خطبة عن ( شِعَارُ الرسل والْمُؤْمِنِين عَلَى الصِّرَاطِ : رَبِّ سَلِّمْ سَلِّمْ )
يوليو 25, 2021خطبة عن ( وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ)
يوليو 28, 2021الخطبة الأولى ( كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته : (لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ (78) كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ) (78) ،(79) المائدة ، وروى أبو داود في سننه : (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ :قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- : « إِنَّ أَوَّلَ مَا دَخَلَ النَّقْصُ عَلَى بَنِى إِسْرَائِيلَ كَانَ الرَّجُلُ يَلْقَى الرَّجُلَ فَيَقُولُ يَا هَذَا اتَّقِ اللَّهِ وَدَعْ مَا تَصْنَعُ فَإِنَّهُ لاَ يَحِلُّ لَكَ ، ثُمَّ يَلْقَاهُ مِنَ الْغَدِ فَلاَ يَمْنَعُهُ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ أَكِيلَهُ وَشَرِيبَهُ وَقَعِيدَهُ ، فَلَمَّا فَعَلُوا ذَلِكَ ضَرَبَ اللَّهُ قُلُوبَ بَعْضِهِمْ بِبَعْضٍ ». ثُمَّ قَالَ (لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِى إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ) إِلَى قَوْلِهِ (فَاسِقُونَ) ثُمَّ قَالَ : « كَلاَّ وَاللَّهِ لَتَأْمُرُنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلَتَنْهَوُنَّ عَنِ الْمُنْكَرِ وَلَتَأْخُذُنَّ عَلَى يَدَيِ الظَّالِمِ وَلَتَأْطُرُنَّهُ عَلَى الْحَقِّ أَطْرًا وَلَتَقْصُرُنَّهُ عَلَى الْحَقِّ قَصْرًا ».
إخوة الإسلام
من الأخطاء التي حذرنا الله تبارك وتعالى منها ، وكذا رسوله محمد صلى الله عليه وسلم : عدم التناهي عن المنكر ، ومن المعلوم أن هذه المعصية كانت سببا في نزول العقاب على بني اسرائيل ، إذ كان هؤلاء اليهود يُجاهرون بالمعاصي ويرضونها، ولا يَنْهى بعضُهم بعضًا عن أيِّ منكر فعلوه، وهذا من أفعالهم السيئة، وبه استحقوا أن يُطْرَدُوا من رحمة الله تعالى ، وفي مسند أحمد : (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « لَمَّا وَقَعَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ فِي الْمَعَاصِي نَهَتْهُمْ عُلَمَاؤُهُمْ فَلَمْ يَنْتَهُوا فَجَالَسُوهُمْ فِي مَجَالِسِهِمْ – قَالَ يَزِيدُ أَحْسِبُهُ قَالَ وَأَسْوَاقِهِمْ – وَوَاكَلُوهُمْ وَشَارَبُوهُمْ فَضَرَبَ اللَّهُ قُلُوبَ بَعْضِهِمْ بِبَعْضٍ وَلَعَنَهُمْ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ ». وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- مُتَّكِئاً فَجَلَسَ فَقَالَ « لاَ وَالَّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ حَتَّى تَأْطِرُوهُمْ عَلَى الْحَقِّ أَطْراً »، ويقول السعدى في تفسيره : كانوا يفعلون المنكر، ولا ينهى بعضهم بعضا، فيشترك بذلك المباشر، وغيره الذي سكت عن النهي عن المنكر مع قدرته على ذلك. وذلك يدل على تهاونهم بأمر الله، وأن معصيته خفيفة عليهم، فلو كان لديهم تعظيم لربهم لغاروا لمحارمه، ولغضبوا لغضبه، وإنما كان السكوت عن المنكر -مع القدرة- موجبا للعقوبة، لما فيه من المفاسد العظيمة: منها : أن مجرد السكوت، فعل معصية، وإن لم يباشرها الساكت. فإنه -كما يجب