَالَ مَرَّةً إِذَا رَفَعَ مَائِدَتَهُ – قَالَ «الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِى كَفَانَا وَأَرْوَانَا، غَيْرَ مَكْفِىٍّ، وَلاَ مَكْفُورٍ» وفي سنن ابي داود: (عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- كَانَ إِذَا فَرَغَ مِنْ طَعَامِهِ قَالَ «الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِى أَطْعَمَنَا وَسَقَانَا وَجَعَلَنَا مُسْلِمِينَ»، وفي رواية: (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- إِذَا أَكَلَ أَوْ شَرِبَ قَالَ «الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِى أَطْعَمَ وَسَقَى وَسَوَّغَهُ وَجَعَلَ لَهُ مَخْرَجًا». وفي رواية: (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « مَنْ أَكَلَ طَعَامًا ثُمَّ قَالَ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِى أَطْعَمَنِي هَذَا الطَّعَامَ وَرَزَقَنِيهِ مِنْ غَيْرِ حَوْلٍ مِنِّي وَلاَ قُوَّةٍ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ، وَمَا تَأَخَّرَ وَمَنْ لَبِسَ ثَوْبًا فَقَالَ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي كَسَانِي هَذَا الثَّوْبَ وَرَزَقَنِيهِ مِنْ غَيْرِ حَوْلٍ مِنِّي وَلاَ قُوَّةٍ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ». وفي صحيح مسلم: (حينما زار صلى الله عليه وسلم أحد الانصار: (إِذْ جَاءَ الأَنْصَارِيُّ فَنَظَرَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- وَصَاحِبَيْهِ ثُمَّ قَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ مَا أَحَدٌ الْيَوْمَ أَكْرَمَ أَضْيَافًا مِنِّي)، وفي سنن أبي داود: (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- لَمَّا أَرَادَ أَنْ يَبْعَثَ مُعَاذًا إِلَى الْيَمَنِ قَالَ «كَيْفَ تَقْضِى إِذَا عَرَضَ لَكَ قَضَاءٌ». قَالَ أَقْضِى بِكِتَابِ اللَّهِ. قَالَ «فَإِنْ لَمْ تَجِدْ فِي كِتَابِ اللَّهِ». قَالَ فَبِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-. قَالَ «فَإِنْ لَمْ تَجِدْ فِي سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- وَلاَ فِي كِتَابِ اللَّهِ ». قَالَ أَجْتَهِدُ رَأْيِي وَلاَ آلُو. فَضَرَبَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- صَدْرَهُ وَقَالَ «الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَفَّقَ رَسُولَ رَسُولِ اللَّهِ لِمَا يُرْضِي رَسُولَ اللَّهِ». في سنن ابن ماجه: (عَنْ أَنَسٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- «مَا أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَى عَبْدٍ نِعْمَةً فَقَالَ الْحَمْدُ لِلَّهِ. إِلاَّ كَانَ الَّذِي أَعْطَاهُ أَفْضَلَ مِمَّا أَخَذَ».
(الْحَمْدُ لِلَّهِ): هي شكر الطعام: ففي مسند أحمد: (عَنْ أَبِي الْوَرْدِ عَنِ ابْنِ أَعْبُدَ قَالَ قَالَ لِي عَلِىُّ بْنُ أَبِى طَالِبٍ يَا ابْنَ أَعْبُدَ هَلْ تَدْرِى مَا حْقُّ الطَّعَامِ قَالَ قُلْتُ وَمَا حَقُّهُ يَا ابْنَ أَبِى طَالِبٍ قَالَ تَقُولُ بِسْمِ اللَّهِ اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِيمَا رَزَقْتَنَا قَالَ وَتَدْرِى مَا شُكْرُهُ إِذَا فَرَغْتَ قَالَ قُلْتُ وَمَا شُكْرُهُ قَالَ تَقُولُ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِى أَطْعَمَنَا وَسَقَانَا)
(الْحَمْدُ لِلَّهِ): يقولها المسلم إذا عطس، واذا استيقظ من نومه، وإذا نجاه الله من السوء، ومن بغي الظالمين، وحين يركب الدابة، أو وسيلة المواصلات، وإذا رأى مبتلى: ففي صحيح البخاري: (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ – رضي الله عنه – عَنِ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ «إِذَا عَطَسَ أَحَدُكُمْ فَلْيَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ. وَلْيَقُلْ لَهُ أَخُوهُ أَوْ صَاحِبُهُ يَرْحَمُكَ اللَّهُ. فَإِذَا قَالَ لَهُ يَرْحَمُكَ اللَّهُ. فَلْيَقُلْ يَهْدِيكُمُ اللَّهُ وَيُصْلِحُ بَالَكُمْ»، وفي البخاري ومسلم: (عَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ كَانَ النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – إِذَا أَوَى إِلَى فِرَاشِهِ قَالَ «بِاسْمِكَ أَمُوتُ وَأَحْيَا». وَإِذَا قَامَ قَالَ «الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِى أَحْيَانَا بَعْدَ مَا أَمَاتَنَا وَإِلَيْهِ النُّشُورُ»، وفي سنن أبي داود: (عَنْ عَلِيِّ بْنِ رَبِيعَةَ قَالَ شَهِدْتُ عَلِيًّا – رضي الله عنه – وَأُتِيَ بِدَابَّةٍ لِيَرْكَبَهَا فَلَمَّا وَضَعَ رِجْلَهُ فِي الرِّكَابِ قَالَ بِسْمِ اللَّهِ فَلَمَّا اسْتَوَى عَلَى ظَهْرِهَا قَالَ الْحَمْدُ لِلَّهِ ثُمَّ قَالَ (سُبْحَانَ الَّذِى سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنْقَلِبُونَ) ثُمَّ قَالَ الْحَمْدُ لِلَّهِ. ثَلاَثَ مَرَّاتٍ). وقال الله تعالى لنبيه نوح عليه السلام: (فَإِذَا اسْتَوَيْتَ أَنْتَ وَمَنْ مَعَكَ عَلَى الْفُلْكِ فَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي نَجَّانَا مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) (28) المؤمنون، وروى الترمذي: (عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنْ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ «مَنْ رَأَى صَاحِبَ بَلاَءٍ فَقَالَ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِى عَافَانِي مِمَّا ابْتَلاَكَ بِهِ وَفَضَّلَنِي عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقَ تَفْضِيلاً إِلاَّ عُوفِيَ مِنْ ذَلِكَ الْبَلاَءِ كَائِنًا مَا كَانَ مَا عَاشَ»
أيها المسلمون
(الْحَمْدُ لِلَّهِ): أول كلمة تقولها الزوجات من الحور العين في الجنة، إذا رأت زوجها المؤمن مقبلا عليها، ففي صحيح مسلم: (قَالَ – ثُمَّ يَدْخُلُ بَيْتَهُ فَتَدْخُلُ عَلَيْهِ زَوْجَتَاهُ مِنَ الْحُورِ الْعِينِ فَتَقُولاَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَحْيَاكَ لَنَا وَأَحْيَانَا لَكَ – قَالَ – فَيَقُولُ مَا أُعْطِيَ أَحَدٌ مِثْلَ مَا أُعْطِيتُ»
(الْحَمْدُ لِلَّهِ): لقائلها عظيم الأجر، وإنه يرفع أعلى الدرجات في الجنة: ففي صحيح مسلم: (عَنْ أَنَسٍ أَنَّ رَجُلاً جَاءَ فَدَخَلَ الصَّفَّ وَقَدْ حَفَزَهُ النَّفَسُ فَقَالَ الْحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدًا كَثِيرًا طَيِّبًا مُبَارَكًا فِيهِ. فَلَمَّا قَضَى رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- صَلاَتَهُ قَالَ «أَيُّكُمُ الْمُتَكَلِّمُ بِالْكَلِمَاتِ». فَأَرَمَّ الْقَوْمُ فَقَالَ «أَيُّكُمُ الْمُتَكَلِّمُ بِهَا فَإِنَّهُ لَمْ يَقُلْ بَأْسًا». فَقَالَ رَجُلٌ جِئْتُ وَقَدْ حَفَزَنِي النَّفَسُ فَقُلْتُهَا. فَقَالَ «لَقَدْ رَأَيْتُ اثْنَىْ عَشَرَ مَلَكًا يَبْتَدِرُونَهَا أَيُّهُمْ يَرْفَعُهَا».
(الْحَمْدُ لِلَّهِ): كان يبدأ بها رسول الله صلى الله عليه وسلم خطبته: ففي صحيح مسلم: (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِىَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ أَمَّا بَعْدُ»،
(الْحَمْدُ لِلَّهِ): هي من أعظم الدعاء: ففي سنن الترمذي: (أن جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنهما يَقُولُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ «أَفْضَلُ الذِّكْرِ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ، وَأَفْضَلُ الدُّعَاءِ الْحَمْدُ لِلَّهِ». (الْحَمْدُ لِلَّهِ): يقولها المسلم فيما يحب ويكره: ففي سنن ابن ماجه (عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- إِذَا رَأَى مَا يُحِبُّ قَالَ «الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِى بِنِعْمَتِهِ تَتِمُّ الصَّالِحَاتُ». وَإِذَا رَأَى مَا يَكْرَهُ قَالَ «الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ». وفيه: (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ أُتِيَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَوْمًا بِطَعَامٍ سُخْنٍ فَأَكَلَ فَلَمَّا فَرَغَ قَالَ «الْحَمْدُ لِلَّهِ مَا دَخَلَ بَطْنِي طَعَامٌ سُخْنٌ مُنْذُ كَذَا وَكَذَا».
