خطبة عن ( هو اللَّهُ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ)
أغسطس 27, 2022خطبة عن ( إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا )
أغسطس 30, 2022الخطبة الأولى ( من مظاهر قدرة الله: خلق السماء )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته: (أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَاءُ بَنَاهَا (27) رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا (28) وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا (29) وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا (30) أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءَهَا وَمَرْعَاهَا (31) وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا (32) مَتَاعًا لَكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ) (27) :(33) النازعات
إخوة الإسلام
مظاهر قدرة الله تعالى كثيرة ومتعددة ،وقد تحدثت عنها آيات القرآن الكريم في مواضع عدة، فمن مظاهر قدرة الله: قدرته سبحانه في خلق السماء، قال الله تعالى: {أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ } [ق: 6]. فخلق السموات من آيات الله العظام ، فهي من أعظم الآيات في علوها وارتفاعها، وفي سعتها وقرارها، بحيث لا تصعد علواً كالنار، ولا تهبط نازلة كالأجسام الثقيلة، ولا عمد تحتها، ولا علاقة فوقها، قال الله تعالى: {اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى يُدَبِّرُ الْأَمْرَ يُفَصِّلُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ بِلِقَاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ} [الرعد: 2]. وهو سبحانه الرؤوف الرحيم، الذي أمسك بقدرته السماء أن تقع على الأرض، ولولا إمساكه لها لخرت السماء على الأرض، قال الله تعالى: {وَيُمْسِكُ السَّمَاءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إِلَّا بِإِذْنِهِ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ} [الحج: 65]. وهو سبحانه الحي القيوم، القوي القدير، الذي يمسك السموات والأرض أن تزولا، ليحصل للخلق القرار والنفع والاعتبار، وليعلموا من عظيم سلطانه وكمال قدرته، ما تمتلئ به قلوبهم إجلالاً له وتعظيماً، ومحبةً وذلاً، ولو زالتا ما أمسكهما أحد من الخلق، قال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا} [فاطر: 41]. وهو سبحانه الذي خلق سبع سماوات، كل واحدة فوق الأخرى، وخلقها في غاية الحسن والإتقان، لا خلل فيها ولا نقص، فهي حسنة كاملة متناسبة من كل وجه، في لونها وهيئتها وارتفاعها. قال الله تعالى:{الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ (3) ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئًا وَهُوَ حَسِيرٌ} [الملك: 3، 4]. وقد زين الله السماء الدنيا بمصابيح، وهي النجوم على اختلافها في النور والضياء كما قال سبحانه: {وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُومًا لِلشَّيَاطِينِ وَأَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابَ السَّعِيرِ} [الملك: 5]. وقد جعل الله هذه النجوم زينةً وجمالاً للسماء، ونوراً وهدايةً يُهتدى بها في ظلمات البر والبحر، ورجوماً للشياطين الذين يسترقون السمع ويضلون العباد، ولولا هذه النجوم لكانت السماء سقفاً مظلماً لا حسن فيه ولا جمال. فسبحان الذي خلق السماء وبناها، وسواها وعدلها، فلا صدع فيها ولا فطر، ولا شق فيها ولا عوج. وسبحان من زينها بهذا اللون الأزرق، الذي هو أحسن الألوان، وأشدها موافقة للبصر وتقوية له. وسبحان من أمسكها فلا تميل ولا تميد، ولا تزول ولا تسقط، قال الله تعالى: {بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [البقرة: 117].
فمن أراد أن ينظر إلى عظمة الخالق فلينظر إلى مخلوقاته ومصنوعاته، وعظمة أسمائه وصفاته، وآلائه ونعمه، وسعة خزائنه. فما أعظم صنع الله في ملكوت السموات، وعلوها وسعتها، واستدارتها، وعظم خلقها، وحسن بنائها، وجمالها، قال تعالى: {أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ } [ق: 6]. فتأمل خلق السماء، وما فيها من عجائب المخلوقات، وعجائب شمسها وقمرها وكواكبها، ومقاديرها وأشكالها، وتفاوت مشارقها ومغاربها. فلا ذرة فيها تنفك عن حكمة .. بل هي أحكم خلقاً .. وأتقن صنعاً .. وأجمع للعجائب من بدن الإنسان ،كما قال سبحانه: {لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} [غافر: 57]. بل لا نسبة لجميع ما في الأرض إلى عجائب السموات، لسعتها وعظمتها، وعلوها، وما فيها من الملائكة والكواكب، والشمس والقمر، كما قال سبحانه {وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ} [الذاريات: 47]. فالأرض وما فيها من المخلوقات، بالنسبة إلى السموات وما فيها من المخلوقات، كقطرة في بحر، وذرة في جبل. وكما خلق الله الأرض وجعل فيها الإنس والجن، فكذلك خلق السموات السبع وملأها بالملائكة الذين: {يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ} [الأنبياء:20]. وقال النبي – صلى الله عليه وسلم -: «إِنِّي أَرَى مَا لَا تَرَوْنَ، وَأَسْمَعُ مَا لَا تَسْمَعُونَ، أَطَّتِ السَّمَاءُ وَحُقَّ لَهَا أَنْ تَئِطَّ، مَا فِيهَا مَوْضِعُ أَرْبَعِ أَصَابِعَ إِلاَّ وَمَلَكٌ وَاضِعٌ جَبْهَتَهُ سَاجِداً لِلَّهِ، وَاللهِ لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ لَضَحِكْتُمْ قَلِيلاً وَلَبَكَيْتُمْ كَثِيراً وَمَا تَلَذَّذْتُمْ بِالنِّسَاءِ عَلَى الْفُرُشِ وَلَخَرَجْتُمْ إلى الصُّعُدَاتِ تَجْأَرُونَ إلى اللهِ» أخرجه الترمذي
فسبحان الذي خلق هذا السقف الأعظم مع صلابته وشدته وقوته من دخان وهو بخار الماء. وسبحان الذي بنى السموات السبع الشداد كما قال سبحانه: {وَبَنَيْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعًا شِدَادًا} [النبأ: 12]. وقد أمرنا الله عزَّ وجلَّ بالنظر في ملكوت السموات والأرض لما فيها من الآيات والعبر التي تزيد الإيمان كما قال سبحانه: {قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا تُغْنِي الْآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ} [يونس: 101].
