خطبة عن حديث (الْمُؤْمِنُ الْقَوِىُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ)
فبراير 17, 2018خطبة عن حديث (بَشِّرِ الْمَشَّائِينَ فِي الظُّلَمِ إِلَى الْمَسَاجِدِ بِالنُّورِ التَّامِّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ)
فبراير 17, 2018الخطبة الأولى ( الجمع بين الصلوات بغير عذر )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته : (فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلَاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِكُمْ فَإِذَا اطْمَأْنَنْتُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا) (103) النساء ، وقال الله تعالى :(فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ (4) الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ) (4) ،(5) الماعون ، وروى الإمام أحمد في مسنده :(عَنْ أُمِّ أَيْمَنَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « لاَ تَتْرُكِ الصَّلاَةَ مُتَعَمِّداً فَإِنَّهُ مَنْ تَرَكَ الصَّلاَةَ مُتَعَمِّداً فَقَدْ بَرِئَتْ مِنْهُ ذِمَّةُ اللَّهِ وَرَسُولِهِ » حسن لغيره ( الألباني ) ، وروى النسائي في سننه وصححه الألباني :(عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ : مَا رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَمَعَ بَيْنَ صَلَاتَيْنِ إِلَّا بِجَمْعٍ وَصَلَّى الصُّبْحَ يَوْمَئِذٍ قَبْلَ وَقْتِهَا )
إخوة الإسلام
مما لا شك فيه أن الصلاة لها مكانتها العظيمة في الإسلام؛ فهي الركن الثاني بعد الشهادتين ،وعليها تنبني ديانة المرء، فمن حفظها فقد حفظ دينه، ومن أضاعها فهو لما سواها أضيع، وبها أيضا يعرف المطيع من العاصي، ويفرق بين الكافر والمسلم، ففي سنن الترمذي بسند صحيح : (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ ،قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « الْعَهْدُ الَّذِى بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمُ الصَّلاَةُ فَمَنْ تَرَكَهَا فَقَدْ كَفَرَ » ، فلأجل ذلك تتعين المحافظة عليها، قال الله تعالى: {إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا} [النساء:103]: أي فريضة مرتبطة بأوقات محددة لا بد من التزامها. وعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ – رضى الله عنه – أَنَّ رَجُلاً سَأَلَ النَّبِيَّ – صلى الله عليه وسلم – أَيُّ الأَعْمَالِ أَفْضَلُ قَالَ « الصَّلاَةُ لِوَقْتِهَا ، وَبِرُّ الْوَالِدَيْنِ ، ثُمَّ الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ » متفق عليه ،فيجب على المسلم أن يحافظ على الصلاة في أوقاتها، ومن أخّر الصلاة عن وقتها من غير عذر فقد أثم إثماً عظيماً، وتعرض للوعيد الذي توعد الله به الذين يؤخرون الصلاة عن وقتها حيث يقول سبحانه وتعالى: {فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا} [مريم:59]. يقول ابن عباس رضي الله عنه: ليس معنى أضاعوا الصلاة تركوها بالكلية.. ولكن كانوا يجمعونها فيؤخرون صلاة الظهر إلى صلاة العصر ويؤخرون صلاة المغرب إلى صلاة العشاء.. والغي: واد في جهنم تستعيذ منه النار لشدة حره ، وقال تعالى: {فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ} [الماعون:4-5]
أيها المسلمون
