خطبة عن قوله تعالى (رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي)
يوليو 16, 2022خطبة حول حديث (وَأَنَا آمُرُكُمْ بِخَمْسٍ اللَّهُ أَمَرَنِي بِهِنَّ)
يوليو 17, 2022الخطبة الأولى ( وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته : (وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلَا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ) (91) النحل
إخوة الإسلام
الكفيل يأتي بمعنى الوكيل والحفيظ والشهيد والعائل والضامن، وقال ابن جرير في تفسير قولـه تعالى: (وَقَدْ جَعَلْتُمْ اللهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً): أي : وقد جعلتم الله بالوفاء بما تعاقدتم عليه على أنفسكم راعياً، يرعى الموفي منكم بعهد الله الذي عاهد على الوفاء به والناقض) ، والكفيل : هو الذي يتكفل بأرزاق عباده وآجالهم وحسابهم وكل شئونهم ، فهو الذي يقوم بأمر الضعيف والعاجز كاليتيم، فيربيه ويعوله ويرعاه ، وهو الذي يتكفل ويضمن أداء الحقوق والتبعات عن من كفلهم من الضعفاء ، وهو الذي يكفي عباده ما أهمهم ويكفيهم حاجاتهم ، وهو الذي يسد حاجة سائله ،ويجعله في غنى عن سؤال غيره، ويكفيه عدوه، ويحميه من شره، فهو الذي يكفي من توكل عليه ، ويكفل من عاهد به ، فالله سبحانه وتعالى ينتقم ممّن نقض العهد؛ لأنّ المتعاهدين إنّما وثِقوا بكم ،ووثقتم بهم باسم الله سبحانه وتعالى، فصار الله -سبحانه- كفيلاً وحسيبًا ورقيبًا على الجميع، ومن كان الله حسيبَه ورقيبَه ومحاسبه، فإنّه لن يفوت على الله -جل وعلا-، ولا يخفى ما في قلبه وفي نيّته من النّيات الباطلة والغدر، فالله يعلم ما في القلوب، وهذا الكفيل ليس كغيره من الكفلاء، فالكفيل من الخلق قد يغفل، وقد يجهل، ولا يعلم بما يحصل من المكفول، ولكنّ الله -جل وعلا- لا تخفى عليه أفعال خلقه وأعمال عباده، فهو يعلم أفعالكم ونيّاتكم، ومقاصدكم وأهدافكم، وما ترمون إليه، فاحذروا من الله -سبحانه- وتعالى، احذروا من هذا الكفيل العليم الخبير القدير الذي لا يخفى عليه شيء ولا يُعجزه شيء“، ويبين ذلك ويوضحه ما جاء في السنة المطهرة ، كما في صحيح البخاري : (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ – رضى الله عنه – عَنْ رَسُولِ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – « أَنَّهُ ذَكَرَ رَجُلاً مِنْ بَنِى إِسْرَائِيلَ سَأَلَ بَعْضَ بَنِى إِسْرَائِيلَ أَنْ يُسْلِفَهُ أَلْفَ دِينَارٍ ، فَقَالَ ائْتِنِي بِالشُّهَدَاءِ أُشْهِدُهُمْ . فَقَالَ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا .قَالَ فَأْتِنِي بِالْكَفِيلِ . قَالَ كَفَى بِاللَّهِ كَفِيلاً . قَالَ صَدَقْتَ . فَدَفَعَهَا إِلَيْهِ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ، فَخَرَجَ فِي الْبَحْرِ ، فَقَضَى حَاجَتَهُ ، ثُمَّ الْتَمَسَ مَرْكَبًا يَرْكَبُهَا ، يَقْدَمُ عَلَيْهِ لِلأَجَلِ الَّذِى أَجَّلَهُ ، فَلَمْ يَجِدْ مَرْكَبًا ، فَأَخَذَ خَشَبَةً ، فَنَقَرَهَا فَأَدْخَلَ فِيهَا أَلْفَ دِينَارٍ ، وَصَحِيفَةً مِنْهُ إِلَى صَاحِبِهِ ، ثُمَّ زَجَّجَ مَوْضِعَهَا ، ثُمَّ أَتَى بِهَا إِلَى الْبَحْرِ ، فَقَالَ اللَّهُمَّ إِنَّكَ تَعْلَمُ أَنِّى كُنْتُ تَسَلَّفْتُ فُلاَنًا أَلْفَ دِينَارٍ ، فَسَأَلَنِي كَفِيلاً ، فَقُلْتُ كَفَى بِاللَّهِ كَفِيلاً ، فَرَضِىَ بِكَ ، وَسَأَلَنِي شَهِيدًا ، فَقُلْتُ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا ، فَرَضِىَ بِكَ ، وَأَنِّى جَهَدْتُ أَنْ أَجِدَ مَرْكَبًا ، أَبْعَثُ إِلَيْهِ الَّذِى لَهُ فَلَمْ أَقْدِرْ ، وَإِنِّي أَسْتَوْدِعُكَهَا . فَرَمَى بِهَا فِي الْبَحْرِ حَتَّى وَلَجَتْ فِيهِ ، ثُمَّ انْصَرَفَ ، وَهْوَ فِي ذَلِكَ يَلْتَمِسُ مَرْكَبًا ، يَخْرُجُ إِلَى بَلَدِهِ ، فَخَرَجَ الرَّجُلُ الَّذِى كَانَ أَسْلَفَهُ ، يَنْظُرُ لَعَلَّ مَرْكَبًا قَدْ جَاءَ بِمَالِهِ ، فَإِذَا بِالْخَشَبَةِ الَّتِي فِيهَا الْمَالُ ، فَأَخَذَهَا لأَهْلِهِ حَطَبًا ، فَلَمَّا نَشَرَهَا وَجَدَ الْمَالَ وَالصَّحِيفَةَ ، ثُمَّ قَدِمَ الَّذِى كَانَ أَسْلَفَهُ ، فَأَتَى بِالأَلْفِ دِينَارٍ ، فَقَالَ وَاللَّهِ مَا زِلْتُ جَاهِدًا فِي طَلَبِ مَرْكَبٍ لآتِيَكَ بِمَالِكَ ، فَمَا وَجَدْتُ مَرْكَبًا قَبْلَ الَّذِى أَتَيْتُ فِيهِ . قَالَ هَلْ كُنْتَ بَعَثْتَ إِلَىَّ بِشَيْءٍ قَالَ أُخْبِرُكَ أَنِّى لَمْ أَجِدْ مَرْكَبًا قَبْلَ الَّذِى جِئْتُ فِيهِ . قَالَ فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ أَدَّى عَنْكَ الَّذِى بَعَثْتَ فِي الْخَشَبَةِ فَانْصَرِفْ بِالأَلْفِ الدِّينَارِ رَاشِدًا » ، وفي صحيح مسلم : (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « كَافِلُ الْيَتِيمِ لَهُ أَوْ لِغَيْرِهِ أَنَا وَهُوَ كَهَاتَيْنِ فِي الْجَنَّةِ ». وَأَشَارَ مَالِكٌ بِالسَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى). فالله سبحانه وتعالى هو الكفيل بأمر عباده ، فإذا أيقن العبد أن الله كفيل برزقه ، لم يخشَ الناس في أمر الرزق، ولم يطعهم في معصية الله لأجل طلب الرزق، ولم يعصِ الله أصلاً في أي أمرٍ لطلب الرزق ، ومن أيقن أن الله كفيل بأجله، لم يخشَ الناس أن يؤذوه قبل أجله، إذا نصحهم في الله، فإن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا يقرب من أجل، ولا يباعد من رزق ، فالله -سبحانه- هو الكفيل بجميع المخلوقات، فما من مخلوق إلا وهو متمتع برزقه، مغمور بكرمه، فهو -سبحانه- القائم على كل نفس بما يقيمها من قُوتِها، وسع الخلقَ كلهم رزقُه ورحمتُه، لا يخص بذلك مؤمنًا دون كافر، ولا وليًّا دون عدو، يسوقه إلى الضعيف الذي لا حيلة له، كما يسوقه إلى الجلد القوي، متكفل بالأقوات وإيصالها، بحيث يأخذ كل كائن نصيبه من هذه الأرزاق، قال تعالى: (كُلاً نُمِدُّ هَؤُلاءِ وَهَؤُلاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا) [الإسراء:20]. ، فليس في وسع أحد أن يرزق نفسه، أو يدبّر أمر نفسه، ويستقلّ بذاته عن الله الوكيل الكفيل -سبحانه-، وإنما الرزاق وحده هو الله الذي تكفل برزق كل حي، من الإنس والجن، والحيوان والطـير، قال الله سبحانه: (وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلَا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ) [النحل: 91].
