خطبة عن (إذا أحبك الله)
سبتمبر 29, 2018خطبة عن (البركة: معناها وأسبابها وموانعها
سبتمبر 29, 2018الخطبة الأولى ( السنة من مصادر التشريع في الاسلام)
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته : (وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) (7) الحشر ،وقال تعالى : (مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا) (80) النساء ، وروى أبو داود في سننه وصححه الألباني : (عَنِ الْمِقْدَامِ بْنِ مَعْدِيكَرِبَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- أَنَّهُ قَالَ :« أَلاَ إِنِّي أُوتِيتُ الْكِتَابَ وَمِثْلَهُ مَعَهُ أَلاَ يُوشِكُ رَجُلٌ شَبْعَانُ عَلَى أَرِيكَتِهِ يَقُولُ عَلَيْكُمْ بِهَذَا الْقُرْآنِ فَمَا وَجَدْتُمْ فِيهِ مِنْ حَلاَلٍ فَأَحِلُّوهُ وَمَا وَجَدْتُمْ فِيهِ مِنْ حَرَامٍ فَحَرِّمُوهُ أَلاَ لاَ يَحِلُّ لَكُمْ لَحْمُ الْحِمَارِ الأَهْلِيِّ وَلاَ كُلُّ ذِي نَابٍ مِنَ السَّبُعِ وَلاَ لُقَطَةُ مُعَاهِدٍ إِلاَّ أَنْ يَسْتَغْنِىَ عَنْهَا صَاحِبُهَا وَمَنْ نَزَلَ بِقَوْمٍ فَعَلَيْهِمْ أَنْ يَقْرُوهُ فَإِنْ لَمْ يَقْرُوهُ فَلَهُ أَنْ يُعْقِبَهُمْ بِمِثْلِ قِرَاهُ ».
إخوة الإسلام
إن القرآن الكريم هو مصدر الشريعة الإسلامية الأول وأصلها الذي تعتمد عليه, كما لا يمكن التخلي عن المصدر الأساسي الثاني للشريعة والذي نص القرآن على وجوب الأخذ به، وهو السنة النبوية الصحيحة ، وقد قال الله تعالى : (وأَطِيعُوا اللَّهَ ورَسُولَهُ ولا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وتَذْهَبَ رِيحُكُمْ) الانفال 46، فقد أوجبت الآية طاعة النبي صلى الله عيه وسلم ، وقوله تعالى : (مَن يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ الله) النساء 80، فقد جعلت الآية طاعة الرسول طاعة لله ، وقوله جل وعلا (ومَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ ومَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا) الحشر 7 . ومما جاء في السنة ما رواه الشيخان البخاري ومسلم، ( عن أَبي هُرَيْرَةَ – رضى الله عنه – أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ « مَنْ أَطَاعَنِي فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ ، وَمَنْ عَصَانِي فَقَدْ عَصَى اللَّهَ ، وَمَنْ أَطَاعَ أَمِيرِي فَقَدْ أَطَاعَنِي ، وَمَنْ عَصَى أَمِيرِي فَقَدْ عَصَانِي » . وفي صحيح البخاري: ( عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ « كُلُّ أُمَّتِى يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ ، إِلاَّ مَنْ أَبَى » . قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَنْ يَأْبَى قَالَ :« مَنْ أَطَاعَنِي دَخَلَ الْجَنَّةَ ، وَمَنْ عَصَانِي فَقَدْ أَبَى » ، وحجية الكتاب والسنة يمكن أن نفهمها في سياق قوله تعالى: (أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الكِتَابِ وتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ)، فمن معانى الآية : كيف تؤمنون بكتاب الله وتكفرون بسنة نبيه صلى الله عليه وسلم وقد أمرتم بنفس الكتاب بإتباع هذه السنة، كما ورد عن النبي عليه الصلاة والسلام ما يؤكد وجوب العمل بسنته، فقد روى مالك في الموطإ وحسنه الألباني : (عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ :« تَرَكْتُ فِيكُمْ أَمْرَيْنِ لَنْ تَضِلُّوا مَا