والنظر إلى السماء نوعان: الأول: نظر إليها بالبصر الظاهر، فيرى مثلاً زرقة السماء ونجومها وعلوها وسعتها، وهذا نظر يشارك فيه الإنسان غيره من الحيوانات، وليس هو المقصود. الثاني: أن يتجاوز هذا إلى النظر بالبصيرة الباطنة، فتفتح له أبواب السماء، فيجول في أقطارها وملكوتها ، وبين ملائكتها، الذين يسبحون الليل والنهار لا يفترون، ولا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون، ويرى أنبياء الله ورسله الذين بلغوا دينه إلى عباده، آدم في السماء الدنيا، وإبراهيم في السماء السابعة، وغيرهم في السموات الأخرى. ثم يفتح له باب بعد باب، حتى ينتهي به سير القلب إلى عرش الرحمن، فينظر سعته وعظمته، وجلاله ومجده ورفعته، ويرى السموات السبع والأرضين السبع بالنسبة إليه كحلقة ملقاة في أرض فلاة.
ويرى الملائكة الذين يحملونه، والملائكة الذين حوله، حافين من حول العرش، ولهم زجل بالتسبيح والتحميد، والتقديس والتكبير. ويرى الملك العظيم الجبار، الكريم الرحمن، مستو على عرشه، والأوامر تنزل من عنده بتدبير الممالك والجنود والخلائق التي لا يعلمها ولا يحصيها إلا ربها ومليكها. فينزل الأوامر بإحياء قوم .. وإماتة آخرين .. وإعزاز قوم .. وإذلال آخرين .. وإنشاء ملك .. وسلب ملك .. وجبر كسير .. وإغناء فقير .. وشفاء مريض .. وإغاثة ملهوف .. ونصر مظلوم .. وهداية حيران .. وتفريج كرب .. ومغفرة ذنب .. وكشف ضر .. وتحويل نعمة من محل إلى محل .. وغير ذلك. وينظر إلى أمره يتنزل بين السموات والأرض، وفي كل سماء من سمواته السبع، خلق من خلقه .. وأمر من أمره .. وقضاء من قضائه. خلق سبحانه سبع سموات، بين كل سماء وسماء خمسمائة عام، وأمره ينزل بين كل سماء وسماء، وبين الأرض والسماء: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا } [الطلاق: 12]. فإذا رأى القلب هذا .. ورأى حملة العرش ومن حوله يسبحون بحمد ربهم ويؤمنون به .. ورأى الملائكة يطوفون بالبيت المعمور .. ورأى كل سماء مملوءة بالركع السجود من الملائكة .. ورأى قدرة الله تمسك السماء أن تزول أو تقع عل الأرض .. ورأى هذا الملكوت العظيم. فحينئذ يقوم القلب بين يدي الرحمن مطرقاً لهيبته، خاشعاً لعظمته، ذليلاً لعزته، فيسجد بين يدي الرحمن، الملك الحق المبين، سجدة لا يرفع رأسه منها إلى يوم المزيد. وهذه السموات السبع العظيمة، على اتساعها وكبرها وعظمتها، يطويها العزيز الجبار يوم القيامة بيمينه، وهي في يده أصغر من الخردلة كما قال سبحانه: {يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ} [الأنبياء: 104]. وجاء حبر إلى النبي – صلى الله عليه وسلم – فقال: «يَا مُحَمَّدُ! أوْ يَا أبَا الْقَاسِمِ! إِنَّ اللهَ تعالى يُمْسِكُ السموات يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى إِصْبَعٍ، وَالأرَضِينَ عَلَى إِصْبَعٍ، وَالْجِبَالَ وَالشَّجَرَ عَلَى إِصْبَعٍ، وَالْمَاءَ وَالثَّرَى عَلَى إِصْبَعٍ، وَسَائِرَ الْخَلْقِ عَلَى إِصْبَعٍ، ثُمَّ يَهُزُّهُنَّ فَيَقُولُ: أنَا الْمَلِكُ، أنَا الْمَلِكُ، فَضَحِكَ رَسُولُ اللهِ – صلى الله عليه وسلم – تَعَجُّباً مِمَّا قَالَ الْحَبْرُ، تَصْدِيقاً لَهُ، ثُمَّ قَرَأ: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} [الزمر: 67]» متفق عليه، ألا ما أعظم الله، وما أعظم خلقه، وما أعظم قوته.
