خطبة عن (الدروس والعبر المستلهمة من رحلة الحج)
يوليو 25, 2016خطبة عن ( إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ)
يوليو 25, 2016الخطبة الأولى ( في الحج دروس وعبر )
الحمد لله رب العالمين .. اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام….. وأشهد أن لا إله إلا لله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.. نشهد أنه بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته وهو أصدق القائلين : (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ ) (97) آل عمران ،وروى مسلم في صحيحه ،(عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « بُنِىَ الإِسْلاَمُ عَلَى خَمْسٍ عَلَى أَنْ يُعْبَدَ اللَّهُ وَيُكْفَرَ بِمَا دُونَهُ وَإِقَامِ الصَّلاَةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ وَحَجِّ الْبَيْتِ وَصَوْمِ رَمَضَانَ ».
إخوة الإسلام
فرض الله الحج لحكم جليلة ، وفوائد متعددة ، وفي الحج يستلهم المسلم الكثير من الدروس والعبر ومنها : 1- حصول التقوى : والتقوى غاية الأمر، وجماع الخير، ووصية الله للأولين والآخرين، والحج فرصة عظمى للتزود من التقوى، قال تعالى: (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ ) “البقرة: 197”. وقال الله تعالى: (لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ ) “الحج: 37”. فأولو الألباب الذين خصهم الله بالنداء لتقواه ، يأخذون من الحج عبرة للتزود من التقوى، فينظرون إلى أصل التشريع الإلهي، ومكانته المهمة في الدين، ويعلمون أن صدق المحبة والعبودية لله لا يكون إلا بتقديم مراد الله على كل مراد. فهذا إبراهيم الخليل – عليه السلام- ابتلاه الله عز وجل بذبح ابنه الوحيد إسماعيل، الذي ليس له سواه، والذي رزقه الله إياه عند كبر سنه؛ والذي هو أحب محبوب من محبوبات الدنيا. فإذا عرف الحجاج هذا المعنى، وأدركوا هذا السر العظيم الذي لأجله شرعت الهدي والأضاحي عادوا يحملون تلك المعاني العظيمة؟، التي تجعلهم لا يتوانون عن تنفيذ شيء من أوامر الله، فلا تمنعهم لذة النوم وشهوة الفراش عن المبادرة إلى القيام إلى صلاة الفجر. ولا يمنعهم حب المال، والحرص على جمعه من ترك الغش، والغبن، والربا، والتطفيف، وإنفاق السلع بالأيمان الكاذبة. ولا يمنعهم حب الشهوات والميل إلى النساء، والطمع في نيل اللّذة المحرمة من غض البصر، ولزوم العفة، وحفظ الفروج؛ إيثاراً لما يحبه الله على ما تحبه نفوسهم، وتنزع إليه طبائعهم، ورغبة في نيل رضا الله وعوضه في الدنيا والآخرة. ولا يمنعهم حب الدنيا عن الإنفاق في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم. وعلى هذه النبذة اليسيرة من أعمال الحج فقس: وهكذا يستفيد أولو الألباب من هذا الدرس العظيم في الحج ما يتزودون به على التقوى. 