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
كل من صدق مع الله، ووثق به، وتوكل عليه، ورضي به -سبحانه- كفيلاً، كان الله كفيله وحسيبه، فأعانه على الوفاء، ويسّر له الأمر من حيث لا يحتسب. وإذا أيقن العبد بهذه المعاني أيقن أن الكفيل -سبحانه- هو الضامن والوكيل والمعطي على الحقيقة؛ لذلك صح عن جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ -رضي الله عنهما-، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (أَيُّهَا النَّاسُ! اتَّقُوا اللهَ، وَأَجْمِلُوا فِي الطَّلَبِ، فَإِنَّ نَفْسًا لَنْ تمُوتَ حَتَّى تَسْتَوْفِيَ رِزْقَهَا وَإِنْ أَبْطَأَ عَنْهَا، فَاتَّقُوا اللهَ وَأَجْمِلُوا فِي الطَّلَبِ، خُذُوا مَا حَلَّ وَدَعُوا مَا حَرُمَ) صححه الألباني ، وإذا تيقن المسلم أن الكافل والرازق في الحقيقة هو الله رب العالمين لم يخضع إلا له، ولم يذل لغيره، وكان حرًّا من سيطرة كل مخلوق، وإذا فهم ذلك على الحقيقة أطاعه واستسلم له راجيًا الخير كله منه، ولم يلجأ للعصيان طلبًا لما يتصوره خيرًا، فالزواج رزقٌ ضمنه الكفيل؛ فلا تطلبه الفتاة لنفسها، والأم لابنتها بوسائل تُغضِب الكفيل -سبحانه-، والمال يملكه الكفيل، فلا يجمعه العبد من الحرام، والجاه والمكانة والعزة والرفعة ليست إلا بيد الكفيل -سبحانه- وتعالى، فإذا اجتنب العبد طريق العصيان كان بعيدًا عن الخذلان، قريبًا من الرحمن الرحيم -سبحانه- ، وفي صورة رائعة يرسم لنا النبي -صلى الله عليه وسلم -صورة رائعة للمؤمن بأنه رجل لا يخاف في الله لومة لائم، ويعرف أن الكفيل بالأرزاق والأعمار هو رب العالمين، ولذلك لا يمنعه خوفُ الناس من أن ينطق بالحق ويصرّح به، فعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (أَلَا لَا يَمْنَعَنَّ أَحَدَكُمْ رَهْبَةُ النَّاسِ أَنْ يَقُولَ بِحَقٍّ إِذَا رَآهُ أَوْ شَهِدَهُ، فَإِنَّهُ لَا يُقَرِّبُ مِنْ أَجَلٍ، وَلَا يُبَاعِدُ مِنْ رِزْقٍ أَنْ يَقُولَ بِحَقٍّ أَوْ يُذَكِّرَ بِعَظِيمٍ) رواه أحمد وصححه الألباني
الدعاء