خطبة عن الدعاء المستجاب وحديث (ثَلاَثُ دَعَوَاتٍ مُسْتَجَابَاتٌ)
سبتمبر 14, 2019خطبة عن ذكر الله وحديث (خَلَّتَانِ لاَ يُحْصِيهِمَا رَجُلٌ مُسْلِمٌ إِلاَّ دَخَلَ الْجَنَّةَ)
سبتمبر 17, 2019الخطبة الأولى ( أَتَدْرُونَ مَا الْغِيبَةُ.. ذِكْرُكَ أَخَاكَ بِمَا يَكْرَهُ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
روى الإمام مسلم في صحيحه : (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ :« أَتَدْرُونَ مَا الْغِيبَةُ ». قَالُوا اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ « ذِكْرُكَ أَخَاكَ بِمَا يَكْرَهُ ». قِيلَ أَفَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ فِي أَخِي مَا أَقُولُ قَالَ : « إِنْ كَانَ فِيهِ مَا تَقُولُ فَقَدِ اغْتَبْتَهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ فَقَدْ بَهَتَّهُ ».
إخوة الإسلام
لقاؤنا اليوم إن شاء الله مع هذا الحديث النبوي ، والذي يحذرنا فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم من الغيبة، فالمسلم عف اللسان ، قليل الكلام ، وأعراض المسلمين عنده مصونة ،لذا فيجب على المسلم حفظ لسانه عما نُهيَ عنه ، ومن هذه المنهيَّات التي تساهل الناس في الوقوع فيها كثيراً الغيبة والبهتان والنميمة .والغيبة كما عرفها وبينها رسوله الله صلى الله عليه وسلم بقوله : « ذِكْرُكَ أَخَاكَ بِمَا يَكْرَهُ » ، والغيبة هي من أوْسع المعاصي التي يقْترِفُها الناس وهم لا يشْعرون ، فهي في مجالسِهِم، وسفَرِهِم، ولِقاءاتِهِم، وولائِمِهِم، وأعْراسِهِم، وفي أحْزانِهِم، فمادام هذا اللِّسان ينْهَشُ أعْراض الناس ،فَهُو واقِعٌ بِغيبَةٍ كبيرة، والغيبة كما تعْلمون هي من كبائِر الذنوب . قال الغزالي: (اعلم أن الذكر باللسان إنما حرم؛ لأن فيه تفهيم الغير نقصان أخيك وتعريفه بما يكرهه ،فالتعريض به كالتصريح ،والفعل فيه كالقول والإشارة والإيماء والغمز والهمز والكتابة والحركة وكل ما يفهم المقصود فهو داخل في الغيبة وهو حرام) ، والغيبة محرمة لأي سبب من الأسباب، سواء كانت لشفاء غيظ ،أو مجاملة للجلساء ومساعدتهم على الكلام، أو لإرادة التصنع، أو الحسد، أو اللعب، أو الهزل لتضييع الوقت، فيذكر عيوب غيره بما يضحك، وقد نهى الله سبحانه وتعالى عنها ،وحذر منها عباده ، في قوله عز وجل : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلا تَجَسَّسُوا وَلا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ) [الحجرات:12]. قال الشوكاني: (فهذا نهي قرآني عن الغِيبة، مع إيراد مثل لذلك، يزيده شدَّةً وتغليظًا، ويوقع في النفوس من الكراهة والاستقذار لما فيه ما لا يقادر قدره، فإنَّ أكل لحم الإنسان من أعظم ما يستقذره بنو آدم جبلةً وطبعًا، ولو كان كافرًا أو عدوًّا مكافحًا، فكيف إذا كان أخًا في النسب، أو في الدين؟! فإنَّ الكراهة تتضاعف بذلك، ويزداد الاستقذار فكيف إذا كان ميِّتًا؟! فإن لحم ما يستطاب ويحل أكله يصير مستقذرًا بالموت، لا يشتهيه الطبع، ولا تقبله النفس، وبهذا يعرف ما في هذه الآية من المبالغة في تحريم الغِيبة، بعد النهي الصريح عن ذلك) ، وقال الله تعالى: (وَيْلٌ لِّكُلِّ هُمَزَةٍ لُّمَزَةٍ ) [الهمزة: 1]. قال مقاتل بن سليمان: وَيْلٌ لِّكُلِّ هُمَزَةٍ يعني الطعان المغتاب الذي إذا غاب عنه الرجل اغتابه من خلفه. وقال قتادة: يهمزه ويلمزه بلسانه وعينه، ويأكل لحوم الناس، ويطعن عليهم ،وقال الله تعالى: (وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولـئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً ) [الإسراء: 36].، قال الرازي: (القفو هو البهت، وأصله من القفا، كأنه قول يقال خلفه، وهو في معنى الغِيبة وهو ذكر الرجل في غَيبته بما يكرهه ) ،وفي الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « .. كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ دَمُهُ وَمَالُهُ وَعِرْضُهُ ». رواه مسلم. وقال صلى الله عليه وسلم في خطبته في حجة الوداع : « إِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ حَرَامٌ عَلَيْكُمْ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا فِي شَهْرِكُمْ هَذَا فِي بَلَدِكُمْ هَذَا) رواه مسلم. وفي سنن أبي داود : (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « إِنَّ مِنْ أَكْبَرِ الْكَبَائِرِ اسْتِطَالَةَ الْمَرْءِ فِي عِرْضِ رَجُلٍ مُسْلِمٍ بِغَيْرِ حَقٍّ وَمِنَ الْكَبَائِرِ السَّبَّتَانِ بِالسَّبَّةِ ».
