دروس عن : السنن الربانية
يونيو 16, 2018خطبة عن: من أخلاف المسلم : (الوفاء)
يونيو 16, 2018الخطبة الأولى ( من أخلاق المسلم 🙁 الورع والزهد )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
روى الطبراني في معجمه وصححه الألباني (عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :(إن من حسن إسلام المرء تركه مالا يعنيه) ، وروى ابن ماجة في سننه وصححه الألباني : (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ ،قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « يَا أَبَا هُرَيْرَةَ كُنْ وَرِعًا تَكُنْ أَعْبَدَ النَّاسِ وَكُنْ قَنِعًا تَكُنْ أَشْكَرَ النَّاسِ وَأَحِبَّ لِلنَّاسِ مَا تُحِبُّ لِنَفْسِكَ تَكُنْ مُؤْمِنًا وَأَحَسِنْ جِوَارَ مَنْ جَاوَرَكَ تَكُنْ مُسْلِمًا وَأَقِلَّ الضَّحِكَ فَإِنَّ كَثْرَةَ الضَّحِكِ تُمِيتُ الْقَلْبَ ». وروى مسلم في صحيحه :(قَالَ رَسُولَ اللَّه صلى الله عليه و سلم: «إِنَّ الْحَلَالَ بَيِّنٌ وَإِنَّ الْحَرَامَ بَيِّنٌ وَبَيْنَهُمَا مُشْتَبِهَاتٌ لَا يَعْلَمُهُنَّ كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ فَمَنْ اتَّقَى الشُّبُهَاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ وَمَنْ وَقَعَ فِي الشُّبُهَاتِ وَقَعَ فِي الْحَرَامِ كَالرَّاعِي يَرْعَى حَوْلَ الْحِمَى يُوشِكُ أَنْ يَرْتَعَ فِيهِ»
إخوة الإسلام
من أخلاق المؤمنين ، وصفات الموحدين ، خلق الورع ، وهو خلق يطهر القلب ، ويصون النفس ،ويحفظها ويحميها ،عما يشينها ويعيبها ويزري بها . وقد وردت تعاريفُ كثيرة عند السلف والعلماء للورع، ومنها قولهم : الوَرَعُ: ترك ما يريبُك، ونفي ما يعيبك، والأخذ بالأوثق، وحمل النفس على الأشق . والوَرَع : هو الكف عن كثيرٍ من المباح، والانقباض عن بعض الحلال ،خشية الوقوع في الحرام ، فلا يبلغ العبد حقيقة التقوى والورع حتى يدع ما لا بأس به حذرا مما به بأس، وقال بعض الصحابة :”كنا ندع سبعين بابا من الحلال مخافة أن نقع في الحرام”. وقال يحيى بن معاذ: الورع على وجهين: ورع في الظاهر وورع في الباطن. فورع الظاهر: أن لا يتحرك الإنسان إلا لله، وورع الباطن: هو أن لا تدخل قلبك سوى الله ،وقال يونس بن عبيد رحمه الله: الورع هو الخروج من كل شبهة، ومحاسبة النفس في كل طرفة عين ، وقيل: هو تجنب الشبهات، ومراقبة الخطرات. وقال ابن القيم رحمه الله: هو ترك ما يُخشى ضرره في الآخرة ، فخلق الورع من أعلى مراتب الإيمان ،بل ربما من اسماها وأعظمها قدرا عند الله سبحانه وتعالى ،فربما يكون المسلم مصلياً أو قواما ًأو صواماً أو داعية أو خطيباً أو عالماً، ولكن من الصعب إن يكون ورعاً، فالوًرع رتبة من الصعب نيلها إلا إذا تحقق مفهوم الإخلاص ، وهناك مسألة مهمة جدا في الورع وهي قضية العلم، لأنه لا يمكن التورُع بدون علم، وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله كلاما مهما في هذا، قال: “تمام الورع أن يعلم الإنسان خير الخيرين وشر الشرين، ويعلم أن الشريعة مبناها على تحصيل المصالح وتكميلها وتعطيل المفاسد وتقليلها،
