خطبة عن (من أُلهم خمسة ،لم يُحرم خمسة)

                  الخطبة الأولى ( من  أُلهم خمسة ، لم يُحرم خمسة ) 

 الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه  الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين 

                                   أما بعد  أيها المسلمون    

جاء في كلام الحكماء : (من ألهم خمسة لم يحرم خمسة : من أُلهم الدعاء لم يُحرم الإجابة ،لأن الله تعالى يقول: { وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ } [غافر : 60] ،ومن أُلهم التوبة ،لم يُحرم القبول ، لأن الله تعالى يقول :{ وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ} [الشورى : 25] ، ومن أُلهم الشكر ،لم يُحرم الزيادة ، لأن الله تعالى يقول :{لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ } [إبراهيم : 7] ، ومن أُلهم الاستغفار، لم يحرم المغفرة ،لأن الله تعالى يقول:{اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا } [نوح : 10] ،ومن أُلهم النفقة ،لم يُحرم الخلف ، لأن الله تعالى يقول :(وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ) سبأ (39)     

إخوة الإسلام

موعدنا اليوم -إن شاء الله- مع كلام الحكماء ، ووصايا البلغاء ، أما قولهم : من أُلهم الدعاء لم يُحرم الإجابة ،لأن الله تعالى يقول:{ وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ } [غافر : 60] ، فقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية في (اقتضاء الصراط المستقيم): إذا أراد الله بعبد خيراً ألهمه دعاءه والاستعانة به، وجعل استعانته ودعاءه سبباً للخير الذي قضاه له، كما قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : “إني لا أحمل هم الإجابة، وإنما أحمل هم الدعاء، فإذا ألهمت الدعاء فإن الإجابة معه”. فالله تعالى إذا أراد أن يشبع عبدا أو يرويه ألهمه أن يأكل أو يشرب، وإذا أراد الله أن يتوب على عبد ألهمه أن يتوب فيتوب عليه، وإذا أراد أن يرحمه ويدخله الجنة يسره لعمل أهل الجنة، والمشيئة الإلهية اقتضت وجود هذه الخيرات بأسبابها المقدرة لها، كما اقتضت وجود دخول الجنة بالعمل الصالح، ووجود الولد بالوطء، والعلم بالتعليم، فمبدأ الأمور من الله، وتمامها على الله ، وقال ابن القيم في (الفوائد): إذا كان كل خير أصله التوفيق, وهو بيد الله لا بيد العبد, فمفتاحه الدعاء ،والافتقار ،وصدق اللجأ ،والرغبة ،والرهبة إليه، فمتى أعطى العبد هذا المفتاح ، فقد أراد أن يفتح له, ومتى أضلّه عن المفتاح ،بقي باب الخير مرتجا دونه.  وقال الله تعالى : (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) (186) البقرة، ولابد من العلم أن صور الاستجابة تتنوع، فإما أن يعطى العبد ما سأل، وإما أن يصرف عنه من السوء مثله، أو أن يدخر له في الآخرة، فقد قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَدْعُو بِدَعْوَةٍ لَيْسَ فِيهَا إِثْمٌ وَلَا قَطِيعَةُ رَحِمٍ إِلَّا أَعْطَاهُ اللَّهُ بِهَا إِحْدَى ثَلَاثٍ: إِمَّا أَنْ تُعَجَّلَ لَهُ دَعْوَتُهُ، وَإِمَّا أَنْ يَدَّخِرَهَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ، وَإِمَّا أَنْ يَصْرِفَ عَنْهُ مِنْ السُّوءِ مِثْلَهَا، قَالُوا: إِذًا نُكْثِرُ! قَالَ: اللَّهُ أَكْثَرُ ). رواه أحمد وصححه الألباني. وينبغي أن يُقيَّد ذلك أيضا بخلو الداعي من موانع الإجابة، كأكل الحرام، وترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والاستعجال وترك الدعاء، والشك في الإجابة، والدعاء على سبيل التجربة، واستيلاء الغفلة على القلب والجوارح، والدعاء بالإثم أو قطيعة الرحم.

