خطبة عن ( الرحيل .. الرحيل )
سبتمبر 15, 2016خطبة عن ( من صفات المسلم )
سبتمبر 18, 2016الخطبة الأولى ( من أنت عند الله ؟ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
روى الإمام مسلم في صحيحه : (عَنْ أَبِى ذَرٍّ عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- فِيمَا رَوَى عَنِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَنَّهُ قَالَ(..يَا عِبَادِي لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا عَلَى أَتْقَى قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مِنْكُمْ مَا زَادَ ذَلِكَ فِي مُلْكِي شَيْئًا يَا عِبَادِي لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا عَلَى أَفْجَرِ قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِنْ مُلْكِي شَيْئًا يَا عِبَادِي لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ قَامُوا فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ فَسَأَلُونِي فَأَعْطَيْتُ كُلَّ إِنْسَانٍ مَسْأَلَتَهُ مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِمَّا عِنْدِي إِلاَّ كَمَا يَنْقُصُ الْمِخْيَطُ إِذَا أُدْخِلَ الْبَحْرَ يَا عِبَادِي إِنَّمَا هِيَ أَعْمَالُكُمْ أُحْصِيهَا لَكُمْ ثُمَّ أُوَفِّيكُمْ إِيَّاهَا فَمَنْ وَجَدَ خَيْرًا فَلْيَحْمَدِ اللَّهَ وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ فَلاَ يَلُومَنَّ إِلاَّ نَفْسَهُ ».
أخي في الإسلام
هل سألت نفسك يوما هذا السؤال ؟ : من أكون أنا عند الله ؟ وما اسمي في السماء ؟ وبماذا يتحدث الله عني في الملإ الأعلى ؟ وفي أي السجلات مكتوب اسمي ؟ ولتوضيح الأمر ، وازالة اللبث والغموض ، أقول لك : إن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول « إِنَّ الصِّدْقَ بِرٌّ وَإِنَّ الْبِرَّ يَهْدِى إِلَى الْجَنَّةِ وَإِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَحَرَّى الصِّدْقَ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ صِدِّيقًا وَإِنَّ الْكَذِبَ فُجُورٌ وَإِنَّ الْفُجُورَ يَهْدِى إِلَى النَّارِ وَإِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَحَرَّى الْكَذِبَ حَتَّى يُكْتَبَ كَذَّابًا ». رواه مسلم ،فهل أنت عند الله صديق أم كذاب ؟ ،والله تعالى يقول: (الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ ) النور 26، فهل أنت عند الله طيب أم خبيث ؟ ،والله سبحانه وتعالى يقول: (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كَافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ) (2) التغابن ، فهل أنت عند الله مؤمن أم كافر ؟ مهتد أم ضال ؟ موحد أم مشرك ؟ ، والله سبحانه وتعالى يقول : (إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ (13) وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ ) (14) الانفطار ، فهل أنت ينادى عليك في السماء مع الأبرار ؟ ، أم أن اسمك مكتوب في سجل الفجار ؟ ،وقال الله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ (7) جَزَاؤُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ ) (8) البينة ،وقال تعالى :(تَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ أَنْ سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ ) (80) المائدة ،فهل أنت ممن رضي الله عنهم ؟ أم ممن سخط الله عليهم ؟ ،والله سبحانه وتعالى يقول : (اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنْسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ أُولَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ) (19) المجادلة ،والله سبحانه وتعالى يقول : (لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (22) المجادلة ،فهل أنت من حزب الله ؟ أم من حزب الشيطان ؟ ،والله سبحانه وتعالى يقول : (الَّذِينَ آمَنُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ ) النساء 76 ،فمع من أنت ؟ ومن أجل من تقاتل أو تجاهد ؟ أفي سبيل الله ؟ أم في سبيل الطاغوت ؟ ،والله سبحانه وتعالى يقول : (مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ ) آل عمران 152 ،فهل أنت من أهل الدنيا وعبيدها ؟ أم أنت من طلاب الآخرة وعشاقها ؟ ،فالله سبحانه وتعالى قال عن أهل الدنيا وعبيدها ، وعن طلاب الآخرة وعشاقها : (مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ) (20) الشورى ، وقال سبحانه : (مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلَاهَا مَذْمُومًا مَدْحُورًا (18) وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا) (19) الاسراء ، وقال سبحانه : (فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ (200) وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (201) أُولَئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ ) (202) البقرة ، وقال سبحانه وتعالى عن أهل الدنيا وطلابها : (مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ (15) أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ) (16) هود ، أخي هل أجبت عن هذه الأسئلة ؟ ، وهل علمت إجابتك عنها ؟ ، فإذا كنت من المؤمنين الأبرار ، والطيبين الصادقين ، ومن أولياء الله وحزبه ، وتبتغي بعملك وجه الله والدار الآخرة ، فأنت من المكرمين ، نعم نعم ، أنت من المكرمين ، وأنت عند الله غال ، وإليك هذا الموقف النبوي الكريم، وهذه الكلمة المحمدية العجيبة، التي تساعدك على معرفة نفسك وحجمك وقيمتك ودورك:
ففي صحيح ابن حبان (عن أنس بن مالك ان رجلا من أهل البادية يقال له زاهر بن حرام كان يهدي الى النبي صلى الله عليه وسلم الهدية فيجهزه رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد ان يخرج ،فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ان زاهرا بادينا ونحن حاضروه ، قال فاتاه النبي صلى الله عليه وسلم وهو يبيع متاعه فاحتضنه من خلفه والرجل لا يبصره فقال ارسلني من هذا فالتفت إليه فلما عرف انه النبي صلى الله عليه وسلم جعل يلزق ظهره بصدره ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من يشتري هذا العبد ،فقال زاهر تجدني يا رسول الله كاسدا ،قال : لكنك عند الله لست بكاسد أو قال صلى الله عليه وسلم بل أنت عند الله غال ) ، نعم، ما أعجبها من كلمة محمدية هادية، تصنع الإنسان على بصيرة، وتعرفه بقدره، وتغرس في نفسه الثقة واليقين، وتنزع من نفسه الكبر والجبروت، وتدفعه إلى الله.
