خطبة عن حكم النياحة على الميت ،وحديث ( الْمَيِّتُ يُعَذَّبُ فِي قَبْرِهِ بِالنِّيَاحَةِ عَلَيْهِ )
سبتمبر 2, 2023خطبة عن المهانون (وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ)
سبتمبر 3, 2023الخطبة الأولى( لا يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ، يَشْهَدُ أنْ لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وأَنِّي رَسولُ اللَّهِ،إلَّا بإحْدَى ثَلاثٍ)
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
روى البخاري ومسلم في صحيحيهما : (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ :قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – :« لاَ يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ يَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَأَنِّى رَسُولُ اللَّهِ إِلاَّ بِإِحْدَى ثَلاَثٍ النَّفْسُ بِالنَّفْسِ وَالثَّيِّبُ الزَّانِى ، وَالْمَارِقُ مِنَ الدِّينِ التَّارِكُ الْجَمَاعَةَ ». وفي رواية مسلم: « لاَ يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ يَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَأَنِّى رَسُولُ اللَّهِ إِلاَّ بِإِحْدَى ثَلاَثٍ الثَّيِّبُ الزَّانِي وَالنَّفْسُ بِالنَّفْسِ وَالتَّارِكُ لِدِينِهِ الْمُفَارِقُ لِلْجَمَاعَةِ »، وعند الامام الترمذي واحمد : (أَنَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ أَشْرَفَ يَوْمَ الدَّارِ فَقَالَ أَنْشُدُكُمُ اللَّهَ أَتَعْلَمُونَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « لاَ يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إِلاَّ بِإِحْدَى ثَلاَثٍ زِنًا بَعْدَ إِحْصَانٍ أَوِ ارْتِدَادٍ بَعْدَ إِسْلاَمٍ أَوْ قَتْلِ نَفْسٍ بِغَيْرِ حَقٍّ فَقُتِلَ بِهِ »
إخوة الإسلام
إذا دخل الإنسان حياض هذا الدين ، والتزم بأحكامه ،صار فردا من أفراد المجتمع الإسلامي ، وأصبح يتمتع بكافة الحقوق المكفولة له ،ومن جملة هذه الحقوق ،عصمة دمه وماله وعرضه ،وإعطاء المسلم هذه الحقوق له دلالته الخاصة ،فالحديث عن العصمة بكافة صورها هو حديث عن حرمة المسلم ، ومكانته في هذا المجتمع ،وقد قرر النبي صلى الله عليه وسلم هذه الحقوق يوم حجة الوداع فقال : « إِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ حَرَامٌ عَلَيْكُمْ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا فِي شَهْرِكُمْ هَذَا فِي بَلَدِكُمْ هَذَا) رواه مسلم ، وقَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – « مَنْ صَلَّى صَلاَتَنَا ، وَاسْتَقْبَلَ قِبْلَتَنَا ، وَأَكَلَ ذَبِيحَتَنَا ، فَذَلِكَ الْمُسْلِمُ الَّذِى لَهُ ذِمَّةُ اللَّهِ وَذِمَّةُ رَسُولِهِ ، فَلاَ تُخْفِرُوا اللَّهَ فِي ذِمَّتِهِ » رواه البخاري . ،والشريعة الإسلامية – بما تكفله من هذه الحقوق – تسعى إلى تحقيق الوحدة بين لبنات المجتمع المسلم ،وتعميق الروابط بين المؤمنين ،وبهذا يتحقق لهذا المجتمع أمنه وسلامة أفراده .