2- ومن دروس الحج : اعتياد الذكر: فالذكر مقصود العبادات الأعظم، والذكر يتجلى غاية التجلي في الحج، فما شرع الطواف بالبيت، ولا السعي بين الصفا والمروة، ولا رمي الجمار إلا لإقامة ذكر الله ، ففي مسند أحمد (عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنِ النَّبِىِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « مَا مِنْ أَيَّامٍ أَعْظَمَ عِنْدَ اللَّهِ وَلاَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنَ الْعَمَلِ فِيهِنَّ مِنْ هَذِهِ الأَيَّامِ الْعَشْرِ فَأَكْثِرُوا فِيهِنَّ مِنَ التَّهْلِيلِ وَالتَّكْبِيرِ وَالتَّحْمِيدِ ». فإذا أكثر الحاج من الذكر في تلك المواضع أنس بالذكر، واطمأنت نفسه به، وزاد قرباً من ربه، وكان داعياً لاعتياد الذكر، والإكثار منه بعد الحج. 3- ومن دروس الحج : اعتياد الدعاء: فرحلة الحج من أولها إلى آخرها فرصة للدعاء والابتهال إلى الله –عز وجل- إذ يجتمع للحاج من دواعي الإجابة ما لا يجتمع لغيره من شرف الزمان، والمكان ولحال الداعي وتلبسه بتلك الشعيرة العظيمة، ولكثرة المواضع التي يشرع فيه الدعاء، وترجى الإجابة؛ فالطواف، والسعي، والوقوف بعرفة، وعند المشعر الحرام، وبعد رمي الجمرة الصغرى، وبعد رمي الجمرة الوسطى، كل هذه المواضع مواضع دعاء، ومظان للإجابة. وهذا يبعث المؤمن إلى كثرة الدعاء، وإلى اعتياده في سائر أيامه المستقبلة. وفي سنن ابن ماجة (عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « لَيْسَ شَيْءٌ أَكْرَمَ عَلَى اللَّهِ سُبْحَانَهُ مِنَ الدُّعَاءِ ». 4- ومن دروس الحج : التعود على انتظار الفرج : فإذا رأى الحاج جموع الحجيج المزدحمة عند الطواف، والسعي، وفي رمي الجمرات –ظن أن تلك الجموع لن تتفرق، وأنه لن يصل إلى مبتغاه من إكمال الطواف، أو السعي أو رمي الجمار، وربما أدركه الضجر، وبلغت به السآمة مبلغها، وربما أضمر في نفسه أنه لن يحج بعد عامه هذا. وما هي إلا مدة يسيرة، ثم تنتقل الجموع، ويتيسر أداء المناسك. وهذا درس عظيم، وسر بديع يتعلم منه الحاج عبودية انتظار الفرج، وهي من أجلّ العبوديات، وأفضل القربات؛ فلا ييأس بعد ذلك من روح الله، وقرب فرجه مهما أحلكت الظلمة، ومهما استبد الألم، ومهما عظم المصاب سواء في حاله أو في حال أمته، بل يكون محسناً ظنه بربه، منتظراً فرجه ولطفه، وقرب خيره- عز وجل- فيجد في حشو البلاء من روح الفرج ونسيمه، وراحته ما هو من خفي الألطاف، وما هو فرج معجل. ولا بعد في خير وفي الله مطمع ولا يأس من روح وفي القلب إيمان ، وفي سنن الترمذي : (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « سَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يُحِبُّ أَنْ يُسْأَلَ وَأَفْضَلُ الْعِبَادَةِ انْتِظَارُ الْفَرَجِ » ، 5- ومن دروس الحج : اكتساب الأخلاق الفاضلة : فالحج ميدان فسيح لمن اراد ذلك؛ فالحاج يتدرب عملياً على الحلم، والصبر، والمداراة، وكظم الغيظ من جرّاء ما يلقى الزحام، والتعب، والنصب سواء في الطريق إلى الحج، أو في الطواف، أو في السعي، أو في رمي الجمار، أو في غيرها من المناسك، فيتحمل الحاج ما يلقاه من ذلك؛ لعلمه بأن الحج أيام معدودة، ولخوفه من فساد حجه إذا هو أطلق لنفسه نوازع الشر، ولإدراكه بأن الحجاج ضيوف الرحمن؛ فإكرامهم، والصبر على ما يصدر من بعضهم دليل على إجلال الله –عز وجل-. فإذا تحمل الحاج تلك المشاق في أيام