خطبة عن (فتح مكة) (جَاءَ الحَقُّ وَزَهَقَ البَاطِلُ) (اذهبوا فأنتم الطلقاء)
يونيو 10, 2017خطبة عن ( الاستعداد لفتح مكة)
يونيو 10, 2017الخطبة الأولى ( خطة الرسول لفتح مكة )
الحمد لله رب العالمين ..اللهم لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك .. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله .. اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله واصحابه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
قال الله تعالى : ( لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لَا تَخَافُونَ فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذَلِكَ فَتْحًا قَرِيبًا (27) هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا (28) الفتح
إخوة الإسلام
ونستكمل الحديث عن فتح مكة : فقد تابع رسول الله – صلى الله عليه وسلم – المسيرَ بِجَيْشِه شطْرَ مكَّة وأهل مكَّة لا يعلمون شيئًا، لقد عمَّى الله عنهُمُ الأخبار. ولما بلغ ماء الكديد، أفطر وأفطر النَّاس معه، كما جاء في صحيح البخاري . ثُمَّ سار حتَّى نزل عشاء بمر الظهران (هو وادي فاطمة اليوم) فحط الرحل، وحط الجيش معه رحالهم. وأشعل المسلمون نيرانهم في منازلهم، فكانت نيرانًا كثيرةً مُرْهِبة لِمَنْ يراها في الليل، ودالَّة على أنَّ الجيش عظيم، وهدف الرسول من ذلك إلقاء الرعب في قلوب طلائع قريش، حتى يستسلموا، ويدخل الرسول يجيش المسلمين مكَّة دون حرب، حماية للدماء، وحرمة للبلد الحرام، ولبيت الله الكعبة المشرفة. وقال العباس بن عبدالمطلب: واصباحَ قريش، والله لئن دخل رسول الله – صلى الله عليه وسلم – مكة عنوة قبل أن يأتوه فيستَأْمِنوه، إنَّه لهلاك قريش إلى آخر الدهر. لقد خاف العبَّاس على مكَّة وأهلها من أن يكون فتح الرسول لها عنوة وقهرًا بالحرب. فخرج على بغلة الرَّسول – صلى الله عليه وسلم – البيضاء ليلاً، بعد أن حطَّ المسلمون رحالهم، وأوقدوا نيرانَهم. ويُحدثُ عن نفسه فيقول كما جاء في سيرة ابن هشام: “فجلست على بغلة رسولِ الله – صلى الله عليه وسلم – البيضاء، فخرجْتُ عليْها حتَّى جئت الأراك. فقلت: لعلِّي أجد بعض الحطابة، أو صاحب لبن، أو ذا حاجة، يأتي مكة، فيخبرهم بمكان رسول الله – صلى الله عليه وسلم -، ليخرجوا إليه فيستأمنوه، قبل أن يدخلها عليهم عنوة”. قال: فو الله إنِّي لأسير عليها، وألتمس ما خرجت له، إذ سَمِعْتُ كلامَ “أبي سفيان بن حرب” و”بُدَيْل بن ورقاء” وهُما يتراجعان (أي: يتحاوران ويتبادلان الكلام، وكان معهما حكيم بن حزام). وأبو سفيان يقول: ما رأيتُ كالليلة نيرانًا قطُّ ولا عسكرًا. ويقول بديل : هذه والله خزاعةُ حَمَشَتْها الحرب (أي: ألهبتها غضبا رغبة الحرب، لتأخذ ثأرها من بني بكر وقريش التي آزرتهم). ويقول أبو سفيان: خزاعة أذلُّ وأقلُّ من أن تكون هذه نيرانها وعسكرها. قال: فعرفت صوته، فقلت: يا أبا حنظلة (هذه كنية أبي سفيان) فعرف صوتي. فقال: أبو الفضل؟ قلت: نعم. قال: ما لك فداك أبي وأمي؟ قلتُ: ويْحَك يا أبا سفيان، هذا رسول الله – صلى الله عليه وسلم – في الناس، واصباح قريش والله. قال: فما الحيلة فداك أبي وأمي؟ قلت: والله لئن ظفِرَ بك ليضربنَّ عُنُقَك، فاركَبْ في عجز هذه البغلة، حتى آتي بك رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فأستأمنه لك. فركب خلفي ورجع صاحباه، فجئتُ به، كلَّما مررتُ بنار من نيران المسلمين قالوا: من هذا؟فإذا رأوْا بغلةَ رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وأنا عليها، قالوا: عم رسول الله – صلى الله عليه وسلم – على بغلتِه، حتَّى مررْتُ بنارِ عمر بن الخطاب، فقال: من هذا؟ وقام إليَّ. فلمَّا رأى أبا سُفيان على عجُز الدَّابَّة قال: أبو سفيان عدوُّ الله!. الحمد لله الذي أمْكَنَ منك بغير عقد ولا عهد. ثُمَّ خرج يشتدُّ نَحو رسول الله – صلى الله عليه وسلم -، وركضت البغلة، فسبقته بما تسبق الدابة البطيئة الرجُل البطيء. فاقتحمت عن البغلة، فدخلتُ على رسول الله – صلى الله عليه وسلم -، ودخل عليه عمر. فقال: يا رسول الله، هذا أبو سفيان، قد أمكن الله منه بغير عقد ولا عهد، فدعْنِي فلأضرب عنقه. قال العباس: فقلت: يا رسولَ الله، إنِّي قد أجَرْتُه، ثُمَّ جلست إلى رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فأخذتُ بِرَأْسِه، فقلت: والله لا يُناجيه الليلة دوني رجل، فلمَّا أكثرَ عُمَرُ في شأنه، قلتُ: مهلا يا عمر، فو الله أن لو كان من بني عدي بن كعب ما قلتَ هذا، ولكنَّك قد عرفْتَ أنَّه من رجال بني عبد مناف. فقال عمر: “مهلاً يا عبَّاس، فو اللهِ لإسلامُك يوم أسلمت كان أحبَّ إلي من إسلام الخطَّاب لو أسلم، وما بي إلا أنِّي قد عرفت أنَّ إسلامَك كان أحبَّ إلى رسول الله – صلى الله عليه وسلم – من إسلام الخطَّاب لو أسلم”. فقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: ((اذهبْ به يا عبَّاس إلى رحْلِك، فإذا أصبحتَ فأْتِني به)). قال العبَّاس: فذهبت به إلى رحلي، فبات عندي، فلمَّا أصبح غدوْتُ به إلى رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فلمَّا رآه قال له: ((ويْحَك يا أبا سفيان، ألم يَأْنِ لك أن تعلم أنَّه لا إله إلا الله؟)) قال: بأبي أنت وأمي، ما أحلَمَك وأكرَمَك وأوْصَلَك!، والله لقد ظننتُ أنَّه لو كان مع الله إله غيرُه لقد أغنى عني شيئا بعد. قال الرسول: ((ويْحكَ يا أبا سفيان، ألمْ يأْنِ لك أن تعلم أنِّي رسول الله؟)). قال: بأبي أنت وأمي، ما أحلَمَك وأكرمك وأوصلك!، أمَّا هذه والله فإنَّ في النفس منها حتى الآنَ شيئًا. قال العبَّاس: فقلتُ له: ويْحَك أسلِم، واشهد أن لا إله إلا الله، وأنَّ محمدًا رسول الله قبل أن تُضرب عنقك. فشهِدَ شهادة الحق فأسلم. قال العباس: قلت: يا رسول الله، إنَّ أبا سفيان رجُلٌ يُحِبُّ هذا الفخر، فاجعل له شيئًا. قال الرسول: ((نعم، مَنْ دخَلَ دارَ أبِي سفيان فهو آمِن، ومن أغلق بابه فهو آمن، ومن دخل المسجد فهو آمن)). فأعطى الرسول – صلى الله عليه وسلم – أهل مكة بذلك الأمان إذا أخْلَوْا طُرُقاتِها، ولم يتعرَّضُوا للجيش الفاتح.
