خطبة عن قوله تعالى ( مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ )
سبتمبر 12, 2020خطبة عن خير الناس في الفتن وحديث: رَجُلٌ فِي مَاشِيَتِهِ يُؤَدِّى حَقَّهَا وَيَعْبُدُ رَبَّهُ)
سبتمبر 19, 2020الخطبة الأولى ( من أهداف الجهاد في الاسلام )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته :(انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) (41) التوبة ،وفي الصحيحين واللفظ للبخاري : (عَنْ أَبِى عُثْمَانَ قَالَ حَدَّثَنِي مُجَاشِعٌ قَالَ أَتَيْتُ النَّبِيَّ – صلى الله عليه وسلم – بِأَخِي بَعْدَ الْفَتْحِ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ ، جِئْتُكَ بِأَخِي لِتُبَايِعَهُ عَلَى الْهِجْرَةِ . قَالَ : « ذَهَبَ أَهْلُ الْهِجْرَةِ بِمَا فِيهَا » . فَقُلْتُ عَلَى أَيِّ شَيْءٍ تُبَايِعُهُ قَالَ : « أُبَايِعُهُ عَلَى الإِسْلاَمِ وَالإِيمَانِ وَالْجِهَادِ » خوة الإسلام
إن الهدف الرئيسي من الجهاد في الاسلام هو أن يعبد الناس الله وحده ، وأن يخرجوا من العبودية للعباد إلى العبودية لرب العباد ، وإزالة الطواغيت كلها من الأرض جميعاً ، وإخلاء العالم من الفساد ، وذلك لأن خضوع البشر لبشر مثلهم ، وتقديم أنواع العبادة لهم من الطاعة والاستسلام ، والتعظيم والتشريع والتحاكم ، هو أساس فساد الأجيال المتعاقبة من لدن نوح عليه السلام إلى يومنا هذا ، وهو انحراف بالفطرة السوية عما خلقها الله عليه من التوحيد . وقد روى الامام مسلم في صحيحه : (عَنْ عِيَاضِ بْنِ حِمَارٍ الْمُجَاشِعِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ ذَاتَ يَوْمٍ فِي خُطْبَتِهِ « أَلاَ إِنَّ رَبِّى أَمَرَنِي أَنْ أُعَلِّمَكُمْ مَا جَهِلْتُمْ مِمَّا عَلَّمَنِي يَوْمِي هَذَا كُلُّ مَالٍ نَحَلْتُهُ عَبْدًا حَلاَلٌ وَإِنِّي خَلَقْتُ عِبَادِي حُنَفَاءَ كُلَّهُمْ وَإِنَّهُمْ أَتَتْهُمُ الشَّيَاطِينُ فَاجْتَالَتْهُمْ عَنْ دِينِهِمْ وَحَرَّمَتْ عَلَيْهِمْ مَا أَحْلَلْتُ لَهُمْ وَأَمَرَتْهُمْ أَنْ يُشْرِكُوا بِي مَا لَمْ أُنْزِلْ بِهِ سُلْطَانًا ،وَإِنَّ اللَّهَ نَظَرَ إِلَى أَهْلِ الأَرْضِ فَمَقَتَهُمْ عَرَبَهُمْ وَعَجَمَهُمْ إِلاَّ بَقَايَا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَقَالَ إِنَّمَا بَعَثْتُكَ لأَبْتَلِيَكَ وَأَبْتَلِىَ بِكَ وَأَنْزَلْتُ عَلَيْكَ كِتَابًا لاَ يَغْسِلُهُ الْمَاءُ تَقْرَؤُهُ نَائِمًا وَيَقْظَانَ وَإِنَّ اللَّهَ أَمَرَنِى أَنْ أُحَرِّقَ قُرَيْشًا فَقُلْتُ رَبِّ إِذًا يَثْلَغُوا رَأْسِي فَيَدَعُوهُ خُبْزَةً قَالَ اسْتَخْرِجْهُمْ كَمَا اسْتَخْرَجُوكَ وَاغْزُهُمْ نُغْزِكَ وَأَنْفِقْ فَسَنُنْفِقَ عَلَيْكَ وَابْعَثْ جَيْشًا نَبْعَثْ خَمْسَةً مِثْلَهُ وَقَاتِلْ بِمَنْ أَطَاعَكَ مَنْ عَصَاكَ..) .
