خطبة عن أحكام الخلع وحديث (اقْبَلِ الْحَدِيقَةَ وَطَلِّقْهَا تَطْلِيقَةً)
فبراير 29, 2020خطبة عن أهمية الدعاء (رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي)
فبراير 29, 2020الخطبة الأولى ( وَإِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته : (مَا كَانَ لِلَّهِ أَنْ يَتَّخِذَ مِنْ وَلَدٍ سُبْحَانَهُ إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (35) وَإِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ) (35) ،(36) مريم
إخوة الإسلام
لقد دعانا الله عز وجل إلى تدبر القرآن ، فقال الله تعالى : {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آَيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ} [ص: 29]، وفي نفس الوقت ،فقد أنكر الله على من أعرض عن تدبر القرآن ، فقال الله تعالى : {أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ أَمْ جَاءَهُمْ مَا لَمْ يَأْتِ آَبَاءَهُمُ الْأَوَّلِينَ} [المؤمنون: 68]، واليوم إن شاء الله موعدنا مع آيات من كتاب الله ، نتدبرها ، ونسبح في بحار معانيها ، ونرتشف من رحيقها المختوم ، مع قوله تعالى : (وَإِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ) (36) مريم ،ففي التفسير الميسر : وقال عيسى لقومه: وإن الله الذي أدعوكم إليه هو وحده ربي وربكم، فاعبدوه وحده لا شريك له، فأنا وأنتم سواء في العبودية والخضوع له، هذا هو الطريق الذي لا اعوجاج فيه. ، ويقول الطبري : وهذه الآية وإن كان ظاهرُها خبرًا، ففيه الحجة البالغة من الله لرسوله محمد صلى الله عليه وسلم على الوفد الذين حاجُّوه من أهل نجران، بإخبار الله عزّ وجل عن أن عيسى كان بريئًا مما نسبه إليه مَن نسبه إلى غير الذي وصفَ به نفسه، من أنه لله عبدٌ كسائر عبيده من أهل الأرض، إلا ما كان الله جل ثناؤه خصَّه به من النبوة والحجج التي آتاه دليلا على صدقه ، ويقول ابن عاشور : والمراد بالصراط المستقيم اعتقاد الحق ، شُبه بالصراط المستقيم على التشبيه البليغ ، شُبه الاعتقاد الحق في كونه موصولاً إلى الهدى بالصراط المستقيم في إيصاله إلى المكان المقصود باطمئنان بال ، وعُلم أن غير هذا كبنَيّات الطريق مَن سلكها ألقت به في المخاوف والمتالف ، والامام الشعراوي يقول في تفسيرها : إذن اجتمع الرسول والمرسل إليهم في أنهم جميعا مربوبون إلى إله واحد، هو الذي يتولَّى تربيتهم والتربية تقتضي إيجادا من عدم، وتقتضي إمدادا من عدم، وتقتضي رعاية قيومية، وعيسى ابن مريم يقر بعبوديته لله وكأنه يقول: وأنا لم أصنع ذلك لأكون سيدا عليكم، ولكن أنا وأنتم مشتركون في العبودية لله. {إِنَّ الله رَبِّي وَرَبُّكُمْ فاعبدوه هذا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيم}. ومعنى {هذا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيم} أي أنه صراط غير ملتوي، لأن الطريق إذ التوى؛ انحرف عن الهدف … ولذلك لا تجد للناس أهواء ،ولا تجد الناس شيعا ،إلا إذا ابتعدوا عن المركز الجامع لهم ،والمركز الجامع لهم هو العبودية للإله الواحد، وما دامت عبوديته لإله واحد، ففي هذا جمع للناس بلا هوى أو تفرق.