(أنت عند الله غالٍ)، فانطلق يا صديقي في الحياة، وأنت موصول بربك، وقد عرفت قدرك عنده، وعرفت مقدار نعمته عليك : (أنت عند الله غالٍ)، فتحرك وأنت تَسْبَحُ في آفاق شكره وذكره، وتعتز به، وتسعى إليه، حتى تمشي على الأرض وقد تزكت نفسك، وانفتحت آفاق عقلك، وتحررت من الضيق والقهر، ومن ظلمات الطبع والأكوان، فاستنارت روحك، واستوعَبْتَ الدنيا كلها فهما وبصيرة، ورحمة وهداية. (أنت عند الله غالٍ)، فانطلق، وقد عرفت من أنت، ولماذا أنت هنا، وما الذي تصنعه في هذه الحياة، وقد سرت إلى نفسك الطمأنينة، وامتلأ جنانك بالثقة، وعرفت أنك عبدٌ لرب حكيم، يرعاك، ويتولاك، ويتولى هداك. (أنت عند الله غالٍ)، فاخرج من ضيق نفسك إلى سعة ربك، حتى يزدهر بك العمران، وتتحقق بك قضية العبودية، وتتزكى نفسك، وقد أفلح من تزكى. (أنت عند الله غالٍ)، وَحْي شريف، ونور منزل من الله، وبلاغ نبوي معصوم، يحقق إحياء الإنسان، ويصنعه من جديد، ويبصره بمراده، ويلخص له قضية الخلق والوجود. (أنت عند الله غالٍ) فلا تتوقف عند لحظات ضيق أو قبض تعتريك، ولا تتوقف عند أحداث مؤسفة تمر عليك، واعلم أن من ورائك ربا قديرا، فثق به، واعتمد عليه، واستعن به، وافهم مراده، واقرأ كتابه، وعظم شعائره، واعتصم به، وأقبل عليه، وكن معه، واصدق في محبته فإنه يحبك. (أنت عند الله غالٍ) شعار جليل، نجدد به حياتنا، ونملأ به فراغ نفوسنا، ونعرف به دورنا ومقصود نا، وتنطلق به ألسنتنا بين أصدقائنا، وننشره في الدنيا كلها، ونشرح به للإنسانية كلها قيمة الإنسان عندنا. (أنت عند الله غالٍ) بيان محمدي شريف، يضع بين يديك مفاتيح الفهم والبصيرة.
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( من أنت عند الله ؟ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
هل علمت الآن أخي المسلم ، من أنت عند الله ؟ : أنت الذي خلقك الله في أحسن تقويم. وأسجد لك الملائكة. وشرفك بالعلم (وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا) البقرة 31. أنت الذي جعلك الله خليفة في الأرض. وجعلك سبحانه موضع خطابه، والمقصود بوحيه. أنت الذي أرسل الله لأجلك الأنبياء والرسل. وأنزل لأجلك الكتب. ونصب لك الموازين. وجعل لأجلك جنة ونارا.وصراطا وبعثا وحشرا وميزانا. أنت الذي زكى الله نفسك بمعرفته. وأنار عقلك بهدايته. وأحاطك بعنايته. وأقامك في مقام العبودية له. وأخذ عليك المواثيق بطاعته. أنت الذي كرَّمك الله وشرفك. وحملك في البر والبحر . وفضلك على كثيرٍ من خلقه. وحفظك ورعاك وأحاطك بملائكته. وأعلمك بأنك عبده. أنت الذي خلقك بجوده وكرمه، وأسبغ عليك من رزقه وعطائه. وأعلمك بأنه رقيب عليك. مطلع على خفايا نفسك. يحصي عليك أعمالك.
وبأنه أوجدك لحكمة. وخلقك لغاية. وكلفك بعبادته وذكره وشكره. وأمرك بالسعي إليه، والتقرب لحضرته، والإهتداء بمعرفته. وأخرجك من الظلمات إلى النور. أنت الذي سخر الله لك الأسباب والثروات والكنوز، وفتح لك آفاق العلم والمعرفة، وعلمك مناهج الفكر والتدبر والتأمل، حتى تعمر الأرض، وتصنع الحضارة، وتبني النهضة. وأنت الذي أعلمك بأنك راجع إليه، وواقف بين يديه. وأنك ستبعث بعد الموت للجزاء والحساب. وأنه سيحاسبك على عملك كله. وأنه رحيم بك، مقبل عليك، يلحظك بعين عنايته، وأنك غال عنده، ومحبوب لديه.
الدعاء