اجتناب المعصية- فإنه يجب الإنكار على من فعل المعصية. ومنها: ما تقدم أنه يدل على التهاون بالمعاصي، وقلة الاكتراث بها. ومنها: أن ذلك يجرئ العصاة والفسقة على الإكثار من المعاصي إذا لم يردعوا عنها، فيزداد الشر، وتعظم المصيبة الدينية والدنيوية، ويكون لهم الشوكة والظهور، ثم بعد ذلك يضعف أهل الخير عن مقاومة أهل الشر، حتى لا يقدرون على ما كانوا يقدرون عليه أوَّلًا. ومنها: أن – في ترك الإنكار للمنكر- يندرس العلم، ويكثر الجهل، فإن المعصية- مع تكررها وصدورها من كثير من الأشخاص، وعدم إنكار أهل الدين والعلم لها – يظن أنها ليست بمعصية، وربما ظن الجاهل أنها عبادة مستحسنة، وأي مفسدة أعظم من اعتقاد ما حرَّم الله حلالا؟ وانقلاب الحقائق على النفوس ورؤية الباطل حقا؟” ،ومنها: أن السكوت على معصية العاصين، ربما تزينت المعصية في صدور الناس، واقتدى بعضهم ببعض، فالإنسان مولع بالاقتداء بأضرابه وبني جنسه، وجاء في ظلال القرآن لسيد قطب : «إن العصيان والعدوان قد يقعان في كل مجتمع من الشريرين، المفسدين، المنحرفين. فالأرض لا تخلو من الشر، والمجتمع لا يخلو من الشذوذ، ولكن طبيعة المجتمع الصالح لا تسمح للشر والمنكر أن يصبحا عرفاً مصطلحاً عليه، وأن يصبحا سهلاً يجترئ عليه كل من يهم به». وفي الوسيط لطنطاوي : وهذا شر ما تصاب به الأمم حاضرها ومستقبلها: أن تفشو فيها المنكرات والسيئات والرذائل فلا تجد من يستطيع تغييرها وإزالتها. وقال ابن عطية : (والإجماع منعقد على أن النهي عن المنكر فرض لمن أطاقه وأمن الضرر على نفسه وعلى المسلمين ; فإن خاف فينكر بقلبه ويهجر ذا المنكر ولا يخالطه ) ، وروى الامام أحمد في مسنده : (عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ : « وَالَّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ لَتَأْمُرُنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلَتَنْهَوُنَّ عَنِ الْمُنْكَرِ أَوْ لَيُوشِكَنَّ اللَّهُ أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عِقَاباً مِنْ عِنْدِهِ ثُمَّ لَتَدْعُنَّهُ فَلاَ يَسْتَجِيبُ لَكُمْ » ،وفيه : (عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ حَدَّثَنِي مَوْلًى لَنَا أَنَّهُ سَمِعَ عَدِيًّا يَقُولُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ « إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لاَ يُعَذِّبُ الْعَامَّةَ بِعَمَلِ الْخَاصَّةِ حَتَّى يَرَوُا الْمُنْكَرَ بَيْنَ ظَهْرَانَيْهِمْ وَهُمْ قَادِرُونَ عَلَى أَنْ يُنْكِرُوهُ فَلاَ يُنْكِرُوهُ فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ عَذَّبَ اللَّهُ الْخَاصَّةَ وَالْعَامَّةَ »، وروى ابن ماده في سننه : ( عَنْ أَبِى سَعِيدٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- : « لاَ يَحْقِرْ أَحَدُكُمْ نَفْسَهُ ». قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ يَحْقِرُ أَحَدُنَا نَفْسَهُ قَالَ « يَرَى أَمْرًا لِلَّهِ عَلَيْهِ فِيهِ مَقَالٌ ثُمَّ لاَ يَقُولُ فِيهِ فَيَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَقُولَ فِى كَذَا وَكَذَا فَيَقُولُ خَشْيَةُ النَّاسِ. فَيَقُولُ فَإِيَّايَ كُنْتَ أَحَقَّ أَنْ تَخْشَى ».