أيها المسلمون
وإذا كانت الغيبة كبيرة من الكبائر ، ومحرمة في شريعة الاسلام ، فقد رخص في بعض صورها الشرع الحكيم عند الضرورة ،فتباح الغيبة لغرض شرعي ، وذلك لستة أسباب : أحدها : التظلم ; فيجوز للمظلوم أن يتظلم إلى السلطان والقاضي وغيرهما ممن له ولاية أو قدرة على إنصافه على من ظالمه ، فيقول : ظلمني فلان ، أو فعل بي كذا . الثاني : الاستغاثة على تغيير المنكر ، ورد العاصي إلى الصواب ، فيقول لمن يرجو قدرته : فلان يعمل كذا فازجره عنه ونحو ذلك . الثالث : الاستفتاء بأن يقول للمفتي : ظلمني فلان أو أبي أو أخي أو زوجي بكذا ، فهل له ذلك ؟ وما طريقي في الخلاص منه ودفع ظلمه عني ؟ ونحو ذلك ، فهذا جائز للحاجة ، والأجود أن يقول في رجل أو زوج أو والد وولد : كان من أمره كذا ، ومع ذلك فالتعيين جائز لحديث هند وقولها : إن أبا سفيان رجل شحيح . الرابع : تحذير المسلمين من الشر ، وذلك من وجوه : منها جرح المجروحين من الرواة ، والشهود ، والمصنفين ، وذلك جائز بالإجماع ، بل واجب صونا للشريعة ، ومنها الإخبار بعيبه عند المشاورة في مواصلته ، ومنها إذا رأيت من يشتري شيئا معيبا أو عبدا سارقا أو زانيا أو شاربا أو نحو ذلك تذكره للمشتري إذا لم يعلمه نصيحة ، لا بقصد الإيذاء والإفساد ، ومنها إذا رأيت متفقها يتردد إلى فاسق أو مبتدع يأخذ عنه علما ، وخفت عليه ضرره ، فعليك نصيحته ببيان حاله قاصدا النصيحة ، ومنها أن يكون له ولاية لا يقوم بها على وجهها لعدم أهليته أو لفسقه ، فيذكره لمن له عليه ولاية ،ليستدل به على حاله ، فلا يغتر به ، ويلزم الاستقامة . الخامس : أن يكون مجاهرا بفسقه أو بدعته كالخمر ومصادرة الناس وجباية المكوس وتولي الأمور الباطلة فيجوز ذكره بما يجاهر به ، ولا يجوز بغيره إلا بسبب آخر . السادس : التعريف : فإذا كان معروفا بلقب كالأعمش والأعرج والأزرق والقصير والأعمى والأقطع ونحوها جاز تعريفه به ، ويحرم ذكره به تنقصا ولو أمكن التعريف بغيره كان أولى
أيها المسلمون
وقد يسأل سائل : وماذا عن سماع الغيبة ؟؟ ، والجواب : ففي فتاوى العلماء عن حكم سماع الغيبة ، قالوا : (سماع الغيبة محرم؛ لأنه إقرار للمنكر، والغيبة كبيرة من كبائر الذنوب، يجب إنكارها على من يفعلها) ، و(قال مولى لعمرو بن عتبة بن أبي سفيان : رآني عمرو بن عتبة وأنا مع رجل، وهو يقع في آخر، فقال : لي : ويلك – ولم يقلها لي قبلها ولا بعدها – نزِّه سمعك عن استماع الخنا، كما تنزه لسانك عن القول به؛ فإن المستمع شريك القائل، وإنما نظر إلى شرِّ ما في وعائه فأفرغه في وعائك، ولو رددت كلمة سفيه في فيه لسعد بها رادها، كما شقي بها قائلها) ، فمن الواجب على من سمع أحد الناس يغتاب أحد إخوانه من المسلمين أن يدافع عن عرض أخيه ، ويذب عنه ، ففي مسند أحمد وصححه الألباني : (عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ يَزِيدَ عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ :« مَنْ ذَبَّ عَنْ لَحْمِ أَخِيهِ بِالْغِيبَةِ كَانَ حَقًّا عَلَى اللَّهِ أَنْ يُعْتِقَهُ مِنَ النَّارِ ». – وعن القاسم بن عبد الرحمن الشامي قال : (سمعت بن أم عبد يقول : من اغتيب عنده مؤمن فنصره، جزاه الله بها خيرًا في الدنيا والآخرة، ومن اغتيب عنده مؤمن فلم ينصره، جزاه الله بها في الدنيا والآخرة شرًّا، وما التقم أحد لقمة شرًا من اغتياب مؤمن، إن قال فيه ما يعلم فقد اغتابه، وإن قال فيه بما لا يعلم فقد بهته) [الأدب المفرد للبخاري وصححه الألباني ] .
