خطبة عن حديث ( مَا مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلاَّ سَيُكَلِّمُهُ رَبُّهُ ، لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ تَرْجُمَانٌ )
يونيو 26, 2021خطبة عن النفخ في الصور ، وحديث ( كَيْفَ أَنْعَمُ وَصَاحِبُ الْقَرْنِ قَدِ الْتَقَمَ الْقَرْنَ ؟؟ )
يوليو 24, 2021الخطبة الأولى ( خلق التضحية ) 2
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
ونستكمل حديثنا عن التضحية وصورها في حياتنا ، يقول الله تعالى في محكم آياته :(الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ) (274) البقرة، فمن صور التضحية في حياتنا ، التضحية بالمال ، فهذا هو أبو بكر الصديق رضي الله عنه ،قيل أنه ضحى بماله كله ثلاث مرات في سبيل دعوة الاسلام و تجهيز جيش المسلمين و تحرير الرقيق ، ففي سنن الترمذي (أن عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ يَقُولُ أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- أَنْ نَتَصَدَّقَ فَوَافَقَ ذَلِكَ عِنْدِى مَالاً فَقُلْتُ الْيَوْمَ أَسْبِقُ أَبَا بَكْرٍ إِنْ سَبَقْتُهُ يَوْمًا قَالَ فَجِئْتُ بِنِصْفِ مَالِى فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « مَا أَبْقَيْتَ لأَهْلِكَ ». قُلْتُ مِثْلَهُ وَأَتَى أَبُو بَكْرٍ بِكُلِّ مَا عِنْدَهُ فَقَالَ « يَا أَبَا بَكْرٍ مَا أَبْقَيْتَ لأَهْلِكَ ». قَالَ أَبْقَيْتُ لَهُمُ اللَّهَ وَرَسُولَهُ قُلْتُ وَاللَّهِ لاَ أَسْبِقُهُ إِلَى شَىْءٍ أَبَدًا ) وتظهر التضحية بالمال في صحابي آخر فهذا عثمان بن عفان (رضي الله عنه ) يضحى بماله ، ويجهز ثلث جيش المسلمين في غزوة تبوك . ففي سنن الترمذي (جَاءَ عُثْمَانُ إِلَى النَّبِىِّ -صلى الله عليه وسلم- بِأَلْفِ دِينَارٍ.. فِى كُمِّهِ ،حِينَ جَهَّزَ جَيْشَ الْعُسْرَةِ فَنَثَرَهَا فِى حِجْرِهِ. فَرَأَيْتُ النَّبِىَّ -صلى الله عليه وسلم- يُقَلِّبُهَا فِى حِجْرِهِ وَيَقُولُ « مَا ضَرَّ عُثْمَانَ مَا عَمِلَ بَعْدَ الْيَوْمِ ». مَرَّتَيْنِ. وفي رواية للترمذي (عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ خَبَّابٍ قَالَ شَهِدْتُ النَّبِىَّ -صلى الله عليه وسلم- وَهُوَ يَحُثُّ عَلَى جَيْشِ الْعُسْرَةِ فَقَامَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ عَلَىَّ مِائَةُ بَعِيرٍ بِأَحْلاَسِهَا وَأَقْتَابِهَا فِى سَبِيلِ اللَّهِ. ثُمَّ حَضَّ عَلَى الْجَيْشِ فَقَامَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ عَلَىَّ مِائَتَا بَعِيرٍ بِأَحْلاَسِهَا وَأَقْتَابِهَا فِى سَبِيلِ اللَّهِ. ثُمَّ حَضَّ عَلَى الْجَيْشِ فَقَامَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ لِلَّهِ عَلَىَّ ثَلاَثُمِائَةِ بَعِيرٍ بِأَحْلاَسِهَا وَأَقْتَابِهَا فِى سَبِيلِ اللَّهِ. فَأَنَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَنْزِلُ عَنِ الْمِنْبَرِ وَهُوَ يَقُولُ « مَا عَلَى عُثْمَانَ مَا عَمِلَ بَعْدَ هَذِهِ مَا عَلَى عُثْمَانَ مَا عَمِلَ بَعْدَ هَذِهِ ». وهذا أبو طلحة الأنصاري يضحي بأفضل ما يملك من ماله، إنه بستانه المحبب إلي قلبه ، فماؤه عذب ، وثماره متعددة، ففي الصحيحين أن(أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ – رضى الله عنه – يَقُولُ كَانَ أَبُو طَلْحَةَ أَكْثَرَ الأَنْصَارِ بِالْمَدِينَةِ مَالاً ، وَكَانَ أَحَبَّ أَمْوَالِهِ إِلَيْهِ بِيْرُ حَاءَ وَكَانَتْ مُسْتَقْبِلَةَ الْمَسْجِدَ ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – يَدْخُلُهَا وَيَشْرَبُ مِنْ مَاءٍ فِيهَا طَيِّبٍ فَلَمَّا نَزَلَتْ ( لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ ) قَامَ أَبُو طَلْحَةَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ فِى كِتَابِهِ ( لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ ) وَإِنَّ أَحَبَّ أَمْوَالِى إِلَىَّ بِيْرُ حَاءَ ، وَإِنَّهَا صَدَقَةٌ لِلَّهِ أَرْجُو بِرَّهَا وَذُخْرَهَا عِنْدَ اللَّهِ فَضَعْهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ حَيْثُ شِئْتَ ، فَقَالَ « بَخٍ ، ذَلِكَ مَالٌ رَائِحٌ ، ذَلِكَ مَالٌ رَائِحٌ . قَدْ سَمِعْتُ مَا قُلْتَ فِيهَا ، وَأَرَى أَنْ تَجْعَلَهَا فِى الأَقْرَبِينَ » . قَالَ أَفْعَلُ يَا رَسُولَ اللَّهِ . فَقَسَمَهَا أَبُو طَلْحَةَ فِى أَقَارِبِهِ وَبَنِى عَمِّهِ .