الحج صار ذلك دافعاً لأن يتخلق بالأخلاق الجميلة بقية عمره. ثم إن الحاج يتعلم الكرم، والبذل، والإيثار، والبر، والرحمة، وذلك من خلال ما يراه من المواقف النبيلة الرائعة التي تجسّد هذه المعاني؛ فهذا سخيّ يجود بالإنفاق على المساكين، وذاك كريم بخلقه يعفو عمّن أساء إليه، وأخطأ في حقه، وذاك رحيم يعطف على المساكين ويتلطف بهم، وذاك حليم يصبر على ما يلقاه من أذى، وذاك بر بوالده يحمله على عاتقه، وذاك يحوط أمه العجوز بلطفه ورعايته. بل ويكتسب الأخلاق الجميلة إذا رأى من لا يدركون معنى الحج، ممن يغضبون لأدنى سبب، وتطيش أحلامهم عند أتفه الأمور. فإذا رأى العاقل البصير سوء فعال هؤلاء انبعث إلى ترك الغضب، وتجافى عن مرذول الأخلاق. 6- ومن دروس الحج تحقق الأخوة الإسلامية: فالقبلة واحدة والرب واحد، والمشاعر واحدة، واللباس واحد، والمناسك واحدة، والزمان واحد، فكل هذه الأمور تجتمع في الحج، وهي مدعاة للإحساس بوحدة الشعور، وموجبة للتآخي، والتعارف والتعاون على مصالح الدين والدنيا.
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( في الحج دروس وعبر )
الحمد لله رب العالمين .. اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام….. وأشهد أن لا إله إلا لله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.. نشهد أنه بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
ومن دروس الحج قيام عبودية المراقبة: فالحاج يطوف بالبيت العتيق سبعاً ويسعى بين الصفا والمروة سبعاً، ويرمي الجمار سبعاً، ويقف في عرفة في وقت محدد، وينصرف منها في وقت محدد، ويبيت في المزدلفة في وقت محدد، وهكذا. فلا تراه يزيد في الجمار أو ينقص، ولا تراه يفعل عملاً من أعمال الحج في غير وقته، ولا تراه يأتي محظوراً من محظورات الإحرام عالماً عامداًً. لماذا؟ لأنه يخشى من فساد حجه، ولأنه يعلم بأن الله مطّلع عليه. وهذا درس عظيم يبعث المسلم إلى مراقبة الله –عز وجل- في شتى شؤونه وأعماله؛ فالمطلع على أعمال الحج مطلع على غيرها من الأعمال. 8- ومن دروس الحج : التعود على اغتنام الأوقات: فالوقت رأس مال الإنسان، والوقت أجل ما يصان عن الإضاعة والإهمال. وفي الحج يقوم الحاج بأعمال عظيمة، وفي أماكن مختلفة متباعدة مزدحمة، وفي أيام محدودة قد لا تتجاوز أربعة أيام. وفي هذا دليل على أن في الإنسان طاقة هائلة مخزونة، لو استثارها لآتت أكلها ضعفين أو أكثر. وهذا درس عظيم يبعث المسلم إلى أن يعتاد اغتنام الأوقات، وأن يحرص على ألا يضيع منها شيئا في غير فائدة. 9- ومن دروس الحج : انبعاث عبودية الشكر: فالحاج يرى المرضى، والمعاقين، والعميان، ومقطعي الأطراف، وهو يتقلب في أثواب الصحة والعافية؛ فينبعث بذلك إلى شكر الله –عز وجل- على نعمة العافية. ويرى ازدحام الحجيج، وافتراشهم الأرض، وربما لا يستطيع الحاج ان يجد مكاناً يجلس فيه، فيتذكر نعمة المساكن الفسيحة التي يسكن فيها، فينبعث إلى شكر الله على ذلك. ويرى الفقراء والمعوزين الذين لا يجدون ما يسدون به رمقهم، فينبعث إلى شكر الله على نعمة المال والغنى . ويرى نعمة ربه عليه أن يسر له