أيها المسلمون

ثم ننتقل إلى قولهم : ومن أُلهم التوبة ،لم يُحرم القبول ، لأن الله تعالى يقول : { وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ} [الشورى : 25] ، فالسهو والتقصير من طبع الإنسان ، والمكلَّف لا ينفك من تقصير في طاعة ، أو سهو وغفلة ، أو خطأ ونسيان ، أو ذنب وخطيئة ، فكلنا مقصرون.. ومذنبون… ومخطئون.. نقبل على الله تارة وندبر أخرى ، نراقب الله مرة ، وتسيطر علينا الغفلة أخرى ، لا نخلو من المعصية ، ولا بد أن يقع منا الخطأ ، فلسنا بمعصومين، وفي صحيح مسلم : (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ :قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « وَالَّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ لَوْ لَمْ تُذْنِبُوا لَذَهَبَ اللَّهُ بِكُمْ وَلَجَاءَ بِقَوْمٍ يُذْنِبُونَ فَيَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ فَيَغْفِرُ لَهُمْ ». وفي سنن الترمذي وحسنه الألباني : (أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ : « كُلُّ ابْنِ آدَمَ خَطَّاءٌ وَخَيْرُ الْخَطَّائِينَ التَّوَّابُونَ »، والتوبة هي الرجوع إلى الله تعالى ، والإقلاع عن المعصية ، وبغضها ، والندم على التقصير في الطاعات ، والله سبحانه وتعالى فاضت رحمته وشملت رأفته عبادَه ، فهو حليم لا يبطش بنا ولا يعذبنا ولا يهلكنا حالا بل يمهلنا ويأمر نبيه صلى الله عليه وسلم أن يعلن كرمه سبحانه : ( قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ) الزمر: 53، وقال جل شأنه : ( وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ ) آل عمران:135 ، وفي صحيح مسلم : أن (رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ « لَلَّهُ أَشَدُّ فَرَحًا بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ الْمُؤْمِنِ مِنْ رَجُلٍ فِي أَرْضٍ دَوِيَّةٍ مَهْلَكَةٍ مَعَهُ رَاحِلَتُهُ عَلَيْهَا طَعَامُهُ وَشَرَابُهُ فَنَامَ فَاسْتَيْقَظَ وَقَدْ ذَهَبَتْ فَطَلَبَهَا حَتَّى أَدْرَكَهُ الْعَطَشُ ثُمَّ قَالَ أَرْجِعُ إِلَى مَكَانِي الَّذِى كُنْتُ فِيهِ فَأَنَامُ حَتَّى أَمُوتَ. فَوَضَعَ رَأْسَهُ عَلَى سَاعِدِهِ لِيَمُوتَ فَاسْتَيْقَظَ وَعِنْدَهُ رَاحِلَتُهُ وَعَلَيْهَا زَادُهُ وَطَعَامُهُ وَشَرَابُهُ فَاللَّهُ أَشَدُّ فَرَحًا بِتَوْبَةِ الْعَبْدِ الْمُؤْمِنِ مِنْ هَذَا بِرَاحِلَتِهِ وَزَادِهِ ».

أيها المسلمون

ومن أقوال الحكماء : ومن أُلهم الشكر ،لم يُحرم الزيادة ، لأن الله تعالى يقول : {لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ } [إبراهيم : 7] ، فشكر الله صفة من صفات المؤمنين ، وخلق من أخلاق المتقين ، والله عز وجل هو المستحق للشكر، فهو الذي منحنا النعم الكثيرة التي لا تعد ولا تحصي ، والشكر عبادة من أعظم العبادات التي يتقرب بها العبد إلى ربه ، فهو من أسباب رضا الله تعالى لقوله تعالى: (وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ ) الزمر : 7. فالشكر: هو أن يعترف الإنسان بقلبه بأن هذه النعم من عند الله وحده ،وليست من قوة الإنسان ، وإنما هي فضل من الله سبحانه وتعالى، وهذا يجعل الإنسان معتمداً على الله وحده فلا يذل ولا يخضع لأحد سواه. ومن الشكر : التحدث باللسان بأن تنسب هذه النعم كلها لله تعالى، وهذا يجعل من لسان المؤمن دائم الشكر رطباً بذكر الله ثناء العبد لله تعالى بلسانه، وهذا يعود على الإنسان بازدياد النعم وزيادة في بركتها  ، ومن الشكر : صرف هذه النعم فيما يرضي الله سبحانه وتعالى ،ولا يصرفها في المعاصي، فحين يدرك المرء أن مُعطي هذه النعم هو الله سبحانه وتعالى ،لا يستطيع استخدامها فيما يغضب الله عز وجل. ومن فوائد الشكر : الوصول إلى مرضاة الله وتجنب الوقوع في عذابٍ شديد لقوله تعالى : (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ) (7) إبراهيم   

  أيها المسلمون

أما قولهم : ومن أُلهم الاستغفار ،لم يحرم المغفرة ،لأن الله تعالى يقول :{اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا} [نوح : 10] ، فالاستغفار زادُ الأبرار، وشعار الأتقياء، ومَفزَع الصالحين، به تسعَدُ القلوب، وتنشَرِح الصدور، وتنجلي الهموم، وتُثقَل الموازين، وتُرفَع الدرجات، وتُحَط الخطيئات، وتُفرَّج الكُرُبات، فكم جلب الاستغفارُ لأهله من الخيرات، وكم صرف عنهم من البلايا والمُلِمَّات، الاستغفار دواءٌ ناجع، وعلاجٌ نافع، يقشَعُ سُحُب الهموم، ويُزِيل غيم الغموم، فهو البَلْسَم الشافي، والدواء الكافي. وللاستغفار ثمارًا يانعة، وفوائدَ جَمَّة، وغنيمة باهظة، إن فيه خيرَي الدنيا والآخرة، إن فيه السعادةَ في الدنيا والفلاح في الآخرة، ومَن لزِم الاستغفار فلا بد أن يربح،  والاستغفار يُنقِّي القلبَ ويُطهِّره: فالاستغفارَ يُنقِّي القلب مِن ظُلُمات المعاصي والذنوب؛ ففي سنن الترمذي : (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « إِنَّ الْعَبْدَ إِذَا أَخْطَأَ خَطِيئَةً نُكِتَتْ فِي قَلْبِهِ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ فَإِذَا هُوَ نَزَعَ وَاسْتَغْفَرَ وَتَابَ سُقِلَ قَلْبُهُ وَإِنْ عَادَ زِيدَ فِيهَا حَتَّى تَعْلُوَ قَلْبَهُ وَهُوَ الرَّانُ الَّذِى ذَكَرَ اللَّهُ ( كَلاَّ بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ) ». [المطففين: 14] ، وقد وعد الله مَن استغفره أن يغفر له سبحانه وتعالى: قال الله تعالى:  {وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى} [طه: 82]. وروى مسلم في صحيحه : (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- فِيمَا يَحْكِى عَنْ رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ « أَذْنَبَ عَبْدٌ ذَنْبًا فَقَالَ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي ذَنْبِي. فَقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَذْنَبَ عَبْدِى ذَنْبًا فَعَلِمَ أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ وَيَأْخُذُ بِالذَّنْبِ. ثُمَّ عَادَ فَأَذْنَبَ فَقَالَ أَيْ رَبِّ اغْفِرْ لِي ذَنْبِي. فَقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَبْدِى أَذْنَبَ ذَنْبًا فَعَلِمَ أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ وَيَأْخُذُ بِالذَّنْبِ. ثُمَّ عَادَ فَأَذْنَبَ فَقَالَ أَيْ رَبِّ اغْفِرْ لِي ذَنْبِي. فَقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَذْنَبَ عَبْدِى ذَنْبًا فَعَلِمَ أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ وَيَأْخُذُ بِالذَّنْبِ وَاعْمَلْ مَا شِئْتَ فَقَدْ غَفَرْتُ لَكَ ». قَالَ عَبْدُ الأَعْلَى لاَ أَدْرِى أَقَالَ فِي الثَّالِثَةِ أَوِ الرَّابِعَةِ « اعْمَلْ مَا شِئْتَ ». ومَن لزم الاستغفار سرَّته صحيفتُه يوم القيامة: فهنيئًا لِمَن داوم على الاستغفار، فجاء يوم القيامة قد ذهبت سيئاتُه هباءً، وتضاعَفَتْ حسناتُه وعظُمَت، فعن عبدِالله بن بُسْر رضي الله عنه قال: قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: «طُوبَى لِمَن وَجَد في صحيفته استغفارًا كثيرًا» أخرجه ابن ماجه بسند حسن.

