خطبة حول ( أسباب لين القلب ورقته)
فبراير 6, 2016خطبة حول ( أعراض قسوة القلب وأسبابها)
فبراير 6, 2016الخطبة الأولى (الأمور التي تزيل قسوة القلب)
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
قال الله تعالى : ( فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (43) الانعام ،
إخوة الإسلام
ونواصل الحديث عن قسوة القلب : فبعد أن وقفنا على مظاهر هذا الداء وأسبابه ، وفحصنا المرض ، نقف على سُبل علاجه ، والأسباب التي تجعله رقيقاً منكسراً خاشعاً لخالقه عز وجل ، يُقبل على الله بعد أن كان معرضا عنه ، ويقف عند حدوده بعد أن كان مجترئاً عليها . فإن نعمة رقة القلب من أجل النعم وأعظمها ، وما من قلب يُحرم هذه النعمة إلا كان صاحبه موعوداً بعذاب الله فقد قال سبحانه : ﴿ فَوَيْلٌ لِّلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُم مِّن ذِكْرِ اللَّهِ ﴾ الزمر 22 ، وما رق قلب لله وانكسر إلا كان صاحبه سابقاً إلى الخيرات ، مشمراً إلى الطاعات ، أحرص ما يكون على طاعة الله ومحبته. ومن الأمور التي تزيل القسوة عن القلب ، وتجعل القلب قلبا لينا رقيقا : 1- تعلم العلم الشرعي من القرآن والسنة الذي يعين على المعرفة بالله تعالى وتوحيده: فمن عرف ربه حق المعرفة رق قلبه ، ومن جهل حق ربه قسا قلبه ، ولا يكون القلب قاسياً إلا إذا كان صاحبه من أجهل العباد بالله عز وجل وبحقه في التوحيد وإخلاص العبادة له عز وجل ، وكلما عظم الجهل بالله وبحقوقه كان العبد أكثر جرأة على حدوده ومحارمه ، وكلما وجدت الشخص يديم التفكير في ملكوت الله ، ويتذكر نعم الله عليه التي لا تعد ولا تحصى ، وجدت في قلبه رقة . 2- ومن أسباب لين القلب ورقته : تذكر الموت وما بعده : من سؤال القبر وظلمته ووحشته وضيقه ، وأهوال الموت وسكراته ، ومشاهدة أحوال المحتضرين وحضور الجنائز ، فإن هذا مما يوقظ النفس من نومها ، ويوقفها من رقادها ، وينبهها من غفلتها ، فتعود إلى ربها وترق ، ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يوصي أصحابه بذكر الموت فيقول كما في سنن الترمذي :(عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- :« أَكْثِرُوا ذِكْرَ هَاذِمِ اللَّذَّاتِ ». يَعْنِى الْمَوْتَ. ويقول سعيد بن جبير رحمه الله : لو فارق ذكر الموت قلبي لخشيت أن يفسد علي قلبي . 3- ومن أسباب لين القلب ورقته: زيارة القبور والتفكر في حال أهلها : وكيف صارت أجسادهم تحت التراب وكيف كانوا يأكلون ويتمتعون ويلبسون ما لذ وطاب فأصبحوا تحت التراب في قبورهم ، وتركوا ما ملكوا من أموال وبنين ، ويتذكر أنه قريباً سيكون بينهم ، وأن مآله هو مآلهم ، ومصيره هو مصيرهم ، فزيارة القبور عظة وعبرة ، وتذكير وتنبيه لأهل الغفلة ، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم كما في مسند أحمد : (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- بَعْدَ ذَلِكَ :« أَلاَ إِنِّي قَدْ كُنْتُ نَهَيْتُكُمْ عَنْ ثَلاَثٍ ثُمَّ بَدَا لِي فِيهِنَّ نَهَيْتُكُمْ عَنْ زِيَارَةِ الْقُبُورِ ثُمَّ بَدَا لِي أَنَّهَا تُرِقُّ الْقَلْبَ وَتُدْمِعُ الْعَيْنَ وَتُذَكِّرُ الآخِرَةَ فَزُورُوهَا ولاَ تَقُولُوا هُجْراً ) ، ومن نظر إلى القبور وإلى أحوال أهلها انكسر قلبه ورق ، وذهب ما به من القسوة ، وأقبل على ربه إقبال صدق وإخبات . 