خطبة عن حديث (إِنَّمَا جُعِلَ الاِسْتِئْذَانُ مِنْ أَجْلِ الْبَصَرِ)
مايو 7, 2022خطبة عن (اللغة العربية وأهمية تعلمها)
مايو 7, 2022الخطبة الأولى ( الهدي الإسلامي في التفكير والتفكر )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته : {أَوَلَمْ يَنظُرُواْ فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِن شَيْءٍ} (الأعراف :185) . وقال الله تعالى : (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لِّأُوْلِي الألْبَابِ) (آل عمران 190).
إخوة الإسلام
إن الاسلام كما أمرنا بالعلم والعبادة؛ فقد أمرنا أيضا بالتفكير والتفكر، قال الله تعالى : (قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا) سبأ 46، وقال الله تعالى : (أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ ) الاعراف 185، وقال الله تعالى: (وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ) (آل عمران191 ) أي : تفكر علم وبحث ودراية واستكشاف وتقص، فيكون الاستنتاج العام لبحثهم وتفكرهم قولهم: (رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ) (آل عمران191). ، وعندما نزلت هذه الآية حذرنا صلى الله عليه وسلم من عدم التفكر فيها، ففي صحيح ابن حبان قال صلى الله عليه وسلم : (لقد نزلت علي الليلة آية ويل لمن قرأها ولم يتفكر فيها : (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ) آل عمران (190) ، والمعنى : فويل لمن قرأها ولم يتفكر فيها تفكر الباحث العالم، لذي يصل إلى أهمية اختلاف الليل والنهار لاستمرار الحياة على الأرض، وإزهار النبات، وتكاثر الحيوان ونموه، ويبحث عن كيف يحيي الله الأرض بالماء، فتنتشر فيها الكائنات الحية ، فهذه كلها ظواهر كونية ، من لم يتفكر فيها غضب الله عليه؛ لتعطيله نعمة التفكير والكفران بها، فالتفكير فيها فريضة إسلامية، فالقرآن الكريم لا يذكر العقل إلا في مقام التعظيم والتنبيه إلى وجوب العمل به ، والرجوع إليه، ولا تأتي الإشارة إليه عارضة في سياق الآية، بل هي تأتي في كل موضع من مواضعها مؤكدة جازمة باللفظ والدلالة، وتتكرر في كل معرض من معارض الأمر والنهي التي يحث فيها المؤمن على تحكيم عقله، أو يلام فيها المنكر على إهمال عقله وقبول الحجر عليه، فالتفكر والتفكير والنظر في كل المخلوقات.. في الأفلاك والعالم العلوي، والعالم السفلي، وفي النفس الإنسانية.. هذه (هي) العقلية التي تتعبد لله بالتفكير، والعقل هو ملكة الإدراك والتفكير والتفكر والإبداع، ويعتبر التفكير والتفكر والإبداع أعلى مراتب الإدراك للعقل، وقد ميز الله سبحانه وتعالى الإنسان بالعقل المدرك والمميز والواعي والمبدع والمفكر والخلاق، والتفكير والتفكُّر سياحة نورانية ورياضة إيمانية؛ ينطلق فيها القلب في وعي، والعقل في يقظة معًا بعيدًا في ساحات الإيمان بلا قيد من جواذب الأرض وقيود الشهوات؛ ليجتمعا على التقاط الحكمة والمعرفة وتحقيق معاني الإيمان والترقي في درجات العبودية. والتفكُّر فرصة عظيمة لاكتشاف مساحة بعيدة شديدة العمق في النفس الإنسانية يصعب الوصول إليها في غير تلك الأجواء النفسية الصافية التي تمتزج فيها أنوار التدبر مع صفاء النفس حتى تصل إلى حقائق العبودية بما فيها من ضَعْف وعَجْز وذلة وعَوَز، ومشاهدة كمالات الربوبية بما فيها من: كمال وجمال وجلال.