                            أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم

                  الخطبة الثانية ( من  أُلهم خمسة ، لم يُحرم خمسة ) 

 الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه  الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين 

                                   أما بعد  أيها المسلمون    

والاستغفار سبب للنجاة مِن عذاب النار: ففي صحيح مسلم : (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- أَنَّهُ قَالَ « يَا مَعْشَرَ النِّسَاءِ تَصَدَّقْنَ وَأَكْثِرْنَ الاِسْتِغْفَارَ فَإِنِّي رَأَيْتُكُنَّ أَكْثَرَ أَهْلِ النَّارِ »  ،والاستغفار سببٌ لرحمة الله تعالى في الدنيا والآخرة: قال صالح عليه السلام لقومِه: {يَا قَوْمِ لِمَ تَسْتَعْجِلُونَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ لَوْلَا تَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} [النمل: 46]؛ فكثرة الاستغفار والتوبةُ مِن أسباب تنزُّل الرحمات الإلهية، والألطافِ الربانية، والفلاح في الدنيا والآخرة. والاستغفار سبب لدخول الجنة: قال الله سبحانه: {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ * أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ} [آل عمران: 135، 136]؛ فالصالحون يخطئون، لكنهم يبادرون بالاستغفار والتوبة، فأعقَبَهم الله بكثرة استغفارهم جنات النعيم. والاستغفار سبب لرفعة الدرجات: ففي مسند أحمد : (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ :قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم- « إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَيَرْفَعُ الدَّرَجَةَ لِلْعَبْدِ الصَّالِحِ فِي الْجَنَّةِ فَيَقُولُ يَارَبِّ أَنَّى لِي هَذِهِ فَيَقُولُ بِاسْتِغْفَارِ وَلَدِكَ لَكَ »   ،والاستغفار سببٌ لسَعَة الرزق، ونزول المطر، وكثرة المال: قال الله تعالى : {وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ} [هود: 3]. والاستغفار سببٌ لتفريج الهموم والكُرُبات: (فعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- : « مَنْ لَزِمَ الاِسْتِغْفَارَ جَعَلَ اللَّهُ لَهُ مِنْ كُلِّ هَمٍّ فَرَجًا ، وَمِنْ كُلِّ ضِيقٍ مَخْرَجًا وَرَزَقَهُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَحْتَسِبُ » رواه البيهقي وغيره. فكم مِن رجلٍ لزِم الاستغفارَ ففرَّج اللهُ همَّه، وأزال كربَه، وأبدل أحزانَه أفراحًا، وضِيقَه سَعَةً، وعسرَه يُسرًا، وفقرَه غِنًى، وأقبلَتْ عليه المَسرَّات

 أيها المسلمون

ثم نأتي إلى القول الأخير من كلام الحكماء : ومن أُلهم النفقة ،لم يُحرم الخلف ، لأن الله تعالى يقول : (وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ) سبأ (39) ، فمن أعظم النعم : نعمة المال والرزق ، فهذه النعمة التي تقوم عليها وتؤدي من خلالها كثير من النعم ، ولا يستغني عنها مخلوق حي حتى الطيور تبحث عن أرزاقها في غدوها ورواحها ، وهذا المال مال الله تعالى يودعه عباده ، ليبتليهم أيشكرونه أم يكفرونه ،  ومن ثمرات الإنفاق في سبيل الله : أولا : دخول الجنة ، يقول تعالى : (وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (133) الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) (133) ،(134) آل عمران . ثانيا : ومن ثمرات الإنفاق في سبيل الله : الوقاية من النار ، وتكفير السيئات ، فقد روى الشيخان أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :« اتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ ، فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَبِكَلِمَةٍ طَيِّبَةٍ » ، ثالثا : ومن ثمرات الإنفاق في سبيل الله : تكثير الحسنات ، ومضاعفة الأجور أضعافاً مضاعفة ، يقول الله تعالى (مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) (261)  البقرة  ،ومن أنفق في سبيل الله تعالى فالله يخلف له أضعافا مضاعفة ، ففي الصحيحين : (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ – رضى الله عنه – أَنَّ النَّبِيَّ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ « مَا مِنْ يَوْمٍ يُصْبِحُ الْعِبَادُ فِيهِ إِلاَّ مَلَكَانِ يَنْزِلاَنِ فَيَقُولُ أَحَدُهُمَا اللَّهُمَّ أَعْطِ مُنْفِقًا خَلَفًا ، وَيَقُولُ الآخَرُ اللَّهُمَّ أَعْطِ مُمْسِكًا تَلَفًا »،  والله سبحانه وتعالى يقول -: (وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ) [سـبأ: 39]،

                                         الدعاء