أيها المسلمون
فكل مجتمع مهما بلغ من الفضل والرقي لا يستغنى عن هذه الشريحة التي تتمثل فيها المثل العليا لذلك المجتمع ، فتحفظ عليه وجوده المعنوي المتمثل في عقيدته وأخلاقه وضوابط علاقاته ، وهي شريحة الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر ، وهؤلاء يمثلون الخيرية في ذلك المجتمع ، ففي صحيح مسلم : (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « مَا مِنْ نَبِيٍّ بَعَثَهُ اللَّهُ فِي أُمَّةٍ قَبْلِي إِلاَّ كَانَ لَهُ مِنْ أُمَّتِهِ حَوَارِيُّونَ وَأَصْحَابٌ يَأْخُذُونَ بِسُنَّتِهِ وَيَقْتَدُونَ بِأَمْرِهِ ثُمَّ إِنَّهَا تَخْلُفُ مِنْ بَعْدِهِمْ خُلُوفٌ يَقُولُونَ مَا لاَ يَفْعَلُونَ وَيَفْعَلُونَ مَا لاَ يُؤْمَرُونَ فَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِيَدِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ وَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِلِسَانِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ وَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِقَلْبِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ وَلَيْسَ وَرَاءَ ذَلِكَ مِنَ الإِيمَانِ حَبَّةُ خَرْدَلٍ ». وهؤلاء الآمرون بالمعروف الناهون عن المنكر يملكون من التوهج في أرواحهم والحيوية في نفوسهم ما يجعل همَّ مجتمعهم همهم الأكبر ، فيسعد بهم ذلك المجتمع إذ يحفظون عليه توازنه واستقامته وشروط استمراره ، وكما لا يشترط لصحة المجتمع جسمياً وبيئياً أن يكون كل أفراده من الأطباء ، فكذلك لا يشترط في المجتمع المسلم أن يكون كل أفراده من الدعاة الناصحين ، ولكن ينبغي أن تتوفر نسبة كافية في المجتمع مسموعة الصوت ، واضحة التأثير ، تملأ الفراغ الثقافي ، وتملك من الوسائل المؤثرة ما يسمح باستمرار وضوح جادة الحق ،والخير ،والصواب ، ويسمح باستمرار سنة المدافعة بين الحق والباطل على وجه مكافئ ،وهذا ما يشير إليه قوله تعالى : { وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ المُنكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ } [آل عمران : 104] .
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
وقد جرت سنة الله في الابتلاء أن تلقى هذه الفئة (الآمرة بالمعروف ، والناهية عن المنكر ) المُحَارَبة دائماً ، وتلقى الأذية والعنت ، وما ذلك إلا لأنها تسير في الاتجاه المضاد لأهل الشهوات والأهواء ، فالذي يظن أنه باستطاعته أن يسير في دروب الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ، مقوماً للمعوج ، ومحارباً للأهواء والشهوات ، وناصراً للمظلوم ، ثم لا يلحقه شيء مما لحق بهم، فهو واهم ، في ذلك وإلى هذا أشار لقمان وهو يعظ ابنه حين قال الله تعالى على لسانه : { يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ المُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ } [لقمان : 17] ،فقد أشعر ابنه بما يلحقه من الأذية إذا هو قام بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .
أيها المسلمون
فمما يُستفادُ من هذه الآية الكريمة : أنَّ السُّكوتَ عن المنكَرِ مع القُدرةِ موجِبٌ للعقوبة؛ لِمَا فيه من المفاسدِ العظيمة، – أنَّ السُّكوتَ عن المنكَرِ يُجرِّئ العصاةَ والفَسَقةَ على الإكثارِ من المعاصي إذا لم يُردَعوا عنها، فيزدادُ الشرُّ، وتعظُم المصيبةُ الدِّينيَّة والدُّنيويَّة، ويكون لهم الشوكةُ والظهور، ثم بعدَ ذلك يَضعُف أهلُ الخيرِ عن مُقاومةِ أهلِ الشرِّ؛ حتى لا يَقدِروا على ما كانوا يَقدِرون عليه أوَّلًا. – أنَّ في ترْكِ الإنكارِ للمُنكَر اندِراسَ العِلم، وكثرةَ الجَهل؛ فإنَّ المعصية- مع تكرُّرِها وصُدورِها من كثيرٍ من الأشخاص، وعدَم إنكارِ أهلِ الدِّين والعِلم لها- يُظَنُّ أنَّها ليستْ بمعصية، وربَّما ظنَّ الجاهلُ أنَّها عبادةٌ مُستحسَنةٌ، وأيُّ مفسدةٍ أعظمُ مِن اعتقادِ ما حرَّم اللهُ حلالًا، وانقلابِ الحقائقِ على النُّفوسِ، ورؤيةِ الباطل حقًّا؟! – أنَّ السكوت على معصيةِ العاصين، ربَّما يُزيِّن المعصيةَ في صُدورِ النَّاسِ، ويقتدي بعضُهم ببعضٍ؛ فالإنسانُ مُولَع بالاقتداءِ بأضرابِه وبَني جِنسِه – التَّحذيرُ من موالاةِ الكافرينَ؛ لقوله تعالى عقب هذه الآية : (تَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ أَنْ سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ (80) وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالنَّبِيِّ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاءَ وَلَكِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ فَاسِقُونَ) (80) ،(81) المائدة
الدعاء