خطبة عن (قصة مُؤْمِن آلِ فِرْعَوْنَ: دروس وعبر)
سبتمبر 23, 2017خطبة عن اسم الله (الشَاكِر والشَكُور)
سبتمبر 30, 2017الخطبة الأولى ( إِنَّ خِيَارَكُمْ أَحَاسِنُكُمْ أَخْلاَقًا )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته : (وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ) (4) القلم ، وروى البخاري في صحيحه : (عَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ
كُنَّا جُلُوسًا مَعَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو يُحَدِّثُنَا إِذْ قَالَ : لَمْ يَكُنْ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – فَاحِشًا وَلاَ مُتَفَحِّشًا ، وَإِنَّهُ كَانَ يَقُولُ « إِنَّ خِيَارَكُمْ أَحَاسِنُكُمْ أَخْلاَقًا »
إخوة الإسلام
إن الأخلاق الحسنة في دين الإسلام لها شأن عظيم ،ومكانة عالية رفيعة ، ولذلك دعا الاسلام إلى التحلي بحسن الخلق ، بل وجعل الاسلام التفاوت في الإيمان بين المسلمين هو حُسن الخلق، فأحسنهم أخلاقًا هو أكملهم إيمانًا؛ ففي مسند الإمام أحمد : (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « أَكْمَلُ الْمُؤْمِنِينَ إِيمَاناً أَحْسَنُهُمْ خُلُقاً » ، ولهذا كان أحبَّ الناس إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم ، وأقربهم منه مجلسًا يوم القيامة ،أحسنُهم خُلُقًا، ففي مسند أحمد 🙁 أن النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ « أَلاَ أُخْبِرُكُمْ بِأَحَبِّكُمْ إِلَىَّ وَأَقْرَبِكُمْ مِنِّى مَجْلِساً يَوْمَ الْقِيَامَةِ ». فَسَكَتَ الْقَوْمُ فَأَعَادَهَا مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلاَثاً قَالَ الْقَوْمُ نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ « أَحْسَنُكُمْ خُلُقاً » ، ولما كان لحسن الخلق هذه المنزلة العالين والمكانة الرفيعة ، فقد كان حُسن الخلق أثقل شيء في الميزان يوم القيامة قال صلى الله عليه وسلم : “مَا مِنْ شَيْءٍ يُوضَعُ فِي الْـمِيزَانِ أَثْقَلُ مِنْ حُسْنِ الْـخُلُقِ” صحيح الأدب المفرد ،بل وكان حسن الخلق أيضا أكثر شيء يُدخِل الناس الجنة ، ففي سنن الترمذي (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ : سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- عَنْ أَكْثَرِ مَا يُدْخِلُ النَّاسَ الْجَنَّةَ فَقَالَ « تَقْوَى اللَّهِ وَحُسْنُ الْخُلُقِ » ،وقد لخَّص النبي صلى الله عليه وسلم مهمته ورسالته في قوله: “إِنَّمَا بُعِثْتُ لأُتَمِّمَ مَكَارِمَ الأَخْلاَقِ” رواه البيهقي
أيها المسلمون
وحسن الخلق كلمة شاملة وجامعة لكل خصال الخير ، وقد سئل بعض العلماء عن علامات حسن الخلق فقال:
أن يكون المرء كثير الحياء ،قليل الأذى ،كثير الصلاح ، صدوق اللسان، قليل الكلام ،كثير العمل، قليل الزلل ، قليل الفضول، براً وصولاً ، وقوراً صبوراً شكوراً رضياً ، حكيماً رفيقاً عفيفاً شفيقاً، لا لعاناً ولا سباباً ولا نماماً ولا مغتاباً ، ولا عجولاً ولا حقوداً ولا بخيلاً ولا حسوداً ، بشاشاً هشاشاً ، يحب في الله ، ويبغض في الله ،ويرضى في الله ،ويغضب في الله . ويقول السفاريني : حسن الخلق القيام بحقوق المسلمين ، وهي كثيرة ومنها : أن يحب لهم ما يحب لنفسه ، وأن يتواضع لهم ،ولا يفخر عليهم ولا يختال ، فإن الله لا يحب كل مختال فخور، ولا يتكبر ولا يعجب ، فإن ذلك من عظائم الأمور . ومن حسن الخلق أيضا : أن يوقر الشيخ الكبير , ويرحم الطفل الصغير ، ويعرف لكل ذي حق حقه ، مع طلاقة الوجه ، وحسن التلقي ، ودوام البشر ، ولين الجانب ، وحسن المصاحبة ، وسهولة الكلمة ، مع إصلاح ذات بين إخوانه ، وتفقد أقرانه وإخوانه ، وأن لا يسمع كلام الناس بعضهم في بعض ، وأن يبذل معروفه لهم لوجه الله ، لا لأجل غرض مع ستر عوراتهم ، وإقالة عثراتهم ، وإجابة دعواتهم ، وأن يحلم عن من جهل عليه ويعفوا عمن ظلمه ، ويصل من قطعه ، ويعطي من حرمه . وقال الحسن البصري – رحمه الله