4- ومن أسباب لين القلب ورقته: النظر في آيات القرآن الكريم : والتفكر في وعده ووعيده وأمر ونهيه ، فما قرأ عبد القرآن وكان عند قراءته حاضر القلب مفكراً متدبرا إلا وجدت عينه تدمع ، وقلبه يخشع ، ونفسه تتوهج إيماناً من أعماقها ، وما تلا عبد القرآن حق تلاوته أو استمع إلى آياته إلا وجدته رقيقاً قد خفق قلبه واقشعر جلده من خشية الله ، قال تعالى : ﴿اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُّتَشَابِهًا مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاء وَمَن يُضْلِلْ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ﴾ الزمر 23. وقال تعالى: ﴿أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا ﴾ محمد 24، 5- ومن أسباب لين القلب ورقته : تذكر الآخرة والتفكر في القيامة وأهوالها : والجنة وما أعد الله فيها للطائعين من النعيم المقيم ، والنار وما أعد الله فيها للعاصين من العذاب المقيم ، فإن ذلك يذهب الغفلة عن القلوب ، ويحرك الهمم الساكنة والعزائم الفاترة ، فتقبل على ربها إقبال المنيب الصادق ، وعندها يرق القلب .
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( قسوة القلب :صورها وأسبابها وعلاجها ) 3
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
ومن أسباب لين القلب ورقته : 6- الإكثار من ذكر الله والاستغفار : فإن للقلب قسوة لا يذيبها إلى ذكر الله تعالى، فينبغي للعبد أن يداوي قسوة قلبه بذكر الله تعالى، وقد قال رجل للحسن: يا أبا سعيد أشكو إليك قسوة قلبي . قال : أذِبه بالذكر . وهذا لأن القلب كلما اشتدت به الغفلة اشتدت به القسوة ، فإذا ذكر الله تعالى ذابت تلك القسوة كما يذوب الرصاص في النار، فما أذيبت قسوة القلب بمثل ذكر الله تعالى . يقول ابن القيم رحمه الله : (( صدأ القلب بأمرين : بالغفلة والذنب ، وجلاؤه بشيئين بالاستغفار والذكر …)). وقال تعالى: .﴿الَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللّهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ﴾ الرعد 28، 7- ومن أسباب لين القلب ورقته: زيارة العلماء الربانيين الصالحين وصحبتهم ومخالطتهم والقرب منهم : فهم يأخذون بيدك إن ضعفت ، ويذكرونك إذا نسيت ، ويرشدونك إذا جهلت ، إن افتقرت أغنوك ، وإن دعوا الله لم ينسوك ، قال تعالى ﴿وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا ﴾ الكهف 28، 8- ومن أسباب لين القلب ورقته : محاسبة النفس: فإن الإنسان إذا لم يحاسب نفسه ويعاتبها وينظر في عيوبها ، ويتهمها بالتقصير لا يمكن أن يدرك حقيقة مرضها ، وإذا لم يعرف حقيقة المرض فكيف يتمكن من العلاج ؟! لهذا لا بد من تذكير النفس بضعفها وافتقارها إلى خالقها ، وإيقاظها من غفلتها ، وتعريفها بنعم الله عليها ، ومراقبتها ومحاسبتها على كل صغيرة وكبيرة حتى يسهل عليه قيادها والتحكم فيها.
ونستكمل الحديث عن قسوة القلب في لقاء قادم إن شاء الله
الدعاء