خطبة عن (معاملة الرسول وأخلاقه مع أقاربه وأصحابه)
ديسمبر 24, 2016خطبة عن حديث (وَكَرِهَ لَكُمْ قِيلَ وَقَالَ، وَكَثْرَةَ السُّؤَالِ)
ديسمبر 25, 2016الخطبة الأولى (معاملة الرسول وأخلاقه مع زوجاته وأولاده وأحفاده)
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته وهو أصدق القائلين : {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا} [الأحزاب: 21]. وقال سبحانه {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} [الحشر: 7]. ويقول صلى الله عليه وسلم: «مَا تَرَكْتُ شَيْئًا مِمَّا أَمَرَكُمُ اللهُ بِهِ، إِلا أَمَرْتُكُمْ بِهِ، وَمَا تَرَكْتُ شَيْئًا مِمَّا نَهَاكُمُ اللهُ عَنْهُ إِلا وَقَدْ نَهَيْتُكُمْ عَنْهُ…» رواه البيهقي في سننه والطبراني في معجمه. وقال تعالى:
(قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ) (يوسف: 108).
أيها المسلمون
الرسول صلى الله عليه وسلم هو إمام الدعاة، والقدوة والأسوة والمعلم والمربي الحكيم؛ الذي أمر الله تبارك وتعالى باقتفاء نهجه، وأن نقتدي به في عبادتنا ودعوتنا وخلقنا وسلوكنا ومعاملاتنا وجميع أمور حياتنا، وبداية ، فقد صنف بعض العلماء العبادة الى صنفين ..شعائرية .. وتعاملية.. فالشعائرية.. هي التي تحتوي على الشعائر التي يؤديها العبد المؤمن من ( صلاة ، وصوم ، وحج ، وذكر ، وتلاوة قرآن ، وغيرها ….).. أما العبادة التعاملية..فهي تشمل الأخلاق والتعامل مع الآخرين ،( كتعاملك مع الوالدين والزوجة أو الزوج والأولاد ..وتعاملك مع الصديق والجار والزميل في العمل .. وتعاملك في البيع والشراء ..وفي الزراعة والصناعة والتجارة.. وفي تعاملك مع الناس في الطريق ووسائل المواصلات .. وتعاملك مع الحيوانات ..كل ذلك عبادات تعاملية … واذا كنا قد نجحنا في أداء العبادات الشعائرية ..فقد فشلنا فشلا زريعا في العبادات التعاملية .. وأخشى على نفسي وعليكم من عاقبة ذلك .. فالتهاون في العبادات التعاملية قد يكون سببا في ضياع أجر الصلاة والصوم والصدقة والحج والعمرة ..وتكون النهاية الى الإفلاس ثم إلى النار أعاذنا الله منها .. وخير شاهد ما رواه مسلم (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ : « أَتَدْرُونَ مَا الْمُفْلِسُ »قَالُوا الْمُفْلِسُ فِينَا مَنْ لاَ دِرْهَمَ لَهُ وَلاَ مَتَاعَ. فَقَالَ « إِنَّ الْمُفْلِسَ مِنْ أُمَّتِى يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصَلاَةٍ وَصِيَامٍ وَزَكَاةٍ وَيَأْتِي قَدْ شَتَمَ هَذَا وَقَذَفَ هَذَا وَأَكَلَ مَالَ هَذَا وَسَفَكَ دَمَ هَذَا وَضَرَبَ هَذَا فَيُعْطَى هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يُقْضَى مَا عَلَيْهِ أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ ثُمَّ طُرِحَ فِي النَّارِ) ،ولذا سوف يكون لقاؤنا اليوم إن شاء الله عن: ( معاملة الرسول صلى الله عليه وسلم وأخلاقه مع الآخرين ) ليكون لنا في معاملاته صلى الله عليه وسلم وأخلاقه مع من حوله أسوة وقدوة حسنة نهتدي بها إلى الطريق المستقيم ، ونتقرب بها إلى رب العالمين ،ونبدؤها بمعاملة الرسول صلى الله عليه وسلم لأهل بيته وأخلاقه معهم : أولا : مع زوجاته : فقد كان صلى الله عليه وسلم مثالاً يُحتذى به، وقدوة حسنة يستفيد منها البيت المسلم على مرِّ القرون والأزمان ، وكيف لا وهو القائل : « خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لأَهْلِهِ وَأَنَا خَيْرُكُمْ لأَهْلِي » رواه ابن ماجة . فهناك صور رائعة من خلال عَلاقته صلى الله عليه وسلم مع زوجاته؛ فقد وصفت السيدة عائشة -رضي الله عنها- حال رسول الله كزوج داخل بيته، فقد قِيلَ لِعَائِشَةَ مَا كَانَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- يَصْنَعُ فِي بَيْتِهِ قَالَتْ كَمَا يَصْنَعُ أَحَدُكُمْ يَخْصِفُ نَعْلَهُ وَيُرَقِّعُ ثَوْبَهُ ) رواه أحمد . وفي البخاري سُئلت عَائِشَة : ( مَا كَانَ النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – يَصْنَعُ فِي بَيْتِهِ قَالَتْ كَانَ يَكُونُ فِي مِهْنَةِ أَهْلِهِ – تَعْنِى خِدْمَةَ أَهْلِهِ – فَإِذَا حَضَرَتِ الصَّلاَةُ خَرَجَ إِلَى الصَّلاَةِ ،فكان تعامله صلى الله عليه وسلم مع زوجاته من منطلق الرحمة والحب، كما أنه تعامل أيضًا من منطلق أنه بشر مثل باقي البشر الأسوياء، الذين لا يَرَوْنَ غضاضة في مساعدة أزواجهم. ومن عظيم محبَّته لهن -رضي الله عنهن- أنه كان يشاركهن المأكل والمشرب من نفس الإناء، ففي صحيح مسلم (عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ كُنْتُ أَشْرَبُ وَأَنَا حَائِضٌ ثُمَّ أُنَاوِلُهُ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- فَيَضَعُ فَاهُ عَلَى مَوْضِعِ فِيَّ فَيَشْرَبُ وَأَتَعَرَّقُ الْعَرْقَ وَأَنَا حَائِضٌ ثُمَّ أُنَاوِلُهُ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- فَيَضَعُ فَاهُ عَلَى مَوْضِعِ فِيَّ ). وكان يخرج معهن للتنزُّه لزيادة أواصر المحبَّة، فيروي البخاري: “كَانَ النَّبِيُّ إِذَا كَانَ بِاللَّيْلِ سَارَ مَعَ عَائِشَةَ يَتَحَدَّثُ” . بل وكان يسابق زوجته مداعبة لها وترويحا عليها ، ففي سنن أبي داود (عَنْ عَائِشَةَ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّهَا كَانَتْ مَعَ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- فِي سَفَرٍ قَالَتْ فَسَابَقْتُهُ فَسَبَقْتُهُ عَلَى رِجْلَيَّ فَلَمَّا حَمَلْتُ اللَّحْمَ سَابَقْتُهُ فَسَبَقَنِي فَقَالَ « هَذِهِ بِتِلْكَ السَّبْقَةِ ». وفي قصة زواجه صلى الله عليه وسلم من أم المؤمنين صفية نراه يجعل ركبته سلما لتصعد عليها زوجته، فقد روى البخاري ( …. فَبَنَى بِهَا ، ثُمَّ صَنَعَ حَيْسًا فِي نِطَعٍ صَغِيرٍ ، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – « آذِنْ مَنْ حَوْلَكَ » . فَكَانَتْ تِلْكَ وَلِيمَةَ رَسُولِ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – عَلَى صَفِيَّةَ ، ثُمَّ خَرَجْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ ، قَالَ فَرَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – يُحَوِّى لَهَا وَرَاءَهُ بِعَبَاءَةٍ ، ثُمَّ يَجْلِسُ عِنْدَ بَعِيرِهِ فَيَضَعُ رُكْبَتَهُ ، فَتَضَعُ صَفِيَّةُ رِجْلَهَا عَلَى رُكْبَتِهِ ، حَتَّى تَرْكَبَ)
وها هو رسول الله صلى الله عليه وسلم يحترم مشاعر زوجته الصغيرة ، ويساعدها في لعبها ، ففي البخاري (عَنْ عَائِشَةَ – رضى الله عنها – قَالَتْ كُنْتُ أَلْعَبُ بِالْبَنَاتِ عِنْدَ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – وَكَانَ لِي صَوَاحِبُ يَلْعَبْنَ مَعِي ، فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – إِذَا دَخَلَ يَتَقَمَّعْنَ مِنْهُ ، فَيُسَرِّبُهُنَّ إِلَىَّ فَيَلْعَبْنَ مَعِي ). وأخرج أبو داود والنسائي عَنْ عَائِشَةَ رضى الله عنها قَالَتْ : قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- مِنْ غَزْوَةِ تَبُوكَ أَوْ خَيْبَرَ وَفِى سَهْوَتِهَا سِتْرٌ فَهَبَّتْ رِيحٌ فَكَشَفَتْ نَاحِيَةَ السِّتْرِ عَنْ بَنَاتٍ لِعَائِشَةَ لُعَبٍ ،فَقَالَ « مَا هَذَا يَا عَائِشَةُ ». قَالَتْ بَنَاتِي. وَرَأَى بَيْنَهُنَّ فَرَسًا لَهُ جَنَاحَانِ مِنْ رِقَاعٍ ، فَقَالَ « مَا هَذَا الَّذِى أَرَى وَسْطَهُنَّ ». قَالَتْ فَرَسٌ. قَالَ « وَمَا هَذَا الَّذِى عَلَيْهِ ». قَالَتْ جَنَاحَانِ.