وقال الله تعالى في محكم آياته : (وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَلَا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ) (193) البقرة، قال ابن كثير ” أمر الله تعالى بقتال الكفار حتى لا تكون فتنة ، أي شرك ..ويكون الدين لله ، أي يكون دين الله هو الظاهر على سائر الأديان ،وقال الشوكاني ” فيه الأمر بمقاتلة المشركين إلى غاية هي ألا تكون فتنة وأن يكون الدين لله ، وهو الدخول في الإسلام والخروج عن سائر الأديان المخالفة له فمن دخل في الإسلام وأقلع عن الشرك لم يحل قتاله ” ،وروى البخاري في صحيحه : (عَنْ جُبَيْرِ بْنِ حَيَّةَ قَالَ فَنَدَبَنَا عُمَرُ وَاسْتَعْمَلَ عَلَيْنَا النُّعْمَانَ بْنَ مُقَرِّنٍ ، حَتَّى إِذَا كُنَّا بِأَرْضِ الْعَدُوِّ ، وَخَرَجَ عَلَيْنَا عَامِلُ كِسْرَى فِي أَرْبَعِينَ أَلْفًا ، فَقَامَ تُرْجُمَانٌ فَقَالَ لِيُكَلِّمْنِي رَجُلٌ مِنْكُمْ . فَقَالَ الْمُغِيرَةُ سَلْ عَمَّا شِئْتَ . قَالَ مَا أَنْتُمْ قَالَ نَحْنُ أُنَاسٌ مِنَ الْعَرَبِ كُنَّا فِي شَقَاءٍ شَدِيدٍ وَبَلاَءٍ شَدِيدٍ ، نَمَصُّ الْجِلْدَ وَالنَّوَى مِنَ الْجُوعِ ، وَنَلْبَسُ الْوَبَرَ وَالشَّعَرَ ، وَنَعْبُدُ الشَّجَرَ وَالْحَجَرَ ، فَبَيْنَا نَحْنُ كَذَلِكَ ، إِذْ بَعَثَ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَرَبُّ الأَرَضِينَ تَعَالَى ذِكْرُهُ وَجَلَّتْ عَظَمَتُهُ إِلَيْنَا نَبِيًّا مِنْ أَنْفُسِنَا ، نَعْرِفُ أَبَاهُ وَأُمَّهُ ، فَأَمَرَنَا نَبِيُّنَا رَسُولُ رَبِّنَا – صلى الله عليه وسلم – أَنْ نَقَاتِلَكُمْ حَتَّى تَعْبُدُوا اللَّهَ وَحْدَهُ أَوْ تُؤَدُّوا الْجِزْيَةَ ، وَأَخْبَرَنَا نَبِيُّنَا – صلى الله عليه وسلم – عَنْ رِسَالَةِ رَبِّنَا أَنَّهُ مَنْ قُتِلَ مِنَّا صَارَ إِلَى الْجَنَّةِ فِي نَعِيمٍ لَمْ يَرَ مِثْلَهَا قَطُّ ، وَمَنْ بَقِىَ مِنَّا مَلَكَ رِقَابَكُمْ ) . وفي حوادث غزوة القادسية ” قصة ربعي بن عامر رضي الله عنه لما بعثه سعد ابن أبي وقاص إلى رستم فدخل ربعي عليه وقد زينوا مجلسه بالنمارق المذهبة والزرابي الحرير وأظهر اليواقيت واللآلئ الثمينة والزينة العظيمة وعليه تاجه وغير ذلك من الأمتعة الثمينة وقد جلس على سرير من ذهب ودخل ربعي بثياب صفيقة _ سخيفة رثة _ وسيف وترس وفرس قصيرة ولم يزل راكبها حتى داس بها على طرف البساط ثم نزل وربطها ببعض تلك الوسائد وأقبل وعليه سلاحه ودرعه وبيضته على رأسه فقالوا له : ضع سلاحك فقال : إني لم آتكم وإنما جئتكم حين دعوتموني فإن تركتموني هكذا وإلا رجعت فقال رستم : ائذنوا له فأقبل يتوكأ على رمحه فوق النمارق فخرق عامتها فقالوا له : ما جاء بكم ؟ فقال : الله ابتعثنا لنخرج من شاء من عبادة العباد إلى عبادة الله ومن ضيق الدنيا إلى سعتها ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام فأرسلنا بدينه إلى خلقه لندعوهم إليه فمن قبل ذلك قبلنا منه ورجعنا عنه ومن أبى قاتلناه أبداً حتى نقفي إلى موعود الله قالوا : وما موعود الله ؟ قال : الجنة لمن مات على قتال من أبى والظفر لمن بقي …” ذكرها ابن كثير ،وقال الشافعي ” فدل كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم أن فرض الجهاد إنما هو على أن يقوم به من فيه كفاية للقيام به حتى يجتمع أمران : أحدهما أن يكون بإزاء العدو المخوف على المسلمين من يمنعه والآخر : أن يجاهد من المسلمين من في جهاده كفاية حتى يسلم أهل الأوثان أو يعطي أهل الكتاب الجزية ” ،وقال محمد بن الحسن ” فرضية القتال المقصود منها : إعزاز الدين وقهر المشركين “، وقال ابن القيم ” والمقصود من الجهاد إنما هو أن تكون كلمة الله هي العليا ويكون الدين كله لله … فإن من كون الدين لله إذلال الكفر وأهله وصغاره وضرب الجزية على رؤوس أهله والرق على رقابهم فهذا من دين الله ولا يناقض هذا إلا ترك الكفار على عزهم وإقامة دينهم كما يحبون بحيث تكون لهم الشوكة والكلمة “، فهذا الهدف السامي المتضمن لإعلاء كلمة الله وهي الإسلام وإقامة سلطان الله في الأرض وجعل كلمة الذين كفروا السفلى وإخلاء العالم من الفساد الأكبر الذي هو الشرك وما ينتج عنه وإزالة الطواغيت الذين يحولون بين الناس وبين الإسلام ويُعبِّدونهم لغير الله هو ما يجب أن يسعى إليه المجاهدون في كل مكان وزمان لا تأخذهم في الله لومة لائم .