(الْحَمْدُ لِلَّهِ): يقولها المسلم عند النصر على الاعداء، في مسند أحمد: (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ قَتَلَ أَبَا جَهْلٍ. فَقَالَ «الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِى نَصَرَ عَبْدَهُ وَأَعَزَّ دِينَهُ»، وفيه: (أن رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ وَهُوَ عَلَى دَرَجِ الْكَعْبَةِ «الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِى أَنْجَزَ وَعْدَهُ وَنَصَرَ عَبْدَهُ وَهَزَمَ الأَحْزَابَ وَحْدَهُ)،
(الْحَمْدُ لِلَّهِ): تملأ ميزان قائلها: ففي صحيح مسلم: (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « الطُّهُورُ شَطْرُ الإِيمَانِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ تَمْلأُ الْمِيزَانَ. وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ تَمْلآنِ – أَوْ تَمْلأُ – مَا بَيْنَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ)، (الْحَمْدُ لِلَّهِ): بشر قائلها ببيت الحمد في الجنة : روى الترمذي عن أبي موسى رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: (إِذَا مَاتَ وَلَدُ الْعَبْدِ قَالَ اللَّهُ لِمَلائِكَتِهِ: قَبَضْتُمْ وَلَدَ عَبْدِي؟ فَيَقُولُونَ: نَعَمْ فَيَقُولُ: قَبَضْتُمْ ثَمَرَةَ فُؤَادِه؟ فَيَقُولُونَ: نَعَمْ فَيَقُولُ: مَاذَا قَالَ عَبْدِي؟ فَيَقُولُونَ: حَمِدَكَ وَاسْتَرْجَعَ. فَيَقُولُ اللَّهُ: ابْنُوا لِعَبْدِي بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَسَمُّوهُ بَيْتَ الْحَمْدِ”، وروى أحمد عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إِنَّ عَبْدِي الْمُؤْمِنَ عِنْدِي بِمَنْزِلَةِ كُلِّ خَيْر، يَحْمَدُنِي وَأَنَا أَنْزِعُ نَفسَه مِن بَينِ جَنبَيهِ)،
(الْحَمْدُ لِلَّهِ): عند زوال الظالمين، قال تعالى: (فَإِذَا اسْتَوَيْتَ أَنتَ وَمَن مَّعَكَ عَلَى الْفُلْكِ فَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي نَجَّانَا مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) (المؤمنون:28). وقال تعالى: (فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُواْ وَالْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) (الأنعام:45).
أيها المسلمون
وهكذا يظلّ العبد حامداً لله، ديمةً، في خلواته وفي جلواته، وبعد إطفاء نار عطشه، وبعد سدّ جوعة بطنه، وفي حال سقمه أو بعد ما يأذن الله له بشفائه، وعندما يواري عورته باللباس والزينة، أو يأوي إلى بيته وفراشه، فهو حامد في كل شؤونه وتصريفاته، إلى وقت نزع روحه من بين جنبيه، ثم هو حامدٌ لله في الجنة، ففي صحيح مسلم: (عَنْ جَابِرٍ قَالَ سَمِعْتُ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ «إِنَّ أَهْلَ الْجَنَّةِ يَأْكُلُونَ فِيهَا وَيَشْرَبُونَ وَلاَ يَتْفُلُونَ وَلاَ يَبُولُونَ وَلاَ يَتَغَوَّطُونَ وَلاَ يَمْتَخِطُونَ». قَالُوا فَمَا بَالُ الطَّعَامِ قَالَ «جُشَاءٌ وَرَشْحٌ كَرَشْحِ الْمِسْكِ يُلْهَمُونَ التَّسْبِيحَ وَالتَّحْمِيدَ كَمَا يُلْهَمُونَ النَّفَسَ»، فأقصى ما يشغل أهل الجنة: تسبيح الله أولاً وحمده آخراً، ويتخللهما تحيات السلام، قال تعالى: (دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلامٌ وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) (يونس:10).