ولكن المشكلة تكمن في أولئك الأفراد الذين يشَّكل وجودهم خطرا يهدد صرح الأمة ، ولم تكن هذه الخطورة مقتصرة على فسادهم الشخصي ،أو وقوعهم في بعض المحرمات ،وتقصيرهم في حقوق ربهم ،إنما تعدت إلى انتهاك حقوق الآخرين ،وتهديد حياة الاستقرار التي يعيشها هذا المجتمع ، فمن هنا رفع الإسلام عن هؤلاء المنعة الشرعية ،وأسقط حقهم في الحياة ، لذا جاء في هذا الحديث الذي بين أيدينا اليوم قوله صلى الله عليه وسلم : « لاَ يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ يَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَأَنِّى رَسُولُ اللَّهِ إِلاَّ بِإِحْدَى ثَلاَثٍ النَّفْسُ بِالنَّفْسِ وَالثَّيِّبُ الزَّانِي ، وَالْمَارِقُ مِنَ الدِّينِ التَّارِكُ الْجَمَاعَةَ » ،فهذا الحديث هو قاعدة من قواعد الدين الحنيف ، والذي يقرر حفظ نفس المسلم من الهلاك ،إلا عندما يرتكب جريمة الزنا ،أو القتل ،والردة، بأسلوب رادع زاجر ، وقال ابن حجر الهيتمي – رحمه الله -: وهو من القواعد الخطيرة؛ لتعلقه بأخطر الأشياء، وهو الدماء، وبيان ما يحل منها وما لا يحل، وإن الأصل فيها العصمة، وهو كذلك عقلًا؛ لأنه مجبول على محبة بقاء الصور الإنسانية المخلوقة في أحسن تقويم ، ففي هذا الحديث بيان لتلك الأمور التي من شأنها أن تزيل العصمة عن فاعلها ،وتجعله مهدر الدم ، فأما الزاني المحصن ، فإن الحكم الشرعي فيه هو الرجم حتى الموت ، ولعل في حديث عبادة بن الصامت (رضي الله عنه) دلالة واضحة على هذا الحكم ،ففي صحيح مسلم (عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ قَالَ :قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « خُذُوا عَنِّى خُذُوا عَنِّى قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلاً الْبِكْرُ بِالْبِكْرِ جَلْدُ مِائَةٍ وَنَفْىُ سَنَةٍ وَالثَّيِّبُ بِالثَّيِّبِ جَلْدُ مِائَةٍ وَالرَّجْمُ » ،وقد رجم النبي صلى الله عليه وسلم ماعزا والغامدية رضي الله عنهما في عهده ،وأجمع المسلمون على هذا الحكم ،وليس هناك ثمة شك في أن هذا الحكم الذي شرعه الله تعالى في حق الزاني المحصن ،هو غاية العدل ،وهو الدواء الوحيد لقطع دابر هذه الظاهرة ،فإن الله سبحانه وتعالى أعلم بعباده ،وهو الذي خلقهم ، فهو أدرى بما يصلحهم وينفهم ، لأنه أحكم الحاكمين ،ولكنا إذا أردنا أن نتلمس الحكمة في تشريع الله تعالى لهذا النوع من العقوبة ، بحيث اختصت في هذا الحد من الحدود ولم تشرع في غيره ،فنقول : إذا أردنا أن نعرف ذلك فعلينا أن نتأمل الآثار المدمرة التي يخلفها مثل هذا الفعل الشنيع على جميع المستويات ،فهو ليس انتهاكا لحقوق الآخرين ،واعتداء على أعراضهم فحسب ،بل هو جريمة في حق الإنسانية ،وإفساد للنسل والذرية ،وسبب في اختلاط الأنساب ،فلهذا وغيره ،جاء حكم الله تعالى في الزاني المحصن على هذا النحو .
ويجدر بنا أن نشير إلى أن هذه العقوبة لا تتم إلا عندما يقرّ الزاني بما فعله من تلقاء نفسه، أو بشهادة أربعة شهود على حصول ذلك منه ،وهذا في الحقيقة قد يكون متعذراً ،ومن ناحية أخرى دعت الشريعة من زلت قدمه بهذه الخطيئة أن يستر على نفسه ولا يفضحها ،ويتوب إلى الله عز وجل ،ولا داعي لفضح نفسه ،ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يراجع من يعترف بفعله مرات ومرات ،لعله يتراجع عن اعترافه هذا ،ونلمس ذلك جليا في هذا الحديث الذي رواه البخاري في صحيحه : (عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ – رضى الله عنهما – قَالَ لَمَّا أَتَى مَاعِزُ بْنُ مَالِكٍ النَّبِيَّ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ لَهُ « لَعَلَّكَ قَبَّلْتَ أَوْ غَمَزْتَ أَوْ نَظَرْتَ » . قَالَ لاَ يَا رَسُولَ اللَّهِ .قَالَ « أَنِكْتَهَا » .لاَ يَكْنِى .قَالَ فَعِنْدَ ذَلِكَ أَمَرَ بِرَجْمِهِ) ،ومن هنا نرى أن الشريعة وضعت هذا الحد ضمن قيود واضحة ،وضوابط محددة ؛ حتى لا يطبق إلا في نطاق لازم ، وفي الموضع الصحيح ، وذلك يعطينا تصور واضح ،بأن هذه العقوبة ليست غاية أو هدفا في حد ذاتها ،ولكنها وسيلة لاستئصال هذه الظاهرة ،والقضاء عليها ،وهذا ما أثبته التاريخ في العهد النبوي ،فإن كتب السير لم تنقل لنا حصول هذه الجريمة الخلقية إلا في عدد محدود للغاية .
