خطبة عن ( احذر الفراغ القاتل )
أكتوبر 4, 2025خطبة عن (فِقْهُ النَّصْرِ وَالْهَزِيمَةِ)
أكتوبر 5, 2025الخطبة الأولى (كيف ننصر غزة؟)
الحمد لله رب العالمين، اللهم لك الحمد حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه، حمدا يوافي النعم ويكافئ المزيد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى: ﴿وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ﴾ [النساء:٧٥].
إخوة الإسلام
هَذِهِ الْآيَةُ الْعَظِيمَةُ تَسْتَفْهِمُ اسْتِنْكَارًا عَلَى الْمُؤْمِنِينَ: كَيْفَ يَقْعُدُونَ وَفِي الْأَرْضِ إِخْوَانٌ لَهُمْ مُسْتَضْعَفُونَ يَصْرُخُونَ؟، كَيْفَ يَهْنَأُ الْمُؤْمِنُ بِطَعَامٍ أَوْ مَنَامٍ، وَفِي غَزَّةَ الْيَوْمَ أُمَّهَاتٌ تُفْقِدُ أَبْنَاءَهَا، وَأَطْفَالٌ يُحْرَمُونَ مِنَ الْحَلِيبِ وَالدَّوَاءِ، وَشُيُوخٌ يُقْتَلُونَ فِي مَسَاجِدِهِمْ؟، فسُنَّةَ اللهِ فِي الْأُمَمِ: أَنَّهُ إِذَا اسْتَضْعَفَ قَوْمٌ فِي سَبِيلِ اللهِ، وَصَبَرُوا وَثَبَتُوا، كَانَتْ عَاقِبَتُهُمُ النَّصْرَ وَالْعِزَّةَ، قال تعالى: ﴿وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ﴾ [القصص:٥]. وَهَذَا الْوَعْدُ الْإِلَهِيُّ هُوَ الَّذِي يَجْعَلُنَا نُؤْمِنُ أَنَّ الْمُسْتَقْبَلَ لِلْإِسْلَامِ وَلِلْمُجَاهِدِينَ الْمُرَابِطِينَ.
أيها المسلمون
والسؤال: كيف ننصر إخواننا المستضعفين في غزة؟، والجواب: إِنَّ نُصْرَةَ الْمُسْلِمِينَ فِي غَزَّةَ لَهَا مَعَانٍ وَوَاجِبَاتٌ: أَوَّلًا: النُّصْرَةُ الْإِيمَانِيَّةُ: فَلَا نَصْرَ مَعَ الذُّنُوبِ، وَلَا عِزَّةَ مَعَ الْمَعَاصِي، إِنَّ الْجَيْشَ الَّذِي هُزِمَ فِي أُحُدٍ لَمْ يُهْزَمْ بِعَدَدٍ أَوْ سِلَاحٍ، بَلْ هُزِمَ لَمَّا تَرَكُوا أَمْرَ النَّبِيِّ ﷺ. وَهَكَذَا الْأُمَّةُ الْيَوْمَ، إِذَا أَصْلَحَتْ مَا بَيْنَهَا وَبَيْنَ اللَّهِ، وَرَجَعَتْ إِلَى الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ، جَاءَهَا النَّصْرُ. ثَانِيًا: النُّصْرَةُ بِالْمَالِ: فَإِنَّ أَهْلَ غَزَّةَ يُحَاصَرُونَ فِي الطَّعَامِ وَالدَّوَاءِ وَالْكِسَاءِ، وَأَوْجَبَ اللَّهُ عَلَيْنَا أَنْ نُوَاسِيَ الْمُؤْمِنِينَ. قَالَ ﷺ: «مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ كَمَثَلِ الْجَسَدِ الْوَاحِدِ، إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى» (رواه مسلم). ثَالِثًا: النُّصْرَةُ بِالْكَلِمَةِ وَالْمَوْقِفِ: وَهَذَا عَصْرٌ أَصْبَحَتْ فِيهِ الْكَلِمَةُ أَشَدَّ أَثَرًا مِنَ الرَّصَاصِ أَحْيَانًا، فَتَعْرِيَةُ الْبَاطِلِ، وَفَضْحُ الْعُدْوَانِ، وَنَشْرُ حَقِيقَةِ مَا يَجْرِي فِي غَزَّةَ، هُوَ مِنْ أَعْظَمِ أَبْوَابِ النُّصْرَةِ. رَابِعًا: النُّصْرَةُ بِالْإِعْدَادِ الطَّوِيلِ: إِنَّ أَهْلَ غَزَّةَ يُرَابِطُونَ عَنْ كُلِّ الْأُمَّةِ، وَلَكِنَّهُ وَاجِبٌ عَلَيْنَا أَنْ نُعِدَّ أَنْفُسَنَا وَأَبْنَاءَنَا لِلْمُسْتَقْبَلِ: عِلْمًا وَإِيمَانًا وَقُوَّةً وَوَعْيًا، فَإِنَّ الْمَعْرَكَةَ لَيْسَتْ فِي بُقْعَةٍ وَاحِدَةٍ، بَلْ هِيَ مَعْرَكَةُ أُمَّةٍ مَعَ الْبَاطِلِ.
أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ
إِنَّ أَهْلَ غَزَّةَ يَتَأَلَّمُونَ الْيَوْمَ، وَلَكِنَّهُمْ أَعَزُّ مِنَّا؛ لِأَنَّهُمْ يَذُوقُونَ مَرَارَةَ الْبَلَاءِ وَحَلَاوَةَ الْجِهَادِ وَرَجَاءَ الشَّهَادَةِ. أَمَّا نَحْنُ فَنَذُوقُ ذُلَّ الْقُعُودِ وَمَرَارَةَ الْغَفْلَةِ وَالْفُرْقَةِ. فَلْنَكُنْ صَادِقِينَ فِي نُصْرَتِهِمْ، وَلْنُصْلِحْ أَنْفُسَنَا لِيَأْتِيَ نَصْرُ اللهِ الْمَوْعُودُ.
أَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ.
الخطبة الثانية (كيف ننصر غزة)
الحمد لله رب العالمين، اللهم لك الحمد حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه، حمدا يوافي النعم ويكافئ المزيد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى: ﴿إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ﴾ [محمد:٧]. فنُصْرَة إِخْوَانِنَا فِي غَزَّةَ الْيَوْمَ فَرِيضَةٌ دِينِيَّةٌ، وَلَيْسَتْ مُجَرَّدَ عَاطِفَةٍ عَابِرَةٍ. إِنَّهَا بَلَدٌ يَقُومُ مَقَامَ الثَّغْرِ الْمُرَابِطِ الَّذِي حَفِظَ لِلْأُمَّةِ بَقَايَا عِزَّتِهَا، وَإِنَّ مَا نَرَاهُ الْيَوْمَ فِي شَوَارِعِ غَزَّةَ مِنْ بُيُوتٍ مَهْدُومَةٍ، وَمُسَاجِدَ مَقْصُوفَةٍ، وَأَطْفَالٍ مُحْتَضَنِينَ فِي أَحْضَانِ أُمَّهَاتِهِمْ الْمُثْكَلَاتِ، لَيُذَكِّرُنَا بِأَيَّامِ الْأَحْزَابِ حِينَ حُوصِرَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا، ثُمَّ جَاءَ نَصْرُ اللهِ فَكَفَى الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ.
أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ
إِذَا نَظَرْنَا إِلَى أُمٍّ فِي غَزَّةَ تَفْقِدُ وَلَدَهَا تَحْتَ الْأَنْقَاضِ، ثُمَّ تَقُولُ: “الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى مَا قَضَى”، عَلِمْنَا أَنَّهَا تَرْسُمُ صُورَةَ سُمَيَّةَ أَوَّلِ شَهِيدَةٍ فِي الْإِسْلَامِ، وَإِذَا سَمِعْنَا صُرَاخَ الطِّفْلِ الْيَتِيمِ فِي أَزِقَّةِ غَزَّةَ، تَذَكَّرْنَا دَمْعَةَ الْيَتَامَى فِي زَمَنِ النَّبِيِّ ﷺ وَوَعْدَ اللَّهِ لَهُمْ بِالْكِفَايَةِ وَالْعِوَضِ.
وَإِذَا رَأَيْنَا شَبَابًا يُقَاتِلُونَ وَبِأَيْدِيهِمُ الْقَلِيلُ مِنَ الْعُدَّةِ وَالْعَتَادِ، فَهَذَا مَشْهَدُ بَدْرٍ يُتَكَرَّرُ؛ يَقُومُونَ بِمَا اسْتَطَاعُوا، وَيَتَوَكَّلُونَ عَلَى اللَّهِ، وَيَقُولُونَ: “حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ”.
إِنَّ أَهْلَ غَزَّةَ الْيَوْمَ –يَا عِبَادَ اللهِ– لَا يَطْلُبُونَ مِنَّا الدُّمُوعَ وَالْعَاطِفَةَ فَقَطْ، بَلْ يَطْلُبُونَ مِنَّا صِدْقًا فِي الدُّعَاءِ، وَبَذْلًا فِي الْمَالِ، وَتَحَرُّكًا فِي الْمَجَالِ الْإِعْلَامِيِّ وَالْفِكْرِيِّ، وَقَبْلَ ذَلِكَ وَبَعْدَهُ إِصْلَاحَ أَنْفُسِنَا؛ فَإِنَّ ذُنُوبَنَا هِيَ مِمَّا يُطِيلُ أَمَدَ الْبَلَاءِ.