ومن المؤسف أنه قد تهاون الكثير من المسلمين في هذا الزمان في إقامة الصلاة وأدائها في أوقاتها ، فنرى الكثير منهم يؤخرونها عن أوقاتها ، ويجمعون بين الصلوات بغير عذر شرعي ، فالجمع إنما يباح للعذر الشرعي : (كالمرض والسفر وكذلك بين العشائين في المطر والوحل)، هذه هي الأعذار التي تبيح الجمع بين الصلاتين، أما أن يجمع المسلم الصلاة من غير عذر فهذا لا يجوز ، والعلماء عدوا ذلك من كبائر الذنوب، ففي المصنف لابن أبي شيبة عن أبي بن عبد الله قال: جاءنا كتاب عمر بن عبد العزيز (لا تجمعوا بين الصلاتين إلا من عذر). وفيه أيضاً عن أبي موسى قال: الجمع بين الصلاتين من غير عذر من الكبائر. والعمل على هذا عند أهل العلم أن لا يجمع بين الصلاتين إلا في السفر أو بعرفة، ورخص بعض أهل العلم من التابعين في الجمع بين الصلاتين للمريض وبه يقول أحمد وإسحاق ،وقد دلت الأحاديث الصحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من قوله وفعله أن الواجب أن تصلي الصلوات الخمس في أوقاتها الخمسة ، وأنه لا يجوز أن يجمع بين الظهر والعصر ولا بين المغرب والعشاء إلا لعذر كالمرض والسفر والمطر ونحوها مما يشق معه المجيء إلى المساجد لكل صلاة في وقتها من الصلوات الأربع المذكورة ، وقد وقت الصلاة للنبي صلى الله عليه وسلم في أوقاتها الخمسة جبرائيل عليه السلام ،كما اتفق العلماء على أن للصلوات الخمس خمسة أوقات وليس ثلاثة وذلك لأن جبريل عليه الصلاة والسلام جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فعلمه أوقات الصلوات ابتداء وانتهاء، وقد خرج تلك الأحاديث الأئمة الأعلام المتفق على جلالتهم وعلو شأنهم في العلم ومنهم البخاري ومسلم في صحيحيهما اللذين تلقتهما الأمة بالقبول والإذعان، ومن تلك الأحاديث ما رواه مسلم (عَنْ أَبِى ذَرٍّ قَالَ ، قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ « كَيْفَ أَنْتَ إِذَا كَانَتْ عَلَيْكَ أُمَرَاءُ يُؤَخِّرُونَ الصَّلاَةَ عَنْ وَقْتِهَا أَوْ يُمِيتُونَ الصَّلاَةَ عَنْ وَقْتِهَا ». قَالَ قُلْتُ فَمَا تَأْمُرُنِي قَالَ « صَلِّ الصَّلاَةَ لِوَقْتِهَا فَإِنْ أَدْرَكْتَهَا مَعَهُمْ فَصَلِّ فَإِنَّهَا لَكَ نَافِلَةٌ ».وفيه أيضا 🙁 أن عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ..(قَالَ إِنَّهُ سَتَكُونُ عَلَيْكُمْ أُمَرَاءُ يُؤَخِّرُونَ الصَّلاَةَ عَنْ مِيقَاتِهَا وَيَخْنُقُونَهَا إِلَى شَرَقِ الْمَوْتَى فَإِذَا رَأَيْتُمُوهُمْ قَدْ فَعَلُوا ذَلِكَ فَصَلُّوا الصَّلاَةَ لِمِيقَاتِهَا وَاجْعَلُوا صَلاَتَكُمْ مَعَهُمْ سُبْحَةً )فهذا يدل على أن لكل صلاة وقتاً محدداً لا يجوز تأخيرها عنه. ومنها : ما رواه مسلم عن أبي قتادة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: « أَمَا لَكُمْ فِيَّ أُسْوَةٌ ». ثُمَّ قَالَ « أَمَا إِنَّهُ لَيْسَ فِي النَّوْمِ تَفْرِيطٌ إِنَّمَا التَّفْرِيطُ عَلَى مَنْ لَمْ يُصَلِّ الصَّلاَةَ حَتَّى يَجِيءَ وَقْتُ الصَّلاَةِ الأُخْرَى فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَلْيُصَلِّهَا حِينَ يَنْتَبِهُ لَهَا فَإِذَا كَانَ الْغَدُ فَلْيُصَلِّهَا عِنْدَ وَقْتِهَا ».
وقد فصل رسول الله صلى الله عليه وسلم أوقات الصلوات التي أجملت في القرآن، فصلها قولا وعملا ،ونقل ذلك عنه بالتواتر الذي لا يبقى بعده شك، ففي صحيح مسلم عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنِ النَّبِىِّ -صلى الله عليه وسلم- أَنَّ رَجُلاً سَأَلَهُ عَنْ وَقْتِ الصَّلاَةِ فَقَالَ لَهُ « صَلِّ مَعَنَا هَذَيْنِ ». يَعْنِى الْيَوْمَيْنِ فَلَمَّا زَالَتِ الشَّمْسُ أَمَرَ بِلاَلاً فَأَذَّنَ ثُمَّ أَمَرَهُ فَأَقَامَ الظُّهْرَ ثُمَّ أَمَرَهُ فَأَقَامَ الْعَصْرَ وَالشَّمْسُ مُرْتَفِعَةٌ بَيْضَاءُ نَقِيَّةٌ ثُمَّ أَمَرَهُ فَأَقَامَ الْمَغْرِبَ حِينَ غَابَتِ الشَّمْسُ ثُمَّ أَمَرَهُ فَأَقَامَ الْعِشَاءَ حِينَ غَابَ الشَّفَقُ ثُمَّ أَمَرَهُ فَأَقَامَ الْفَجْرَ حِينَ طَلَعَ الْفَجْرُ فَلَمَّا أَنْ كَانَ الْيَوْمُ الثَّانِي أَمَرَهُ فَأَبْرَدَ بِالظُّهْرِ فَأَبْرَدَ بِهَا فَأَنْعَمَ أَنْ يُبْرِدَ بِهَا وَصَلَّى الْعَصْرَ وَالشَّمْسُ مُرْتَفِعَةٌ أَخَّرَهَا فَوْقَ الَّذِى كَانَ وَصَلَّى الْمَغْرِبَ قَبْلَ أَنْ يَغِيبَ الشَّفَقُ وَصَلَّى الْعِشَاءَ بَعْدَ مَا ذَهَبَ ثُلُثُ اللَّيْلِ وَصَلَّى الْفَجْرَ فَأَسْفَرَ بِهَا ثُمَّ قَالَ « أَيْنَ السَّائِلُ عَنْ وَقْتِ الصَّلاَةِ ». فَقَالَ الرَّجُلُ أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ « وَقْتُ صَلاَتِكُمْ بَيْنَ مَا رَأَيْتُمْ ». وفيه أيضا :(حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى مُوسَى عَنْ أَبِيهِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- أَنَّهُ أَتَاهُ سَائِلٌ يَسْأَلُهُ عَنْ مَوَاقِيتِ الصَّلاَةِ فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ شَيْئًا – قَالَ – فَأَقَامَ الْفَجْرَ حِينَ انْشَقَّ الْفَجْرُ وَالنَّاسُ لاَ يَكَادُ يَعْرِفُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا ثُمَّ أَمَرَهُ فَأَقَامَ بِالظُّهْرِ حِينَ زَالَتِ الشَّمْسُ وَالْقَائِلُ يَقُولُ قَدِ انْتَصَفَ النَّهَارُ وَهُوَ كَانَ أَعْلَمَ مِنْهُمْ ثُمَّ أَمَرَهُ فَأَقَامَ بِالْعَصْرِ وَالشَّمْسُ مُرْتَفِعَةٌ ثُمَّ أَمَرَهُ فَأَقَامَ بِالْمَغْرِبِ حِينَ وَقَعَتِ الشَّمْسُ ثُمَّ أَمَرَهُ فَأَقَامَ الْعِشَاءَ حِينَ غَابَ الشَّفَقُ ثُمَّ أَخَّرَ الْفَجْرَ مِنَ الْغَدِ حَتَّى انْصَرَفَ مِنْهَا وَالْقَائِلُ يَقُولُ قَدْ طَلَعَتِ الشَّمْسُ أَوْ كَادَتْ ثُمَّ أَخَّرَ الظُّهْرَ حَتَّى كَانَ قَرِيبًا مِنْ وَقْتِ الْعَصْرِ بِالأَمْسِ ثُمَّ أَخَّرَ الْعَصْرَ حَتَّى انْصَرَفَ مِنْهَا وَالْقَائِلُ يَقُولُ قَدِ احْمَرَّتِ الشَّمْسُ ثُمَّ أَخَّرَ الْمَغْرِبَ حَتَّى كَانَ عِنْدَ سُقُوطِ الشَّفَقِ ثُمَّ أَخَّرَ الْعِشَاءَ حَتَّى كَانَ ثُلُثُ اللَّيْلِ الأَوَّلُ ثُمَّ أَصْبَحَ فَدَعَا السَّائِلَ فَقَالَ « الْوَقْتُ بَيْنَ هَذَيْنِ ». وفي سنن الترمذي أَخْبَرَنِي ابْنُ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « أَمَّنِى جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ عِنْدَ الْبَيْتِ مَرَّتَيْنِ فَصَلَّى الظُّهْرَ فِي الأُولَى مِنْهُمَا حِينَ كَانَ الْفَيْءُ مِثْلَ الشِّرَاكِ ثُمَّ صَلَّى الْعَصْرَ حِينَ كَانَ كُلُّ شَيْءٍ مِثْلَ ظِلِّهِ ثُمَّ صَلَّى الْمَغْرِبَ حِينَ وَجَبَتِ الشَّمْسُ وَأَفْطَرَ الصَّائِمُ ثُمَّ صَلَّى الْعِشَاءَ حِينَ غَابَ الشَّفَقُ ثُمَّ صَلَّى الْفَجْرَ حِينَ بَرَقَ الْفَجْرُ وَحَرُمَ الطَّعَامُ عَلَى الصَّائِمِ. وَصَلَّى الْمَرَّةَ الثَّانِيَةَ الظُّهْرَ حِينَ كَانَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَهُ لِوَقْتِ الْعَصْرِ بِالأَمْسِ ثُمَّ صَلَّى الْعَصْرَ حِينَ كَانَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَيْهِ ثُمَّ صَلَّى الْمَغْرِبَ لِوَقْتِهِ الأَوَّلِ ثُمَّ صَلَّى الْعِشَاءَ الآخِرَةَ حِينَ ذَهَبَ ثُلُثُ اللَّيْلِ ثُمَّ صَلَّى الصُّبْحَ حِينَ أَسْفَرَتِ الأَرْضُ ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَىَّ جِبْرِيلُ فَقَالَ يَا مُحَمَّدُ هَذَا وَقْتُ الأَنْبِيَاءِ مِنْ قَبْلِكَ. وَالْوَقْتُ فِيمَا بَيْنَ هَذَيْنِ الْوَقْتَيْنِ ».
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( الجمع بين الصلوات بغير عذر )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
وأما ما رواه مسلم (عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ جَمَعَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَالْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ بِالْمَدِينَةِ فِي غَيْرِ خَوْفٍ وَلاَ مَطَرٍ. فِي حَدِيثِ وَكِيعٍ قَالَ قُلْتُ لاِبْنِ عَبَّاسٍ لِمَ فَعَلَ ذَلِكَ قَالَ كَيْ لاَ يُحْرِجَ أُمَّتَهُ. وَفِى حَدِيثِ أَبِى مُعَاوِيَةَ قِيلَ لاِبْنِ عَبَّاسٍ مَا أَرَادَ إِلَى ذَلِكَ قَالَ أَرَادَ أَنْ لاَ يُحْرِجَ أُمَّتَهُ ). فقد ذكر العلماء له عدة توجيهات لعل أولاها ما رجحه الشوكاني وغيره. قال الشوكاني في النيل: ومما يدل على تعين حمل حديث الباب على الجمع الصوري ما أخرجه النسائي (عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ :صَلَّيْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمَدِينَةِ ثَمَانِيًا جَمِيعًا وَسَبْعًا جَمِيعًا أَخَّرَ الظُّهْرَ وَعَجَّلَ الْعَصْرَ وَأَخَّرَ الْمَغْرِبَ وَعَجَّلَ الْعِشَاءَ ) ،فهذا ابن عباس راوي حديث الباب قد صرح بأن ما رواه من الجمع المذكور هو الجمع الصوري. وبهذا يتبين الحق في هذه المسألة لمن يريده، وأما من يتبع هواه ويسعى للراحة والدعة فإنه سيتعامى عن ذلك والله حسيب رقيب على كل نفس. وقال العلامة ابن باز رحمه الله: ” الصواب حمل الحديث المذكور على أنه صلى الله عليه وسلم جمع بين الصلوات المذكورة لمشقة عارضة ذلك اليوم من مرض غالب ،أو برد شديد ،أو وحل ونحو ذلك، ويدلّ على ذلك قول ابن عباس لما سئل عن علة هذا الجمع قال : (لئلا يحرج أمته) وهو جواب عظيم سديد شاف”. وقال الشيخ الفوزان حفظه الله تعالى: الجمع بين الصلوات من غير عذر لا يجوز ولا تصح به الصلاة لأنه صلاها في غير وقتها من غير عذر شرعي والله تعالى يقول: {إِنَّ الصَّلاَةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَّوْقُوتًا} [ النساء:آية 103]. والجمع إنما يباح للعذر الشرعي كالمرض والسفر وكذلك بين العشاءين في المطر والوحل، هذه الأعذار التي تبيح الجمع بين الصلاتين أما أن يجمع من غير عذر فهذا لا يجوز ،وقال الامام مالك في المريض : إذا كان أرفق به أن يجمع بين الظهر والعصر في وسط وقت الظهر إلا أن يخاف أن يغلب على عقله فيجمع قبل ذلك بعد الزوال ، ويجمع بين المغرب والعشاء عند غيبوبة الشفق إلا أن يخاف أن يغلب على عقله فيجمع قبل ذلك ، وإنما ذلك لصاحب البطن وما أشبهه من المرضى ، أو صاحب العلة الشديدة يكون هذا أرفق به ،وقال الليث : يجمع المريض والمبطون ، وقال أبو حنيفة : يجمع المريض بين الصلاتين كجمع المسافر ، وقال أحمد وإسحاق : يجمع المريض بين الصلاتين ” والمرض المبيح للجمع هو ما يلحقه به بتأدية كل صلاة في وقتها مشقة وضعف . قال الأثرم : قيل لأبي عبد الله : المريض يجمع بين الصلاتين ؟ فقال : إني لأرجو له ذلك إذا ضعف ، وكان لا يقدر إلا على ذلك . وكذلك يجوز الجمع للمستحاضة ولمن به سلس البول ومن في معناهما ” ، وقال شيخ الإسلام ابن تيمية : فالأحاديث كلها تدل على أنه جمع في الوقت الواحد لرفع الحرج عن أمته ، فيُباح الجمع إذا كان في تركه حرج قد رفعه الله عن الأمة ، وذلك يدل على الجمع للمرض الذي يحرج صاحبه بتفريق الصلاة بطريق الأولى والأحرى ، ويجمع من لا يُمكنه إكمال الطهارة في الوقتين إلا بِحَرج كالمستحاضة
الدعاء