خطبة عن (الصادقون )
فبراير 28, 2023خطبة عن (خَالِفُوا الْمُشْرِكِينَ ) مختصرة
فبراير 28, 2023الخطبة الأولى ( تثبتوا )
الحمد لله رب العالمين. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ) (6) الحجرات
إخوة الإسلام
في تجارب العلماء، وكلام الحكماء، ومواعظ الفقهاء، دروس وعبر، ومما جاء في تجارب العلماء: (أننا إذا جمعنا مئة نملة سوداء، ومئة نملة حمراء، ووضعناها في وعاء، فلن يحدث شيء بين النمل، ولكن، إذا أخذنا الوعاء، وهززناه بعنف، ووضعناه على طاولة مثلا، سيبدأ النمل يقتل بعضه بعضاً، لماذا؟ يعتقد النمل الأحمر أن النمل الأسود هو من هزّ الوعاء ،بينما يعتقد النمل الأسود أن النمل الأحمر هو العدو، مع أن العدو الحقيقي هو من (هزّ الوعاء). نعم.. فالعدو الحقيق هو ذلك الطرف الثالث، والمتخفي بعيدا عن الأنظار فكثيرا ما تنشأ العداوات بين الأفراد والشعوب، وتتباعد المسافات بين الإخوان والأشقاء، وتشتعل معارك وهمية، سلاحها السباب والتجريح، كل ذلك: بسبب معلومة خاطئة، من مصدر مجهول الهوية، خبيث المقصد، ساقط الأخلاق، أو بسبب التحريش من الأعداء،
لذا، كان من أهم الدروس المستفادة من (تجربة النمل): أننا لا نتسرع بالحكم قبل التثبت من الأمر، فيجب علينا أن نبحث عن صحة الخبر، وعن الفاعل الحقيقي، فلا نتخاصم، ولا نختلف فيما بيننا قبل أن نسأل أنفسنا: من الذي تسبب في المشكلة؟ من الذي نقل الخبر؟، أو (من الذي هز وعاء الألفة والمحبة والوحدة بيننا)، فهناك الكثير من الأصدقاء والأقارب تهاجروا، وتخاصموا، وتقاطعوا، وأصبحوا أعداء، بسبب أناس نقلوا إليهم كلمة ملفقة، أو خبرا كاذبا، أو عبارة مدسوسة، ولم يتبينوا، ولم يتثبتوا من صحة الخبر، فكم قطعت أرحام بسبب الغيبة، وكم تفرق أحباب بسبب الكذب والنميمة، ونقل الأخبار المدسوسة، وتلفيق الأكاذيب المضللة، وكم دارت حروب بين المسلمين بسبب تحريش أعداء الدين، وكان من الواجب علينا أن نعمل بما جاء في كتاب الله العزيز، قال تعالى: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ) (6) الحجرات، وفي سنن أبي داود بسند صحيح 🙁عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ الأَعْمَشُ – وَلاَ أَعْلَمُهُ إِلاَّ عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ «التُّؤَدَةُ فِي كُلِّ شَيْءٍ إِلاَّ فِي عَمَلِ الآخِرَةِ». وفي صحيح مسلم: (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « لاَ تَحَاسَدُوا وَلاَ تَنَاجَشُوا وَلاَ تَبَاغَضُوا وَلاَ تَدَابَرُوا وَلاَ يَبِعْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَيْعِ بَعْضٍ وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إِخْوَانًا. الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ لاَ يَظْلِمُهُ وَلاَ يَخْذُلُهُ وَلاَ يَحْقِرُهُ. التَّقْوَى هَا هُنَا ». وَيُشِيرُ إِلَى صَدْرِهِ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ « بِحَسْبِ امْرِئٍ مِنَ الشَّرِّ أَنْ يَحْقِرَ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ دَمُهُ وَمَالُهُ وَعِرْضُهُ».