تَمَسَّكْتُمْ بِهِمَا كِتَابَ اللَّهِ وَسُنَّةَ نَبِيِّهِ ». كما أنه في عهده صلى الله عليه وسلم وبعد وفاته أجمع الصحابة على وجوب اتباع سنته. قال الشافعي في ” الرسالة ” – في باب فرض طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم – : قال تعالى : (مَن يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ الله) النساء 80، وكل فريضة فرضها الله تعالى في كتابه : كالحج ، والصلاة ، والزكاة : لولا بيان الرسول ما كنا نعرف كيف نأتيها , ولا كان يمكننا أداء شيء من العبادات , وإذا كان الرسول من الشريعة بهذه المنزلة : كانت طاعته على الحقيقة طاعة لله . وقد بيَّن النبي صلى الله عليه وسلم أن السنَّة التي جاء بها هي مثل القرآن في كونها من الله تعالى ، وفي كونها حجة ، وفي كونها ملزمة للعباد ، وحذَّر من الاكتفاء بما في القرآن وحده للأخذ به والانتهاء عن نهيه ، وبيَّن مثالاً لحرامٍ ثبت في السنَّة ولم يأت له ذِكر في القرآن ، بل في القرآن إشارة لحلِّه ، وكل ذلك في حديث واحدٍ صحيح . فعَنْ الْمِقْدَامِ بْنِ مَعْدِي كَرِبَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : ( أَلَا إِنِّي أُوتِيتُ الْكِتَابَ وَمِثْلَهُ مَعَهُ ، أَلَا يُوشِكُ رَجُلٌ شَبْعَانُ عَلَى أَرِيكَتِهِ يَقُولُ : عَلَيْكُمْ بِهَذَا الْقُرْآنِ فَمَا وَجَدْتُمْ فِيهِ مِنْ حَلَالٍ فَأَحِلُّوهُ وَمَا وَجَدْتُمْ فِيهِ مِنْ حَرَامٍ فَحَرِّمُوهُ أَلَا لَا يَحِلُّ لَكُمْ لَحْمُ الْحِمَارِ الْأَهْلِيِّ وَلَا كُلُّ ذِي نَابٍ مِنْ السَّبُعِ ) . رواه أبو داود، وصححه الألباني
وهذا هو أيضا الذي فهمه الصحابة رضي الله عنهم ،من دين الله تعالى، ففي الصحيحين واللفظ للبخاري 🙁عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ لَعَنَ اللَّهُ الْوَاشِمَاتِ وَالْمُوتَشِمَاتِ وَالْمُتَنَمِّصَاتِ وَالْمُتَفَلِّجَاتِ لِلْحُسْنِ الْمُغَيِّرَاتِ خَلْقَ اللَّهِ . فَبَلَغَ ذَلِكَ امْرَأَةً مِنْ بَنِى أَسَدٍ يُقَالُ لَهَا أُمُّ يَعْقُوبَ ، فَجَاءَتْ فَقَالَتْ إِنَّهُ بَلَغَنِي أَنَّكَ لَعَنْتَ كَيْتَ وَكَيْتَ . فَقَالَ وَمَا لِي لاَ أَلْعَنُ مَنْ لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – وَمَنْ هُوَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَقَالَتْ لَقَدْ قَرَأْتُ مَا بَيْنَ اللَّوْحَيْنِ فَمَا وَجَدْتُ فِيهِ مَا تَقُولُ . قَالَ لَئِنْ كُنْتِ قَرَأْتِيهِ لَقَدْ وَجَدْتِيهِ ، أَمَا قَرَأْتِ 🙁 وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا ) .قَالَتْ بَلَى . قَالَ فَإِنَّهُ قَدْ نَهَى عَنْهُ ..). وهو الذي فهمه التابعون وأئمة الإسلام من دين الله تعالى ، ولا يعرفون غيره ، أنه لا فرق بين الكتاب والسنَّة في الاستدلال والإلزام ، وأن السنَّة مبينة ومفسرة لما في القرآن ،قال الأوزاعي عن حسان بن عطية : كان جبريل ينزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والسنَّة تفسر القرآن . وقال أيوب السختياني : إذا حدَّث الرجل بالسنَّة فقال : دعنا من هذا ، حدِّثنا من القرآن : فاعلم أنه ضال مضل . وقال الأوزاعي : قال القاسم بن مخيمرة : ما توفي عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو حرام : فهو حرام إلى يوم القيامة , وما توفي عنه وهو حلال : فهو حلال إلى يوم القيامة . وقد ذكر العلماء أوجهاً لبيان السنة للقرآن ، ومنها : أنها