ثم ذكر النبي صلى الله عليه وسلم أمرا آخر يحل به دم المسلم وهو : (النَّفْسُ بِالنَّفْسِ) أي : القتل العمد ،وقد أجمع العلماء أن قاتل النفس المعصومة عمدا مستحق للقتل ،إذا انطبقت عليه الشروط ، انطلاقا من قوله تعالى :{وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} (المائدة :45) ،وهذا يشمل أن يكون المقتول أو القاتل ذكرا أم أنثى ، وهذا العموم مفهوم من الآية السابقة ، يؤيد ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم صح عنه أمر بقتل يهودي قصاصا من امرأة ،وإذا نظرنا إلى قوله تعالى : {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} (179) البقرة، لأدركنا عظم الحكمة التي لأجلها شرع القصاص في الإسلام ، فالقصاص بحد ذاته ليس انتقاما شخصيا ،أو إرواء لغليل النفوس المكلومة ،بل هو أمر أعظم من ذلك ،إنه حياة للأمم والشعوب ،فإن القاتل إذا علم أن حياته ستكون ثمنا لحياة الآخرين ،فسوف يشكّل ذلك أكبر رادع له عن فكرة القتل ،وبهذا تستقيم الحياة ،وتعيش المجتمعات في أمن وطمأنينة .
وثالث الأمور التي تهدر الدم ،وتسقط العصمة ، الردة عن دين الله تعالى ، لقوله صلى الله عليه وسلم : (وَالْمَارِقُ مِنَ الدِّينِ التَّارِكُ الْجَمَاعَةَ) أي : المفارق لجماعة المسلمين ، ويعضده ما رواه البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما ،أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ » ، والردة قد تكون بالقول الصريح : كأن يكفر بالله صراحة ،أو بالاعتقاد : كأن يجحد شيئا معلوما من الدين بالضرورة ،أو إنكار النبوة أو البعث ،أو تكون باستحلال ما حرم الله ،أو تحريم ما أحل الله ،كما قد تكون بالفعل : كمن رمى المصحف في مكان القاذورات – والعياذ بالله – أو سجد لصنم ،فهذه أمثلة على بعض ما يخرج المرء من دين الله .
وينبغي أن نشير هنا إلى أنه قد ورد في أحاديث أخرى القتل بغير هذه الثلاث ،فقد ورد قتل اللوطي ،ففي مسند أحمد : (عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ :قَالَ رَسُولُ -صلى الله عليه وسلم- « مَنْ وَجَدْتُمُوهُ يَعْمَلُ عَمَلَ قَوْمِ لُوطٍ فَاقْتُلُوا الْفَاعِلَ وَالْمَفْعُولَ بِهِ »، كما ورد الأمر بقتل الساحر ،وقتل من أراد أن يشق عصا المسلمين ، ومن أراد الإفساد في الأرض وقطع الطريق ،ولعلنا نلاحظ أن هذه الأصناف المذكورة تندرج ضمنا تحت الأنواع الثلاثة التي تناولها الحديث وأن هذه التشريعات التي أحكمها الله سبحانه وتعالى هي صمام الأمان الذي يحفظ للأمة أمنها واستقرارها ، وبها تصان حقوق الفرد والمجتمع ، فحري بنا أن نعقلها ونتدبرها ،وأن نطبقها على واقعنا
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية(لا يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ، يَشْهَدُ أنْ لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وأَنِّي رَسولُ اللَّهِ، إلَّا بإحْدَى ثَلاثٍ)
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
وجاء في الصحيحين البخاري ومسلم : (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ :قَالَ النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – :« أَوَّلُ مَا يُقْضَى بَيْنَ النَّاسِ فِي الدِّمَاءِ »، فهذا يدل على شدة خطر الدماء، وأيضًا ما يترتب عليها في الدنيا والآخرة، وأن الواجب على المسلم أن يحذر سفك الدم بغير حقٍّ، فإن سفك الدماء له خطرٌ عظيمٌ، وأول ما يُقضى بين الناس في الدماء ،وفي صحيح البخاري : (عَنِ ابْنِ عُمَرَ – رضى الله عنهما – قَالَ :قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – « لَنْ يَزَالَ الْمُؤْمِنُ فِي فُسْحَةٍ مِنْ دِينِهِ ،مَا لَمْ يُصِبْ دَمًا حَرَامًا »، فسفك الدم خطره عظيم، وقد قال الله تعالى: (وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ ولَعَنَهُ وأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا) [النساء:93]. ،فالواجب على المسلم الحذر من أسباب العدوان، وسفك الدماء، حتى لا تقع الكارثة التي فيها الخطر العظيم.
ومن الفوائد التي يمكن أن نستنبطها من هذا الحديث: – احترام المسلم، وأنه معصوم الدم – ومنها : تحريم فعل هذه الخصال الثلاث أو بعضها، وأن من فعل واحدة منها استحق عقوبة القتل: إما كفرًا، وهو المرتد عن الإسلام، وإما حدًّا، وهما: الثيب الزاني، والقاتل عمدًا – وجوب حفظ الأعراض ونقائها – ،ومنها : الحث على التزام جماعة المسلمين وعدم مفارقتهم ،ومنها : – شرع الله الحدود لردع الجناة، ولحماية المجتمع ووقايته من الجرائم – ،ومنها : الترهيب من قتل النفس التي حرم الله – ،ومنها : الحديث من قواعد الشرع العظيمة؛ لتعلقه بالمحافظة على الدِّين والأعراض، والأنساب والدماء.
الدعاء