والتفكير والتفكر يبدأ بعمليات سهلة بسيطة؛ يلتفت فيها القلب إلى عظيم الآيات المبهرة، وعظيم قدرة الله في خَلْقه، وجلاله في فِعْلِه وتدبيره، في عملية يسيرة لا تحتاج في بدايتها لكبير مجاهدة، ثم ترتقي إلى درجات أعلى في معانيها وأعمق في تأثيرها، فلا يتمكن من الوصول إليها إلا بنوع من المجاهدة ،ولا يستطيعها إلا من رُزق بحظ من البصيرة ، وقِسْط من السموِّ الروحي، وفيها يتجاوز المؤمن بنور بصيرته نور بصره، ويتجاوز ظواهر الأشياء إلى حقائقها، ويرى فضل المنْعِم من وراء النعم، ويشاهد عظيم قدرة الله في كل حركة وسكنة في الكون، ويجمع من عجائب آيات الكون والنفس وعظيم حكمة الشرع؛ فينصب من جميعها شواهد على جلال أسماء الله وصفاته ،وعظيم قدرته وحكمة تقديره. ومن شرَف التفكُّر وعظيم قدره: أن الله تعالى أمر بالتفكُّر والتدبر في كتابه العزيز، وأثنى على المتفكِّرين بقوله تعالى : {وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [آل عمران:191]، وقال سبحانه: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} [الرعد:3]. وقد نعى سبحانه على الغافلين عن النظر والتدبر في كونه، فقال عز وجل: {أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ ءَاذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لاَ تَعْمَى الأَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى القُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ} [الحج:46]، وقال سبحانه وتعالى: {وَكَأَيِّن مِّنْ ءَايَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ} [يوسف:105]. فالتفكير والتفكُّر دوائره المتعددة : فهي تشمل النظرَ في آيات الله الكونية، والتفكُّرَ في آيات الله المقروءة في كتابه الكريم، والتدبرَ في عظيم فِعْل الله وبديع تدبيره وسنن الله في كونه، يقول الإمام ابن القيم حين يصف التفكُّر وعظيم شرفه: “تفكُّر ساعة خير من عبادة سنة؛ فالفكر هو الذي ينقل من موت الفطنة إلى حياة اليقظة، ومن المكاره إلى المحاب، ومن الرغبة والحرص إلى الزهد والقناعة، ومن سجن الدنيا إلى فضاء الآخرة.. ” (مفتاح دار السعادة)
أيها المسلمون
ومن بين مآلات التفكُّر وعظيم نَفْعِه: التعرُّف على الله: فهو المقصود الأسمى والمطلوب الأهم من عبادة التفكُّر، وهو الغاية الجامعة لما سواها من غايات التفكُّر، وما سلك العابدون طريقًا إلى ربهم أسرع ولا أرحب من التفكُّر، وما بثه الله سبحانه في جميع كونه وخَلْقه من عظيم آيات، وما وضع فيها من جميل صُنْعه وحُسْن تصريفه الذي تفرَّد به، تنطق بأن للكون ربًّا مدبِّرًا وتشهد أنه إله عظيم؛ فيخشع القلب لقدرته، ويَذْهل العقل لعظيم تقديره، فتعويد القلب على التفكُّر في كون الله عز وجل وما بثه فيه من آيات، والنظرِ بعين القلب لآثار أسماء الله وصفاته وحكمة أفعاله وواسع قدرته، يستنبت في القلب معاني التوحيد، ويستفيد منه العبد معرفة الرب وجلال عظمته. ومن بين مآلات التفكُّر وعظيم نَفْعِه: إحسان العمل ودوامه: فاستدامة التفكُّر الذي يجمع بين وعي العقل وحضور القلب تصل بصاحبها إلى حُسْن الفهم عن الله، المورِّث للعلم الحقيقي الذي هو قناعة العقل واطمئنان القلب وانقياد الجوارح، قال وهب بن منبه: “ما طالت فكرة امرئ قط إلا فَهِم، وما فَهِم إلا علم، وما علم إلا عمل”
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( الهدي الإسلامي في التفكير والتفكر )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
ومن بين مآلات التفكُّر وعظيم نَفْعِه: هَجْر الذنوب: فالتفكُّر في عَظَمَة الله وواسع قدرته وعظيم بطشه وشديد انتقامه يُورِث القلب خوفًا مزعجًا وخشية تحول بينه وبين شهوات نفسه وأهوائها؛ فالأثر النوراني لهذا التفكُّر يعرقل عمل الشهوات في القلب ويدفع أهواءها على حسب قوة الوارد من أنوار التفكُّر؛ فتُسْلَب الشهوة من عاجل لذتها فما يتبقى منها إلا سوء عاقبتها. قال بِشْر الحافي: “لو تفكَّر الناس في عَظَمَة الله تعالى ما عصوه” ،ومن بين مآلات التفكُّر وعظيم نَفْعِه: استجلاء حقائق الإيمان والتحقق بها: فالتفكُّر يكشف للقلب ما حُجب عنه بسبب الذنوب من معاني الإيمان، ويجلب كلُّ نوع من أنواع التفكُّر للقلب مشهدًا من مشاهد الإيمان وحقيقة من حقائقه؛ فتظل معاني الإيمان وحقائقه: من يقين وخشية وحب ورجاء وتوكُّل وإنابة تلوح للقلب في جَوْلات التفكُّر، وكلما كان التفكُّر في حضرة من القلب وحضور من العقل كانت حقائق الإيمان أكثر وضوحًا وأشد تأثيرًا. قال الحسن: عن عامر بن عبد قيس قال: “سمعت غير واحد ولا اثنين ولا ثلاثة من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم يقولون: إن ضياء الإيمان أو نور الإيمان التفكُّر” ، ومن بين مآلات التفكُّر وعظيم نَفْعِه: رقة القلب: فحينما تستمر جَولات التفكُّر وتتنوع دوائرها؛ فإن ذلك يُورِث القلب رقةً وإخباتًا لما ينطبع فيه من مشاهد العَظَمَة والقدرة والقهر التي تطرد دواعي الكبر والعُجْب وتستنبت بذور الذل والتواضع، ومن مشاهد العفو والرحمة والإحسان والجود ما يستمطر أسباب الحياء والشكر؛ فيندفع مع كل مشهد من مشاهد التفكُّر وكل جَوْلة من جَولاته باعث من بواعث الشر ويستجلب باعثًا من بواعث الخير، ولا يزال القلب في ميدان التفكُّر يدافع الشر ويستجلب الخير حتى يبلغ من الرقة ما يكون معه على حال كريمة قريبًا من الله قريبًا من رحمته. والتفكُّر وإن كانت حاجة الجميع إليه ملحَّة إلا أن الدعاة هم من أكثر أصناف الخلق حاجة إليه؛ لما يُمثِّله التفكُّر في حياة الدعاة من مَعِين روحي وعقلي يمدهم بكثير من مقومات بنائهم الذاتي ونجاحهم الدعوي.
الدعاء