تأتي موافقة لما في القرآن ، وتأتي مقيدة لمطلقه ، ومخصصة لعمومه ، ومفسرة لمجمله ، وناسخة لحكمه ، ومنشئة لحكم جديد ، وبعض العلماء يجمع ذلك في ثلاث منازل . قال ابن القيم – رحمه الله – :والذي يجب على كل مسلم اعتقاده : أنه ليس في سنن رسول الله صلى الله عليه وسلم الصحيحة سنَّة واحدة تخالف كتاب الله ، بل السنن مع كتاب الله على ثلاث منازل : المنزلة الأولى : سنَّة موافقة شاهدة بنفس ما شهد به الكتاب المنزل . المنزلة الثانية : سنَّة تفسر الكتاب ، وتبين مراد الله منه ، وتقيد مطلقه . المنزلة الثالثة : سنَّة متضمنة لحكم سكت عنه الكتاب ، فتبيِّنه بياناً مبتدأً . ومن هذا يتبين لنا : أنه لا يجوز لأحدٍ أن يفصل القرآن عن السنَّة في إثبات الأحكام ولزومها للمكلَّف ، وأن من فعل ذلك فهو من أعظم المخالفين لما في القرآن من أوامر بطاعة الرسول صلى الله عليه وسلم والأخذ بسنَّته والانتهاء عن نهيه ، وأن السنَّة النبوية جاءت مؤيدة لما في القرآن وموضحة له ومقيدة لمطلقه ومخصصة لعمومه ، وجاءت كذلك مستقلة في إنشاء الأحكام ، وكل ذلك لازم للمسلم الأخذ به .
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( السنة من مصادر التشريع )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
فالواجب على جميع الأمة أن تعظم سنة الرسول صلى الله عليه وسلم ، وأن تعرف قدرها، وأن تأخذ بها، وتسير عليها، فهي الشارحة والمفسرة لكتاب الله عز وجل، والدالة على ما قد يخفى من كتاب الله، والمُقيّدة لما قد يطلق من كتاب الله، والمخصّصة بما قد يعم من كتاب الله، ومن تدبّر كتاب الله وتدبر السنة عرف ذلك؛ لأن الله جل وعلا يقول: {وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} [النحل:44]، فهو صلى الله عليه وسلم المُبيِّن للناس ما نزل إليهم ، فإذا كانت سنته غير مُعتبرة ولا يُحتج بها ، فكيف يبين للناس دينهم وكتاب ربهم، هذا من أبطل الباطل؛ فعلم بذلك أنه المبين لما قاله الله، وأنه الشارح لما قد يخفى من كتاب الله، فالسنة النبوية الصحيحة لازمة الاتباع، وواجبة الاتباع، وليس هذا خاصًا بأهل زمانه وصحابته رضي الله عنهم؛ بل هو لهم ولمن يجيء بعدهم إلى يوم القيامة، فإن الشريعة شريعة لأهل زمانه ولمن يأتي بعد زمانه عليه الصلاة والسلام إلى يوم القيامة، فهو رسول الله إلى الناس عامة، قال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ} [الأنبياء:107] وقال سبحانه : {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا} [سبأ:28]، فهو صلى الله عليه وسلم رسول الله إلى جميع العالم، الجن والإنس، العرب والعجم، والأغنياء والفقراء، والحكام والمحكومين، والرجال والنساء، إلى يوم القيامة، ليس بعده نبي ولا رسول، بل هو خاتَم الأنبياء والمرسلين عليه الصلاة والسلام. فوجب أن تكون سنته موضحة لكتاب الله وشارحة لكتاب الله، ودالة على ما قد يخفى من كتاب الله، وسنته أيضًا جاءت بأحكام لم يأت بها كتاب الله، جاءت بأحكام مستقلة شرعها الله عز وجل لم تذكر في كتاب الله سبحانه وتعالى، من ذلك: (تفصيل الصلوات وعدد الركعات، وتفصيل أحكام الزكاة، وتفصيل أحكام الرضاع، فليس في كتاب الله إلا الأمهات والأخوات من الرضاع وجاءت السنة ببقية المحرمات بالرضاع).. ففي البخاري قال صلى الله عليه وسلم: « يَحْرُمُ مِنَ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنَ النَّسَبِ » ، وجاءت السنة بحكمٍ مستقل في تحريم الجمع بين المرأة وعمتها، والمرأة وخالتها، وجاءت بأحكام مستقلة لم تذكر في كتاب الله في أشياء كثيرة، في الجنايات، والديات، والنفقات، وأحكام الزكوات، وأحكام الصوم والحج… إلى غير ذلك. ولمَّا قال بعض الناس في مجلس عمران بن حصين رضي الله عنهما: “دعنا من الحديث وحدثنا عن كتاب الله”! غضب عمران رضي الله عنه وأرضاه، واشتد إنكاره عليه، وقال: “لولا السنة كيف نعرِف أن الظهر أربع، والعصر أربع، والعشاء أربع، والمغرب ثلاث…”