كما يجب علينا أن نتجنب الخلط بين مفهومي الوٌرع والتشدد : فالورع هو ترك ما لا بأس به حذراً مما به من بأس، كترك بعض المباحات أو التقليل منها لتهذيب النفس ولتقوية الوازع الداخلي، وأمّا التشدّد فهو تحريم الحلال او ترك الحلال بصفة التعبد بما هو ليس بعبادة، ومن آثار الوُرع :حجز اللسان عن قول الزور والخوض في إعراض الناس، ومنع القلب من سوء الظن بالآخرين أو ظلمهم، وكف الإنسان عن إيذاء الآخرين أو إلحاق الضرر بهم، فالمسلم عليه أن يتورع في الجوانب التي قد يؤدي الولوغ فيها للمهالك ،سواء في النظر أو في السمع، أو في الشم، أو في اللسان، أو في البطن، أو في الفرج، أو في اليد، أو في الرجل ،وهكذا.. والنبي صلى الله عليه وسلم قد علمنا الورع ، ففي صحيح مسلم (عَنِ النَّوَّاسِ بْنِ سَمْعَانَ الأَنْصَارِيِّ قَالَ سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- عَنِ الْبِرِّ وَالإِثْمِ فَقَالَ « الْبِرُّ حُسْنُ الْخُلُقِ وَالإِثْمُ مَا حَاكَ فِي صَدْرِكَ وَكَرِهْتَ أَنْ يَطَّلِعَ عَلَيْهِ النَّاسُ ». وروى أحمد في مسنده : (فَقَالَ الْبَدَوِيُّ أَخَذَ بِيَدِي رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَجَعَلَ يُعَلِّمُنِي مِمَّا عَلَّمَهُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى وَقَالَ « إِنَّكَ لَنْ تَدَعَ شَيْئاً اتِّقَاءَ اللَّهِ جَلَّ وَعَزَّ إِلاَّ أَعْطَاكَ اللَّهُ خَيْراً مِنْهُ » ، وفيه أيضا : (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « أَرْبَعٌ إِذَا كُنَّ فِيكَ فَلاَ عَلَيْكَ مَا فَاتَكَ مِنَ الدُّنْيَا حِفْظُ أَمَانَةٍ وَصَدْقُ حَدِيثٍ وَحُسْنُ خَلِيقَةٍ وَعِفَّةٌ فِي طُعْمَةٍ »
أيها المسلمون
وللورع فضائل متعددة ، وفوائد كثيرة ، فمن فضائل الورع وآثاره في حياة المؤمن : أولا : أن الورع أساس التقوى: ففي سنن الترمذي بسند حسن (عَنْ عَطِيَّةَ السَّعْدِىِّ وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ ،قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « لاَ يَبْلُغُ الْعَبْدُ أَنْ يَكُونَ مِنَ الْمُتَّقِينَ حَتَّى يَدَعَ مَا لاَ بَأْسَ بِهِ حَذَرًا لِمَا بِهِ الْبَأْسُ ». ثانيا : من فضائل الورع : أنه من أعلى مراتب الإيمان وأفضل درجات الإحسان: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « يَا أَبَا هُرَيْرَةَ كُنْ وَرِعًا تَكُنْ أَعْبَدَ النَّاسِ وَكُنْ قَنِعًا تَكُنْ أَشْكَرَ النَّاسِ وَأَحِبَّ لِلنَّاسِ مَا تُحِبُّ لِنَفْسِكَ تَكُنْ مُؤْمِنًا وَأَحَسِنْ جِوَارَ مَنْ جَاوَرَكَ تَكُنْ مُسْلِمًا وَأَقِلَّ الضَّحِكَ فَإِنَّ كَثْرَةَ الضَّحِكِ تُمِيتُ الْقَلْبَ » رواه ابن ماجة. وفي مسند البزار وصحح الألباني : (عَنْ حُذَيْفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، قَالَ :قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : فَضْلُ الْعِلْمِ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ فَضْلِ الْعِبَادَةِ ، وَخَيْرُ دِينِكِمُ الْوَرَعُ ). ثالثا : من فضائل الورع : أنه يحقق للمؤمن راحة البال، وطمأنينة النفس: فالورع يطهر دنس القلب ونجاسته كما يطهر الماء دنس الثوب ونجاسته وهو صون النفس وحفظها وحمايتها عما