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)
الحمد لله رب العالمين. اللهم لك الحمد حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه، حمدا يوافي النعم ويكافئ المزيد. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد أيها المسلمون
(الحمد لله) ذكر عظيم، يحبه الله، وهو أحق ما قاله العبد من الكلام، فعلى التوحيد والحمد يدور الدين كله، قال سبحانه: (هُوَ الْحَيُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) (65) غافر، وقال شيخ الإسلام رحمه الله: “والحمد إنما يتم بالتوحيد، وهو مناط للتوحيد ومقدمة له، ولهذا يفتتح به الكلام، ويثني بالتشهد”. وكان النبي صلى الله عليه وسلم ينوع صيغ الحمد في أول صلاة الليل والنهار، وفي صحيح مسلم: (عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ بَيْنَمَا نَحْنُ نُصَلِّي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- إِذْ قَالَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ اللَّهُ أَكْبَرُ كَبِيرًا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ كَثِيرًا وَسُبْحَانَ اللَّهِ بُكْرَةً وَأَصِيلاً. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- «مَنِ الْقَائِلُ كَلِمَةَ كَذَا وَكَذَا». قَالَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ «عَجِبْتُ لَهَا فُتِحَتْ لَهَا أَبْوَابُ السَّمَاءِ»، والفاتحة سورة الحمد لا تصح صلاة إلا بها، وإذا رفع العبد من الركوع قال: «سمع الله لمن حمده»، فإجابة الله لعبده معلقة على حمده لله، مما يجعل الحمد روح الصلاة وعمادها، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يكثر من حمده لربه في هذا الركن، وينوع صيغه، ويصف حمده بالكثرة والطيب والبركة، ومجالس الذكر التي فيها حمد الله تحضرها الملائكة، ففي الصحيحين: (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – «إِنَّ لِلَّهِ مَلاَئِكَةً يَطُوفُونَ فِي الطُّرُقِ، يَلْتَمِسُونَ أَهْلَ الذِّكْرِ، فَإِذَا وَجَدُوا قَوْمًا يَذْكُرُونَ اللَّهَ تَنَادَوْا هَلُمُّوا إِلَى حَاجَتِكُمْ. قَالَ فَيَحُفُّونَهُمْ بِأَجْنِحَتِهِمْ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا. قَالَ فَيَسْأَلُهُمْ رَبُّهُمْ وَهْوَ أَعْلَمُ مِنْهُمْ مَا يَقُولُ عِبَادِي قَالُوا يَقُولُونَ يُسَبِّحُونَكَ، وَيُكَبِّرُونَكَ، وَيَحْمَدُونَكَ وَيُمَجِّدُونَكَ. قَالَ فَيَقُولُ هَلْ رَأَوْنِي قَالَ فَيَقُولُونَ لاَ وَاللَّهِ مَا رَأَوْكَ. قَالَ فَيَقُولُ وَكَيْفَ لَوْ رَأَوْنِي قَالَ يَقُولُونَ لَوْ رَأَوْكَ كَانُوا أَشَدَّ لَكَ عِبَادَةً، وَأَشَدَّ لَكَ تَمْجِيدًا، وَأَكْثَرَ لَكَ تَسْبِيحًا. قَالَ يَقُولُ فَمَا يَسْأَلُونِي قَالَ يَسْأَلُونَكَ الْجَنَّةَ. قَالَ يَقُولُ وَهَلْ رَأَوْهَا قَالَ يَقُولُونَ لاَ وَاللَّهِ يَا رَبِّ مَا رَأَوْهَا. قَالَ يَقُولُ فَكَيْفَ لَوْ أَنَّهُمْ رَأَوْهَا قَالَ يَقُولُونَ لَوْ أَنَّهُمْ رَأَوْهَا كَانُوا أَشَدَّ عَلَيْهَا حِرْصًا، وَأَشَدَّ لَهَا طَلَبًا، وَأَعْظَمَ فِيهَا رَغْبَةً. قَالَ فَمِمَّ يَتَعَوَّذُونَ قَالَ يَقُولُونَ مِنَ النَّارِ. قَالَ يَقُولُ وَهَلْ رَأَوْهَا قَالَ يَقُولُونَ لاَ وَاللَّهِ مَا رَأَوْهَا. قَالَ يَقُولُ فَكَيْفَ لَوْ رَأَوْهَا قَالَ يَقُولُونَ لَوْ رَأَوْهَا كَانُوا أَشَدَّ مِنْهَا فِرَارًا، وَأَشَدَّ لَهَا مَخَافَةً. قَالَ فَيَقُولُ فَأُشْهِدُكُمْ أَنِّى قَدْ غَفَرْتُ لَهُمْ. قَالَ يَقُولُ مَلَكٌ مِنَ الْمَلاَئِكَةِ فِيهِمْ فُلاَنٌ لَيْسَ مِنْهُمْ إِنَّمَا جَاءَ لِحَاجَةٍ. قَالَ هُمُ الْجُلَسَاءُ لاَ يَشْقَى بِهِمْ جَلِيسُهُمْ»، واستفتاح الدعاء بالحمد حريٌّ بالإجابة، ففي سنن الترمذي قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ فَلْيَبْدَأْ بِتَحْمِيدِ اللَّهِ وَالثَّنَاءِ عَلَيْهِ ثُمَّ لِيُصَلِّ عَلَى النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- ثُمَّ لِيَدْعُ بَعْدُ بِمَا شَاءَ»، ومن لازم الحمد سبق غيره، ففي صحيح مسلم: (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- «مَنْ قَالَ حِينَ يُصْبِحُ وَحِينَ يُمْسِى سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ مِائَةَ مَرَّةٍ. لَمْ يَأْتِ أَحَدٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِأَفْضَلَ مِمَّا جَاءَ بِهِ إِلاَّ أَحَدٌ قَالَ مِثْلَ مَا قَالَ أَوْ زَادَ عَلَيْهِ». والحمد مع التهليل يعدل عتق رقاب، ويوجب حط الخطايا والسيئات، ففي سنن الترمذي: (عَنْ جَابِرٍ عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ «مَنْ قَالَ سُبْحَانَ اللَّهِ الْعَظِيمِ وَبِحَمْدِهِ. غُرِسَتْ لَهُ نَخْلَةٌ فِي الْجَنَّةِ». وهناك صيغة من الحمد ثوابها كظيم ومضاعف، ففي صحيح مسلم: (عَنْ جُوَيْرِيَةَ أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- خَرَجَ مِنْ عِنْدِهَا بُكْرَةً حِينَ صَلَّى الصُّبْحَ وَهِيَ فِي مَسْجِدِهَا ثُمَّ رَجَعَ بَعْدَ أَنْ أَضْحَى وَهِيَ جَالِسَةٌ فَقَالَ «مَا زِلْتِ عَلَى الْحَالِ الَّتِي فَارَقْتُكِ عَلَيْهَا». قَالَتْ نَعَمْ. قَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- «لَقَدْ قُلْتُ بَعْدَكِ أَرْبَعَ كَلِمَاتٍ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ لَوْ وُزِنَتْ بِمَا قُلْتِ مُنْذُ الْيَوْمِ لَوَزَنَتْهُنَّ سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ عَدَدَ خَلْقِهِ وَرِضَا نَفْسِهِ وَزِنَةَ عَرْشِهِ وَمِدَادَ كَلِمَاتِهِ». والحمد والتسبيح خفيف على اللسان، وثقيل في الميزان، ففي الصحيحين: (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – «كَلِمَتَانِ خَفِيفَتَانِ عَلَى اللِّسَانِ، ثَقِيلَتَانِ فِي الْمِيزَانِ، حَبِيبَتَانِ إِلَى الرَّحْمَنِ سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ، سُبْحَانَ اللَّهِ الْعَظِيمِ»، وبعد أن أكمل الله الدين على يد النبي صلى الله عليه وسلم، وأتم عليه النعمة، ودنا أجله قال الله له: (فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا) (3) النصر، ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم هو أكثر الخلق حمداً لله، ويوم القيامة يبعثه الله مقاما محموداً، يحمده عليه الخلائق كلهم، ويأتي وبيده لواء الحمد، ويقف تحته الخلق كلهم، ففي سنن الترمذي: (عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- «أَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلاَ فَخْرَ وَبِيَدِي لِوَاءُ الْحَمْدِ وَلاَ فَخْرَ وَمَا مِنْ نَبِيٍّ يَوْمَئِذٍ آدَمُ فَمَنْ سِوَاهُ إِلاَّ تَحْتَ لِوَائِي)، والحمد قرين التسبيح وتابع له، فالتسبيح تنزيه الله عن النقائص، والحمد إثبات الكمال والجمال له على الإجمال والتفصيل، وكل منهما مستلزم للآخر، وإذا ذكر أحدهما مفرداً شمل معنى الآخر وتضمَّنه، وذكر العبد ربه أمارة صدق محبته لمولاه، ومن عرف به بحمده وذِكرِه في الرخاء عرفهُ في الشدة، ومن ذكرهُ كثيراً كان من المفلحين.
الدعاء