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( من مظاهر قدرة الله: خلق السماء )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
فالذي خلق الأجرام العظيمة وأتقنها، قادر على إعادة الناس بعد موتهم من باب أولى وأحرى، فما بال أكثر الناس لا يعتبرون بذلك، ولا يجعلونه منهم على بال: {لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} [غافر: 57]. فهل يتعظ الإنسان ويتدبر خلق هذه السموات السبع الطباق، وما فيها من الآيات والعبر؟. قال الله تعالى :{وَجَعَلْنَا السَّمَاءَ سَقْفًا مَحْفُوظًا وَهُمْ عَنْ آيَاتِهَا مُعْرِضُونَ } [الأنبياء: 32]. وهذه الآيات التي تصدرت بها هذه الخطبة : فقد جاء في التفسير الميسر: أبَعْثُكم أيها الناس- بعد الموت أشد وأصعب في تقديركم أم خلق السماء؟ رفعها فوقكم كالبناء، وأعلى سقفها في الهواء لا تفاوت فيها ولا فطور، وأظلم ليلها بغروب شمسها، وأبرز نهارها بشروقها. والأرض بعد خلق السماء بسطها، وأودع فيها منافعها، وفجَّر فيها عيون الماء، وأنبت فيها ما يُرعى من النباتات، وأثبت فيها الجبال أوتادًا لها. خلق سبحانه كل هذه النعم منفعة لكم ولأنعامكم. (إن إعادة خلقكم يوم القيامة أهون على الله من خلق هذه الأشياء، وكله على الله هين يسير). فجاء هذا الخطاب على سبيل التقريع والتوبيخ لهم ، حيث بين لهم – سبحانه – أن إعادتهم إلى الحياة ، ليست بأصعب من خلق السموات والأرض .
أيها الموحد
فقف وتأمل أيها المؤمن، وتدبر وتفكر أيها الانسان، فالتفكر في خلق الله من أجل العبادات التي غفل عنها الكثيرون ، ولأن التفكير يولد التأمل في خلق الله ، واستشعار عظمته سبحانه وتعالى .. تأمل في ملكوت السموات والأرض وما فيها من إبداعات حيرت العقول ، وترامى تحت عجائبها المفكرون الفحول ، بل عجزت كل الوسائل الدقيقة والتقنية الحديثة أن تصل إلى شأو هذا الكون الفسيح ، المترامي الأطراف فرجع البصر خاسئا وهو حسير .ففي هذه السماء مخلوقات عظيمة تفوق الخيال ، وتتجاوز المحيط الفكري ، وحدود الخواطر ، فهذه المخلوقات تسير وفق خطة محكمة ، لا تتعدى حدودها المرسومة لها ، ولا تميل عن مسارها .. وهذه المخلوقات العلوية مرتبطة ارتباطا وثيقا بحياة المخلوقات السفلية الكائنة في هذه الأرض المليئة بالعجائب هي الأخرى . فهذه الشمس ، هذا المخلوق العظيم الذي لا غنى للمخلوقات على الأرض من الحرارة والأشعة الصادرة منه …فالشمس تمد الأرض بالدفء مما يجعل حياة المخلوقات على هذه البسيطة ممكنة الحدوث والاستمرار . وبالضياء الذي نحتاجه في كل مجالات الحياة وأهمه الخروج إلى السعي وراء أرزاقنا، وأما النباتات وباقي الكائنات الحية فضوء الشمس ضروري لها ومهم لقيامه بعملية التمثيل الضوئي . والشمس تصدر طاقات هائلة يستغلها الإنسان وكم من دول تولد الكهرباء والطاقات الأخرى مما تصدره الشمس . ومن الناحية الطبية فإن أشعة الشمس تفيد الجلد في إنتاج الفيتامين ( د ) الضروري لنمو العظم ، وتدور الأرض حول الشمس في عام كامل ، مما يفيد الإنسان في عمل الحسابات الكونية وعد السنين . وحرارةُ الشمس تبخر الماءَ فتسوقُ السحاب ، وترفعه فوق الجبال ، وتقـودُه إلى بلد ميت ، فتنبتُ الزرعَ ، وتدر الضرع ، وغير ذلك مما نعلمه ومالا نعلمه . ومن غير الهواء وحرارة الشمس ما كنا وجدنا حبة قمح ، أو تمرة ، أو شجرة . ولو كانت الشمس دائمة السطوع علينا لاحترقت جميع النباتات ، ولكن تعاقب الليل والنهار بانتظام يعمل على تنشيط تكون الغذاء .{ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالْنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالْنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ } (12) النحل .
الدعاء