تعالى – “معالي الأخلاق للمؤمن، قوة في لين ، وحزم في دين ، وإيمان في يقين ، وحرص على العلم ، واقتصاد في النفقة، وبذل في السعة ، وقناعة في الفاقة ، ورحمة للمجهود ، وإعطاء في كرم ، وبر في استقامة ” ،ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى وهو يتكلم عن منهج السلف في الأخلاق والسلوك : “يأمرون بالصبر عند البلاء ، والشكر عند الرخاء، والرضا بمر القضاء، ويدعون إلى مكارم الأخلاق ومحاسن الأعمال “وقد جمع محاسن الأخلاق علقمة العطاردي رحمه الله تعالى في وصيته لابنه لما حضرته الوفاة، قال: يا بني إذا أردت صحبة إنسان : ( فاصحب من إذا خدمته صانك، وإن صحبته زانك، وإن قعدت بك مؤنة مانك ،اصحب من إذا مددت يدك بخير مدها، وإن رأى منك حسنة عدها، وإن رأى منك سيئة سدها. اصحب من إذا قلت صدق قولك، وإن حاولت أمرا أمرك، وإن تنازعتما في شر آثرك ) . واعلموا إخوتي في الله أن الأخلاق الكريمة تدعو إليها الفطر السليمة، بل إن العقلاء من البشر يجمعون على أن : الصدق ، والوفاء بالعهد ، والجود ، والصبر ، والشجاعة ، وبذل المعروف ، كلها أخلاق فاضلة ،يستحق صاحبها التكريم والثناء، وأن الكذب ،والغدر ،والجبن ،والبخل ، كلها أخلاق سيئة يذم صاحبها. وعَنْ الْفُضَيْلِ أَنَّهُ قَالَ : مَنْ سَاءَ خُلُقُهُ سَاءَ دِينُهُ .
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( إِنَّ خِيَارَكُمْ أَحَاسِنُكُمْ أَخْلاَقًا )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
ولما كان لحسن الخلق هذا الفضل العظيم ، فقد كان مطلبا لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في دعائهم ، فعن أم الدرداء قالت : قام أبو الدرداء ليلة يصلي ، فجعل يبكي ويقول : اللهم أحسنت خلقي فحسن خلقي ، حتى أصبح ، قلت : يا أبا الدرداء ، ما كان دعاؤك منذ الليلة إلا في حسن الخلق ؟ فقال : يا أم الدرداء ، إن العبد المسلم يحسن خلقه ، حتى يدخله حسن خلقه الجنة ، ويسيء خلقه ، حتى يدخله سوء خلقه النار . نعم أخي المسلم : إن جمال الأخلاق هو الذي يصبغ الحياة بالجمال، ويجعل المعاملات مع الناس ومع كافة المخلوقات مصحوبة بالرحمة والبر والخير، وهذه هي الغاية والمقصد الذي جاء به الإسلام، ولقي في سبيله النبي صلى الله عليه وسلم كل هذه العذابات والأخطار .
ولذلك لما (قَالَ رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ فُلاَنَةَ تَذْكُرُ مِنْ كَثْرَةِ صَلاَتِهَا وَصِيَامِهَا وَصَدَقَتِهَا غَيْرَ أَنَّهَا تُؤْذِى جِيرَانَهاَ بِلِسَانِهَا قَالَ « هِيَ فِي النَّارِ ». قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَإِنَّ فُلاَنَةَ تَذْكُرُ مِنْ قِلَّةِ صِيَامِهَا وَصَدَقَتِهَا وَصَلاَتِهَا وَأَنَّهَا تَصَدَّقُ باِلأَثْوَارِ مِنَ الأَقِطِ وَلاَ تُؤْذِى جِيرَانَهَا بِلِسَانِهَا قَالَ « هِيَ فِي الْجَنَّةِ » رواه أحمد . فكأنَّ رسالة الاسلام ، هذه الرسالة التي خطَّتْ مجراها في تاريخ الحياة، وبذل صاحبها جهدًا كبيرًا في مدِّ شُعاعها، وجمع الناس حولها ، لا تنشد أكثر من تدعيم فضائلهم وأخلاقهم . ولذلك كان لحسن الخلق أجر عظيم، فقد روى الترمذي وصححه عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: « مَا شَيْءٌ أَثْقَلُ فِي مِيزَانِ الْمُؤْمِنِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ خُلُقٍ حَسَنٍ ) ، ألا فحسنوا أخلاقكم ، فإن صاحب الخلق الحسن درجته ومنزلته في الدار الآخرة من أشرف المنازل ، ويبينها لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم كما في سنن أبي داود : (عَنْ أَبِى أُمَامَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « أَنَا زَعِيمٌ بِبَيْتٍ فِي رَبَضِ الْجَنَّةِ لِمَنْ تَرَكَ الْمِرَاءَ وَإِنْ كَانَ مُحِقًّا وَبِبَيْتٍ فِي وَسَطِ الْجَنَّةِ لِمَنْ تَرَكَ الْكَذِبَ وَإِنْ كَانَ مَازِحًا وَبِبَيْتٍ فِي أَعْلَى الْجَنَّةِ لِمَنْ حَسَّنَ خُلُقَهُ ».
الدعاء