فالسنة بيَّنت لنا تفاصيل الصلاة، وتفاصيل الأحكام، ولم يزل الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم يرجعون إلى السنة ويتحاكمون إليها ويحتجون بها، وفي الصحيحين واللفظ للبخاري (وَرَأَى أَبُو بَكْرٍ قِتَالَ مَنْ مَنَعَ الزَّكَاةَ فَقَالَ عُمَرُ كَيْفَ تُقَاتِلُ وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – « أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ . فَإِذَا قَالُوا لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ . عَصَمُوا مِنِّى دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ ، إِلاَّ بِحَقِّهَا » . فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ وَاللَّهِ لأُقَاتِلَنَّ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ مَا جَمَعَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – ثُمَّ تَابَعَهُ بَعْدُ عُمَرُ فَلَمْ يَلْتَفِتْ أَبُو بَكْرٍ إِلَى مَشُورَةٍ إِذْ كَانَ عِنْدَهُ حُكْمُ رَسُولِ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – فِي الَّذِينَ فَرَّقُوا بَيْنَ الصَّلاَةِ وَالزَّكَاةِ وَأَرَادُوا تَبْدِيلَ الدِّينِ وَأَحْكَامِهِ..) ،ثم وافق المسلمون، ووافق الصحابة، واجتمع رأيهم على قتال المرتدين؛ فقاتلوهم بأمر الله ورسوله. ولما جاءت الجدَّة إلى أبي بكر الصديق رضي الله عنه تسأله عن إرثها، قال: “ما أعلم لكِ شيئًا في كتاب الله، ولا في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ولكن سوف أسأل الناس”، يعني عما جاء في السنة، فسأل الناس؛ فأُخبِر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى لها بالسُدُس، فقضى لها بالسُدُس رضي الله عنه وأرضاه. وهكذا عمر رضي الله عنه لما أشكل عليه حكم إملاص المرأة: “وهو خروج الجنين ميتًا بالجناية على أُمّه” ما حكمه؟ توقف حتى سأل الناس، فشهد عنده محمد بن مسلمة والمغيرة بن شعبة بأن النبي صلى الله عليه وسلم قضى فيه بغُرّةٍ عبدٍ أو أمة، فقضى بذلك. ولمَّا أشكل على عثمان حكم المعتدة من الوفاة، هل تكون في بيت زوجها أو تنتقل إلى أهلها؟ فشهِدت عنده فريعة بنت مالك الخدرية أخت أبي سعيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرها أن تعتد في بيت زوجها، فقضى بذلك عثمان رضي الله عنه وأرضاه. ولمَّا سمع علي رضي الله عنه عثمان في بعض حجاته ينهى عن المتعة ويأمر بإفراد الحج، أحرم علي رضي الله عنه بالحج والعمرة جميعًا وقال: “لا أدع سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم بقول أحد من الناس”. ولما سمِع ابن عباس رضي الله عنه بعض الناس يُنكِر عليه الفتوى بالمتعة ويحتج عليه بقول أبي بكر وعمر رضي الله عنهما أنهما يريان إفراد الحج، قال: “يوشك أن تنزل عليكم حجارة من السماء، أقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتقولون: قال أبو بكر وعمر!”.
الدعاء