الحج، الذي تتشوق إليه نفوس الكثيرين من المسلمين ولكنهم لا يستطيعون إليه سبيلاً؛ فيشكر الله –عز وجل- أن يسّر له الحج وأعانه على أداء مناسكه. بل ويرى نعمة ربه عليه أن جعله من المسلمين، فينبعث إلى شكر نعمة الإسلام، ويعض عليها بالنواجذ، و يثني بالخناصر؛ لأن نعمة الإسلام لا تعدلها نعمة البتة. وهكذا تقوم عبودية الشكر في الحج، فيكون الحاج من الشاكرين، وإذا كان كذلك درت نعمة وقرت؛ فالشكر قيد النعم الموجودة، وصد النعم المفقودة. 10- ومن دروس الحج تذكر الآخرة: فإذا رأى الحاج ازدحام الناس، ورأى بعضهم يموج في بعض، وهم في صعيد واحد، وبلباس واحد، وقد حسروا عن رؤوسهم، وتجردوا من ثيابهم، ولبسوا الأردية والأزر، وتجردوا من ملذات الدنيا، ومتعها- تذكر يوم حشره على ربه؛ فيبعثه ذلك الاستعداد للآخرة، ويقوده إلى استصغار متاع الحياة الدنيا، ويرفعه على الاستغراق فيها، ويكبر بهمته عن جعلها قبلة يولي وجهه شطرها حيثما كان. 11- ومن دروس الحج اعتياد مراغمة الشيطان: فالشيطان عدو للإنسان مبين، ولقد حذرنا الله – تبارك وتعالى- من الشيطان وأمرنا بأن نتخذه عدواً، وبأ لا نتبع خطواته، فمراغمة الشيطان مرضاة للرب –جل وعلا- . وهذا الأمر يتجلى في الحج، وأعظم ما يتجلى في رمي الجمار؛ فالحجاج لا يرمون الشيطان، وليس الشيطان بواقف لهم يرجمونه. وإنما يرجمون المواقف التي وقف فيها الشيطان لأبيهم إبراهيم، فرجمه الخليل –عليه السلام- فهم يرجمونه لا لمجرد التكرار، وإنما للانتفاع والاعتبار؛ ففي سنن البيهقي (عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَفَعَهُ قَالَ : (لَمَّا أَتَى إِبْرَاهِيمُ خَلِيلُ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ الْمَنَاسِكَ عَرَضَ لَهُ الشَّيْطَانُ عِنْدَ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ فَرَمَاهُ بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ حَتَّى سَاخَ فِي الأَرْضِ ثُمَّ عَرَضَ لَهُ عِنْدَ الْجَمْرَةِ الثَّانِيَةِ فَرَمَاهُ بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ حَتَّى سَاخَ فِي الأَرْضِ ثُمَّ عَرْضَ لَهُ فِى الْجَمْرَةِ الثَّالِثَةِ فَرَمَاهُ بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ حَتَّى سَاخَ فِي الأَرْضِ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ : الشَّيْطَانَ تَرْجُمُونَ وَمِّلةَ أَبِيكُمْ تَتَّبِعُونَ.) ، فأولو الألباب يعتبرون بهذا الرجم، ويأخذون منه دروساً وعبراً؛ إذ يعاملون كل شيطان من شياطين الجن والإنس ممن يريدون صرفهم عن طاعة ربهم بالرجم المعنوي الذي هو بغض مَنْ صدّ عن سبيل الله، وعصيانه، و مراغمته، والابتعاد عنه، والاستعاذة بالله منه. فيعرفون أن كل من حاول صدهم عن طاعة ربهم، أو فتنتهم في دينهم أنه شيطان مهما لبس من لبوس، ومهما أظهر من مودة وتصنع. وما أكثر دروس الحج! وما أعظم بركاته! فليكن لكم في ذلك أوفر الحظ والنصيب؛ لتفوزوا بسعادة الدارين، ولتكونوا من حزب الله المفلحين، ومن أوليائه المتقين الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون.
الدعاء