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( أَتَدْرُونَ مَا الْغِيبَةُ.. ذِكْرُكَ أَخَاكَ بِمَا يَكْرَهُ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
أما عن عقوبة المغتاب : فقد جاءت النصوص الصحيحة بشيء من عذاب الذين يغتابون الناس بغير وجه حق، فمن ذلك :بيان عظم ذنب الغيبة ولو كانت كلمة ، ففي سنن أبي داود : (عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ قُلْتُ لِلنَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- حَسْبُكَ مِنْ صَفِيَّةَ كَذَا وَكَذَا قَالَ غَيْرُ مُسَدَّدٍ تَعْنِى قَصِيرَةً. فَقَالَ « لَقَدْ قُلْتِ كَلِمَةً لَوْ مُزِجَتْ بِمَاءِ الْبَحْرِ لَمَزَجَتْهُ ». قَالَتْ وَحَكَيْتُ لَهُ إِنْسَانًا فَقَالَ « مَا أُحِبُّ أَنِّى حَكَيْتُ إِنْسَانًا وَأَنَّ لِي كَذَا وَكَذَا ». فانظر لهذا الوعيد العظيم على هذه الكلمة التي لا يراها كثير من الناس شيئاً. كما أن الغيبة من أسباب عذاب القبر ففي سنن أبي داود وغيره : (أَبِى بَكْرَةَ قَالَ مَرَّ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- بِقَبْرَيْنِ فَقَالَ « إِنَّهُمَا لَيُعَذَّبَانِ وَمَا يُعَذَّبَانِ فِي كَبِيرٍ أَمَّا أَحَدُهُمَا فَيُعَذَّبُ فِي الْبَوْلِ وَأَمَّا الآخَرُ فَيُعَذَّبُ فِي الْغِيبَةِ ». ومن عذاب أهل الغيبة ما رواه الإمام أحمد في مسنده : (عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « لَمَّا عَرَجَ بِي رَبِّى عَزَّ وَجَلَّ مَرَرْتُ بِقَوْمٍ لَهُمْ أَظْفَارٌ مِنْ نُحَاسٍ يَخْمِشُونَ وُجُوهَهُمْ وَصُدُورَهُمْ فَقُلْتُ مَنْ هَؤُلاَءِ يَا جِبْرِيلُ قَالَ هَؤُلاَءِ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ لُحُومَ النَّاسِ وَيَقَعُونَ فِي أَعْرَاضِهِمْ ».
أيها المسلمون
ومن آثار الغِيبة على الفرد والمجتمع : 1- عقوبة المغتاب النار . 2- لا يغفر لصاحب الغِيبة حتى يعفو عنه الذي وقعت عليه الغِيبة . 3- الغِيبة تترك في نفس الفرد جوانب عدائية، بسبب ما تتركه على سمعته ومكانته . 4- الغِيبة تظهر عيوب الفرد المستورة، في الوقت الذي لا يملك فيه الدفاع عن نفسه . 5- الغِيبة تدل على دناءة صاحبها، وجبنه، وخسَّته . ومن أضرارها على المجتمع : 1- كشف عورات الآخرين، ونشر عيوبهم والاستهانة بها . 2- الغِيبة تؤدي إلى الغِيبة، أي أن من اغتيب قد يدفعه غضبه إلى غيبة من اغتابه، وبهذا تنتشر هذه الصفة الذَّميمة وتصبح مرض عضال يصعب استئصاله . 3- نشر الحقد، والحسد، والكراهية، والبغضاء، بين أفراد المجتمع . 4- إفساد المودَّات، وقطع أواصر الأخوة الإيمانية، وملء القلوب بالضغائن والعداوات
أيها المسلمون
فعلى كل من وقعت منه الغيبة أو البهتان أو النميمة أن يتوب إلى الله منها ، وأن يستغفر فيما بينه وبين الله ، فإن علِم أنه قد بلَغ الكلامُ للمُتكلَّم عليه فليذهب إليه وليتحلل منه ، فإن لم يعلم فلا يُبلغه بل يستغفر له ويدعو له ويثني عليه كما تكلم فيه في غيبته . وكذا لو علم أنه لو أخبره ستزيد العداوة ، فإنه يكتفي بالدعاء والثناء عليه والاستغفار له . وقد روى البخاري في صحيحه : ( عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ : « مَنْ كَانَتْ عِنْدَهُ مَظْلَمَةٌ لأَخِيهِ فَلْيَتَحَلَّلْهُ مِنْهَا ، فَإِنَّهُ لَيْسَ ثَمَّ دِينَارٌ وَلاَ دِرْهَمٌ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُؤْخَذَ لأَخِيهِ مِنْ حَسَنَاتِهِ ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ حَسَنَاتٌ أُخِذَ مِنْ سَيِّئَاتِ أَخِيهِ ، فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ »
الدعاء