يشينها ويعيبها ويزري بها عند الله عز و جل وملائكته وعباده المؤمنين وسائر خلقه، رابعا : من فضائل الورع : التعويض بالخير: وهذه بشارة جِدّ عظيمة، يعقلها من كان له قلبٌ أو ألقى السمع وهو شهيد، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « إِنَّكَ لَنْ تَدَعَ شَيْئاً اتِّقَاءَ اللَّهِ جَلَّ وَعَزَّ إِلاَّ أَعْطَاكَ اللَّهُ خَيْراً مِنْهُ » رواه احمد خامسا : من فضائل الورع : الكف عن الحرام والبعد عما لا ينبغي: قال الحسن رحمه الله: مازالت التقوى بالمتقين حتى تركوا كثيرًا من الحلال مخافة الحرام، وقال ابن عمر رضي الله عنهما: إني لأحب أن أدعَ بيني وبين الحرام سترةٌ من الحلال لا أخرقها. سادسا : من فضائل الورع : أن المؤمن الورِع يستجاب دعاؤه: ففي صحيح مسلم (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ اللَّهَ طَيِّبٌ لاَ يَقْبَلُ إِلاَّ طَيِّبًا وَإِنَّ اللَّهَ أَمَرَ الْمُؤْمِنِينَ بِمَا أَمَرَ بِهِ الْمُرْسَلِينَ فَقَالَ ( يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّى بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ) وَقَالَ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ) ». ثُمَّ ذَكَرَ الرَّجُلَ يُطِيلُ السَّفَرَ أَشْعَثَ أَغْبَرَ يَمُدُّ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ يَا رَبِّ يَا رَبِّ وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ وَمَشْرَبُهُ حَرَامٌ وَمَلْبَسُهُ حَرَامٌ وَغُذِىَ بِالْحَرَامِ فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لِذَلِكَ ». فتأمل العقوبة العظيمة لمن ترك الورع، فرغم أن كل هيئة الرجل وعمله غاية في القوة والتعبد إلا أن عدم تورعه عن الحرام رد كل هذه العبادات، وضيع دعاءه سدىً.
أيها المسلمون
ومن قصص السابقين من أهل الورع ، ما روي في الصحيحين : (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ – رضى الله عنه – قَالَ ،قَالَ النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – « اشْتَرَى رَجُلٌ مِنْ رَجُلٍ عَقَارًا لَهُ ، فَوَجَدَ الرَّجُلُ الَّذِى اشْتَرَى الْعَقَارَ فِي عَقَارِهِ جَرَّةً فِيهَا ذَهَبٌ ، فَقَالَ لَهُ الَّذِى اشْتَرَى الْعَقَارَ خُذْ ذَهَبَكَ مِنِّى ، إِنَّمَا اشْتَرَيْتُ مِنْكَ الأَرْضَ ، وَلَمْ أَبْتَعْ مِنْكَ الذَّهَبَ . وَقَالَ الَّذِى لَهُ الأَرْضُ إِنَّمَا بِعْتُكَ الأَرْضَ وَمَا فِيهَا ، فَتَحَاكَمَا إِلَى رَجُلٍ ، فَقَالَ الَّذِى تَحَاكَمَا إِلَيْهِ أَلَكُمَا وَلَدٌ قَالَ أَحَدُهُمَا لِي غُلاَمٌ . وَقَالَ الآخَرُ لِي جَارِيَةٌ . قَالَ أَنْكِحُوا الْغُلاَمَ الْجَارِيَةَ ، وَأَنْفِقُوا عَلَى أَنْفُسِهِمَا مِنْهُ ، وَتَصَدَّقَا » ، وأما عن صور الورع في حياة سيد الأولين والآخرين ، وإمام المتقين ، وأول العابدين ، ففي الصحيحين أن (أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ أَخَذَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِىٍّ تَمْرَةً مِنْ تَمْرِ الصَّدَقَةِ فَجَعَلَهَا فِي فِيهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « كِخْ كِخْ ارْمِ بِهَا أَمَا عَلِمْتَ أَنَّا لاَ نَأْكُلُ الصَّدَقَةَ ». وفي الصحيحين : (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- أَنَّهُ قَالَ « إِنِّي لأَنْقَلِبُ إِلَى أَهْلِي فَأَجِدُ التَّمْرَةَ سَاقِطَةً عَلَى فِرَاشِي ثُمَّ أَرْفَعُهَا لآكُلَهَا ثُمَّ أَخْشَى أَنْ تَكُونَ صَدَقَةً فَأُلْقِيهَا ». ومن صور الورع في حياة صديق الأمة أبي بكر الصديق ، فقد روى البخاري في صحيحه (عَنْ عَائِشَةَ – رضى الله عنها – قَالَتْ كَانَ لأَبِى بَكْرٍ غُلاَمٌ يُخْرِجُ لَهُ الْخَرَاجَ ، وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ يَأْكُلُ مِنْ خَرَاجِهِ ، فَجَاءَ يَوْمًا بِشَيْءٍ فَأَكَلَ مِنْهُ أَبُو بَكْرٍ فَقَالَ لَهُ الْغُلاَمُ تَدْرِى مَا هَذَا فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ وَمَا هُوَ قَالَ كُنْتُ تَكَهَّنْتُ لإِنْسَانٍ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَمَا أُحْسِنُ الْكِهَانَةَ ، إِلاَّ أَنِّى خَدَعْتُهُ ، فَلَقِيَنِي فَأَعْطَانِي بِذَلِكَ ، فَهَذَا الَّذِى أَكَلْتَ مِنْهُ . فَأَدْخَلَ أَبُو بَكْرٍ يَدَهُ فَقَاءَ كُلَّ شَيْءٍ فِي بَطْنِهِ) .
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( من أخلاق المسلم 🙁 الورع والزهد )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
ومن صور الورع في حياة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، ما رواه البخاري (عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضى الله عنه قَالَ كَانَ فَرَضَ لِلْمُهَاجِرِينَ الأَوَّلِينَ أَرْبَعَةَ آلاَفٍ فِي أَرْبَعَةٍ ، وَفَرَضَ لاِبْنِ عُمَرَ ثَلاَثَةَ آلاَفٍ وَخَمْسَمِائَةٍ فَقِيلَ لَهُ هُوَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ ، فَلِمَ نَقَصْتَهُ مِنْ أَرْبَعَةِ آلاَفٍ فَقَالَ إِنَّمَا هَاجَرَ بِهِ أَبَوَاهُ . يَقُولُ لَيْسَ هُوَ كَمَنْ هَاجَرَ بِنَفْسِهِ) ، وعن ابن شهاب: قال ثعلبة بن أبي مالك: إن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قسم مروطًا بين نساءٍ من نساء المدينة، فبقي مرطٌ جيد، فقال له بعض من عنده: يا أمير المؤمنين! أعطِ هذا ابنة رسول الله صلى الله عليه و سلم التي عندك، يريدون أم كلثوم بنت علي، لأن عمر تزوجها فتكون حفيدة النبي صلى الله عليه و سلم، فقال عمر: أم سليط أحقّ، و أمُّ سليط هي من نساء الأنصار، ممن بايع رسول الله صلى الله عليه و سلم، قال عمر رضي الله عنه: فإنها كانت تزفر – تخيط – لنا القرب يوم أحد ،ومن صور الورع في حياة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ما رواه البخاري أن (أَبَا قَتَادَةَ – رضى الله عنه – قَالَ كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – بِالْقَاحَةِ مِنَ الْمَدِينَةِ عَلَى ثَلاَثٍ ح . وَحَدَّثَنَا عَلِىُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ حَدَّثَنَا صَالِحُ بْنُ كَيْسَانَ عَنْ أَبِى مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِى قَتَادَةَ – رضى الله عنه – قَالَ كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – بِالْقَاحَةِ ، وَمِنَّا الْمُحْرِمُ ، وَمِنَّا غَيْرُ الْمُحْرِمِ ، فَرَأَيْتُ أَصْحَابِي يَتَرَاءَوْنَ شَيْئًا فَنَظَرْتُ ، فَإِذَا حِمَارُ وَحْشٍ – يَعْنِى وَقَعَ سَوْطُهُ – فَقَالُوا لاَ نُعِينُكَ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ ، إِنَّا مُحْرِمُونَ . فَتَنَاوَلْتُهُ فَأَخَذْتُهُ ، ثُمَّ أَتَيْتُ الْحِمَارَ مِنْ وَرَاءِ أَكَمَةٍ ، فَعَقَرْتُهُ ، فَأَتَيْتُ بِهِ أَصْحَابِي ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ كُلُوا . وَقَالَ بَعْضُهُمْ لاَ تَأْكُلُوا . فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ – صلى الله عليه وسلم – وَهُوَ أَمَامَنَا ، فَسَأَلْتُهُ فَقَالَ « كُلُوهُ حَلاَلٌ » فانظروا كيف تورعوا عن الإشارة والمعاونة وعن الأكل منه. وكذلك كان عبد الله بن عمر رضي الله عنهما سمع صوت زمارة راعٍ، والإنسان غير مكلّف بما يسمع، ولكن بما يستمع إليه، فلا يجوز تقصّد السماع والتلذُّذ به، فمشى في الطريق بسرعة ووضع إصبعيه في أذنيه، وعدل راحلته عن الطريق، وهو يقول: يا نافع! أتسمع؟ فيقول: نعم، فيمضي على حاله واضعًا إصبعيه في أذنيه، حتى قلت: لا، فوضع يديه وأعاد راحلته إلى الطريق ،وهذه زينب رضي الله عنها حماها الله بالورع كما في قصة الإفك فمع أنها من ضرائر عائشة وقد وقع المنافقون في عائشة والناس تناقلوا كلام المنافقين وزينب من ضرائر عائشة وكانت تنافسها وتساميها عند النبي صلى الله عليه وسلم ، ففي الصحيحين (قَالَتْ عَائِشَةُ وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – يَسْأَلُ زَيْنَبَ ابْنَةَ جَحْشٍ عَنْ أَمْرِى ، فَقَالَ « يَا زَيْنَبُ مَاذَا عَلِمْتِ أَوْ رَأَيْتِ » . فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أَحْمِى سَمْعِي وَبَصَرِى ، مَا عَلِمْتُ إِلاَّ خَيْرًا . قَالَتْ وَهْىَ الَّتِي كَانَتْ تُسَامِينِي مِنْ أَزْوَاجِ رَسُولِ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – فَعَصَمَهَا اللَّهُ بِالْوَرَعِ )
أيها المسلمون
ومن الآثار وأقوال العلماء الواردة في الورع: قال الحسن البصري رحمه الله : أفضل العلم الورع والتوكل. وقال : مثقال ذرة من الورع خيرٌ من ألف مثقال من الصوم و الصلاة. وقال سفيان الثوري رحمه الله: عليك بالورع يخفف الله حساب، ودع ما يريبك إلى ما لا يريبك، وادفع الشك باليقين يسلم لك دينك. وقال الشافعي رحمه الله : زينة العلم الورع والحلم. وقال أبو هريرة رضي الله عنه : جلساء الله غدًا أهل الورع والزهد. وقال بعض الصحابة رضي الله عنهم : كنا ندع سبعين بابًا من الحلال مخافة أن نقع في باب الحرام. وقال حبيب رحمه الله (يعني ابن أبي ثابت رحمه الله):لا يعجبكم كثرة صلاة امرئ ولا صيامه، ولكن انظروا إلى ورعه، فإن كان ورعًا مع ما رزقه الله من العبادة فهو عبد لله حقًا. وعن طاووس رحمه الله أنه قال: مثل الإسلام كمثل شجرة، فأصلها الشهادة، وساقها كذا وكذا، وورقها كذا – (شيء سماه) وثمرها الورع، لا خير في شجرة لا ثمر لها، ولا خير في إنسان لا ورع له. قال الضحّاك بن عثمان رحمه الله : «أدركت الناس وهم يتعلمون الورع وهم اليوم يتعلمون الكلام».
الدعاء