واعلموا أنَّ نَصْرَ غَزَّةَ لَيْسَ نَصْرًا لَهُمْ فَقَطْ، بَلْ هُوَ نَصْرٌ لِأُمَّةِ الْإِسْلَامِ كُلِّهَا. فَإِذَا صَبَرَ أَهْلُهَا، وَقَامَ كُلٌّ مِنَّا بِوَاجِبِهِ، تَحَقَّقَ فِينَا وَعْدُ اللَّهِ الْحَقُّ، قال تعالى: ﴿وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ﴾ [الروم:٤٧]. وقال تعالى: ﴿إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ﴾ [محمد:٧].
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ
إِنَّ نُصْرَةَ غَزَّةَ الْيَوْمَ لَيْسَتْ مَسْأَلَةَ تَعَاطُفٍ عَاطِفِيٍّ فَقَطْ، وَلَا هِيَ مَوْقِفٌ سِيَاسِيٌّ عَابِرٌ، بَلْ هِيَ وَاجِبٌ شَرْعِيٌّ وَامْتِحَانٌ لِصِدْقِنَا مَعَ اللهِ. فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَرَنَ نَصْرَهُ بِنَصْرِ دِينِهِ، فَقَالَ تعالى: ﴿إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ﴾ [محمد:٧].. وَلْنَتَذَكَّرْ –عِبَادَ اللهِ– أَنَّ أَصْحَابَ رَسُولِ اللهِ ﷺ مَرُّوا بِمَا هُوَ أَشَدُّ مِمَّا يَمُرُّ بِهِ إِخْوَانُنَا الْيَوْمَ، ففِي بَدْرٍ قَلِيلٌ عَدَدُهُمْ، ضَعِيفَةٌ عُدَّتُهُمْ، مُحَاصَرُونَ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ، وَمَعَ ذَلِكَ نَصَرَهُمُ اللهُ نَصْرًا مُؤَزَّرًا، وَفِي الْأَحْزَابِ جَاءَتِ الْأُمَمُ مِنْ كُلِّ صَوْبٍ، وَزُلْزِلَ الْمُؤْمِنُونَ زِلْزَالًا شَدِيدًا، حَتَّى بَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ، وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مَهْزُومُونَ، ثُمَّ جَاءَ نَصْرُ اللهِ فَكَفَى الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ.
وَانْظُرُوا –رَحِمَكُمُ اللهُ– إِلَى صَبْرِ الْمُسْتَضْعَفِينَ فِي مَكَّةَ، كَبِلَالٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، يُعَذَّبُ فِي رَمْضَاءِ الْحَرِّ وَهُوَ يَقُولُ: “أَحَدٌ أَحَدٌ”، وَإِلَى خَبَّابٍ وَآلِ يَاسِرٍ، الَّذِينَ ضُرِبُوا وَقُتِلُوا، فَقَالَ فِيهِمُ النَّبِيُّ ﷺ: «صَبْرًا آلَ يَاسِرٍ، فَإِنَّ مَوْعِدَكُمُ الْجَنَّةُ» (رواه الحاكم). أَفَلَا يَكُونُ صَبْرُ أَهْلِ غَزَّةَ الْيَوْمَ مِثْلَ هَذَا الصَّبْرِ، وَهُمْ يَثْبُتُونَ أَمَامَ الْقَصْفِ وَالْحِصَارِ وَالتَّهْجِيرِ؟
إِنَّ الَّذِي يَنْظُرُ إِلَى أُمٍّ فِي غَزَّةَ تَفْقِدُ وَلَدَهَا، ثُمَّ تَقُولُ: “الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي شَرَّفَنِي بِالشَّهَادَةِ”، يَعْلَمُ أَنَّ هَذِهِ الْأُمَّ لَيْسَتْ دُونَ أُمِّ خَبَّابٍ وَسُمَيَّةَ، أَوْ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ الَّتِي كَانَتْ تَصْبِرُ عَلَى بَلَاءِ مَكَّةَ.
وَمِنْ أَعْظَمِ مَا يَسْتَحِقُّ أَنْ نُدْرِكَهُ أَنَّ نَصْرَ غَزَّةَ هُوَ فِي حَقِيقَتِهِ نَصْرٌ لَنَا نَحْنُ، فَإِذَا قَوِيَتْ غَزَّةُ وَصَبَرَ أَهْلُهَا بَقِيَ فِينَا أَمَلٌ وَعِزَّةٌ، وَإِذَا تَخَلَّيْنَا عَنْهُمْ أَصَابَنَا الْهَوَانُ جَمِيعًا.
فَانْصُرُوا غَزَّةَ –عِبَادَ اللهِ– بِكُلِّ وَسِيلَةٍ قَدَرْتُمْ عَلَيْهَا: بِالْمَالِ، وَبِالدُّعَاءِ، وَبِالْكَلِمَةِ، وَبِالتَّوْعِيَةِ، وَبِالْإِصْلَاحِ الذَّاتِيِّ فِي أَنْفُسِنَا، فَإِنَّ اللهَ إِذَا رَأَى مِنَّا صِدْقًا أَتَى بِنَصْرِهِ الْمَوْعُودِ.
الدعاء