قَالَ « فَرَسٌ لَهُ جَنَاحَانِ ». قَالَتْ أَمَا سَمِعْتَ أَنَّ لِسُلَيْمَانَ خَيْلاً لَهَا أَجْنِحَةٌ قَالَتْ فَضَحِكَ حَتَّى رَأَيْتُ نَوَاجِذَهُ. “؛ (صححه الألباني في المشكاة ). وكان صلى الله عليه وسلم كثيرًا ما يمتدح زوجاته ويثني عليهن ، ويتودد بذلك إليهن ، فها هو ذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يمتدح عائشة -رضي الله عنها- قائلاً: « فَضْلُ عَائِشَةَ عَلَى النِّسَاءِ كَفَضْلِ الثَّرِيدِ عَلَى سَائِرِ الطَّعَامِ » متفق عليه ، بل ويداعب ويمازح زوجته وهي مريضة ففي مسند أحمد (عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ رَجَعَ إِلَىَّ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- ذَاتَ يَوْمٍ مِنْ جَنَازَةٍ بِالْبَقِيعِ وَأَنَا أَجِدُ صُدَاعاً فِي رَأْسِي وَأَنَا أَقُولُ وَا رَأْسَاهُ. قَالَ « بَلْ أَنَا وَا رَأْسَاهُ ». قَالَ « مَا ضَرَّكِ لَوْ مِتِّ قَبْلِي فَغَسَّلْتُكِ وَكَفَّنْتُكِ ثُمَّ صَلَّيْتُ عَلَيْكِ وَدَفَنْتُكِ ». قُلْتُ لَكِنِّى أَوْ لَكَأَنِّي بِكَ وَاللَّهِ لَوْ فَعَلْتَ ذَلِكَ لَقَدْ رَجَعْتَ إِلَى بَيْتِي فَأَعْرَسْتَ فِيهِ بِبَعْضِ نِسَائِكَ. قَالَتْ فَتَبَسَّمَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- ثُمَّ بُدِئَ بِوَجَعِهِ الَّذِى مَاتَ فِيهِ) ، كما تجلَّت رحمته ورأفته على زوجاته في هذا الموقف ، ففي البخاري (عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ – رضى الله عنه – قَالَ دَخَلَ النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – فَإِذَا حَبْلٌ مَمْدُودٌ بَيْنَ السَّارِيَتَيْنِ فَقَالَ « مَا هَذَا الْحَبْلُ » . قَالُوا هَذَا حَبْلٌ لِزَيْنَبَ فَإِذَا فَتَرَتْ تَعَلَّقَتْ . فَقَالَ النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – « لاَ ، حُلُّوهُ ، لِيُصَلِّ أَحَدُكُمْ نَشَاطَهُ ، فَإِذَا فَتَرَ فَلْيَقْعُدْ » ،وقال ابن كثير: «وَكَانَ مِنْ أَخْلَاق النبي -صلى الله عليه وسلم- أَنّهُ جَمِيل الْعِشْرَة، دَائِم الْبِشْر، يُدَاعِب أَهْله، وَيَتَلَطّف بِهِمْ، وَيُوسِعهُمْ نَفَقَته، وَيُضَاحِك نِسَاءَهُ…». إلى أن قال: «وكان -صلى الله عليه وسلم- يَجْمَع نِسَاءَهُ كُلّ لَيْلَة فِي بَيْت الّتِي يَبِيت عِنْدهَا، فَيَأْكُل مَعَهُنّ الْعَشَاء فِي بَعْض الْأَحْيَان، ثُمّ تَنْصَرِف كُلّ وَاحِدَة إِلَى مَنْزِلهَا )، وكثيرًا ما يحلُم رسول الله على زوجاته، ويقابل جفوتهن بصدر رحب، وبشاشة وحُبٍّ، فعَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ قَالَ اسْتَأْذَنَ أَبُو بَكْرٍ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ عَلَى النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- فَسَمِعَ صَوْتَ عَائِشَةَ عَالِيًا فَلَمَّا دَخَلَ تَنَاوَلَهَا لِيَلْطِمَهَا وَقَالَ لاَ أَرَاكِ تَرْفَعِينَ صَوْتَكِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَجَعَلَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- يَحْجُزُهُ وَخَرَجَ أَبُو بَكْرٍ مُغْضَبًا ،فَقَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- حِينَ خَرَجَ أَبُو بَكْرٍ « كَيْفَ رَأَيْتِنِي أَنْقَذْتُكِ مِنَ الرَّجُلِ ». قَالَ فَمَكَثَ أَبُو بَكْرٍ أَيَّامًا ثُمَّ اسْتَأْذَنَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَوَجَدَهُمَا قَدِ اصْطَلَحَا فَقَالَ لَهُمَا أَدْخِلاَنِي فِي سِلْمِكُمَا كَمَا أَدْخَلْتُمَانِي فِي حَرْبِكُمَا. فَقَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- « قَدْ فَعَلْنَا قَدْ فَعَلْنَا » رواه أبو داود . وكان صلى الله عليه وسلم ينتصر للمظلومة منهن من الأخرى حتى ترضى : فعَنْ أَنَسٍ قَالَ بَلَغَ صَفِيَّةَ أَنَّ حَفْصَةَ قَالَتْ بِنْتُ يَهُودِيٍّ . فَبَكَتْ فَدَخَلَ عَلَيْهَا النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- وَهِىَ تَبْكِى فَقَالَ « مَا يُبْكِيكِ ». فَقَالَتْ قَالَتْ لِي حَفْصَةُ إِنِّي بِنْتُ يَهُودِيٍّ.
فَقَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- « إِنَّكِ لاَبْنَةُ نَبِيٍّ وَإِنَّ عَمَّكِ لَنَبِيٌّ وَإِنَّكِ لَتَحْتَ نَبِيٍّ فَفِيمَ تَفْخَرُ عَلَيْكِ ». ثُمَّ قَالَ « اتَّقِى اللَّهَ يَا حَفْصَةُ » رواه الترمذي . وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقابل غَيرة زوجاته مقابلة فيها كثير من الحلم والأناة، وإعطاء كل زوجة حقَّها من التقدير والاحترام، فها هي ذي عائشة -رضي الله عنها- تغار من كثرة ذكر الرسول لخديجة -رضي الله عنها- وشدَّة حُبِّه لها، رغم وفاتها قبل أن يتزوَّج رسول الله صلى الله عليه وسلم عائشة رضي الله عنها ، ففي الصحيحين (عَنْ عَائِشَةَ – رضى الله عنها – قَالَتْ مَا غِرْتُ عَلَى امْرَأَةٍ لِلنَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – مَا غِرْتُ عَلَى خَدِيجَةَ ، هَلَكَتْ قَبْلَ أَنْ يَتَزَوَّجَنِي ، لِمَا كُنْتُ أَسْمَعُهُ يَذْكُرُهَا ، وَأَمَرَهُ اللَّهُ أَنْ يُبَشِّرَهَا بِبَيْتٍ مِنْ قَصَبٍ ، وَإِنْ كَانَ لَيَذْبَحُ الشَّاةَ فَيُهْدِى فِي خَلاَئِلِهَا مِنْهَا مَا يَسَعُهُنَّ ) ،وفي رواية في البخاري : (مَا غِرْتُ عَلَى نِسَاءِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- إِلاَّ عَلَى خَدِيجَةَ وَإِنِّي لَمْ أُدْرِكْهَا. قَالَتْ وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- إِذَا ذَبَحَ الشَّاةَ فَيَقُولُ « أَرْسِلُوا بِهَا إِلَى أَصْدِقَاءِ خَدِيجَةَ ». قَالَتْ فَأَغْضَبْتُهُ يَوْمًا فَقُلْتُ خَدِيجَةَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « إِنِّي قَدْ رُزِقْتُ حُبَّهَا ». ومن مواقفه في معالجة الغيرة عند نسائه صلى الله عليه وسلم ما جاء في البخاري (عَنْ أَنَسٍ قَالَ كَانَ النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – عِنْدَ بَعْضِ نِسَائِهِ فَأَرْسَلَتْ إِحْدَى أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ بِصَحْفَةٍ فِيهَا طَعَامٌ ، فَضَرَبَتِ الَّتِي النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – فِي بَيْتِهَا يَدَ الْخَادِمِ فَسَقَطَتِ الصَّحْفَةُ فَانْفَلَقَتْ ، فَجَمَعَ النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – فِلَقَ الصَّحْفَةِ ، ثُمَّ جَعَلَ يَجْمَعُ فِيهَا الطَّعَامَ الَّذِى كَانَ فِي الصَّحْفَةِ وَيَقُولُ « غَارَتْ أُمُّكُمْ » ، ثُمَّ حَبَسَ الْخَادِمَ حَتَّى أُتِىَ بِصَحْفَةٍ مِنْ عِنْدِ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا ، فَدَفَعَ الصَّحْفَةَ الصَّحِيحَةَ إِلَى الَّتِي كُسِرَتْ صَحْفَتُهَا ، وَأَمْسَكَ الْمَكْسُورَةَ فِي بَيْتِ الَّتِي كَسَرَتْ ). وانظروا كيف عالج رسول الله صلى الله عليه وسلم غيرة زوجته عليه ، وخوفها من أن يذهب إلى غيرها ففي مسند أحمد (قَالَتْ عَائِشَةُ أَلاَ أُحَدِّثُكُمْ عَنِّى وَعَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قُلْتُ بَلَى. قَالَ قَالَتْ لَمَّا كَانَتْ لَيْلَتِي الَّتِي النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- فِيهَا عِنْدِي انْقَلَبَ فَوَضَعَ رِدَاءَهُ وَخَلَعَ نَعْلَيْهِ فَوَضَعَهُمَا عِنْدَ رِجْلَيْهِ وَبَسَطَ طَرَفَ إِزَارِهِ عَلَى فِرَاشِهِ فَاضْطَجَعَ فَلَمْ يَلْبَثْ إِلاَّ رَيْثَمَا ظَنَّ أَنِّى قَدْ رَقَدْتُ فَأَخَذَ رِدَاءَهُ رُوَيْداً وَانْتَعَلَ رُوَيْداً وَفَتَحَ الْبَابَ فَخَرَجَ ثُمَّ أَجَافَهُ رُوَيْداً فَجَعَلْتُ دِرْعِي