أيها المسلمون
ومن غرائب صور التضحية هذه القصة التي ذكرها بعض المؤرخين ، كابن الجوزي رحمه الله في كتابه “صفوة الصفوة”، قال : ” بلغنا عن أبي قدامة الشامي قال : كنت أميراً على الجيش في بعض الغزوات ، فدخلت بعض البلدان فدعوت الناس إلى الغزو ورغبتهم في الثواب ، وذكرت فضل الشهادة وما لأهلها ، ثم تفرق الناس وركبت فرسي وسرت إلى منزلي ، فإذا أنا بامرأة من أحسن الناس تنادي: يا أبا قدامة ، فقلت: هذه مكيدة من الشيطان ، فمضيت ولم أجب ، ما هكذا كان الصالحون ، فوقفت ، فجاءت ودفعت إلي رقعة وخرقة مشدودة وانصرفت باكية ، فنظرت إلى الرقعة فإذا فيها مكتوب: إنك دعوتنا إلى الجهاد ورغبتنا في الثواب ، ولا قدرة لي على ذلك ، فقطعت أحسن ما فيّ، وهما ضفيرتاي ، وأنفذتهما إليك لتجعلهما قيد فرسك ، لعل الله يرى شعري قيد فرسك في سبيله فيغفر لي .فلما كانت صبيحة القتال فإذا بغلام بين يدي الصفوف يقاتل فتقدمت إليه وقلت: يا فتى أنت غلام غر راجل ، ولا آمن أن تجول الخيل فتطأك بأرجلها ، فارجع عن موضعك هذا .فقال: أتأمرني بالرجوع ؟ وقد قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفاً فَلا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبَارَ * وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفاً لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ) الأنفال/15-16 .فحملته على هجين كان معي فقال: يا أبا قدامة أقرضني ثلاثة أسهم فقلت: أهذا وقت قرض؟ فما زال يلح علي حتى قلت بشرط : إن منّ الله بالشهادة أكون في شفاعتك ، قال: نعم ، فأعطيته ثلاثة أسهم فوضع سهماً في قوسه وقال: السلام عليك يا أبا قدامة ، ورمى به فقتل رومياً. ثم رمى بالآخر وقال: السلام عليك يا أبا قدامة فقتل رومياً ، ثم رمى بالآخر وقال: السلام عليك سلام مودع .فجاءه سهم فوقع بين عينيه فوضع رأسه على قربوس سرجه ، فتقدمت إليه وقلت: لا تنسها. فقال: نعم ، ولكن لي إليك حاجة: إذا دخلت المدينة فأت والدتي وسلم خرجي إليها وأخبرها، فهي التي أعطتك شعرها لتقيد به فرسك ، وسلم عليها فإنها العام الأول أصيبت بوالدي ، وفي هذا العام بي ، ثم مات ”
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية (خلق التضحية ) 2
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
وصور التضحية في حياتنا أكثر من أن تعد :ففي الصلوات الخمس تضحية بكل ما يشغلنا عن الصلاة من كسب مادي أو طعام أو لهو أو غير ذلك. وفي الصيام تضحية بمتعة الطعام والشراب والشهوة. وفي الزكاة تضحية بالمال الذي تميل إليه النفس. وفي الحج تضحية بمفارقة الوطن والأهل، وبتحمل مشاق السفر، وبالإنفاق لأداء المناسك. لذلك فنحن مدعوّون إلى التضحية وبذل النفس والنفيس، والغالي قبل الرخيص من أجل إعلاء كلمة الله، والتمكين لدينه في الأرض، وأداء الأمانة التي كلفنا الله بها، مثلما كان حال السابقين، والسلف الصالح، ولن يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها. ألا فليضح كل منكم بما في استطاعته ، وبما يقدر عيله ويملكه ، من ماله ،أو وقته ،أو علمه ،أو صحته ، أو غير ذلك وليحتسب عند الله تضحيته ، ليعتق الله بها رقبته من النار يوم نلقى الله العزيز الغفار
الدعاء