أيها المسلمون
وقد يهتز وعاء لحمة المسلمين بسبب التحريش بينهم من أعدائهم، في صحيح مسلم: (عَنْ جَابِرٍ قَالَ سَمِعْتُ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ «إِنَّ الشَّيْطَانَ قَدْ أَيِسَ أَنْ يَعْبُدَهُ الْمُصَلُّونَ فِي جَزِيرَةِ الْعَرَبِ وَلَكِنْ فِي التَّحْرِيشِ بَيْنَهُمْ». فالشيطان لما عجز أن يطيعوه في الشرك، سعى في إلقاء العداوة بينهم، سعى في التحريش بين المسلمين: بالخصومات، والشحناء، والفتن وإيغار صدور بعضهم على بعض، والتحريش قد يكون بين الزوجين، وبين الأخوين، وبين الأسرتين، وبين الجيران، وبين القبيلتين، وبين الرئيس والمرؤوسين ، وبين الزملاء، والشركاء. والأئمة والعلماء يحذرون من هذا غاية التحذير، فالشيطان حريص على التحريش بين المؤمنين، بل وبين العلماء منهم، ويسعى في ذلك سعياً عظيماً، فكم من مجالس قد هُجرت، وكتب قد حرّقت، بسبب (يقولون ويقولون)، وليس في الأمر خبر صحيح ثابت، فالشيطان وأعوانه قد نصب أحابيله، ودبّر مكائده، والله يحذرنا من ذلك، قال الله تعالى: (وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ) [الأنفال:46]،
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( تثبتوا )
الحمد لله رب العالمين. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
قال الله تعالى: (وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (31) مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ) [الروم:31، 32]. وفي صحيح مسلم: (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « إِنَّ إِبْلِيسَ يَضَعُ عَرْشَهُ عَلَى الْمَاءِ ثُمَّ يَبْعَثُ سَرَايَاهُ فَأَدْنَاهُمْ مِنْهُ مَنْزِلَةً أَعْظَمُهُمْ فِتْنَةً يَجِيءُ أَحَدُهُمْ فَيَقُولُ فَعَلْتُ كَذَا وَكَذَا فَيَقُولُ مَا صَنَعْتَ شَيْئًا قَالَ ثُمَّ يَجِيءُ أَحَدُهُمْ فَيَقُولُ مَا تَرَكْتُهُ حَتَّى فَرَّقْتُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ امْرَأَتِهِ – قَالَ – فَيُدْنِيهِ مِنْهُ وَيَقُولُ نِعْمَ أَنْتَ ». قَالَ الأَعْمَشُ أُرَاهُ قَالَ «فَيَلْتَزِمُهُ». والتحريش قد يقع بين الإخوان، فهؤلاء إخوة يوسف، وقع التحريش بينهم، قال يوسف لإخوته: (وَجَاء بِكُم مِّنَ الْبَدْوِ مِن بَعْدِ أَن نَّزغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي) (يوسف100)،
فالتحريش حملهم على ظلم أخيهم يوسف، فتسببوا في بيعه عبداً، وتعريضه للفتنة أمام امرأة العزيز، ودخوله السجن، وكذلك حزن أبيه عليه حتى فقد البصر، كل ذلك بسبب التحريش، فهو من أبواب الإثم العظيم الذي فيه هجران، واعتداء، ومشاجرات، وسوء ظن ،وتجسس، ويخذل المسلم أخاه المسلم، ويحقره بسبب التحريش، فالتحريش بين الناس ما دخل في مجتمع إلا فرَّقه، ولا أسرة إلا مزَّقها، ولا صحبة إلا قلبَها عداوةً وبغضاء، والتحريش يوغر الصدور، ويذكي نيران التصارع والتدابر، فهو يضر ولا ينفع، ويفتق ولا يرقع، وينكأ ولا يضمد، ويُفسد ولا يُصلح، ويحزن ولا يفرح، ويُبكي ولا يُضحك. ألا فحافظوا على وحدتكم، حافظوا على أحبابكم وإخوانكم، ولا تسمحوا للمارقين بأن يهُزُّوا وعاء الألفة والمحبة والتآلف بينكم.
الدعاء