فِي رَأْسِي وَاخْتَمَرْتُ وَتَقَنَّعْتُ إِزَارِي ثُمَّ انْطَلَقْتُ عَلَى أَثَرِهِ حَتَّى جَاءَ الْبَقِيعَ فَقَامَ فَأَطَالَ الْقِيَامَ ثُمَّ رَفَعَ يَدَيْهِ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ ثُمَّ انْحَرَفَ فَانْحَرَفْتُ فَأَسْرَعَ فَأَسْرَعْتُ فَهَرْوَلَ فَهَرْوَلْتُ فَأَحْضَرَ فَأَحْضَرْتُ فَسَبَقْتُهُ فَدَخَلْتُ فَلَيْسَ إِلاَّ أَنِ اضْطَجَعْتُ فَدَخَلَ فَقَالَ « مَا لَكِ يَا عَائِشُ حَشْيَاءَ رَائِبَةً ». قَالَتْ قُلْتُ لاَ شَيْءَ يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ « لَتُخْبِرِنَّنِي أَوْ لَيُخْبِرَنِّي اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ ». قَالَتْ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي فَأَخْبَرْتُهُ. قَالَ « فَأَنْتِ السَّوَادُ الَّذِى رَأَيْتُ أَمَامِي ». قُلْتُ نَعَمْ فَلَهَزَنِي فِي ظَهْرِي لَهْزَةً فَأَوْجَعَتْنِي وَقَالَ « أَظَنَنْتِ أَنْ يَحِيفَ عَلَيْكِ اللَّهُ وَرَسُولُهُ ». قَالَتْ مَهْمَا يَكْتُمِ النَّاسُ يَعْلَمْهُ اللَّهُ. قَالَ « نَعَمْ فَإِنَّ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ أَتَانِي حِينَ رَأَيْتِ فَنَادَانِي فَأَخْفَاهُ مِنْكِ فَأَجَبْتُهُ فَأَخْفَيْتُهُ مِنْكِ وَلَمْ يَكُنْ لِيَدْخُلَ عَلَيْكِ وَقَدْ وَضَعْتِ ثِيَابَكِ وَظَنَنْتُ أَنَّكِ قَدْ رَقَدْتِ فَكَرِهْتُ أَنْ أُوقِظَكِ وَخَشِيتُ أَنْ تَسْتَوْحِشِي فَقَالَ إِنَّ رَبَّكَ جَلَّ وَعَزَّ يَأْمُرُكَ أَنْ تَأْتِىَ أَهْلَ الْبَقِيعِ فَتَسْتَغْفِرَ لَهُمْ ». قَالَتْ فَكَيْفَ أَقُولُ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ « قُولِي السَّلاَمُ عَلَى أَهْلِ الدِّيَارِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُسْلِمِينَ وَيَرْحَمُ اللَّهُ الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنَّا وَالْمُسْتَأْخِرِينَ وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ لَلاَحِقُونَ » ورغم ما كان يجد النبي صلى الله عليه وسلم في بعض الأوقات من نسائه، إلاَّ أنه لم يضرب امرأة له قطُّ ، روى مسلم : (عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ مَا ضَرَبَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- شَيْئًا قَطُّ بِيَدِهِ وَلاَ امْرَأَةً وَلاَ خَادِمًا إِلاَّ أَنْ يُجَاهِدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا نِيلَ مِنْهُ شَيْءٌ قَطُّ فَيَنْتَقِمَ مِنْ صَاحِبِهِ إِلاَّ أَنْ يُنْتَهَكَ شَيْءٌ مِنْ مَحَارِمِ اللَّهِ فَيَنْتَقِمَ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ). ومن أخلاقه صلى الله عليه وسلم ومعاملاته مع زوجاته أنه صلى الله عليه وسلم كان يشركهن في المواقف العظيمة ويأخذ برأيهن في أحداث تهمُّ الأُمَّة بأجمعها، ففي يوم الحديبية أمر رسول الله أصحابه أن ينحروا الهدي ثم يحلقوا، فلم يفعل ذلك منهم أَحد، ففي البخاري : (…..فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ قَضِيَّةِ الْكِتَابِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – لأَصْحَابِهِ « قُومُوا فَانْحَرُوا ، ثُمَّ احْلِقُوا » . قَالَ فَوَ اللَّهِ مَا قَامَ مِنْهُمْ رَجُلٌ حَتَّى قَالَ ذَلِكَ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ ، فَلَمَّا لَمْ يَقُمْ مِنْهُمْ أَحَدٌ دَخَلَ عَلَى أُمِّ سَلَمَةَ ، فَذَكَرَ لَهَا مَا لَقِىَ مِنَ النَّاسِ . فَقَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ يَا نَبِيَّ اللَّهِ ، أَتُحِبُّ ذَلِكَ اخْرُجْ ثُمَّ لاَ تُكَلِّمْ أَحَدًا مِنْهُمْ كَلِمَةً حَتَّى تَنْحَرَ بُدْنَكَ ، وَتَدْعُوَ حَالِقَكَ فَيَحْلِقَكَ . فَخَرَجَ فَلَمْ يُكَلِّمْ أَحَدًا مِنْهُمْ ، حَتَّى فَعَلَ ذَلِكَ نَحَرَ بُدْنَهُ ، وَدَعَا حَالِقَهُ فَحَلَقَهُ . فَلَمَّا رَأَوْا ذَلِكَ ، قَامُوا فَنَحَرُوا ، وَجَعَلَ بَعْضُهُمْ يَحْلِقُ بَعْضًا ) فرغم خطورة هذا الموقف إلاَّ أن رسول الله استحسن رأي أم المؤمنين أم سلمة رضي الله عنها، فكان خيرًا وبركة على الأُمَّة كلها. فالناظر إلى سيرته يجد أن رسول الله كان يُقَدِّر أزواجه حقَّ التقدير، ويُولِيهم عناية فائقة ومحبَّة لائقة، فكان نِعْمَ الزوج .
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية (معاملة الرسول وأخلاقه مع أولاده وأحفاده )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
ثم ننتقل إلى معاملات الرسول صلى الله عليه وسلم مع أولاده وأحفاده ، فقد جاء الإسلام بمعيار حقيقي للعَلاقة بين الأب وأبنائه، هذا المعيار قائم على الرحمة، والرأفة، والشفقة، والتوجيه، والرعاية الصحيحة لهؤلاء الأبناء في كل شئون حياتهم، فالأب هو الحصن الذي يأوي إليه الأبناء في كل وقت؛ ولذلك فإن القرآن قد خلَّد هذه العَلاقة عندما ذكر نداء لقمان -رحمه الله- لابنه، والذي يفيض بكل معاني التربية، فقال تعالى: {وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لاَ تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [لقمان: 13]. وتعالوا معًا ننظر إلى خصوصيَّة العَلاقة الرائعة بين الأب وابنته في موقف الرسول الذي ترويه عائشة -رضي الله عنها- كما في صحيح مسلم : (فعَنْ عَائِشَةَ قَالَتِ اجْتَمَعَ نِسَاءُ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- فَلَمْ يُغَادِرْ مِنْهُنَّ امْرَأَةً فَجَاءَتْ فَاطِمَةُ تَمْشِى كَأَنَّ مِشْيَتَهَا مِشْيَةُ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ « مَرْحَبًا بِابْنَتِي ». فَأَجْلَسَهَا عَنْ يَمِينِهِ أَوْ عَنْ شِمَالِهِ ثُمَّ إِنَّهُ أَسَرَّ إِلَيْهَا حَدِيثًا فَبَكَتْ فَاطِمَةُ ثُمَّ إِنَّهُ سَارَّهَا فَضَحِكَتْ أَيْضًا فَقُلْتُ لَهَا مَا يُبْكِيكِ فَقَالَتْ مَا كُنْتُ لأُفْشِىَ سِرَّ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- . فَقُلْتُ مَا رَأَيْتُ كَالْيَوْمِ فَرَحًا أَقْرَبَ مِنْ حُزْنٍ. فَقُلْتُ لَهَا حِينَ بَكَتْ أَخَصَّكِ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- بِحَدِيثِهِ دُونَنَا ثُمَّ تَبْكِينَ وَسَأَلْتُهَا عَمَّا قَالَ فَقَالَتْ مَا كُنْتُ لأُفْشِىَ سِرَّ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-. حَتَّى إِذَا قُبِضَ سَأَلْتُهَا فَقَالَتْ إِنَّهُ كَانَ حَدَّثَنِي « أَنَّ جِبْرِيلَ كَانَ يُعَارِضُهُ بِالْقُرْآنِ كُلَّ عَامٍ مَرَّةً وَإِنَّهُ عَارَضَهُ بِهِ فِي الْعَامِ مَرَّتَيْنِ وَلاَ أُرَانِي إِلاَّ قَدْ حَضَرَ أَجَلِى وَإِنَّكِ أَوَّلُ أَهْلِي لُحُوقًا بِي وَنِعْمَ السَّلَفُ أَنَا لَكِ ». فَبَكَيْتُ لِذَلِكِ ثُمَّ إِنَّهُ سَارَّنِي فَقَالَ « أَلاَ تَرْضَيْنَ أَنْ تَكُونِي سَيِّدَةَ نِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ أَوْ سَيِّدَةَ نِسَاءِ هَذِهِ الأُمَّةِ ». فَضَحِكْتُ لِذَلِكِ ) . هكذا كانت تربية الرسول لابنته، تربية قائمة على الحبِّ والعطف والحنان. أمَّا