أيها المسلمون
وحينما نتأمل ونتدبر قوله تعالى : (وَإِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ )، فكثيرا ما تمرُّ بالمرء في حياته الدنيا بلاءات متعددة، منها الشديد الذي يُدمي القلوب لشدَّته، ومنها الهين المحتمل؛ ولكن ثمة أمور جليلة هي من أهم عوامل الثبات في الشدة والبلاء، وأرى أن أعظمَها على الإطلاق أن يكون الله جل جلاله هو ربك وإلهك ومولاك.(وَإِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ ) ، فكلما اشتدَّ البلاءُ علمت أنك تستند إلى رُكنك الشديد الذي لا يُضاهيه ركنٌ، فتتوجَّه بقلبك إليه وحده، وتُوقِن أنه يرى دمع عينك، ويسمع أنين صوتك ،ودعواتك، فهو مُطَّلع على قلبك الراضي عن قدره الذي يجري لحكم هو جل جلاله فقط من يعلمها. قد تبكي ، وتبكي؛ ولكنك تُوقن أنه سيمحو عنك ما أهمَّك؛ لا لثقتك بمكانتك عنده، ولكن لعلمك الراسخ أنه جوَاد كريم جبَّار مُدبِّر مُقتدر، بيده مقاليد السماوات والأرض. (وَإِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ )، فالله ربُّنا، ملكُ الملوك، بديع السماوات والأرض، هو ملاذُ المكروبين والمذنبين التائبين، يُنادي عليهم كل ليلة: (هَلْ مِنْ سَائِلٍ فَأُعْطِيَهُ هَلْ مِنْ مُسْتَغْفِرٍ فَأَغْفِرَ لَهُ هَلْ مِنْ تَائِبٍ فَأَتُوبَ عَلَيْهِ هَلْ مِنْ دَاعٍ فَأُجِيبَهُ ». رواه أحمد ، نعم أعلم أن الجميع يعرف الحديث؛ ولكن هل دار بخلدك يومًا أن يُناديك ملكٌ من ملوك الدنيا ويتبسَّط معك، ويدعوك أن تتمنَّى حتى يُلبِّى لك أُمنيتك، حاول أن تتخيَّل ذلك الموقف، وانظر كيف ستكون فرحة قلبك! ، ولله المثل الأعلى في السماوات والأرض، هو ملك الملوك على كل شيء قدير، يتنزَّل نزولًا يليق بمقامه وجلاله؛ ليمتنَّ على عباده الفقراء إليه بقضاء حوائجهم، فيا لفرحة قلوبهم به! ما أسعدَهم من عباد بربهم الكريم القدير جل جلاله! ، ناداه أيوب لَما بلغ أمره مبلغًا عظيمًا بعرض بلائه عليه فقط: ﴿ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ ﴾ [الأنبياء: 83]. ، ناجاه يونس في بطن الحوت في ظلمات بعضها فوق بعض: ﴿ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ ﴾ [الأنبياء: 87]. ، وغيرهما كثير من أصحاب الكربات ، والبليَّات، فلبَّاهم بمحو البلاء، وعوَّض عما مرَّ بهم، لا يملِك مثله إلا هو جل جلاله، وتقدَّست أسماؤه، فالدُّعاء أعظم سلاح للمؤمن في وجه البلايا، أدعوك لتقرأ معي هذه الآية بعيني قلبك: ﴿ وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ﴾ [غافر: 60] ، أنعم وأعظم بها من عطية ، يجود بها علينا ربنا الكريم العظيم! ، ادعُ فقط فسيستجيب، هذا وعد يعدك به ربُّك، ادع موقنًا متوكِّلًا عليه، ولا يعجزك حزنك ويأسك وشيطانك، ادع بجماع قلبك، فيدُ ربِّك مليئة، سحاء الليل النهار.
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( وَإِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
وكذلك من أعظم المعينات على البلاء، وجود القرآن كلام الله بين أيدينا، فمن يرزق الحياة به ومعه على أنه رسائل من الله حتمًا سيترنَّم به قلبه؛ لأنه رسائل العظيم الذي حجابه النور، رزقنا الله وإيَّاكم رؤية وجهه الكريم وهو عنا راضٍ. فقد يحدث أن يمرَّ بك بلاء وتقرأ أو تسمع قول الله جل جلاله: ﴿ وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا ﴾ [الطور: 48]، لو فقه قلبُك أن هذا القول لك في هذه اللحظة التي تعاني فيها مُرَّ البلاء، ستجد حينها مشاعرك تضطرب بين حبٍّ لهذا الرب العظيم يغمُرك وبين رضا وسكينة تشملك، تجود عينك بدمع مدرارٍ فرحًا بما أوتيت من نعمة عظيمة ورسالة جليلة من ربك، تسمع دقَّات قلبك تهتف: من أنا حتى يرعاني الله على عينه؟! ، فأنا العاصي المذنب المقصِّر، أنا ذرة رملٍ في كون ربى العظيم، فيُوقظك إيمانك هاتفًا: إنه الله ليس لكرمه وجوده حدٌّ، إنه الله ليس لرحمته وحلمه وصف: ﴿ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ ﴾ [ق: 37]، (وَإِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ )، فالحمد لله أن الله هو ربنا ،وكفى به وكيلًا ، وهاديًا ونصيرًا. ، وهنا أهمس إلى قلبك المحزون: ممَّ تَحزن والله كافيك؟ ، ممَّ تخشى والله هاديك؟ ، ممَّن تخاف والله نصيرك؟ (وَإِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ )، فلُذْ ببابه منقطعًا، وادعه بتذلُّل وخضوع ويقين، فسيستجيب بمنِّه وجُوده، ولا تتعجَّل فتدبيره لك خيرٌ من تدبيرك لنفسك، والتأخير لحكمٍ جليلات لا يعلمها إلَّا ربُّ الأرض والسماوات، فليطمئن قلبك ولتسكُن نفسُك، فإن فرجه آتٍ وقريب : ﴿ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ * بِنَصْرِ اللَّهِ ﴾ [الروم: 4، 5]
الدعاء