أيها المسلمون
وهناك أهداف أخرى للجهاد في سبيل الله ومنها : أولا : رد اعتداء المعتدين على المسلمين ، فقد قال الله تعالى : { وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ } البقرة (190)، وفي حديث عياض بن حمار المجاشعي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ذات يوم في خطبته ألا إن ربي أمرني أن أعلمكم ما جهلتم … وقال إنما بعثتك لأبتليك وأبتلي بك … وأبعث جيشاً نبعث خمسة مثله وقاتل بمن أطاعك من عصاك … ” رواه مسلم ،قال النووي ” إنما بعثتك لأبتليك وأبتلي بك معناه لأمتحنك بما يظهر منك من قيامك بما أمرتك به من تبليغ الرسالة وغير ذلك من الجهاد في الله حق جهاده … ” ثانيا : ومن أهداف الجهاد في الاسلام : إزالة الفتنة عن الناس وسواء ما يمارسه الكفار من أشكال التعذيب والتضييق على المسلمين ليرتدوا عن دينهم أو الأوضاع والأنظمة الشركية وما ينتج عنها من فساد في شتى مجالات الحياة أو فتنة الكفار أنفسهم وصدهم عن استماع الحق وقبوله . ثالثا : ومن أهداف الجهاد في الاسلام : حماية الدولة الإسلامية من شر الكفار وحقيقتها حماية للعقيدة والمنهج وكلما امتد الإسلام إلى أرض وأزال عنها أنظمة الشرك صارت داخلة في الدولة الإسلامية . رابعا : ومن أهداف الجهاد في الاسلام : إرهاب الكفار وإخزاؤهم وإذلالهم وإيهان كيدهم وإغاظتهم كما قال الله تعالى : { وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ } الانفال 60، قال ابن القيم ” ولا شيء أحب إلى الله من مراغمة وليه لعدوه وإغاظته له .
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( من أهداف الجهاد في الاسلام )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
وللجهاد أهداف سامية ومصالح كريمة وفوائد عظيمة تتحقق للمسلمين في ذوات أنفسهم متى مارسوا الجهاد ومنها : 1- ففي الجهاد كشف للمنافقين : فإن المسلمين في حال الرخاء والسعة ينضاف إليهم غيرهم ممن يطمعون في تحقيق مكاسب مادية وهم لا يريدون رفع كلمة الله على كلمة الكفر وقد يتصنعون الإخلاص فيخفى أمرهم على كثير من المسلمين وأكبر كاشف لهم هو الجهاد ، فالمنافقون هم العدو الداخلي وكثيراً خطرهم يفوق العدو الخارجي فإذا عرفوا منعوا من الغزو مع المسلمين ولا يستمع المسلمون لما يعرضونه عليهم من أراجيف وتثبيط ومن أقاويل يلبسونها ثياب النصح والإصلاح . 2- وفي الجهاد تمحيص المؤمنين من ذنوبهم : كما قال الله تعالى : (وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (140) وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ (141) أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ) آل عمران (140) :(142)، قال ابن كثير ” وليمحص الله الذين آمنوا أي يكفر عنهم من ذنوبهم إن كان لهم ذنوب وإلا رفع لهم في درجاتهم بحسب ما أصيبوا به وقوله ” ويمحق الكافرين : أي فإنهم إذا ظفروا بغوا وبطروا فيكون ذلك سبب دمارهم وهلاكهم ومحقهم وفنائهم ” ، 3- وفي الجهاد تربية المؤمنين على الصبر والثبات والطاعة وبذل النفس إذ الركون إلى الراحة والدعة وعدم ممارسة الشدائد والصعاب كورث العبد ذلاً وخمولاً وتشبثاً بمتاع الحياة الدنيا وهكذا خوض المعارك ومقاومة الأعداء والتعرض لنيل رضا الله في ساحات الوغى يصقل النفوس ويهذبها ويذكرها بمصيرها ويوجب لها استعداداً للرحيل حتى تصبح ممارسة الجهاد عادة لها تشتاق لها كما يشتاق الخاملون للقعود والراحة
أيها المسلمون
تلك هي بعض أهداف الجهاد في الاسلام ، ألا فكونوا من المجاهدين في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم ، جاهدوا عدوكم بالسلاح وبالكلمة وبكل أنواع الجهاد المتاحة حتى يتحقق النصر ، ويأتي الفرج ، وتعود للأمة أمجادها الضائعة ، وحقوقها المسلوبة ، وتذكروا دائما : قول الله تعالى : (وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ) (126) آل عمران .
الدعاء