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( في الطريق إلى فتح مكة )
الحمد لله رب العالمين ..اللهم لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك .. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله .. اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله واصحابه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
فلمَّا ذهب أبو سفيان لينْصَرِف، قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: ((يا عباس، احبسه في مضيق الوادي عند خطم الجبل حتَّى تَمرَّ به جند الله فيراها)) ،فخرجت به حتَّى حبسته بمضيق الوادي، حيث أمرني رسول الله – صلى الله عليه وسلم -، ومرت القبائل على راياتها، كلما مرت قبيلة قال: يا عباس من هذه؟ ،فأقول: سليم. فيقول: ما لي ولسليم. ثم تمر القبيلة، فيقول: يا عباس، من هؤلاء؟. فأقول: مزينة. فيقول: ما لي ولمزينة. حتى نفدت القبائل، ما تمر بي قبيلة إلا يسألني عنها، فإذا أخبرته بهم قال: ما لي ولبني فلان. حتَّى مر الرسول – صلى الله عليه وسلم – في كتيبته الخضراء ، فيها المهاجرون والأنصار، لا يُرى منهم إلا الحدق من الحديد. فقال أبو سفيان: سبحان الله يا عباس من هؤلاء؟! قلت: هذا ورسول الله – صلى الله عليه وسلم – في المهاجرين والأنصار. قال: ما لأحدٍ بِهؤُلاء قبل ولا طاقة، والله يا أبا الفضل، لقد أصبح ملك ابن أخيك الغداة عظيمًا. قلت: يا أبا سفيان، إنَّها النبوة. قال: فنعم إذن. وجاء في رواية عن غير العبَّاس، لم يوردها ابن هشام: وسمع أبو سفيان “سعد بن عبادة” وقد كان يحمل راية الأنصار يقول له: يا أبا سفيان، اليوم يوم الملحمة، اليوم تستحلُّ الكعبة، اليوم أذلَّ الله قريشًا. فلمَّا مر رسول الله – صلى الله عليه وسلم – بأبي سفيان، قال أبو سفيان له: “أمرت بقتل قومك؟” قال الرسول: ((لا)). قال أبو سفيان: ألَمْ تعلمْ ما قال سعد بن عبادة؟ قال الرسول: ((ما قال؟)) قال أبو سفيان: قال: “اليوم يوم الملحمة، اليوم تُستحيل الكعبة، اليوم أذلَّ الله قريشًا” وقال أبو سفيان للرسول: أنشدك الله في قومِك، فأنت أبرُّ النَّاس، وأوصلهم. قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: ((يا أبا سفيان، كذَبَ سعدٌ، ولكن هذا يوم يعظم الله فيه الكعبة، ويوم تُكسى فيه الكعبة، اليوم يوم المَرْحَمَة، اليوم يعز الله فيه قريشًا)). وأرسل رسول الله – صلى الله عليه وسلم – إلى سعد بن عبادة، فأخذ لواء الأنصار من يده، فجعله في يدِ ابنه قيس. وقال العبَّاس: فقلت لأبي سفيان: النَّجاء إلى قومك. فانطلق أبو سفيان إلى قريش، حتَّى إذا جاءهم، صرخ بأعلى صوته: “يا معشر قريش، هذا مُحمَّد قد جاءكم فيما لا قِبَل لكم به، فمن دخل دار أبي سفيان فهو آمن”. فقامت إليه زوجته “هند بنت عتبة” فأخذتْ بشارِبِه، فقالت: “اقتلوا الحميت الدسم الأحمس، قبح من طليعة قوم”. قال أبو سفيان: ويْلكم لا تغرَّنَّكم هذه من أنفسكم، فإنه قد جاءكم ما لا قبل لكم به، فمن دخل دار أبي سفيان فهو آمن. قالوا: قاتلك الله، وما تُغْنِي عنَّا دارُك؟! قال: ومن أغلق عليه بابه فهو آمِن، ومن دخل المسجد فهو آمن. فتفرق الناس إلى دورهم وإلى المسجد . ونستكمل الحديث إن شاء الله
الدعاء