عند وفاة إبراهيم ابن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقد تجلَّت عظمته ، وظهرت مشاعر الأب الجياشة تجاه ولده ففي سنن ابن ماجة ) قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « تَدْمَعُ الْعَيْنُ وَيَحْزَنُ الْقَلْبُ وَلاَ نَقُولُ مَا يُسْخِطُ الرَّبَّ لَوْلاَ أَنَّهُ وَعْدٌ صَادِقٌ وَمَوْعُودٌ جَامِعٌ وَأَنَّ الآخِرَ تَابِعٌ لِلأَوَّلِ لَوَجَدْنَا عَلَيْكَ يَا إِبْرَاهِيمُ أَفْضَلَ مِمَّا وَجَدْنَا وَإِنَّا بِكَ لَمَحْزُونُونَ » ،
وفي سنن ابن ماجة (عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ لَمَّا قُبِضَ إِبْرَاهِيمُ ابْنُ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ لَهُمُ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- « لاَ تُدْرِجُوهُ فِي أَكْفَانِهِ حَتَّى أَنْظُرَ إِلَيْهِ ». فَأَتَاهُ فَانْكَبَّ عَلَيْهِ وَبَكَى ) . وكما أحب رسول الله صلى الله عليه وسلم أولاده فقد اهتمَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بأحفاده وأحبهم ، وعنى باختيار أجمل الأسماء لهم، ففي مسند أحمد (عَنْ عَلِىٍّ قَالَ لَمَّا وُلِدَ الْحَسَنُ سَمَّيْتُهُ حَرْباً ،فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ « أَرُونِي ابْنِى مَا سَمَّيْتُمُوهُ ». قَالَ قُلْتُ حَرْباً. قَالَ « بَلْ هُوَ حَسَنٌ ». فَلَمَّا وُلِدَ الْحُسَيْنُ سَمَّيْتُهُ حَرْباً فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ « أَرُونِي ابْنِى مَا سَمَّيْتُمُوهُ ». قَالَ قُلْتُ حَرْباً. قَالَ « بَلْ هُوَ حُسَيْنٌ ». فَلَمَّا وُلِدَ الثَّالِثُ سَمَّيْتُهُ حَرْباً فَجَاءَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ « أَرُونِي ابْنِى مَا سَمَّيْتُمُوهُ ». قُلْتُ حَرْباً. قَالَ « بَلْ هُوَ مُحَسِّنٌ ». وكان صلى الله عليه وسلم من شدَّة حُبِّه ولهفته على أحفاده يقطع احيانا خطبته من أجل أن يضمهم إلى صدره الحنون ، ويشملهم بعطفه وحبه وشفقته وحنانه ، فقد روى ابن ماجة : (قال عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بُرَيْدَةَ أَنَّ أَبَاهُ حَدَّثَهُ قَالَ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَخْطُبُ فَأَقْبَلَ حَسَنٌ وَحُسَيْنٌ عَلَيْهِمَا قَمِيصَانِ أَحْمَرَانِ يَعْثُرَانِ وَيَقُومَانِ فَنَزَلَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- فَأَخَذَهُمَا فَوَضَعَهُمَا فِي حِجْرِهِ ،فَقَالَ « صَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ (إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلاَدُكُمْ فِتْنَةٌ) رَأَيْتُ هَذَيْنِ فَلَمْ أَصْبِرْ ». ثُمَّ أَخَذَ فِي خُطْبَتِهِ ). وكذا كان حُبُّه صلى الله عليه وسلم لبقيَّة أحفاده، فقد كان يُصَلِّي وهو حامل أُمامة بنت ابنته زينب -رضي الله عنها- ففي الصحيحين : (عَنْ أَبِى قَتَادَةَ الأَنْصَارِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – كَانَ يُصَلِّى وَهْوَ حَامِلٌ أُمَامَةَ بِنْتَ زَيْنَبَ بِنْتِ رَسُولِ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – وَلأَبِي الْعَاصِ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ ، فَإِذَا سَجَدَ وَضَعَهَا ، وَإِذَا قَامَ حَمَلَهَا) ، وفي صحيح مسلم : (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ خَرَجْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فِي طَائِفَةٍ مِنَ النَّهَارِ لاَ يُكَلِّمُنِي وَلاَ أُكَلِّمُهُ حَتَّى جَاءَ سُوقَ بَنِى قَيْنُقَاعَ ثُمَّ انْصَرَفَ حَتَّى أَتَى خِبَاءَ فَاطِمَةَ ،فَقَالَ « أَثَمَّ لُكَعُ أَثَمَّ لُكَعُ ». يَعْنِى حَسَنًا فَظَنَنَّا أَنَّهُ إِنَّمَا تَحْبِسُهُ أُمُّهُ لأَنْ تُغَسِّلَهُ وَتُلْبِسَهُ سِخَابًا فَلَمْ يَلْبَثْ أَنْ جَاءَ يَسْعَى حَتَّى اعْتَنَقَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ ،فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « اللَّهُمَّ إِنِّي أُحِبُّهُ فَأَحِبَّهُ وَأَحْبِبْ مَنْ يُحِبُّهُ ». وها هو ذا رسول الله يخرج على المسلمين في إحدى صلاتي الْعَشِيِّ -الظهر أو العصر- وهو حاملٌ أحدَ ابنيه: الحسن أو الحسين، فتقدَّم رسول الله فوضعه عند قدمه اليمنى، فسجد رسول الله سجدةً أطالها، قال أَبِي : فرفعتُ رأسي من بين الناس، فإذا رسول الله ساجد، وإذا الغلام راكب على ظهره فعُدْتُ فسَجَدْتُ، فلمَّا انصرف رسول الله ، قال الناس: يا رسول الله، لقد سجدْتَ في صلاتكَ هذه سجدةً ما كنتَ تسجدها، أ فشيء أُمِرْتَ به؟ أو كان يُوحى إليكَ؟ قال: “كُلُّ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ، وَلَكِنَّ ابْنِي ارْتَحَلَنِي، فَكَرِهْتُ أَنْ أُعَجِّلَهُ حَتَّى يَقْضِيَ حَاجَتَهُ” رواه الحاكم في المستدرك. ولم تكن هذه المواقف مواقف عابرة في حياته ، ولكنها كانت صفة أصيلة من صفاته ؛ صلى الله عليه وسلم ، ولذلك يُرْوَى في الصحيحين (أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ – رضى الله عنه – قَالَ قَبَّلَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – الْحَسَنَ بْنَ عَلِىٍّ وَعِنْدَهُ الأَقْرَعُ بْنُ حَابِسٍ التَّمِيمِيُّ جَالِسًا .
فَقَالَ الأَقْرَعُ إِنَّ لِي عَشَرَةً مِنَ الْوَلَدِ مَا قَبَّلْتُ مِنْهُمْ أَحَدًا . فَنَظَرَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – ثُمَّ قَالَ « مَنْ لاَ يَرْحَمُ لاَ يُرْحَمُ » . ومع ذلك فلم يكن هذا الحبُّ العظيم من النبي محمد صلى الله عليه وسلم لأولاده وأحفاده يدفعه إلى الجور على المسلمين من أجلهم، ففي الصحيحين (عَلِىٌّ أَنَّ فَاطِمَةَ – عَلَيْهَا السَّلاَمُ – اشْتَكَتْ مَا تَلْقَى مِنَ الرَّحَى مِمَّا تَطْحَنُ ، فَبَلَغَهَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – أُتِىَ بِسَبْىي ، فَأَتَتْهُ تَسْأَلُهُ خَادِمًا فَلَمْ تُوَافِقْهُ ، فَذَكَرَتْ لِعَائِشَةَ ، فَجَاءَ النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – فَذَكَرَتْ ذَلِكَ عَائِشَةُ لَهُ ، فَأَتَانَا وَقَدْ دَخَلْنَا مَضَاجِعَنَا ، فَذَهَبْنَا لِنَقُومَ فَقَالَ « عَلَى مَكَانِكُمَا » حَتَّى وَجَدْتُ بَرْدَ قَدَمَيْهِ عَلَى صَدْرِي فَقَالَ « أَلاَ أَدُلُّكُمَا عَلَى خَيْرٍ مِمَّا سَأَلْتُمَاهُ ، إِذَا أَخَذْتُمَا مَضَاجِعَكُمَا فَكَبِّرَا اللَّهَ أَرْبَعًا وَثَلاَثِينَ ، وَاحْمَدَا ثَلاَثًا وَثَلاَثِينَ ، وَسَبِّحَا ثَلاَثًا وَثَلاَثِينَ ، فَإِنَّ ذَلِكَ خَيْرٌ لَكُمَا مِمَّا سَأَلْتُمَاهُ » هكذا كان يُعَلِّمُ رسول الله أولاده، يُعَلِّمهم أنه لن يحابيهم -رغم محبته الشديدة لهم- على حساب المسلمين، بل ويعلمهم -كذلك- أن يرتبطوا بالله فهو خير مُعين على كل أعمالهم، فالاستعانة به وحده سبحانه وتعالى تُسْعِد الإنسان في حياته وآخرته.
ونلتقي في اللقاء القادم إن شاء الله مع صور من معاملات الرسول صلى الله عليه وسلم وأخلاقه مع أرحامه وأقاربه ومع أصحابه
الدعاء